الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُقحم عليهم البلاد؛ فهرب أكثرهم إلى مدينة طليطلة، وتركوا مدائن الأندلس وراءهم قليلة الأهل.
وقدم يليان على طارق من الخضراء مشتقره؛ فقال له: (قد فتحت الأندلس؛ فخذ من أصحابي أدلاء، ففرق معهم جيوشك وسر أنت إلى مدينة طليطلة!) ففرَّق جيوشه من إسنجة.
ذكر ما افتتح طارق بن زياد من بلاد الأندلس
سنة 92 من الهجرة
أوَّل فتوحاته جبل الفتح المسمى بجبل طارق، وذلك لما جار المسلمون ونزلوا في المرسى، وهم عرب وبربر، حاولوا الطلوع في الجبل، وهو حجارة حرش؛ فوطئوا الدواب بالبراذع وطلعوا عليها؛ فلما حصلوا في الجبل، بنوا سورا على أنفسهم يسمى سور العرب. وقيل إنهم فتحوا من حينهم حصن قرطاجنة، وكان في سفح هذا الجبل من نظر الجزيرة الخضراء. فلما بلغ ذلك ملوك الأندلس، نفروا إلى رذريق، وكان جباراً طاغية؛ فاستقر النصرانية. فقيل إنه بعث إلى المسلمين الجيش بعثا بعد بعث؛ فكانوا عند كل لقاء يهزمون ويقتلون. فقوى المسلمون، وركب رجالهم، وانتشروا في البلاد. وبعد هذا زاحفهم رذريق بنفسه. وقال آخرون بل زاحفهم لأول مرة بنفسه. ثم اختلفوا أيضا كم أيام المزاحفة التي أعقبها الفتج وانهزم آخرها رذريق؛ فقيل: يوم كامل، وقيل: يومان، وقيل: ثلاثة، وقيل: ثمانية؛ واختلفوا هل ظفر برأس رذريق أم لا؛ فقيل: ظفر به، وقيل: مات غريقا.
فتح قُرطُبة
بعث طارق مغيثاً، مولى عبد الملك بن مروان، من لإسنجة إلى قرطبة في سبعمائة فارس، وهي من مدنهم العظام؛ ولم يكن معه راجل إذ كان الرجال
قد ركبوا. فلما بلغ مغيث شقندة وقرية طرسيل، وهي على ثلاثة أميال من قرطبة، بعث الأدلاء كي يلقون من عنده خبر؛ فألقوا راعي غنم، فأتوا به إلى مغيث، وهو في الغيضة؛ فسأله عن قرطبة؛ فقال له:(انتقل. عنها عظماء أهلها، ولم يبق فيها إلَاّ بطريقها في أربعمائة فارس من حماتهم مع ضعفاء أهلها.) ثم سأله عن حصانة سورها؛ فأخبره أنه حصين، إلا أن فيه ثغرة فوق باب الصورة، وهو باب القنطرة، ووصف لهم الثغرة.
فلما جنَّ الليل، تحرك مغيث بمن معه، وعبروا النهر، وقابلوا السور، وراموا التعلق به؛ فتعذر عليهم؛ فرجعوا إلى الراعي، وأتوا به معهم؛ فدلهم على الثغرة؛ فراموا التعلق بها؛ فصعب عليهم، حتى صعد رجل من المسلمين في دروتها، ونزع مغيث عمامته، فناوله طرفها، وارتقوا بها حتى كثروا بالسور؛ ثم جاء مغيث إلى باب القنطرة، وهي يومئذ مهدومة، وأمر أصحابه بالحوم على أحراس السور، فكسروا الأقفال، ودخل مغيث بمن معه. فلما بلغ الملك الذي بها دخولهم. خرج في كماة أصحابه، وهم نحو الأربعمائة؛ فدخلوا كنيسة بغربي المدينة؛ فتحصنوا فيها؛ فحاصرهم مغيث، وكتب إلى طارق بالفتح. وتمادى على حصار العلوج في الكنيسة المذكورة ثلاثة أشهر. فبينا هو ذات يوم جالس إذ قيل له:(خرج العلج - يعني الملك - هاربا وحده، وهو ينوي التحصين في جبل قرطبة، ليلحق به أصحابه!) فأتبعه مغيث وحده دون أحد من أصحابه؛ فلما برز له وأبصره هاربا، وتحته فرس أصفر، وهو يتبعه، خرج من طريقه؛ فأتى خندقا؛ فوثب به الفرس، وسقط في الخندق، واندقت عنقه؛ فأقبل مغيث، والعلج جالس على ترسه مستأسرا؛ فأسره. ولم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن منهم من عقد لنفسه أمانا، ومنهم من هرب إلى أقاصي البلاد مثل حليفية وغيرها. ورجع مغيث إلى بقية العلوج؛ فاستنزلهم أسراً، وضربت أعناقهم صبراً؛ وسميت كنيسة الأسرى. وأبقى العلج صاحب قرطبة، ليقدم به على أمير المؤمنين.