الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجيشه؛ فوصل إشبيلية عند الصباح؛ فهجم عليها. وكان بعض سورها مهدما؛ فطمع فيها؛ فخرج إليه العامل عليها من قبل السلطان؛ فهزمه عنها؛ فرجع إلى قرمونة. فلما علم الناصر بذلك، وجه عسكرا إلى عامل إشبيلية تقوية له؛ فحصن البلد على نفسه، وأمن من عادية محمد بن حجاج. ولما طال على الناصر تمادي محمد بن حجاج على العناد، بعث إليه صديقه ابن وليد، طالبا منه العودة إلى الطاعة؛ فلم يزل به حتى أظهر الإنابة له؛ فأنفذ محمد بن حجاج خاصته إلى الناصر؛ فوصل إليه؛ فألحقه الناصر بنفسه، وشافهه بما ألقاه إليه محمد، وأعلمه أنه ينعزل عن قرمونة ويسكن قرطبة، على أن يترك بها نائبه. فأجابه الناصر لذلك كله، ووعده بتتميم أغراضه. فلما وصل الرسول إلى محمد بما ألقاه إليه الأمير الناصر، خرج من قرمونة في شهر رمضان المعظم من عام 301، ووصل قرطبة مع وجوه قومه وعدَّة من رجال. فأمر لهم الناصر بالكسى ووصلهم على أقدارهم ومنازلهم عند محمد، وأجزل لهم الصلة، وأعطى محمدا العطاء الجزل، وقربه من نفسه، وولاه من حينه خطة الوزارة، منوها، مرفع الذكر. قم خرج الناصر لدين الله غازيا؛ فأغزاه معه وزيرا.
وكان حبيب بن عمر الوالي على قرمونة من قبل السلطان قد امتنع بقرمونة. فحاصر الناصر قرمونة، ومحمد بن حجاج معه وزيرا؛ فسعى به عند السلطان من كان يحسده، وقال له:(إنما نافق ابن عمر مع محمد وبأمره!) فعزله عن الوزارة، وحبسه، وحبس معه ابن وليد صاحب الشرطة. ثم أطلقا بعد ذلك. فلم يلبث محمد بن حجاج بعد ذلك إلا يسيرا، وتوفي في شوال سنة 302.
أخبار عمر بن حفصون في أيام الأمير عبد الله
وعندما ولي عبد الله الخلافة، ووافته الكتب من البلاد؛ واجتمعت على طاعته جميع العباد، رأى عمر بن حفصون على فرط عناده، وتوه في الأرض وفساده، أن يدخل في جماعته، ويلتزم بفروض طاعته. فأرسل ابنه حفصا
إلى قرطبة مع جماعة من أصحابه، على أن يعقدوا مع الأمير سلما منتظما، وصلحا مبرما، لا يحيله حال، ولا يلحقه محال، على أن يستقر عمر بن حفصون ببربشتر على الطوع، ويقيم بها على الطاعة والسمع. فقبل الأمير نزاعه، وسمح بإبقائه هنالك، وأصدر ابنه ورسله إصدارا جميلا؛ ومنحهم برا جزيلا، ووجه معهم عبد الوهاب بن عبد الرؤوف واليا على كورة رية، ومشاركا لابن حفصون في عقده وحله، ومساهما له في توليته وعزله. فمكثا شريكين في الأمر والنهي، إلى أن غلب ابن حفصون على عبد الوهاب، وأخرجه من الكورة منبت الأسباب. واشتدت معرَّته، وتأكدت عاديته ومضرته، حتى همت القرى بالخلاء، والناس بالجلاء. ولم يبق بالقنبانية قرية إلا غشيتها الخيل، وعمتها الذلة والوبل، وقد ملك اللعين إستجة وأرجذونة، وأجتدهمت ثقافا، وصير فيهما من الآلات أصنافا.
فلما رأى الأمير عبد الله ما أحاط بقرطبة من ابن حفصون، ودار عليها من الحرب الزبون، أمر بإخراج السرادق إلى فحص الربض بشقندة. فلما اشتدت أطنابه، ومدت حبائله وأسبابه، بعث ابن حفصون خيلا ترمي على شقندة لعلها تأخذ السرادق السلطاني وتفوز به، وتهجم على البلد وتحيط بجانبه. فخرجت لهم الخيل إثر ذلك، وطردتهم طرادا من هنالك، ووصلت إلى ابن حفصون؛ فدفعته عن الجهة، ومنعته من تلك الوجهة، وأوى إلى حصن بلبى بقبرة؛ فجمع له الأمير أهل قرطبة، وسار إليه في نحو أربعة عشر ألفا. وحشد ابن حفصون نحو ثلاثين ألفا؛ فصدمه الأمير بمن معه؛ فنثر عقده وفرق جمعه؛ فعملت السيوف في رقابهم، وتبعت سيل أعقابهم، حتى رويت الأرض من دمائهم. ودخل الأمير عبد الله القلاع الثائرة عليه؛ وصارت يومئذ في يديه.
وفي ذلك يقول ابن عبد ربه (كامل) :
رَامَ ابن حفصُونَ النجاةَ فَلَمْ يَسِرْ
…
والسَّيْفُ طالِبُهُ فَلَيْسَ بِنَاجِ
في لَيلَةٍ أَسرَتْ بِهِ فَكَأنَّما
…
خِيلَتْ نَقيضَةَ لَيلةِ المِعراجِ
مَا زَالَ يُلقِحُ كُلَّ حَربٍ حَامِلٍ
…
فالآنَ أنْتَجَها بشَرِّ نَتاجِ