الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أمر لابن الشمر ببدرة فيها خمسمائة دينار؛ فخرج مع الوصيف يحملها له تحت إبطه. فلما تواريا عن الأمير، قال له الوصيف:(أين لذات العمر، يا ابن الشمر؟) فقال: (تحت إبطك يا سيدي!) ودخل عليه الغزال الشاعر يوما؛ فقال الأمير (كامل) : جاء الغزال بحسنة وجماله فقال له الوزير: أجز. ما بدأ به الأمير! فقال الغزال (كامل) :
قالَ الأميرُ مُدَاعِباً بِمَقَالهِ
…
جاء الغَزَالُ بحُسنِهِ وَجَمَاله
أين الجَمَالُ من أمري أربي على
…
مُتَعَدِّدِ السَّبعِينَ من أحوالهِ
وهَلْ الجَمالُ لهُ؟ الجمالُ مِنْ امرِئ
…
ألقاهُ رَيبُ الدَّهرِ في أغلالِهِ
وأعَادهُ من بَعْدِ جِدَّتِهِ بِلَى
…
وأحالَ رَوْنَقَ وَجهِهِ عَن حالِهِ
وهي طويلة.
ومن قول الإمام عبد الرحمن رحمه الله! - يصف حال المعزول، فأبدع (طويل) :
أرى المَرءَ بَعدَ العزلِ يَرجِعُ عَقلُهُ
…
وقد كان في سُلطَانِهِ لَبسَ بَعقِلُ
فتلفيهِ جَهْمَ الوَجهِ ما كانَ وَالياً
…
وَيَسهُلُ عَنه ذَاكَ ساعَةَ يُعزَلُ
وكتب إليه بعض عمناله يسأله عملا رفيعا ليس من شاكلته؛ فوقع له في أسفل كتابه: (من لم يصب وجه مطلبه، كان الحرمان أولى به!) ومثل هذا كثير مما يدل على فضله.
خلافة محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام
كنيته: أبو عبد الله. أمه: بهير. مولده: في شهر ذي القعدة سنة 207. وزراؤه وقواده: اثنا عشر. حجابه: اثنان، ابن شهيد وابن أبي عبدة. كتابه:
ثلاثة، عبد الملك بن أمية، وحامد بن محمد الزجالي، وموسى بن ابان. قضاته: أحمد بن زياد، ثم عمرو بن عبد الله المعروف بالقبعة، ثم سليمان بن أسود الغافقي. نفش خلقه: بالله يثق محمد وبه يعتصم. صفته: أبيض، مشرب بحمرة: ربعة، أوقص، وافر اللحية يخضب بالحناء والكتم. بنوه: ثلاثة وثلاثون. بناته: إحدى وعشرون. بويع يوم الخميس لأربع خلون لربيع الآخر سنة 238، وهو ابن ثلاثين سنة وخمسة أشهر. وتوفي يوم الخميس لليلة بقيت من شهر صفر سنة 273. عمره: خمس وستون سنة وأربعة أشهر. وكانت خلافته أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما.
وفي سنة ولايته، ثار عليه أهل طليطلة، وحبسوا العامل عندهم، حتى أطلقت رهائنهم من قرطبة، وحينئذ أطلقوه.
وفي سنة 239، خرج الحكم ابن الأمير عبد الرحمن إلى طليطلة بالصائفة. وكانت قلعة رباح قد أقفرت، خوفا من أهل طليطلة. فاحتلها الحكم، وأمر ببنيان سورها، واسترجاع من فرَّ من أهلها إليها.
وفيها أخرج الأمير محمد إلى شندلة قاسم بن العباس وتمام بن أبي العطاف صاحب الخيل، ومعهما الحشم. فلما حلا بأندوجر، خرجت عليهم كمائن أهل طليطلة، ووقعت الحرب، وكثر القتل؛ فانهزم قاسم وتمام، وأصيب ما في العسكر. وفي ذلك يقول صفوان بن العباس أخو قاسم المذكور (رمل) :
ضَرَطَ القاسمُ يَوماً
…
ضَرطَةً في القَرْمِيطِ
مَاتَ مِنْها كلُّ حُوتٍ
…
كَانَ في البَحْرِ المُحِيطِ
وكانت هذه الوقعة في شوال.
وفي سنة 240، خرج الأمير محمد بنفسه إلى طليطلة في المحرم. فلما اتصل بأهلها ذلك، أرسلوا إلى أردن بن إذفونش صاحب جليقية، يعلمونه بحركته
ويستمدون به. قبعث إليهم أخاه غثون في جمع عظيم من النصارى. فلما اتصل ذلك بالأمير محمد، وقد كان قارب طليطلة، أعمل الحيلة والكيد، واستشعر الحزم؛ فعبأ الجيوش، وكمن الكمائن بناحية وادي سليط؛ ثم نصب الردود، وطلع في أوائل العسكر في قلة من العدد. فلما رأى ذلك أهل طليطلة، أعلموا العلج بما عاينوه من قلة المسلمين؛ فتحرك العلج فرحا، وقد طمع في الظفر والغنيمة وانتهاز الفرصة. فلما التقى الجمعان، خرجت الكمائن عن يمين وشمال، وتواترت الخيل أرسالا على أرسال، حتى غشى الأعداء منهم ظلل كالجبال؛ فانهزم المشركون وأهل طليطلة، وأخذتهم السلاح، هذا بالسيوف، وطعنا بالرماح؛ فقتل الله عامتهم، وأباد جماعتهم. وحيز من رؤوسهم مما كان في المعركة وحواليها ثمانية آلاف رأس، وجمعت ورصعت؛ فصار منها جبل علاه المسلمون، يكبرون ويهللون ويحمدون ربهم ويشكرون. وبعث الأمير محمد بأكثرها إلى قرطبة، وإلى سواحل البحر، وإلى العدوة. وانتهى عدد من فقد منهم في هذه الوقعة إلى عشرين ألفا. وكانت في شهر محرم من السنة.
وفي سنة 241، شحن الأمير محمد قلعة رباح وطلبيرة بالحشم، ورتب فيها الفرسان؛ وترك فيها عاملا حارث بن بزيع.
وفيها، جدد الأمير محمد طرز الجامع بقرطبة وأتقن نقوشه.
وفيها، حشد الأمير محمد ودخل إلى ألبة والقلاع، وبلغ إلى أقصاها وافتتح كثيرا من حصون المشركين.
وفي سنة 242، كتب الأمير محمد إلى موسى بن موسى بحشد الثغور والدخول إلى برشلونة؛ فغزا إليها، واحتل بها، وافتتح في هذه الغزاة حصن طراجة، وهي من آخر أحواز برشلونة؛ ومن خمس ذلك الحصن زيدت
الزوائد في المسجد الجامع بسرقسطة؛ وكان الذي أسسه ونصب محرابه حنش الصنعاني رضي الله عنه وهو من التابعين.
وفيها وجه الأمير محمد ابنه المنذر بالجيوش إلى طليطلة؛ فحاصرها، وأقام عليها ينسف معائشها.
وفي سنة 243، كانت وقعة عظيمة في أهل طليطلة، وذلك أنهم خرجوا إلى طلبيرة؛ فخرج إليهم قائدها مسعود بن عبد الله العريف، بعد أن كمن لهم الكمائن؛ فقتلهم قتلا ذريعا، وبعث إلى قرطبة بسبعمائة رأس من رؤوس أكابرهم.
وفي سنة 244، خرج الأمير محمد بنفسه إلى طليطلة، وعددهم قد قل، وحدهم قد قل، بتواتر الوقائع عليهم، ونزول المصائب بهم؛ فلم تكن لهم حرب إلا بالقنطرة. ثم أمر الأمير بقطع القنطرة، وجمع العرفاء من البنائين والمهندسين، وأداروا الحيلة من حيث لا يشعر أهل طليطلة. ثم نزلوا عنها؛ فبينما هم مجتمعون بها، إذ اندقت بهم، وتهدمت نواحيها، وانكفأت بمن كان عليها من الحماة والكماة؛ فغرقوا في النهر عن آخرهم. فكان ذلك من أعظم صنع الله فيهم.
وفي سنة 245، دعا أهل طليطلة إلى الأمان؛ فعقدة الأمير لهم؛ وهو الأمان الأول.
وفيها، خرج المجوس أيضا إلى ساحل البحر بالغرب، في اثني وستين مركبا؛ فوجدوا البحر محروسا، ومراكب المسلمين معدة، تجري من حائط إفرنجة إلى حائط جليقية في الغرب الأقصى. فتقدم مركبان من مراكب المجوس؛ فتلاقت بهم المراكب المعدة؛ فوافوا هذين المركبين في بعض كسور باجة؛ فأخذوهما بما كان فيهما من الذهب والفضة والسبي والعدة. ومرت سائر مراكب المجوس في الريف حتى انتهت إلى مصب نهر إشبيلية في البحر؛ فأخرج الأمير الجيوش، ونفر الناس من كل أوب: وكان قائدهم عيسى بن الحسن الحاجب.
وتقدمت المراكب من مصب نهر إشبيلية حتى حلت بالجزيرة الخضراء؛ فتغلبوا عليها، وأحرقوا المسجد الجامع بها؛ ثم جازوا إلى العدوة؛ فاستباحوا أريافها؛ ثم عادوا إلى ريف الأندلس، وتوافوا بساحل تدمير؛ ثم انتهوا إلى حصن أوربولة؛ ثم تقدموا إلى إفرنجة؛ فشتوا بها، وأصابوا بها الذراري والأموال، وتغلبوا بها على مدينة سكنوها، فهي منسوبة إليهم إلى اليوم، حتى انصرفوا إلى ريف بحر الأندلس، وقد ذهب من مراكبهم أكثر من أربعين مركبا. ولقيهم مراكب الأمير محمد؛ فأصابوا منها مركبين بريف شذونة، فيها الأموال العظيمة. ومضت بقية مراكب المجوس.
وفي سنة 246، أغزى الأمير محمد بن عبد الرحمن إلى أرض بنبلونة أحد قوَّاده؛ فخرج في هذه الغزوة خروجا لم يخرج قبله مثله جمعا وكثرة، وكمال عدة، وظهور هيبة. وكان غرسية إذ ذاك متظافرا مع أزدون صاحب جليقية؛ فأقام هذا القائد يدوخ أرض بنبلوبة، مترددا فيها اثنين وثلاثين يوما، يخرب المنازل، وينسف الثمار، ويفتح القرى والحصون. وافتتح في الجملة حصن قشتيل، وأخذ فيه قرتون بن غرسية المعروف بالأنفر، وقدم به إلى قرطبة؛ فأقام بها محبوسا نحوا من عشرين سنة؛ ثم رده الأمير إلى بلده، وعمر فرتون مائة وست وعشرون سنة.
وفي سنة 247، قال الرازي: غزا محمد بن السديم أرض الحرب، وعامل الثغر إذ ذاك عبد الله بن يحيى. وكان كتب موسى بن موسى يذكر ما ناله ونال أهل بلده في إداختهم أرض الجليقيين، وما وصل إليهم من النصب، وسأل أن يكون دخول العسكر على غير ناحيته؛ فأسعف في ذلك، ودخلت العساكر على غير بلده.
وفي سنة 248، تقدم موسى بن موسى لمقاتلة ابن سالم في وادي الحجارة؛ فنالته جراح منعته الركوب بعدها؛ وكانت سببا لهلاكه؛ فتوفي في هذه السنة.
وفي سنة 249، خرج عبد الرحمن ابن الأمير محمد إلى حصون ألبة والقلاع؛ وكان القائد عبد الملك بن العباس؛ فافتتحها، وقتل الرجال، وهدم البنيان؛ وانتقل في بسائطها من موضع إلى موضع يحطم الزروع، ويقطع الثمار. وأخرج أردون بن إذفونش أخاه إلى مضيق الفج ليقطع بالمسلمين، ويتعرضهم فيه؛ فتقدم عبد الملك؛ فقاتلهم على المضيق، حتى هزمهم وقتلهم وبددهم؛ ثم وافنهم بقية العساكر، وأظلتهم الخيل من كل الجهات؛ فصبر أعداء الله صبرا عظيما؛ ثم انهزموا. ومنح الله المسلمين أكتافهم؛ فقتلوا قتلا ذريعا؛ وقتل لهم تسعة عشر قومسا من كبار قوادهم.
وفي سنة 250، كملت مقصورة المسجد الجامع بقرطبة؛ وبنى فيها الأمير محمد بنيانا كثيرا في القصر الكبير والمنى الخارجة عنه. ولم تكن في هذه السنة صائفة، استغنى بالغزوة المتقدمة، وأريح العسكر فيها.
وفي سنة 251، كانت غزوة ألبة والقلاع أيضا (هزيمة المركويز - أخزاه الله! -) خرج إلى هذه الغزاة عبد الرحمن بن محمد، وتقدم حتى حل على نهر دوبر. - وتوالت عليه العساكر من كل ناحية، فرتبها. ثم تقدم؛ فاحتل بفج برذنش؛ وكانت عليه أربعة حصون؛ فتغلب العسكر عليها، وغنم المسلمون جميع ما فيها وخربوها؛ ثم انتقل من موضع إلى موضع، لا يمر بمسكن إلا خربه، ولا موضع إلا حرقه، حتى اتصل ذلك في جميع بلادهم. ولم يبق لرذريق صاحب القلاع، ولا اردمير صاحب توفة، ولا لعندشلب صاحب برجية، ولا لغومس صاحب مسانقة، حصن من حصونهم إلا وعمه الخراب. ثم قصد الملاحة، وكانت من أجل أعمال رذريق؛ فحطم ما حواليها وعفا آثارها.
ثم تقدم يوم الخروج على فج المركوبز؛ فصد العسكر عنه، وتقدم رذريق بحشوده وعسكره؛ فحل على الخندق المجاور للمركوبز. وكان رذريق قد عانى
توعيره أعواما، وسخر فيه أهل مملكته، وقطعه من جانب الهضبة؛ فارتفع جرفه، وانقطع مسلكه؛ فنزل عبد الرحمن ابن الأمير محمد على وادي إبره بالعسكر، وعبا القائد عبد الملك للقتال؛ وعبا المشركون، وجعلوا الكمائن على ميمنة الدرب وميسرته. وناهض المسلمون جموع المشركين بصدورهم؛ فوقع بينهم جلاد شديد. وصدق المسلمون اللقاء؛ فانكشف الأعداء عن الخندق، وانحازوا إلى هضبة كانت تليه. ثم نزل عبد الرحمن ابن الأمير محمد، ونصب فسطاطه، وأمر الناس بالنزول وضرب أبنيتهم؛ فأقامت المحلة. ثم نهض المسلمون إليهم؛ فصدقوهم القتال، وضرب الله في وجوه المشركين، ومنح المسلمين أكتافهم؛ فقتلوا أبرح قتل؛ وأسر منهم جموع. واستمروا في الهزيمة إلى ناحية الأهزون، وافتحموا نهر إنره باضطرار في غير مخاضه؛ فمات منهم خلق كثير غرقا. وكان القتل والأسر فيهم من ضحى يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب إلى وقت الظهر. وسلم الله المسلمين ونصرهم على المشركين. وكان قد لجأ منهم إلى الوعر والغياض، عندما أخذتهم السيوف، جموع؛ فتتبعوا وقتلوا؛ ثم هتك الخندق وسوى حتى سهل، وسلكه المسلمون غير خائفين ولا مضغطين. وأعظم الله المنة للمسلمين بالصنع الجميل، والفتح الجليل. والحمد لله رب العالمين. وكان مبلغ ما حيز من رؤوس الأعداء في تلك الوقيعة عشرين ألف رأس وأربعمائة رأس واثنين وسبعين رأسا.
وفي سنة 252، خرج عبد الرحمن ابن الأمير محمد غازيا إلى ألبة والقلاع؛ فحارب أهلها، وأفسد زروعها، وغادرها هشيما. وكان أهل هذا الجانب في ضعف ووهن شديد ألجأهم إلى المنع من التجمع والاحتشاد، لما نالهم في العام الفارط من النهب والقتل الذريع.
وفي سنة 253، خرج الحكم ابن الأمير محمد غازيا إلى جرنيق؛ فجال في أرض الأعداء، وحل على حصن جرنيق، وحاصره حتى فتحه عنوة.