الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمعة للأذان، وهو من أعجب البنيان. وإذ قد وقع ذكر المسجد الجامع بقرطبة؛ فالواجب أن نذكر أول من أحدثه ومن تولي بناءه من ملوك بني أمية. على سبيل الاختصار؛ فنقول:
ذكر مسجد قرطبة الأعظم
ذكر الرازي عن الفقيه محمد بن عيسى أنه قال: لما افتتح المسلمون الأندلس، استدلوا بما فعل أبو عبيدة وخالد رضي الله عنهما عن رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مشاطرة الروم في كنائسهم مثل كنيسة دمشق وغيرها مما أخذوه صلحا. فشاطر المسلمون أعاجم قرطبة في كنيستهم العظمى التي كانت بداخلها، وابتنى المسلمون في ذلك الشطر مسجدا جامعا. وبقى الشطر الثاني بأيدي الروم، وهدمت عليهم سائر الكنائس. فلما كثر المسلمون بالأندلس، وعمرت قرطبة ونزلها أمراء العرب بجيوشهم. ضاق عنهم ذلك المسجد، وجعلوا يعلقون منه سقائف؛ فنال الناس من الضيق مشقة عظيمة. فلما دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس، وسكن قرطبة، نظر في أمر الجامع، وتوسيعه، وإتقان بنائه؛ فأحضر أعاجم قرطبة، وسألهم بيع ما بقي بأيديهم من الكنيسة المذكورة، وأوسع لهم البذل فيه، وفاء بالعهد الذي صولحوا عليه؛ وأباح لهم بناء كنائسهم التي كانت هدمت عليهم في وقت الفتح بخارج قرطبة. وخرجوا عن الشطر؛ فاتخذه وأدخله في الجامع الأعظم. وكان شروع عبد الرحمن الداخل في هدم الكنيسة وبناء الجامع سنة 169؛ وثم بناؤه، وكملت بلاطاته، واشتملت أسواره في سنة 170؛ فذلك مدة من عام كامل؛ فقيل إن النفقة التي أنفق الإمام عبد الرحمن بطول هذه السنة في بناء الجامع ثمانون ألفا بالوازنة. وفي ذلك يقول البلويُّ رحمه الله (طويل) :
وَأبرَزَ في ذاتِ الإلهِ وَوَجهِهِ
…
ثَمانينَ ألفاً من لُجَينٍ وعَسْجَدِ
فأنفَقها في مَسِجدٍ أُسُّه الشُّقَي
…
ومَنْهَجُه دينُ النبيِّ مُحَمَّد
ثم زاد ابنه هشام صومعة، كان ارتفاعها أربعين ذراعا إلى موضع الأذان وبنى بآخر المسجد سقائف لصلاة النساء؛ وأمر ببناء الميضأة بشرقي الجامع. وأقام الجامع على هيئته تلك إلى أيام عبد الرحمن بن الحكم؛ ثم زاد عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الزيادة المنتظمة بالأرجل، طولها خمسون ذراعا، وعرضها مائة وخمسون، وعدد سواريها ثمانون سارية؛ وكان الفراغ من هذه الزيادة في جمادى الأولى سنة 234. ثم زاد الأمير محمد بن عبد الرحمن أن أمر بإتقان طرر الجامع، وتنميق نقوشه، وبإقامة المقصورة، وجعل لها ثلاثة أبواب؛ فلما كمل ما أمر به في الجامع، دخله وصلى فيه ركعات خشع فيها. فقال في ذلك موسى بن سعيد (طويل) :
لَعمِري لقد أبدَى الإمامُ التواضُعَا
…
فأصبَحَ للدُّنيا وللدِّين خَاشِعا
بَنَى مَسجداً لم يُبنَ في الأرض مِثلُه
…
وصلى به شُكراً لذي العَرش راكِعا
فطُوبَى لمن كان الأمير محمَّد
…
له إذْ دَعَا فيه إلى الله شافِعا
ثمَّ زاد الأمير المنذر بن محمد البيت المعروف ببيت المال في الجامع؛ فوضع فيه الأموال الموقفة لغياب المسلمين؛ وأمر بتجديد السقاية وإصلاح السقائف. ثم زاد أخوه الأمير عبد الله بن محمد ساباطا معقودا على حنايا، أوصل به ما بين القصر والجامع من جهة الغرب؛ ثم أمر بستارة من آخر هذا الساباط إلى أن أوصلها بالمحراب؛ وفتح إلى المقصورة بابا كان يخرج منه إلى الصلاة؛ وهو أول من اتخذ ذلك من أمراء بني أمية بالأندلس رحمهم الله.
رجع الخبر إلى ذكر الناصر. قيل إنه أنفق في صومعة المسجد وفي تعديل