الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر اتصال محمد بن أبي عامر بخدمة الحكم المستنصر
قال بعض المؤرخين: كان اتصال ابن أبي عامر بالحكم، فيما حدثني به ابن حسين الكاتب والأديب أبو إسحاق بن محمد الإفليلي وغيرهما من المشيخة أن الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، القائم بدولة الحكم، خلا في بعض الأيام بالقاضي محمد بن إسحاق بن السليم؛ فشكا إليه ابن السليم شجوه بمحمد بن أبي عامر ووصف له حاله. فلما طلب الحكم له وكيلا لولده عبد الرحمن الدارج في حياته، ذكر له جعفر ابن أبي عامر بخير، ووصف لأم عبد الرحمن جماعة اختارت منهم ابن أبي عامر، وذلك باختيار جعفر له؛ فنصبه الحكم لخدمتها وخدمة ابنها عبد الرحمن.
فلما مات عبد الرحمن، بقى في خدمة أمه السيدة، وكانت قد ولدت هشام بن الحكم؛ فصرف ابن أبي عامر لوكالته. وكان تقدمه أولا لوكالة الولد عبد الرحمن يوم السبت لتسع خلون من ربيع الأول سنة 356؛ وأجرى عليه في ذلك الوقت خمسة عشر دينارا في الشهر مرتبا بالوازنة. فبدا من نصحه وحسن نظره ما عرف له؛ ثم استأثر الله بعبد الرحمن؛ فصرف إلى وكالة هشام، يوم الأربعاء لأربع خلون لرمضان سنة 359. وكان قد تقدم للنظر في امانة دار السكة يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت لشوال من سنة 56. كانت ولايته أولا لوكالة، وأضاف له الخزانة؛ ثم قدمه على خطة المواريث يوم الخميس لسبع خلون من المحرم سنة 358. واستقضاه على كورة إشبيلية ولبلة وأعمالها يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 58 المذكورة. وفي سنة 361، قدم الحكم المستنصر بالله محمد بن أبي عامر على الشرطة الوسطى في جمادى الآخرة، وأهاب به إلى الأمانات بالعدوة؛ فاستصلحها واستمال أهلها؛ وجعله قاضي القضاة بالغرب من العدوة، وأمر عماله وقواده ألا ينفذوا شيئا دونه، إلا بمشورته؛ ثم أضاف إليه الحكم النظر في الحشم، وهو في علته التي مات فيها بالفالج.
وقيل أيضا إن سبب ظهوره كان خدمته للسيدة صبح البشكنشية، أم عبد الرحمن وهشام؛ فكانت أقوى أسبابه في تنقيل الملك عما قليل إليه؛ فإنه استمال هذه المرأة بحسن الخدمة، وموافقة المسرة، وسعة البذل في باب الإتحاف والمهاداة، حتى استهواها، وغلب على قلبها؛ وكانت الغالبة على مولاها، وابن أبي عامر يجتهد في برها والمثابرة على ملاطفتها؛ فيبدع في ذلك، ويأتيها بأشياء لم يعهد مثلها، حتى لقد صاغ لها قصرا من فضة وقت ولايته السكة، عمل فيه مدة، وأنفق فيه مالا جسيما؛ فجاء بديعا، لم تر العيون أعجب منه؛ وحمل ظاهرا لأعين الناس من ذار ابن أبي عامر، وشاهد الناس منه منظرا بديعا، لم تر العيون أعجب منه؛ فتحدث الناس بشأنه دهرا، ووقع من قلب المرأة موقعا لا شئ فوقه؛ فتزيدت في بره، وتكفلت بشأنه، حتى تحدث الناس بشغفها به. وقال الحكم يوما لبعض ثقاته:(ما الذي استلطف به هذا الفتى حرمنا حتى ملك قلوبهن، مع اجتماع زخرف الدنيا عندهن، حتى صرن لا يصفن إلا هداياه، ولا يرضيهن إلا ما أتاه؟ إنه لساحر عليم، أو خادم لبيب! وإني لخائف على ما بيده!) ثم سعى به إلى الحكم، وقيل عنه إنه قد أسرع في إتلاف مال السكة الموقوف قبله؛ فأمره الحكم بإحضاره ليشاهد سلامته؛ فأظهر الإسراع إلى ذلك، وقد استهلك جملة من الأموال؛ فألقى نفسه في جبرها على الوزير ابن حدير في إسلافه إياها؛ وكان صديقا له؛ فياسره فيه، وةحمل المال إليه من وقته؛ فتمم به ما قبله، وارتفعت الظنة عنه؛ فأكذب الحكم ما رفع إليه عنه، وازداد عجبا به، وأقره على حاله؛ فرد ابن أبي عامر المال لابن حدير من حينه، ولصق بالحكم، وصار في عداد كنفاته.
واشتغل قلب الحكم، آخر أيامه، بأمر العدوة ومن جرده إليها من عساكره لحرب الأدارسة وغيرهم، واغتم لما خرج من يده في ذلك الوجه من الأموال.