المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطالعة أمير المؤمنين الناصر لببشتر في الشتاء - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب - جـ ٢

[ابن عذاري المراكشي]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر صِفة الأندلس وأوَّليَّتها

- ‌ذكر دخول المسلمين إلى الأندلس

- ‌وانتزاعها من أيدي الكفار

- ‌ذكر ما افتتح طارق بن زياد من بلاد الأندلس

- ‌سنة 92 من الهجرة

- ‌فتح قُرطُبة

- ‌فتح مالقة

- ‌فتح غرناطة قاعدة البيزة

- ‌فتح مرسية

- ‌فتح طُليطُلة

- ‌فتح قَرْمُونَة

- ‌فتح إشبيلية

- ‌فتح ماردة

- ‌فتح إشبيلية ثانية

- ‌فتح لبلة

- ‌ذكر اجتماع الأمير أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

- ‌مع مولاه طارق بن زياد على طليطلة

- ‌ذكر ما أفاء الله على فاتحي الأندلس

- ‌أخبار الأمير أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

- ‌رحمه الله تعالى

- ‌ولاية عبد العزيز بن موسى بن نصير

- ‌ذكر ولاية أيوب بن حبيب الأندلس

- ‌ولاية الحرّ بن عبد الرحمن الثَّقفيّ

- ‌ولاية السَّمح بن مالك الخولانيّ

- ‌ولاية عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي الأندلس

- ‌ولاية عنبسة بن سُحيم الكلبي

- ‌ولاية يحيى بن سلمة الكلبي

- ‌ولاية حذيفة بن الأحوص

- ‌ولاية عثمان بن أبي نسعة

- ‌ولاية الهيثم بن عبيد الكناني

- ‌ولاية محمد بن عبد الله الأشجعي

- ‌ولاية عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي ثانية

- ‌ولاية عبد الملك بن قطن

- ‌ولاية عقبة بن الحجاج السَّلولي

- ‌ولاية عبد الملك بن قطن الفهري ثانية

- ‌ذكر ولاية بلج بن يسر القشيري الأندلس

- ‌مقتل عبد الملك بن قطن الفهري

- ‌ولاية ثعلبة بن سلامة العامليّ الأندلس

- ‌ذكر ولاية أبي الخطار

- ‌الحسام بن ضرار الكلبي الأندلس

- ‌ذكر الصميل بن حاتم وسبب الفتنة

- ‌ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري الأندلس

- ‌مقتل أبي الخطَّار

- ‌تسمية من ثار على يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالأندلس

- ‌جامع أخبار بني أمية بالمشرق

- ‌ذكر دخول عبد الرحمن بن معاوية

- ‌ابن هشام إلى الأندلس وهروبه من الشام

- ‌خلافة عبد الرحمن بن معاوية

- ‌ابن هشام بن عبد الملك

- ‌ذكر بعض أخباره على الجملة

- ‌خلافة هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل

- ‌ذكر بعض أخباره على الجملة

- ‌قصة الكناني مع هشام بن عبد الرحمن

- ‌خلافة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن

- ‌مقتل أهل الربض أولا قبل هيجه ثانية

- ‌ذكر دخول الحكم طليطلة حين خالفت عليه

- ‌ذكر هيج أهل الربض ثانية في سنة 202

- ‌بعض أخباره وسيره

- ‌خلافة عبد الرحمن بن الحكم بن هشام

- ‌دخول المجوس إشبيلية في سنة 230

- ‌ذكر بعض أخباره على الجملة وسيره

- ‌خلافة محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام

- ‌وفيها كانت بالأندلس مجاعة عظيمة متوالية

- ‌بعض أخباره وسيره

- ‌بعض سيره وأخباره

- ‌خلافة عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم

- ‌ذكر ثورة بني حجاج بإشبيلية

- ‌أخبار عمر بن حفصون في أيام الأمير عبد الله

- ‌جملة الثُّوَّار ببلاد الأندلس في أيام الأمير عبد الله

- ‌الخارجين عن الجماعة المضرمين لنار الفتنة

- ‌شأن ابني الأمير عبد الله محمد ومطرف

- ‌شأن القاسم أخي الأمير عبد الله

- ‌صفة الإمام عبد الله بن محمد

- ‌بعض أخبار الأمير عبد الله بن محمد على الجملة

- ‌ الناصر لدين الله

- ‌خلافة أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد

- ‌ذكر موت عمر بن حفصون

- ‌غزوة مطونية

- ‌غزاة الناصر لدين الله إلى بلدة

- ‌غزاة مويش

- ‌غزاة الناصر إلى بنبلونة

- ‌ذكر قتل سليمان بن حفصون

- ‌ذكر افتتاح مدينة ببشتر

- ‌مطالعة أمير المؤمنين الناصر لببشتر في الشتاء

- ‌بعض أخبار الناصر على الجملة

- ‌‌‌حكاية

- ‌حكاية

- ‌ذكر مسجد قرطبة الأعظم

- ‌ذكر بناء مدينة الزهراء بقرطبة

- ‌أعادها الله للإسلام بفضله

- ‌خلافة الحكم بن عبد الرحمن المستنصر بالله

- ‌ذكر الحبس الذي حبس المستنصر بالله على الجامع بقرطبة

- ‌ذكر اتصال محمد بن أبي عامر بخدمة الحكم المستنصر

- ‌خلافة هشام بن الحكم

- ‌ابن عبد الرحمن الناصر والدولة العامرية

- ‌بعض أخبار المنصور محمد بن أبي عامر في ابتدائه

- ‌مقتل المغيرة بن عبد الرحمن الناصر

- ‌بعض أخبار الصقالبة مع ابن أبي عامر

- ‌غزوة محمد بن أبي عامر الأولى

- ‌ذكر نكبة الحاجب جعفر بن عثمان

- ‌غزوة ابن أبي عامر الثانية

- ‌غزوة ابن أبي عامر الثالثة

- ‌استبداد ابن أبي عامر بالملك وتغلبه عليه

- ‌ذكر تدبير عبد الرحمن بن مُطرف

- ‌مع عبد الله بن المنصور في القيام عليه

- ‌ذكر مقتل عبد الله المنصور

- ‌غزوة شنت ياقوب على سبيل الاختصار

الفصل: ‌مطالعة أمير المؤمنين الناصر لببشتر في الشتاء

لخلف بن بكر صاحب أكشونية أموالا وعدة وسلاحا؛ فغنم ذلك الحشم وأهل العسكر، وصار لهم نقلا. ثم تلقى رسل خلف بن بكر أمير المؤمنين، مظهرا للإنابة، وملتزما للطاعة، ومتوسلا ببعد الدار والقاصية، وأخرج إلى الناصر النزائل، وأقام له الوظائف، والتزم إدرار الجباية الكاملة؛ وأظهر أهل ذلك الجانب فيه رغبة شديدة، ووصفوه بسيرة حميدة، فأقره الناصر عليهم، وفرض عليه من الجباية ما التزم إيراده له في كل عام، وعهد إليه بحسن السيرة، والرفق بالرعية، وألا يقبل نازعا، ولا يكتنف هاربا؛ فالتزم جميع ما أمر به، ووقف عندما حد له.

وقفل الناصر عن مدينة أكشونبة يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، ودخل القصر بقرطبة يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، وقد استتم في غزاته ثلاثة وتسعين يوما.

‌مطالعة أمير المؤمنين الناصر لببشتر في الشتاء

وفي هذه السنة، كانت للناصر خرجة من قصر الناعورة، طالعا لببشتر ومعاينا لما قام من البنيان بها، وما تم من ترتيبه فيها. وكان خروجه من منية الناعورة يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، ونزوله بجبل ببشتر يوم الخميس لعشر بقين منه. فدخل المدينة، وجال فيها، وأحكم ما له قصد من أمرها؛ ثم صدر عنها في اليوم الثاني، ودخل القصر بالناعورة يوم الثلاثاء لأربع بقين من شوال؛ وكانت مدَّة توجهه وانصرافه ثلاثة عشر يوما.

وترددت الفتوحات في هذا العام بوقائع كانت على أهل بطليوس؛ وبعث أحمد بن إسحاق من أهلها بسبعين أسيرا، وقتلوا صبرا بين يدي قصر قرطبة.

وافتتحت فيه مدينة شاطبة من بلنسية، واستنزل عنها عامر بن أبي جوشن على يدي دريّ بن عبد الرحمن صاحب الشرطة؛ واشترط عامر بسكنى شنت برية، حتى يأخذ في انتقال ثقله وعياله إلى قرطبة.

وفي هذه السنة، ولي الناصر عبد الملك بن عمر بن شهيد، وعيسى بن أحمد

ص: 201

ابن أبي عبدة الوزارة، وسعيد بن سعيد بن حدير الشرطة الوسطى؛ ولم تكن قبل هذه الخطة؛ وفيها، ولي خالد بن أمية بن شهيد الخزانة ولاية ثانية، وولي عبد الرؤوف بن أحمد بن عبد الوهاب خطة العرض.

وفي سنة 318، كان افتتاح مدينة بطليوس وذلك أن أهلها وابن مروان صاحبها، لما أخذهم الحصار، وطاولتهم الحرب، وفنى رجالهم، واستبيحت نعمهم، وقطعت ثمراتهم، ورأوا عزما لا فترة فيه، وجدا لا بقاء لهم عليه، استأمنوا الناصر، وعاذوا بصفحه؛ فأوسعهم ما أوسع أمثالهم قبلهم. واستنزل ابن مروان الجليقي وأهله، وذوى الشوكة من صحبه، وأسكنهم قرطبة، وألحقهم في الملاحق السنية؛ وملك المدينة وولاها عماله، وصارت بسيل كوره.

وفيها، أخرج الناصر لدين الله أهل الثقة من خدمته، والأمانة والتصحيح من فقهاء مصره إلى أهل طليطلة، معذرا إليهم، داعيا لهم إلى الطاعة والدخول فيما صارت إليه الجماعة، إذ كانوا لا يؤدون جباية، ولا يلتزمون طاعة، ولا يتناهون عن منكر ولا معصية؛ فازوا بمعاذير المخادعة، وجاوبوا الناصر بما لم يضغ إليه من غشهم وتمريضهم؛ فاستعزم على غزوهم، وشمر لمناهضتهم وإنزال بأسه بهم. وبرز للغزو في الصائفة إليهم في صدر ربيع الآخر سنة 318، وفي شهر نيسان من العام المؤرخ. وقدم الوزير سعيد بن المنذر إلى مدينة طليطلة في جيش كثير وعدد جم، وأمره بالاحتلال عليها والمحاصرة لها، حتى يلحق الناصر بجيوشه وصنوف حشمه بها. فخرج إليها الوزير يوم السبت لثمان بقين من ربيع الآخر، وأغذ السير نحوها، حتى نزل بساحتها. وأخذ في ما حد له من محاصرتها بأبلغ عزم وأتم حزم؛ ثم فصل أمير المؤمنين إلى مدينة طليطلة يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الأولى، وهو التاسع عشرين من أيار؛ وأغزى مع نفسه ولي عهده الحكم المستنصر بالله ومنذرا ابنه؛

ص: 202

وتخلف في القصر أبنه عبد العزيز لتنفذ الكتب إليه، ومن الوزراء أحمد بن محمد بن حدير، وعلى المدينة أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرؤوف.

فلما احتل رحمه الله في طريقه بمحلة الغدر، وقرب من حصن مورة الذي كان اتخذه أهل طليطلة شجا على المسلمين ومسترحا للمفسدين، وقدموا عليه منهم مطرف بن عبد الرحمن بن حبيب، قدم إليه من أنذره وخوفه، وأمره بالخروج عن الحصن وإسلامه. فبدر إلى ذلك بدرا لم يجد منه بدا، ولا في الامتناع طمعا؛ ونزل عن الحصن. وأمر الناصر بضبطه؛ ثم نهض بجيوشه المؤيدة، وعزيمته الماضية، حتى احتل محلة جرنكش بقرب طليطلة، وذلك يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولي. فأشرف من محلته هذه على سهلة طليطلة ونهرها، وأجنتها وكرومها؛ ودبر رأيه في أمكن المواضع من محاصرتها، وأقرب الجهات الآخذة بمخنق أهلها؛ فرأى النزول بمحلة المقبرة على باب المدينة أبلغ في النكاية، وأشد في المضايقة؛ فارتحل إليها في اليوم الثاني، وأخذ في نكاية العصاة، بما لم يجر لهم على ظن) . وأقام بهذه المحلة سبعة وثلاثين يوما، يوالي فيها بنكايتهم، وقطع ثمراتهم، وتخريب قراهم، وانتساف نعمهم، وتحطيم زروعهم. ثم أمر بالبنيان في جبل جرنكش لمدينة سماها بالفتح، وأرتب لبنيانها سعيد بن المنذر الوزير، وأمر بنقل الأسواق إليها، والتمدين لها، لتكثر مرافق أهل العسكر بها؛ وأرتب محمد بن سعيد بن المنذر على باب القنطرة في جمل من الحشم، وعهد إليهما بالاستبلاغ في محاربة القوم. وقدم على الناصر بمحلته على طليطلة صاحب حصن قنيلش وصاحب حصن الفهمين، معتصمين بطاعته؛ فأمر بنقلهما إلى قرطبة، والتوسع عليهما، ومكافأة نزوعهما وقصدهما. ثم قفل الناصر عن مدينة طليطلة يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة، ودخل القصر بقرطبة يوم الأثنين لأربع خلون من رجب، وقد استتم في غزاته أحدا وستين يوما.

وفي هذه السنة، ولي المواريث طرفة بن عبد الرحمن صاحب المطبخ؛ وولي خزانة السلاح أحمد بن أبان بن هاشم، وحفص بن سعيد بن جابر.

ص: 203

وفيها، مات الناصر ابن يسمى بمحمد. وفيها، مات أمية بن محمد بن أمية ابن عيسى بن شهيد. وفيها، توفي هاشم بن محمد النجيبي. وفيها، توفي محمد بن إبراهيم بن الجباب الفقيه، صاحب الوثائق، يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رمضان؛ وتوفي صهيب بن منيع قاضي إشبيلية؛ وتوفي أبو غالب مروان بن عبيد الله بن بسيل.

وفي سنة 319، أبرز السرادق والأبنية إلى المضطرب المعروةف بفحص السرادق بجوني النهر الأعظم؛ ثم برز الناصر إلى هذه المحلة لغزاة نواها إلى مدينة طليطلة؛ ولم يتم عزمه عليها إذ استغنى بالقواد المرتبين على المدينة، المحاصرين لأهلها؛ وأكتف للقواد بها الخيل والعدة، وأمدهم بالسلاح، وأكد بصائرهم في الجد والعزم والاستبلاغ في نكاية المفسدين المغترين من أهلها.

وفي سنة 319، كاتب موسى بن أبي العافية، صاحب الغرب، أمير المؤمنين الناصر، ورغب في موالاته، والدخول في طاعته، وأن يستميل له أهواء أهل الغرب المجاورين له؛ فتقبله أحسن قبول، وأمده بالخلع والأموال، وقوى أيده على ما كان يحاوله من حرب ابن أبي العيش وغيره. فظهر أمر موسى من ذلك الوقت في الغرب، وتجمع له كثير من قبائل البربر، وتغلب على مدينة جراوة، وأخرج عنها الحسن بن أبي العيش بن إدريس العلوي؛ وجرت بينهما حروب عظيمة.

وفيها، افتتح الناصر مدينة سبتة؛ فشكها بالرجال، وأتقنها بالبنيان. وبنى سورها بالكذان، وألزم فيها من رضيه من قواده وأجناده؛ وصارت مفتاحا للغرب والعدوة من الأندلس، وباب إليها كما هي الجزيرة وطريف مفتاح الأندلس من العدوة. وقامت الخطبة فيها باسم أمير المؤمنين الناصر، لثلاث خلون لربيع الأول من العام المؤرخ.

وفيها، اتصل بالقواد المحاصرين لطليطلة أنَّ العدو بذلك الجانب عملوا على الخروج لافتراض غرَّة في بعض ثغور المسلمين؛ فنفر إليهم الوزير أحمد بن

ص: 204

محمد بن حدير من قرطبة في جملة من الحشم ومن خف من المسلمين؛ فلما بلغ أعداء الله خروجه، توقفوا عن حركتهم، وقرُّوا في بلادهم؛ وكفى الله المؤمنين معرتهم. فبلغ القائد أحمد بن محمد بن حدير طليطلة، ونازلها مع القواد المرتبين فيها.

وفيها، خرج بالأسطول أحمد بن محمد بن إلياس، ويونس بن سعيد قائدين في البحر، يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولي، في عدة، ومراكب جملة، ورجال كثير، وصنوف من البحريين والمقاتلين؛ فجازا مرسى الجزيرة، واحتلا العدوة، وحاصروا ابن أبي العيش، إذ كان على مخالفة لمن دخل في طاعة أمير المؤمنين من أهلها، ومحاربة لموسى بن أبي العافية وليه ومقيم دعوته والداخل في طاعته؛ ثم حال الشتاء بينهما وبين التمادي على الحصار والمطاولة؛ فقفلا بالأسطول ومن فيه.

وفيها، عزل أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرؤوف عن المدينة، وقدم إلى الوزارة؛ وولي المدينة يحيى بن يونس القبرسي وذلك في غرة جمادى الأولي. ثم عزل يحيى بن يونس عنها، وكانت فيه حدة ومحارجة لأهل الجرم، ووليها عبد الحميد بن بسيل الوزير في شوال.

وفيها، ولي خطة العرض عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرؤوف، وولي الضياع محمد بن عبد الله بن مضر، وعبد الله بن معاوية بن بزيل مشتركين.

وفيها، ولي الناصر، من تحت يدي ولي العهد المستنصر بالله، أحمد بن هاشم بن أحمد بن هاشم مولاه عمالة عبلة وفنيانة من إلبيرة.

وفيها، مات أبو الجعد أسلم بن عبد العزيز بن هاشم بن خالد بن عبد الله بن خالد بن عبد الله بن حسين بن جعد بن أسلم بن أبان بن عمرو مولي عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وكان قاضي الجماعة بقرطبة، وله رحلة وسماع؛ وكانت فيه صلابة وإنفاذ للحق على وجوهه؛ وعزل عن القضاء قبل وفاته إذ أخذه

ص: 205

الكبر، وضعف عن القعود للأحكام؛ وكانت وفاته يوم الأربعاء لست خلون من شعبان، وهو ابن سبع وثمانين سنة.

ومات في هذا العام فضل بن سلمة الفقيه البجاني، وكان له سماع وتأليف حسن؛ وتوفي محمد بن فطيس الفقيه المحدث بإلبيرة؛ وتوفي أحمد بن حامد الزجالي في جمادى الأولى.

وفيها، ماتت السيدة ابنة الإمام عبد الله لثمان بقين من ذي الحجة؛ وكانت قد نافرت أمير المؤمنين الناصر أيام حداثته وقبل إفضاء الخلافة إليه، وهو حينئذ ولد في القصر بين يدي الإمام عبد الله جده؛ وطالبته وآذنه عند أبيها عبد الله الإمام؛ فلما ولي الناصر، لم تشك في معاقبته لها، ومجازاته لسوء معاملتها؛ فكان الأمر على خلاف ظنها؛ وقرب الناصر مكانها، ورفع منزلتها، واختصها في جملة من اختص من أهله وبنات أعمامه، حتى صارت أقربهن محلا منه.

وفيها، توفي عبيد الله بن فهر، وكان متصرفا في العمالات والقيادة، وذلك يوم السبت لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة.

وفي سنة 320، كان غزو الناصر إلى مدينة طليطلة، غزاته الثانية التي فتحت فيها عليه، فبرز لهذه الغزاة في صدر جمادى الآخرة سنة 320، في شهر حزيران من العام المؤرخ، وفصل يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، وهو اليوم الحادي عشر من تموز، مع وليّ عهده الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين. وتخلف في القصر ابنه عبد العزيز لتنفذ الكتب إليه؛ ومن الوزراء أحمد بن محمد بن حدير، وعبد الحميد بن بسيل، وكان صاحب المدينة.

وكان أهل طليطلة، لما أخذهم الحصار، واشتد عليهم التضييق، ولازمهم القواد، قد استجاشوا بالمشركين، واستنجدوهم، ورجوا نصرهم لهم؛ فلم يغنوا عنهم فتيلا، ولا كشفوا عنهم عذابا، ولا جلبوا إليهم إلا خزيا وهوانا. وخرج الفؤاد المحاصرون لهم إلى الكفرة؛ فهزموهم، وفرقوا جموعهم، وانصرفوا مولين

ص: 206

على أعقابهم، خاذلين لمن انتصر بهم، ورجا الغياث من قبلهم. فلما يئس أهل طليطلة أن ينصرهم أحد من بأس الله الذي عاجلهم، وانتقامه الذي طاولهم، عاذوا بصفح أمير المؤمنين، وسألوه تأمينهم، وضرعوا إليه في اغتفار ذنوبهم؛ فخرج لاستنزال أهل طليطلة، وتوطيد طاعته فيها، وإحكام نظره بها، في التاريخ الذي قدمنا ذكره؛ فنزل عليها بمحلة جرنكش، يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب؛ وقد كان بدر إليه ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث مقدمها، وتلقاه قبل نزوله بها، معترفا بجهله، ومستقبلا من زلته؛ فعفا عنه الناصر، وعاد عليه بفضله. ثم أمن أهل طليطلة، وخرجوا إلى العسكر، ونالوا المرافق فيه، وابتاعوا المعايش التي طال ما أجهدهم عدمها، ومنعهم الحصار منها؛ فعرفوا غبطة ما صاروا إليه من الأمن بعد الخوف، والسعة إثر الضيق، والانبساط بعد طول الانقباض. ثم ركب الناصر إلى مدينة طليطلة في اليوم الثاني من نزوله بمحلته عليها، ودخلها، وجال في أقطارها؛ فرأى من حصانتها، وشرف قاعدتها، وانتظام الأجبل داخل مدينتها، وامتناعها من كل الجهات بواديها ووعرها، وطيب هوائها وجوهرها، وكثرة البشر بها، ما أكثر له من شكر الله عز وجل على ما منحه فيها، وسهل له منها؛ وعلم أنه، لولا ما أخذ به من الجد والعزم في أمرها، لما ملكت مع حصانتها ومنعتها مع اتساعها وانفساح أقطارها، ولما اعتاده أهلها من مداخلة المشركين وموالاتهم، والاستمادا على الخلفاء بهم؛ فكم أعيت الملوك، وامتنعت من العساكر، وانصرفت عنها الصوائف بغير نجح؛ ولكن فضل الله عز وجل الذي أعطاه أمير المؤمنين، وصنعه له، وتأييده إياه أجرى افتتاحها على يديه. ثم دب فيها بناء محكما متقنا، ليكون مستقرا للقواد الملازمين فيها، وزماما على ساكنيها؛ وأرتب على البنيان بها دريّ بن عبد الرحمن قائده، وملأها رجالا وعدة وسلاحا. وركب إليها الناصر، وأمر بهدم ما وجب هدمه في المدينة، وتردد عليها ثمانية أيام حتى أكمل فيها ما دبره، وهذب ما أراده. وفتحت أسوس البنيان الذي أمر به؛

ص: 207

واطمأنت بأهل المدينة الدار، وفتحوا الحوانيت، وانتشروا في الأسواق؛ وانبسطوا في أفنيتهم وأبواب مساجدهم، آمنين، والحمد لله. ثم قفل الناصر عن محلته بطليطلة، يوم السبت لست خلون من شعبان، ودخل القصر بقرطبة يوم السبت لعشر بقين منه، وقد استتم في غزاته ستة وثلاثين يوما.

وفيها، صنع الناصر لضروب رجاله ومواليه وصنوف أجناده وحشمه ممن شاهد فتح طليطلة معه، ووافق ذلك تطهيره لبعض بنيه الأصاغر.

وفيها، عزل عن خزانة المال محمد بن عبد الله بن حدير، وعبد الرحمن ابن عبد الله الزجالي، ونقل أحمد بن عيسى بن أبي عبدة عن الخزانة إلى قيادة بجانة. وأقر من الخزان خالد بن أمية بن شهيد، ومحمد بن جهور بن عبد الملك؛ وولي مكان المعزولين عنها سكن بن إبراهيم، وأحمد بن محمد ابن مستنبر.

وفيها، ولي الخال سعيد بن القاسم خطة العرض.

وفيها، ولي المدينة فطيس بن أصبغ لإحدى عشرة ليلة هلت من شوال.

وفيها، ولي العرض محمد بن قاسم نبن طملس. وفيها، ولي السكة يحيى بن القرسي، وذلك يوم السبت لأربع خلون من شوال؛ وعزل هذا النهار عنها أحمد بن محمد بن موسى بن حدير.

وفيها، توفي أحمد بن أبي نوفل القرشي، وهو أحمد بن محارب بن قطن ابن عبد الواحد بن قطن بن عصمة بن أنيس بن عبد الله بن جحوان بن عمرو بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، وكان منقبضا متزهدا، وبلغ من السن خمسا وسبعين سنة.

وفيها، مات الحاجب موسى بن محمد بن حدير، للنصف من شهر صفر ليلة الأحد، بعد صلاة المغرب، وبلغ من السن خمسا وستين سنة. وفيها، توفي عبيد الله بن عبد الله الزجالي، وكان على المواريث والبنيان، في رمضان،

ص: 208

وهو ابن إحدى وأربعين سنة. وفيها، مات أحمد بن محمد الزجالي، وكان قد تصرف في الخدمة، وله أدوات وحركة؛ وتوفي فيها عمران بن أبي عمر المتطيب، وكان قد كف بصره، وهو من المتظرفين المتطيبين، وصحب الملوك، وخف على أمير المؤمنين الناصر؛ وكان يوصله ويحضره مجالس راحته، وهو أعمى) .

وفي سنة 321، وصل الخبر إلى قرطبة بولاية أبي المنصور بن المعتز مدينة سجلماسة، وهو غلام ابن ثلاث عشرة سنة؛ فمكث في ولايته شهرين، وقام عليه ابن عمه محمد بن الفتح، وأخرجه منها، وتملكها، وتسمى بأمير المؤمنين، وتلقب بالشاكر لله، وذلك بعد مدَّة نحو من عشرين سنة، وضرب الدنانير الشاكرية.

وفي سنة 322، وصل الخبر إلى قرطبة بوفاة أمير إفريقية عبيد الله الشيعي الملقب بالمهدي، وتقدم ولده أبي القاسم المتلقب القائم بأمر الله.

وفي سنة 323، وصل إلى مدسنة فاس ميسور الصقلي قائد أبي القاسم الشيعي أمير إفريقية؛ فحاربه أهل فاس سبعة أشهر، ولم يقدر عليهم؛ ثم حاصر ابن أبي العافية، واستعان عليه ببني إدريس؛ فانجلى ابن أبي العافية إلى الصحراء، وصار جميع ما كان لابن أبي العافية لبني إدريس؛ وقد تقدم خب بني إدريس.

وفي سنة 324، ظهر أبو يزيد مخلد بن كيداد بإفريقية على أبي القاسم الشيعي، وذلك في جبل أوراس، وفيه قلاع كثيرة يسكنها هوارة وغيرهم، وهم على رأي الخوارج.

وفي سنة 325، أمر الناصر ببناء مدينة الزهراء؛ وكان يصرف فيها من الصخر المنجور ستة آلاف صخرة في اليوم، سوى التبليط في الأساس، على ما أذكره بعد.

ص: 209

وفي سنة 327، قام بالغرب الأقصى أبو الأنصار بن أبي عقير البرغواطي بعد موت أبيه؛ وكان يفي بالعهد والوعد، وهو الذي بعثه عقير البرغواطي رسولا إلى الحكم المستنصر بالله، ابن أمير المؤمنين الناصر.

وفي سنة 329، استتم القائد أحمد بن محمد بن إلياس مدينة سكتان، وشحنها بالرجال، وأتخذ فيها الأطعمة والأسلحة؛ فأخرج الناصر إليها أحمد بن بعلي قائدا في ضروب من الحشم، ضمهم إليه؛ فنفذ إليها في صفر من هذه السنة؛ فلما كان في غرة جمادى الأولي منها، وافى فتح من قبل أحمد بن بعلي القائد بسكتان الحديثة؛ بدخول كان له منها إلى جهة من عمل الطاغية ردمير؛ فقتل وسبى وأسر، وأرسل مع كتابه إلى قرطبة مائتي علج أسراء؛ وكان هذا أول فتح لابن بعلي أذل به الطاغية ردمير.

وفي سنة 330، في المحرم من هذه السنة، طلع كوكب الزباني في الأفق الغربي بقرطبة إزاء العقرب، منحرفا عنها، يكاد يتصل بالفلكة العليا في رأي العين؛ وكان أول ليلة لاح فيها للأنصار ليلة السبت لثلاث بقين من المحرم منها، وهي ليلة ست عشرة خلت من أكتوبر؛ وتمادى طلوعه مستعليا مكبرا في السماء حتى توارى.

وفي سنة 331، في يوم الخميس لخمس خلون من صفر منها، دخل الوزير القائد أحمد بن إلياس إلى قرطبة قافلا عن غزاته إلى الثغر التي خرج إليها في عقب شوال من سنة 330 قبلها، إلى ثلاثة أشهر ويومين من خروجه عنها؛ ودخل في سفرته هذه كورة تدمير؛ فأزال الالتباث الواقع من أهلها إزالة، وقدم برهائن بعضهم؛ وكان أثره جميلا.

وفيها، كان المدُّ العظيم بنهر قرطبة، الثالم لقنطرتها.

ص: 210

وفي سنة 332، أغزى الناصر لدين الله القائد أحمد بن محمد بن إلياس إلى جليقية؛ فدخل دار الحرب؛ فغنم، وأحرق جملة من حصونهم هنالك، وقفل راجعا.

وفيها، كانت زلزلة عظيمة بقرطبة، ليلة الأثنين لتسع خلون من ذي القعدة؛ قلم ير قط مثلها ولا سمع من قوتها؛ ووقعت بعد العشاء الآخرة؛ فدامت ساعة؛ ففزع أهل قرطبة لها فزعا شديدا، ولجئوا إلى المساجد فيها، وضجوا بالدعاء إلى الله تعالى في كشفها، حتى أغاثهم وصرفها عنهم. وفي صبح ليلة الزلزلة، هبت ريح عاصف ردفتها أخرى؛ فاقتلعا كثيرا من شجر الزيتون والتين وغيرهما من الأشجار والنخيل، وأطارا كثيرا من قرمد السقف. ونزل إثر ذلك مطر وابل طبق الأرض، وبرد غليظ؛ فقتل كثيرا من الوحش والطير والمواشي، وأتلف ما أصاب من الزرع، وأساء التأثير.

وفي سنة 333، في المحرم، هبت بقرطبة ريح عاصف من ناحية القبلة ونزل برد غليظ.

وفيها، ظهر بأشبونة رجل يزعم أنه من ولد عبد المطلب وأن أمه مريم ابنة فاطمة؛ وادعى مع النسب أنه نبي وأن جبريل ينزل عليه، وسن لاتباعه سننا، وشرع لهم شرائع، منها حلق الرأس وغير ذلك مما لا يعقل؛ ثم وقع عليه البحث، فخفي أثره.

وفيها، أخرج الناصر قاسم بن محمد قائدا إلى عدوة الغرب بحرب بني محمد الأدارسة الحسنيين للذي بدا من خلافهم عليه في هذه السنة، ونقضهم الطاعة، بعد ما قدم الكتب إلى محمد بن الخير عظيم زناته وغيره من ولاته بالغرب، يأمرهم بالاستعداد لذلك والمعونة عليه. وأجاز قاسم البحر إلى سبتة في النصف من ربيع الأول؛ فلما تبين ذلك لكبير بني محمد، وهو أبو العبش بن

ص: 211

عمر بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أسرع إلى تحقيق الطاعة للناصر؛ فعقد له الأمان على نفسه، وانفذ إليه أبنه محمد بن أبي العبش إلى قرطبة، مؤكدا لطاعته؛ فاحتفل السلطان لدخوله احتفالا عظيما، وركب الوافد محمد مع مستقبله من قبل الناصر القائد أحمد بن يعلى في أهبة راقت العيون وملأت الصدور. ووصل إلى قصر الزهراء، وقعد له الناصر أفخم قعود؛ فأوصله إلى نفسه، وأبلغ في تكريمه؛ ثم خرج عنه في مثل الهيئة التي دخل عليها. ودخلت بدخول محمد بن أبي العبش في هذا النهار على الناصر رسل لبني عمه الأدارسة أمراء الغرب. وانعقد في هذا النهار كتاب أمان محمد بن إدريس. ودعا الناصر أيضا محمد بن أبي العبش؛ فبالغ في تكريمه، وأقام بقرطبة بقية هذه السنة في تكرمة. وانصرف الوفد المذكور بعد التزامهم للطاعة للناصر، وذلك فيخبر طويل.

وفي عقب شوال، قدم رسول الخير بن محمد بن خزر الزناني أمير الغرب ومعه رسول حميد بن يصل الزناني، يعرفان الناصر بما كان من دخولهما مدينة تاهرت، وأنهما أقاما فيها الدعوة له.

وفي منسلخ شوال، قدم على الناصر رسولان من أبي يزيد مخلد بن كيداد المعروف بصاحب الحمار، القائم بإفريقية على أبي القاسم الشيعي، برسالة منه يخبر بتغلبه على القيروان ورقادة وعملهما، وإيقاعه بأصحاب الشيعي فيها، وما يعتقده من ولاية الناصر، وياوي إليه من اعتقاد إمامته. واتصلت كتب أبي يزيد ورسله على قرطبة من ذلك الوقت إلى حين وفاته.

وفي سنة 334، جلس الناصر لدين الله لوداع رسل أهل القيروان الواردين عليه من قبلهم وقبل أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني الناجم بأرض إفريقية في ذلك الوقت، محتسبا في جهاد ملوك الشيعة المنتزين على إفريقية من آل

ص: 212

عبيد الله الداعي، وكان له في القيام عليهم وقائع شنيعة؛ فوصلوا إلى الناصر في هذا اليوم، وهم ثلاثة نفر، أوجههم تميم بن أبي العرب التميمي؛ فكلمهم بما تقتضيه رسالتهم، ودفع إليهم أجوبة من أرسلهم، وأذن لهم في الانصراف إلى بلدهم، ووصلهم وكساهم؛ فانطلقوا لسبيلهم.

وفيها، وصل إلى قرطبة رسل ملك الروم الأكبر قسطنطين بن ليون صاحب القسطنطينة العظمى، يكتب من ملكهم إلى الناصر؛ فقعد الناصر على سرير الملك بقصر قرطبة لدخولهم عليه، ولمن تكامل بالباب من وفود البلاد، بعد أن أمر باستقبالهم بالعدد والأجناد. واستوى الناصر على سريره؛ وقعد على يمينه ابنه الحكم؛ وقعد سائر أولاده عن يمينه ويساره؛ وقعد الوزراء والحجاب على منازلهم صفوفا. فدخل الرسل، وقد قدموا الهدايا بين أيديهم، وقد دهشوا لهول ما عاينوه من جلالة الملك ووفور الجمع؛ فصقعوا بين يدي الخليفة؛ فأشار إليهم أن لَاّ؛ فدفعوا إليه كتاب مرسلهم قسطنطين. وكان الكتاب مصبوغا بلون سماءي، مكتوبا بالذهب.

وفيها، كان السيل العظيم بقرطبة؛ وبلغ الماء في البرج المعروف ببرج الأسد؛ فهدم من آخر القنطرة، وثلم الرضيف وغيره.

وفيها، قدم على الناصر محمد بن محمد بن كليب من القيروان؛ فحكى أن أبا القاسم بن عبيد الله الشيعي هلك بالمهدية، وهو محصور من أبي زيد؛ وأن شيعته قدمت ولده إسماعيل مكانه، وأنه فارس شجاع، أبي النفس؛ أقدم على أبي يزيد وجموعه، ولاقاه بمدينة سوسة؛ فانهزم أبو يزيد أمامه إلى القيروان.

وفي عقب صفر منها، ولي خزانة السلاح عبد الأعلى بن هاشم المتوفي في المحرم منها.

وفي سنة 335، كان ابتداء بناء مدينة سالم بالثغر الأوسط. وفي كتاب

ص: 213

ابن مسعود: في سنة 335، ابتنى الناصر مدينة سالم القديمة التعطيل بالثغر الأوسط الشرقي، المواجهة لبلد قشتيلة - دمرها الله تعالى -، وهي يومئذ خالية مقفرة. وأرسل لذلك غالبا مولاه في جيش جرده معه من الحضرة، وأنفذ العهد إلى قواد الثغر بالاجتماع إليه لبنيانها؛ فسارعوا إلى أمره، وبنيت أحسن بناء؛ ونقل إليها البناؤون من بلاد الثغر للاختطاط لديارها والرباط بها؛ فتم ذلك في صفر من هذه السنة. واطمأنت الدار بمن نزلها من المسلمين؛ واكتمل بناؤها وعمرانها على مرور الأيام؛ فنفع الله المسلمين بها، وصيرها شجا في حلوق الكافرين. قال: ووافى في إثر كتاب القائد ابن حدير وابن هاشم كتاب من قبل عامر بن مطرف بن ذي النون إلى الناصر بما فتح الله له في المشركين، وقتله العدد الكثير منهم، وبعثه برؤوسهم؛ فتمت الفتوح، وعمت الفروح، وعز الإسلام، واستبشر الأنام، وطابت الأيام، بحمد وليّ الإنعام، الذي منه يرجى التمام، عز وجهه! وفيها، كان القحط الكائن بقرطبة.

وفيها، وصل إلى قرطبة أيوب بن أبي مخلد بن كيداد اليفرني الأباضيُّ رسولا من والده أبي يزيد؛ فقعد له الناصر قعودا؛ فأوصله إلى نفسه، وكرم لقاءه، وأمر بإنزاله في قصر الرصافة؛ وقد أعد له فيه من الفرش والوطاء والغطاء والآنية والآلة ما يعد لأمثاله؛ فأقام هنالك تحت نزل واسع وكرامة موصولة.

وفي سنة 336، في يوم الجمعة التاسع من المحرم منها، ورد كتاب قند مولى الناصر، القائد يومئذ بطليطلة، بفتح فتحه الله على يده في أعداء الله أهل جليقية؛ فقرئ في المسجد الجامع بقرطبة والزهراء؛ وبعث من ذلك برؤوس وخيل أصيبت لأعداء الله.

ص: 214

وفيها، عزل الناصر عبد الله بن محمد عن السكة، وسخط عليه لتقصير ما كان فيه وأمر بسجنه. وقدم عبد الرحمن بن يحيى بن إدريس الأصم، ونقل السكة من مدينة قرطبة إلى الزهراء.

وفيها، خرج الكاتب جعفر بن عثمان المصحفي إلى ميورقة وذواتها لإصلاح ما فسد من حالها.

وفيها، وصل حميد بن يصل المكناسي إلى قرطبة قاصدا إلى الناصر من بلده من الغرب؛ فاستقبل بالجيش والزينة؛ وكرم الناصر مورده، وأجمل موعده.

وفي سنة 337، في النصف من المحرم، قعد الناصر بقصر الزهراء قعودا بهبا؛ فدخل إليه حميد بن يصل؛ ثم وصل بعده منصور وأبو العبش، ابنا ابن أبي العافية، ودخل معهما حمزة بن إبراهيم، صاحب جزائر بني مزغنا؛ فوصلهم وكساهم، وأذن لهم في الانصراف إلى بلادهم.

وفيها، صلب بقرطبة عليُّ بن عشرة، من أهل أشبونة، بعد أن قطعت يداه ورجلاه؛ وكان من المفسدين في الأرض بقطع السبل.

وفيها، كانت وقيعة أرتقيرة على العدو - دمره الله -.

وفي سنة 338، كان قدوم رسل ملك الروم الأكبر صاحب القسطنطينة على الناصر، راغبا منه إيقاع الموالفة واتصال المكاتبة؛ فتأهب الناصر لورودهم عليه، وأمر بتلقيهم في الجيش والعدة؛ وجلس لهم الناصر الجلوس المشهور الذي ما تهيأ مثله لملك قبله في جلالة الشأن، وعزة السلطان؛ ووصف ذلك يطول. ودفعوا كتاب ملكهم في رق مصبوغ سماءي مكتوب الذهب؛ وكان على الكتاب طابع ذهب، وزنه أربعة مثاقيل، على الوجه الواحد منه صورة المسيح عليه السلام، وعلى الآخر صورة قسطنطين الملك وصورة ولده.

وفيها، أمر الناصر أحمد بن يعلى وحميد بن يصل المكناسي بالخروج إلى بني محمد الأدارسة الحسنيين أمراء الغرب، ففصلا بمن ضم إليهما من الجيش

ص: 215

إلى الخضراء؛ وكان خروجهما من قرطبة للنصف من رجب. وفي عقبه، قدم على الناصر رسول من بعض الحسنيين، يذكر طاعتهم إليه، وانقيادهم لأمره في هدم مدينة تطلون التي أنكر عليهم بناءها؛ فعقد لهم في أول شعبان، وأمر بمحاربتهم؛ ثم وصل محمد بن أبي العبش الحسني إلى الناصر من أبيه أبي العبش؛ فأقبل عليه الناصر، وابلغ في تكرمته؛ ثم ورد الخبر بوفاة أبي العبش، فأوصل الناصر أبنه محمدا إلى نفسه، وعزاه عن والده، وعقد له على عمله، ووصله، وخلع عليه وعلى الوافدين معه، وصرفهم. فخرج محمد مبادرا إلى عمله بالغرب. وكان، عند وفاة أبيه أبي العبش، قصد ابن عمه قنون إلى بلده؛ فاحتوى على ماله وأهله. ولما بلغ البربر إقبال محمد بن أبي العبش إلى بلده من قبل الناصر، رجعوا إلى عيسى بن قنون، وقد خرج عن تبكيساس؛ فقطعوا به، وكسروه، وسلبوه ما كان أخذه لابن عمه، وقتلوا أكثر أصحابه؛ فلم يخلص إلا في سبعة فوارس.

وفيها، وصل إلى قرطبة أحمد بن الاطرابلسي رسول البوري بن موسى بن أبي العافية بكتاب يذكر أنه صح عنده أن الخبر بن محمد بن خزر الزناتي وصل إلى تاهرت، فحاربها؛ فاستنصر أهلها بميسور قائد الشيعي؛ فالتقوا؛ فدارت الدائرة على ابن خزر أول نهارهم، ثم كانت الكرة لوناتة؛ ودخل الخير أميرهم مدينة تاهرت وملكها في غرة ذي القعدة، وأخذ قائد الشيعى أسيرا في عدة من أصحابه؛ ووقع في يده عبد الله بن بكار اليفرني الذي توجه إلى الشيعي برأس أيوب بن أبي يزيد؛ فأرسل به إلى يعلى بن محمد بن صالح اليفرني ليقتله بوالده بعدما كان أخذ كل ما عنده؛ فلم يرض يعلى بذلك، ولا رآه كفوا لعبده، فكيف لوالده؛ ودفعه المذكور إلى رجل من البربر كان قد قتل ابنه، فقتله به. ودخل يعلى بن محمد وهران، فملكها.

ص: 216

وفيها، جرت قصة الولد عبد الله بن الناصر التي أراد الله بها ابتلاء أبيه فيه؛ فعجل الوثوب به وبأصحابه آخر هذه السنة، عجل عليهم فيها بأفظع العقاب؛ فقتلهم؛ وتأتي بابنه عبد الله مديدة إلى أن طوقه الحسام في آخر سنة 338؛ وكان الحكم أخوه ذكر عنه أنه يريد القيام على أبيه؛ فقبل قوله فيه. وكان عبد الله من أهل العلم والذكاء والنبل.

وفي سنة 339، أخرج الناصر قائده أحمد بن يعلى نحو جليقية، وجاء في انتهاز فرصة من العدو؛ فأعانه الله عليها، واقتحم على غفلة؛ فافتتح ثلاثة حصون، وسبى نحوا من ألف سبية، وانصرف آخر رجب من السنة.

وفيها، ورد الخبر بهلك ردمير بن أردون صاحب جليقية؛ فملكت الجلالقة ابنه أردون، ونازعه أخوه غرسية؛ فجرى بينهم اختلاف أظفر الله بن المسلمين.

وفيها، وصل إلى قرطبة ابنا البوري بن موسى بن أبي العاقبة أمير الغرب. وورد رسول الأمير الخير أمير زناتة وكبير أمراء الغرب إلى الناصر، يذكر ما أتاح الله له من دخول مدينة تاهرت، وظفره بميسور وعبد الله بن بكار اليفرني قواد الشيعي؛ فقرى كتابه بجامعي قرطبة والزهراء. ثم ورد كتاب عبد الرحمن ابن عبد الله الزجالي من جهة شذونة، يذكر أن بني محمد الأدارسة بالغرب زحفوا إلى حميد بن بصل قائد الناصر، ونزلوا عليه، والتقوا به؛ فكانت الدائرة على بني محمد، وانصرفوا مغلوبين.

وفي سنة 340، كانت للمسلمين غزوات على الروم، نصرهم الله فيها. منها فتح على يد قائد بطليوس بجيليقة، هزمهم أقبح هزيمة، قتل جملة من حماتهم ومقاتلتهم، وسبى من نسائهم وذراريهم نيفا على ثلاثمائة رأس؛ ووصل ذلك السبي إلى قرطبة لثلاث خلون من المحرم؛ وفتح آخر على يدي أحمد بن يعلى قائد الناصر؛ وفتح آخر على يدي رشيق قائد الناصر على طلبيرة؛ وفتح آخر على يدي يحيى بن هاشم النجيبي.

ص: 217

وغي غرة جمادى الآخرة، وهو الثامن من أكتوبر، هبت بقرطبة ريح عاصف، وتتابع البرق، واشتد الهول، ونزلت صاعقة في دار أحمد بن هاشم ابن عبد العزيز، فقتلت امرأة، وأبطلت أخرى.

وفي سنة 341، كان للمسلمين غزوة في الروم، نصرهم الله فيه، وفتوحات ومنوحات.

وفي آخر جمادى الأولي، وردت الأخبار بأنَّ زبرى بن مناد الصنهاجي عامل الشيعي على تاهرت أسر سعيد بن خزر زعيم زناتة وكبيرها.

وفي هذا الوقت، ورد كتاب ابن يعلى قائد الأسطول بقبضة لرهن محمد ابن إدريس الحسني كبير أمراء الأدارسة.

وفي آخر جمادى الآخرة، وصل إلى قرطبة فتوح بن الخير بن محمد بن خزر كبير أمراء زناتة بأرض الغرب، وافدا إلى الحضرة، ومعه وجوه أهل تاهرت ووهران؛ وأدخلت بين يديه الرؤوس التي احتزها للقواد المشارقة ووجوههم من رجال إسماعيل الشيعيّ العبيدي، يقدمها رأس ميسور الخصي ورأس محمد بن ميمون وغيرهما من رؤوس أعلام الشيعة، وعشرة من بنودهم، أدخلت منكسة، معها عدة من طبولهم؛ فرفعت هذه الرؤوس والبنود والطبول على باب قصر قرطبة، وأقيمت له ولمن جاء معه الكرامات الواسعة.

وفي سنة 342، قدمت رسل هوتو ملك الصقالبة على الناصر.

وفيها، خرج القائد أحمد بن يعلى غازيا إلى جليقية؛ فمنحه الله في الكفار القتل للرجال، والسبي للذرية والعيال، وإحراق القرى، وانتساف النعم؛ فقرى كتابه يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ربيع الأول بقرطبة؛ وقرى معه كتاب القائد غالب، يذكر عظيم ما فتح الله عليه ومنحه من نكاية المشركين؛ ثم دخلت الرؤوس إلى قرطبة، ومعها النواقيس والصلبان، فقرَّت عيون أهل الإسلام.

ص: 218

وفي سنة 343، ولي الناصر مدينة طليطلة القائد أحمد بن يعني، وصرف عنها محمد بن عبد الله بن حدير.

وفيها، فصل القائد حميد بن يصل، المستأمن إلى الناصر، بالجيش الذي ضمه إليه إلى بلاد الغرب، وخرج معه القرشي السليماني المستأمن إلى الناصر أيضا، الذي كان أميرا على مدينتي تنس وأرشقول وما بينهما من أرض إفريقية؛ فأخرجه عنها قواد الشيعي. واسمه عليُّ بن يحيى، ينتسب إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فكان خروجهما من بين يدي الناصر بعد أن خلع عليهما خلع الوداع، بعد خلع تقدمت له عليهما بيوم قبل وصولهما من دراريع الديباج والخز وعمائم الشرب المذهبة وغير ذلك. ودفع لحميد سبعة عشر ألفا للنفقة على الجند، ومن أحمال الكسوة سبعة أحمال.

وفيها، وصل إلى قرطبة وقد أزداجة من البربر الذين انحاشوا إلى الطاعة؛ فكساهم الناصر ووصلهم. وورد كتاب فتح من حميد بن يصل قائد الناصر بالعدوة بما فتح الله عليه من مدينة آسلان وانتشار الدعوة الأموية بنواحيها.

وفيها، قدم الحجاج؛ فذكروا أنه وقع بقشطاط مصر حريق عظيم احترق فيه ستة ألفا بين دار ومسكن.

وفي سنة 344، وردت قواد الثغور لسبع خلون من ربيع الآخر على الناصر، وفيهم غالب، ومطرف، ومحمد بن يعلى، وعبيد الله بن أحمد بن يعلى، وهذيل ابن هاشم النجيبي، ومروان بن رزين، وعامر بن مطرف بن ذي النون، يذكرون أنهم دخلوا إلى أرض العدو، وقصدوا حصنا من بلد قشتيلة؛ فتغلبوا على أرباضه، وقتلوا جماعة من أهله، وقفلوا عنه؛ فوافتهم جموع النصرانية؛ فأيد الله المسلمين، وانهزم المشركون أمامهم مقدار عشرة أميال، يقتلونهم كيف شاءوا؛ فأحصى أنه قتل منهم مقدار عشرة آلاف. وكانت هذه الوقيعة بينهم لليلة

ص: 219

بقيت من ربيع الآخر منها؛ فقرى كتابهم بهذا الفتح الجليل بقرطبة؛ ثم وردت إلى قرطبة الرؤوس المحتزة في هذه الهزيمة نحو خمسة آلاف رأس؛ فأمر الناصر برفعها على الخشب حوالي سور قرطبة.

ولسبه خلون من جمادى الأولي، كانت بقرطبة زلزلة عظيمة ظاهرة الهزة؛ وعادت زلزلة أخرى مثلها يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منها، وذلك عند الظهر.

وفيها، ثقف الناصر أمور الخدمة السلطانية، ووزعها بين وزرائه؛ فقلد الوزير جهور بن أبي عبدة النظر في كتب جميع أهل الخدمة؛ وقلد الوزير عيسى ابن فطيس النظر في كتب أهل الثغور والسواهل والأطراف وغير ذلك؛ وقلد الوزير الكاتب عبد الرحمن الزجالي النظر في تنفيذ كل ما يخرجه من العهود والتوقيعات، وينفذ به الأمر أو الرأي وغير ذلك؛ وقلد الوزير محمد بن حدير النظر في مطالب الناس وحوائجهم، وتنجيز التوقيعات لهم. فالتزم القوم ما ألزموا؛ فاعتدل بهم ميزان الخدمة، وسهلت مطالب الرعية.

وفيها، ورد كتاب يعلى بن حميد قائد العدوة من قبل الناصر بما فتح الله عليه في قائد الشيعي معد بن إسماعيل صاحب إفريقية من هزيمته له وقتله من قتل من رجاله وغير ذلك. ووصل إلى قرطبة ابن عم حميد بن يصل، ومعه ستة وثلاثون من وجوه كتامة وغيرهم من القبائل المستأمنين إليه من عسكر الشيعي؛ فأمر الناصر بانزالهم، وجلس لهم على سريره بقصر الزهراء يوم الثلاثاء ربع خلون منه؛ فوصلوا إليه؛ فرأوا مقاما جليلا، وكلموه، فرد عليهم جميلا، وأحسن موعدهم، وأمر بالخلع عليهم، ووصلوا بصلات جزلات، وأمروا بالرجوع إلى القائد حميد بن يصل.

وفيها، أمر الناصر بإطلاق اللعن على ملوك الشيعة بجميع منابر الأندلس، وإنفاذ كتبه بذلك إلى العمال بسائر الأقطار.

ص: 220

وفي سنة 345، وطئ غالب، قائد أسطول الناصر، أرض سواحل إفريقية من عمل الشيعي.

وفيها، قدم محمد بن حسين رسولا كان من الناصر إلى الطاغية أردون ابن ردمير ملك جليقية، ومعه حسداي بن شبروط اليهودي، بكتابه إلى الناصر، راغبا منه في الصلح؛ فأسعفه الناصر في ذلك على اختيار ولده الحكم، واشترط على الطاغية شروط؛ وانصرفت رسله بذلك.

وفيها، قتل محمد بن أبي العيش الإدريسي أمير الغرب.

وفيها، خرج قاسم بن عبد الرحمن إلى حميد بن يصل قائد الناصر بالغرب من قرطبة بأحد عشر حملا من المال وأحمال العدة، تقوية على الذب عن الدولة المروانية بالغرب، وذلك لخمس خلون من صفر منها. ولما كان يوم النصف منه، ورد كتاب حميد بدخوله مدينة تلمسان.

وفي سنة 346، قدم إلى الناصر أمراء بني رزين ومن التف إليهم؛ فوصل إلى الناصر كبيرهم مروان بن هذيل بن رزين الثائر بالسهلة المنسوبة إليهم؛ فأدنوا وأكرموا.

وفيها، برز القائد غالب الناصري إلى فحص السرادق غازيا إلى دار الحرب؛ ففتح عليه في بلاد المشركين؛ وفتح الحصون وقتل المقاتلة واكتسح بسيط عدو الله غرسية بن شانجه ملكهم، وخرب قراه، ورجع بالمسلمين ظاهرين. وكذلك برز القائد أحمد بن يعلى للغزو إلى بلد العدو تاليا للقائد غالب؛ فورد كتابه يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الآخر بفتح عظيم تهيأ له في غزوة إلى جليقية، وأنه ثخن في قتلهم، وحز من رؤوسهم أربعمائة، واستاق من الماشية والكراع ما فات الإحصاء.

وفي سنة 347، أول المحرم، أمر الناصر صاحب الشرطة القائد أحمد بن يعلى بالخروج غازيا في الأسطول إلى بلد الشيعي معد بن إسماعيل صاحب

ص: 221

إفريقية؛ فبرز ابن يعلى إلى محلة الربض لغزاته هذه يوم الخميس لثمان خلون منه؛ وكان بروزه فخما، خرج إليه من النظارة من أهل قرطبة رجالهم ونسائهم وأبنائهم وولدانهم خلق لا يحصيهم إلا خالقهم؛ فانتشروا بأكناف الربض على عادتهم؛ فأخذ السفلة منهم والغوغاء يتقاذفون بالحجارة حاكين لصفي القتال؛ فدخل في عرضهم قوم من الطنجيين من جند السلطان حشوا الضراب بينهم، حتى حمى وطيسه، وقد تكنف صفيهم من النظارة الرجال والنساء خلق عظيم. فلم يك إلا ساعة، ودارت بينهم جولة ظهر فيها أحد صفيهم؛ فمالوا على مغلوبهم، وانبسطوا عليهم؛ فامتد الطنجيون بغالب شرهم وجهلهم إلى نهب مغلوبهم من الرجال، وتخطوهم إلى من حولهم من النظارة، وانبسطوا على النساء؛ فسلبوهن ثيابهن، وفضحوا كثيرا منهن؛ فجعل المجردات من النساء يتوارين في الزرع المكتل، حياء من الناس، وترقبا لوقت تفرقهم. وشرح ذلك يطول.

وفي جمادى الآخرة منها، ورد كتاب قائد الأسطول أحمد بن يعلى من مدينة آسلان من عمل تلمسان، يذكر أن جوهرا قائد معد بن إسماعيل صاحب إفريقية قتل يعلى بن محمد بن صالح اليفرني صاحب مدينة آفكان غدرا، وأن ابن عمه انتصب مكانه بإقامة من جلة قومه له، ورجع القائد المذكور إلى قرطبة ومعه ولد ابن قرة، ابن عم يعلى بن محمد المتقدم الذكر، المقدم بعده في قومه بني يفرن؛ فبولغ في إكرامه.

وفي سنة 348، في أول ربيع الآخر منها، خرج عليُّ بن يحيى الحسني إلى شرشل مكانه من العدوة قائدا، بمن انضم إليه من الحشم، لمكافحة أصحاب الشيعي صاحب إفريقية.

وفي أول ذي القعدة منها، أوصل الناصر إلى نفسه حريز بن منذر في جماعة من وجوه الموالي والعرفاء ورجال الجند، يأمرهم جميعا بالخروج إلى مدينة

ص: 222