الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة 229، خرج الأمير عبد الرحمن لمحاصرة موسى بن موسى بتطيلة؛ فدوخ بلاده، ثم صالحه. ثم تقدم إلى بنبلونة؛ فكانت له بها وقعة عظيمة على المشركين، فني فيها أعداء الله؛ وكان معهم موسى بن موسى؛ فناله ورجاله ما نالهم.
وفيها، ورد كتاب وهب الله بن حزم عامل الأشبونة، يذكر أنه حل بالساحل قبله أربعة وخمسون مركبا من مراكب المجوس، معها أربعة وخمسون قاربا؛ فكتب إليه الأمير عبد الرحمن وإلى عمال السواحل بالتحنظ.
دخول المجوس إشبيلية في سنة 230
فخرج المجوس في نحو ثمانين مركبا، كأنما ملأت البحر طيرا جونا؛ كما ملأت القلوب شجوا وشجونا. فحلوا بأشبونة؛ ثم أقبلوا إلى قادس، إلى شذونة؛ ثم قدموا على إشبيلية؛ فاحتلوا بها احتلالا، ونازلوها نزالا، إلى أن دخلوها قسرا، واستأصلوا أهلها قتلا وأسرا. فبقوا بها سبعة أيام، يسقون أهلها كأس الحمام. واتصل الخبر بالأمير عبد الرحمن؛ فقدم على الخيل عيسى بن شهيد الحاجب، واتصل المسلمون به اتصال العين بالحاجب. وتوجه بالخيل عبد الله ابن كليب وابن رستم وغيرهما من القواد واحتل بالشرف. وكتب إلى عمال الكور في استنفار الناس؛ فحلوا بقرطبة، ونفر بهم نصر الفتى. وتوافت للمجوس مراكب على مراكب، وجعلوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء، ويأخذون الصبيان، وذلك بطول ثلاثة عشر يوما. ذكر ذلك في (بهجة النفس) . وفي كتاب (درر القلائد) : سبعة أيام، كما تقدم. وكانت بينهم وبين المسلمين ملاحم. ثم نهضوا إلى قبطيل؛ فأقاموا بها ثلاثة أيام، ودخلوا قورة، على اثني عشر ميلا من إشبيلية؛ فقتلوا من المسلمين عددا كثيرا؛ ثم دخلوا إلى طلياطة، على ميلين من إشبيلية؛ فنزلوها ليلا، وظهروا بالغداة بموضع يعرف بالنخارين؛ ثم
مضوا بمراكبهم، واعتركوا مع المسلمين. فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى. ثم عادوا إلى مراكبهم. ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده؛ فدافعهم ودافعوه؛ ونصبت المجانيق عليهم، وتوافت الأمداد من قرطبة إليهم. فانهزم المجوس وقتل منهم نحو من خمسمائة علج؛ وأصيبت لهم أربعة مراكب بما فيها؛ فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيء. ثم كانت الوقعة عليهم بقربة طلياطة يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر من السنة، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثون مركبا. وعلق من المجوس بإشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها. وركب سائرهم مراكبهم، وساروا إلى لبلة؛ ثم توجهوا منها إلى الأشنونة؛ فانقطع خبرهم.
(وكان احتلالهم بإشبيلية يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم من سنة 230) . وكان لبن دخولهم إلى إشبيلية وخروج من بقى منهم وانقطاعهم اثنان وأربعون يوما؛ فقتلهم الله وأبادهم، وبدَّد عددهم وأعدادهم؛ وقتل أميرهم نقمة من الله وعذابا، وجزاء بما كسبوا وعقابا. ولما قتل الله أميرهم، وأفنى عديدهم، وفتح فيهم، خرجت الكتب إلى الآفاق بخبرهم. وكتب الأمير عبد الرحمن إلى من بطنجة من صنهاجة، يعلمهم بما كان من صنع الله في المجوس، وبما أنزل فيهم من النقمة والهلكة؛ وبعض إليهم برأس أميرهم وبمائتي رأس من أنجادهم.
وفي سنة 231، غزا بالصائفة جليقية محمد ابن الأمير عبد الرحمن؛ فحصرها، وحصر مدينة ليون، ورماها بالمجانيق. فلما أيقنوا بالهلاك، خرجوا ليلا، ولجئوا إلى الجبال والغياض؛ فأحرق ما فيها، وأراد هدم سورها؛ فوجد سعته ثمان عشرة ذراعا؛ فتركه؛ وأمعن في بلاد الشرك قتلا وسبيا.
وفي سنة 232، قحطت الأندلس قحطا شديدا؛ وكانت فيها مجاعة عظيمة، حتى هلكت المواشي، واحترقت الكروم، وكثر الجراد.
وفي سنة 234، أمر الأمير بتوجيه العساكر إلى أهل جزيرة ميورقة، لنكايتهم، وإذلالهم، ومجاهرتهم بنقضهم العهد، وإضرارهم بمن مر عليهم من مراكب المسلمين. فغرتهم ثلاثمائة مركب؛ فصنع الله للمسلمين جميلا، وأظفرهم بهم، وفتحوا أكثر جزائرهم.
وفي سنة 34 المذكورة، توفي يحيى بن يحيى؛ فاستراح القضاة من همه.
وفي سنة 235، ورد كتاب أهل ميورقة ومنورقة إلى الأمير عبد الرحمن، يذكرون ما نالهم من نكاية المسلمين لهم؛ فكتب إليهم كتابا أذكر هنا فصولا منه، وهو:(أما بعد، فقد بلغنا كتابهم، تذكرون فيه أمركم، وإغارة المسلمين الذين وجهناهم إليكم لجهادكم، وإصابتهم ما أصابوه منكم من ذراريكم وأموالكم، والمبلغ الذي بلغوه منكم، وما أشفيتم عليه من الهلاك. وسألتم التدارك لأمركم، وقبول الجزية منكم، وتجديد عهدكم على الملازمة للطاعة، والنصيحة للمسلمين، والكف عن مكروههم، والوفاء بما وتحملونه عن أنفسكم. ورجونا أن يكون فيما عوقبتم به صلاحكم، وقمعكم عن العود إلى مثل الذي كنتم عليه. وقد أعطيناكم عهد الله وذمته!) وفيها، كان سيل عظيم بجزيرة الأندلس، حمل وادي شيل، وخرب فوسين من حنايا قنطرة إستجة، وخرب الأسداد والأرحاء. وذهب السيل بست عشرة قرية من قرى إشبيلية على النهر الأعظم. وحمل وادي تاجه؛ فأذهب ثمان عشرة قرية؛ وصار عرضة ثلاثين ميلا.
وفي سنة 236، ثار رجل من البربر، يقال له حبيب البرنسي، بجبال