الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: اللباس والزينة للرجال
* وجوب ستر العورة:
العورة لغة: كل خلل يتخوف منه من ثغر أو حرب، والعورة كل مكمن للستر، وعورة الرجل والمرأة: سوأتهما (1).
والعورة اصطلاحًا: "كل ما حرَّم الله تعالى كشفه أمام من لا يحل النظر إليه"(2).
وقد أوجب الشرع حفظ العورات وسترها عمن لا يحل له النظر إليها:
1 -
قال الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (3).
وقد كان العرب في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية، وأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أن لا يطوف بالبيت عريان"(4).
قال القرطبي رحمه الله: والخطاب في الآية لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانًا، فإنه عام في كل مسجد للصلاة، لأن العبرة للعموم لا للسبب. اهـ (5).
2 -
ونهى الله تعالى الناس عن كشف عورتهم وسماه فتنة، قال تعالى: {يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما
…
} (6).
3 -
ولأهمية ستر العورة ومكانتها في الإسلام فقد لازم الشارع بينها وبين التقوى، فقال سبحانه:{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} (7).
4 -
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يارسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك" قلت:
(1)«لسان العرب» (4/ 416) ط. دار صادر.
(2)
«نهاية المحتاج» (2/ 5)، و «تفسير القرطبي» (7/ 182) ط. الكتاب العربي.
(3)
سورة الأعراف: 31.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (369)، ومسلم (1347).
(5)
«الجامع لأحكام القرآن» (7/ 189) ط. دار الكتاب العربي.
(6)
سورة الأعراف: 27.
(7)
سورة الأعراف: 26.
يارسول الله، فالرجل يكون مع
الرجل؟ قال: "إن استطعت أن لايراها أحد فافعل" قلت: الرجل يكون خاليا؟ قال: فالله أحق أن يُستحيا منه من الناس" (1).
5 -
عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضى الرجل إلى الرجل فى الثوب الواحد"(2).
6 -
بالإضافة إلى الأدلة الكثيرة المتضافرة في وجوب غض البصر وتحريم النظر إلى العورات، ووجوب الاستئذان ونحو ذلك مما سيأتي في موضعه، إن شاء الله.
* حدود عورة الرجل:
لا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعين الناس -إلا ما استثناه الدليل- ولكن ما هو حد العورة بالنسبة للرجل؟ للعلماء في هذا أقوال، يمكن تلخيصها في قولين:
الأول: عورة الرجل ما بين السرة والركبة (3): وهو مذهب الجمهور من المذاهب الأربعة وغيرهم، على اختلاف بينهم في دخول السرة والركبة في العورة، واستدلوا بما يلي:
1 -
ما علَّقه البخاري -بصيغة التمريض- عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ عورة"(4).
وفي أسانيدها جميعًا ضعف، لكن يقوي بعضها بعضًا، قال العلامة الألباني رحمه الله:"لأنه ليس فيها متهم، بل عللها تدور بين الاضطراب والجهالة، والضعف المحتمل، فمثلها مما يطمئن القلب لصحة الحديث المروي بها .... " اهـ.
(1) حسن: أخرجه أبو داود (7/ 40)، والترمذي (2769)، وابن ماجة (1920).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (338)، والترمذي (2793)، وأبو داود (4018).
(3)
«الخرشي» (1/ 246)، و «الكافي» لابن عبد البر (1/ 238)، و «المجموع» (3/ 168)، و «الفروع» (1/ 329).
(4)
أما حديث ابن عباس: فأخرجه الترمذي (2798)، والحاكم (4/ 200)، والبيهقي (2/ 228)، والطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 474)، وأما حديث جرهد فأخرجه الترمذي (2795)، وأبو داود (4014)، وأحمد (3/ 478)، وابن حبان (1710)، والحاكم والبيهقي في الموضع المشار إليها والدارقطني (1/ 224)، وأما حديث محمد بن جحش فأخرجه أحمد (5/ 290)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (929)، والطبراني (19/ 246)، والحاكم (3/ 738)، والبيهقي (2/ 228)، والطحاوي (1/ 474)، وأسانيدها جميعًا ضعيفة، لكن يقوي بعضها بعضًا، والله أعلم.
2 -
ما رُوي عن علي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت"(1) وهو ضعيف جدًا.
3 -
ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة"(2).
4 -
وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: "أقبلت بحجر ثقيل أحمله، وعليَّ إزار خفيف، فانحلَّ إزاري ومعي الحجر لم أستطع وضعه حتى بلغتُ به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى ثوبك فَخُذْهُ، ولا تمشوا عراة" (3).
الثاني: العورة هي القُبُل والدُّبر فقط: وهو رواية أخرى عن أحمد، ورواية في مذهب مالك، وبه قال الظاهرية (4)، واستدلوا على أن الفخذ ليس بعورة بما يلي:
1 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغَلَس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبى طلحة، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى زقاق خيبر، وإن ركبتى لتمس فخذ النبى صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إنى أنظر إلى فخذ النبى صلى الله عليه وسلم"(5).
قال ابن حزم (6): "فصحَّ أن الفخذ ليست عورة، ولو كانت عورة لما كشفها الله عزوجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره، وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة".
وأجيب: بأن هذا محمول على أن الإزار انحسر بنفسه، لا بفعله صلى الله عليه وسلم، ولا أنه تعمده، ويدل عليه رواية "الصحيحين":"فانحسر الإزار".
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا كاشفًا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله، ثم
(1) ضعيف جدًّا: أخرجه أبو داود (3140، 4015)، وابن ماجة (2/ 228)، والبيهقي (2/ 228)، وانظر «الإرواء» (269).
(2)
حسَّنه الألباني: أخرجه أحمد (2/ 187)، والدارقطني (1/ 230)، وانظر «الإرواء» (271).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (341)، وأبو داود (4016).
(4)
«كتاب الروايتين والوجهين» للقاضي (1/ 94)، و «المحلي» (3/ 272)، و «نيل الأوطار» (2).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).
(6)
«المحلي» (3/ 272).
استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه، وقال:"ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! "(1).
وأجيب: بأنها واقعة عين وحكاية حال لا تنتهض على معارضة الأحاديث المتقدمة العامة لجميع الرجال!! وكذلك فقد وقع تردد في رواية "مسلم" بين الفخذ والساق، ففي بعض ألفاظه:"كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه"!! والساق ليس بعورة إجماعًا.
3 -
حديث جابر قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على وركه من وثء (2) كان به"(3).
وأجيب: بأن كشف النبي صلى الله عليه وسلم وركه للحجام لا يدل على أنه ليس بعورة، لأنه كشف اقتضته ضرورة المعالجة، وهو جائز اتفاقًا.
* الراجح:
قلت: الذي يظهر أن أدلة الجمهور -القولية- يُعضِّد بعضها بعضًا وترتقي إلى درجة الحجية، وهي مقدَّمة على أدلة الفريق الآخر لأن أدلتهم وقائع أعيان لا عموم لها، وهذا موطن يُقدَّم فيه القول على الفعل بلا تردد، فإن قيل: لم سلكتم مسلك الترجيح ولم تجمعوا، مع أن إعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها؟ قيل: لأن الفخذ إما أن تكون عورة أو لا تكون، ولا وَسَط، فتحتَّم الترجيح، وبهذا يُعلم أن ما جمع به ابن القيم في "تهذيب السنن" واستحسنه الألباني -رحمهما الله- في "الإرواء" (1/ 301) بين الأحاديث بأن:"العورة عورتان، مخففة ومغلظة، فالمغلَّظة السوأتان، والمحففة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة" فهذا غير متجه والله.
* ما يباح ويستحب من اللباس للرجال:
* أحسن الثياب: البيض:
1 -
عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم"(4).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2401).
(2)
الوثء: وجع يصيب العضو من غير كسر.
(3)
ضعيف: أخرجه أبو داود (3863) وفي سنده لين، وهو عند النسائي (2848)، وابن ماجة (3485)، لكن ليس عندهما ذكر «الورك» ، بل احتجم في قدمه!!
(4)
صحيح: أخرجه النسائي (4/ 34 - 8/ 205)، وابن ماجة (3567)، وأحمد (5/ 12، 20).
وفي رواية: "عليكم بالبياض من الثياب، فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها من خير ثيابكم".
قال الشوكاني رحمه الله: "أما كونه أطيب فظاهر، وأما كونه أطهر فلأن أدنى شيء يقع عليه يظهر فيغسل إذا كان من جنس النجاسة فيكون نقيًّا، والأمر المذكور في الحديث ليس للوجوب، لما ثبت
عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره، وإلباس جماعة من الصحابة ثيابًا غير بيض، وتقريره صلى الله عليه وسلم لجماعة منهم على غير لبس البياض" اهـ (1).
2 -
وعن سعد قال: "رأيت بشمال النبى صلى الله عليه وسلم ويمينه رجلين عليهما ثياب بيض يوم أُحد، ما رأيتهما قبل ولا بعد"(2).
3 -
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم
…
" (3) الحديث.
* ولا بأس بغير البيض:
1 -
فعن البراء قال: "كان النبى صلى الله عليه وسلم مربوعًا، وقد رأيته فى حُلَّة حمراء، ما رأيت شيئًا أحسن منها"(4).
2 -
وعن عائشة قالت: "خرج رسول الله وعليه مِرْطٌ مرحَّل من شعر أسود"(5).
3 -
وعن قتادة قال: قلنا لأنس: أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "الحِبَرَة"(6).
والحبرة: بردٌ من برود اليمن من كتان أو قطن محبَّرة أي: مزينة ومخطَّطة.
4 -
وعن أبي رمثة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بُردان أخضران"(7).
(1)«نيل الأوطار» بتصرف يسير.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (5826).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5827).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5848)، وله شاهد من حديث جابر عند الترمذي (2811).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (2081)، والترمذي (2813)، وأبو داود (402).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (5812)، ومسلم (2081).
(7)
صحيح: أخرجه الترمذي (2812)، وأبو داود (4206)، والنسائي (8/ 204)، وأحمد (2/ 227).
5 -
والأخضر أكثر لباس أهل الجنة، وقد قال تعالى:{عاليهم ثياب سندس خضر} (1).
* أفضل الثياب القميص (2):
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القُمُص"(3).
وذلك لأنه أستر للأعضاء من الإزار والرِّداء اللذين يحتاجان كثيرًا إلى الربط والإمساك وغير ذلك بخلاف القميص.
* جواز لبس السراويل (البنطلون):
لبس السراويل جائز باتفاق العلماء، والأصل في جوازها، حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين"(4).
وينبغي أن تكون هذه السراويل (البنطلون) فضفاضة لا تحدد العورة، وإلا لزم أن يُجعل فوقها قميص طويل يستر العورة، وقد جاء عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تسرولوا واتَّزروا، وخالفوا أهل الكتاب"(5).
* تنبيه: قد ذهب بعض الفضلاء من أهل العلم في عصرنا إلى كراهة لبس البنطلون والصلاة فيه -كراهة تحريمية- قالوا: لما فيه من التشبه بالكفار!! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء وعليه ثوب معصفر: "هذه ثياب الكفار فلا تلبسها"(6).
قلت: لم يعد لبس البنطلون مما يميز الكفار ولا هو شعارهم حتى يحرم لعلة التشبه، وإنما الذي يُشترط فيه هو ما تقدم الإشارة إليه من كونه واسعًا فضفاضًا لا يحدد العورة، وتركه ولبس القميص أولى لما تقدم والله أعلم.
(1) سورة الإنسان: 21.
(2)
القميص هو الثوب الذي يسمَّى في بلادنا «الجلَاّبية» .
(3)
حسن: أخرجه الترمذي (1762، 1763)، وأبو داود (4025)، والنسائي في «الكبرى» (9668)، وأبو يعلى (7014)، والبيهقي (2/ 239).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1841، 5804)، والنسائي (2672)، وابن ماجة (2931).
(5)
صحيح: أخرجه أحمد (5/ 264)، والطبراني كما في «المجمع» (5/ 121).
(6)
صحيح: يأتي تخريجه قريبًا.
* استحباب لبس العِمامة:
عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء"(1) ويستحب أن يُرسل (يُرخِى) العمامة بين الكتفين:
من حديث عمرو بن حريث قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه"(2).
وعن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتمَّ سدل عمامته بين كتفيه"(3).
قال النووي: "يجوز لبس العمامة بارسال طرفها وبغير إرساله، ولا كراهة في واحد منهما، ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شئ، وإرسالها إرسالًا فاحشًا كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ويُكره لغيره" اهـ (4).
* ما نُهي الرجال عن لبسه:
* تحريم الثياب الخاصة بالنساء:
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم تشبُّه الرجل بالمرأة في اللباس الذي يختص بهن وعكسه، وقد ثبتت النصوص بتحريم مطلق تشبه كلا الجنسين بالآخر فيما يختص به، وهذا يشمل التشبه في اللباس والزينة والكلام والمشي ونحو ذلك، وهذه النصوص:
1 -
حديث ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"(5).
2 -
وعن أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل"(6).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1358)، والترمذي (1735)، والنسائي (2869)، وأبو داود (4076)، وابن ماجة (2822).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1359)، وابن ماجة (2821).
(3)
حسن لغيره: أخرجه الترمذي (1736)، وابن حبان (6397)، والطبراني (12/ 379) وهو حسن لغيره.
(4)
«المجموع» (4/ 457).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5885)، والترمذي (2784)، وأبو داود (4097)، وابن ماجة (1904).
(6)
صحيح: أخرجه أبو داود (4098)، وأحمد (2/ 325).
واللعن لا يكون إلا على فعل محرم، وبهذا قال الجمهور.
وقال الشافعي: لا يحرم، وإنما يكره!! والأحاديث تردُّ ذلك، ولذا قال النووي رحمه الله منصفًا:"والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام للحديث الصحيح"(1) اهـ.
* تحريم إسبال الثوب وجرِّه خيلاء:
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه خيلاء"(2).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطرًا"(3) أي تكبرًا.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي في حُلَّة تعجبه نفسه مرجِّل جمته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"(4).
وقد دلَّت هذه النصوص وغيرها على تحريم جرِّ الثوب تكبرًا وخيلاء، وأنه من الكبائر.
* حكم الإسبال لغير الخيلاء:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفل الكعبين من الإزار في النار"(5).
قال الخطابي: "يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه: أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة .. " اهـ (6).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقال أبو بكر: إن أحد شِقَّي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال:"إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء"(7).
(1)«المجموع» (4/ 335).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (5783)، ومسلم (2085).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5788)، ومسلم (2087).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5789)، ومسلم (2088).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5787)، والنسائي (5331)، وأبو داود (4093)، وابن ماجة (3573).
(6)
«فتح الباري» (10/ 257) ط. السلفية.
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (5784)، والنسائي (5335)، وأبو داود (4085).
وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى تحريم إسبال الثوب تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، قالوا: لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة، فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء!! وهكذا نصَّ الشافعي على الفرق (1).
وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: أنا لا أجرُّه خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظًا، ولا يجوز لمن تناوله لفظًا أن يخالفه، ويقول: تلك العلة ليست فيَّ، فإنها دعوى غير مسلَّمة، بل إطالة ذيله دالة على تكبره (2).
قلت: وهذا الأخير أظهر، ويؤيده حديث جابر بن سليم الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:"وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة"(3).
فجعل مجرد الإسبال من المخيلة المحرمة، فالحاصل أن إسبال الثوب تحت الكعبين حرام ويستحق فاعله أن يُعذَّب، ما تحت الكعبين في النار -كما في حديث أبي هريرة- لكن هذا لا يكون من الكبائر التي تحرمه من نظر الله تعالى إليه يوم القيامة إلا إذا قصد التكبر والخيلاء، لأن العقوبتين -عقوبة قاصد الخيلاء وغيره- قد اختلفتا فلم يجز حمل المطلق على المقيد.
وأما حديث أبي بكر، فالظاهر أنه لم يكن مسبلًا وإنما كان يسترخي فيحتاج إلى رفعه، فلا يعكِّر الحديث على ما تقدم، والله أعلم.
* هل يدخل في حكم الإسبال تطويل أكمام القميص (4)؟
الذي يظهر أن من أطال أكمام القميص حتى خرج عن العادة دخل في حكم الإسبال، وقد نقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة.
(1)«شرح مسلم» للنووي (14/ 62) ط. الفكر.
(2)
«فتح الباري» (10/ 264) عن ابن العربي.
(3)
صحيح بطرقه: أخرجه أبو داود (4084)، وابن حبان (522)، والنسائي في «الكبرى» (9691)، وأحمد (5/ 63).
(4)
«فتح الباري» (10/ 262)، و «زاد المعاد» (1/ 52)، و «نيل الأوطار» .
قلت: يؤيد هذا حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جرَّ شيئًا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"(1).
وقد ذكر ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من هديه لبس الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج، فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه ألبتة، وأنها مخالفة لسُنَّته، وفي جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء، وفيها إضاعة للمال، فقد يفصل من هذا الكم ثوب آخر.
* لبس الحرير الخالص:
* ذهب الجماهير من أهل العلم -بل نقل بعضهم الإجماع (2) - إلى أنه يحرم لبس الحرير الخالص على الرجال -إلا لضرورة كما سيأتي- للنصوص المصرِّحة بالتحريم، ومنها:
1 -
حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"(3) والظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة، فقد قال تعالى في أهل الجنة {ولباسهم فيها حرير} (4).
2 -
وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة"(5).
3 -
وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة"(6) أي: من لا نصيب له.
4 -
وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحلَّ لإناثهم"(7).
(1) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (4094)، والنسائي (5334)، وابن ماجة (3576)، وانظر «المشكاة» (4332).
(2)
«المغني» (2/ 204)، و «الفتح» (10/ 285)، و «شرح مسلم» (14/ 32).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5833)، ومسلم (2069).
(4)
سورة الحج: 23.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5426)، ومسلم (2067).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (5835)، ومسلم (2068).
(7)
صحيح: أخرجه أبو داود (4057)، والترمذي (1720)، والنسائي (8/ 160)، وابن ماجة (3595).
5 -
وقد نقل عن قوم إباحة الحرير للرجال، واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث عقبة بن عامر قال: أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُوج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف، فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له، ثم قال:"لا ينبغي هذا للمتقين"(1) وأجيب: بأن هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لبسه قبل تحريمه، إذ لا يجوز أن يُظَنَّ به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها.
2 -
حديث المسور بن مخرمة: "أنها قُدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية، فذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء منها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزرَّر، فقال: "يا مخرمة خبأنا لك هذا" وجعل يريه محاسنه، وقال: "أرضيَ مخرمة؟ " (2).
وأجيب: بأن هذا فعل لا ظاهر له، والأقوال صريحة في التحريم، على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير ثم كان التحريم آخر الأمرين (3).
* القدر المباح من الحرير في الثوب:
يُباح لبس الرجل للثوب إذا كان به عَلَم بمقدار أربع أصابع فما دون من الحرير، عند جمهور العلماء، لحديث أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وصفَّ لنا النبي صلى الله عليه وسلم إصبعيه"(4).
وفي لفظ لمسلم: "نهى عن لُبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة"(5).
فإن زاد علم الحرير في الثوب على أربعة أصابع حَرُم.
* إباحة لبس الحرير عند الضرورة (6):
ذهب الجمهور -خلافًا للمالكية ورواية عن أحمد- إلى جواز لبس الحرير عند الضرورة كحالة المرض أو الحكة ونحو ذلك، لحديث أنس قال:"رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكَّة بهما"(7).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (375)، ومسلم (2075).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (3127)، والبيهقي (3/ 273)، والطحاوي (4/ 243).
(3)
«أحكام العورة والنظر» لمساعد الفالح (ص: 183).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5829)، ومسلم (2069).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (2069).
(6)
«ابن عابدين» (5/ 224)، و «الخرشي» (1/ 252)، و «المجموع» (4/ 440)، و «المغني» (2/ 306)، و «زاد المعاد» (3/ 103).
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (5839)، ومسلم (2076).
وذهب المالكية -وهو الرواية الأخرى عند الحنابلة- إلى أنه لا يجوز للحكَّة ونحوها على الأصل، وأن الرخصة كانت خاصَّة بالصحابيين رضي الله عنهما (!!).
والصحيح قول الجمهور، لأن الأصل عدم التخصيص، والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى، تعدَّت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه، والله أعلم.
* لا يجوز افتراش الحرير:
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: "نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه"(1) وبه قال الجمهور -خلافًا لأبي حنيفة- لأن سبب تحريم اللبس موجود في الجلوس، ولأنه إذا حرم اللبس مع الحاجة فغيره أولى، هذا حكم الذكور، وأما الإناث فجائز لهن كاللبس.
* تحريم ثوب الشهرة:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله مذلَّة يوم القيامة [ثم ألهب فيه نارًا] "(2).
قال ابن الأثير: الشهرة ظهور الشيء، والمراد أنه ثوب يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر. اهـ.
* هل يكره للرجل لبس الأحمر؟
اختلف أهل العلم في حكم لبس الرجل للثوب الأحمر على الأقوال -حصرها الحافظ في سبعة أقوال- ويمكن تلخيصها في قولين (3):
الأول: يُكره لبس الثوب الأحمر: وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وحجتهم ما يلي:
1 -
حديث البراء بن عازب قال: "أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع ونهانا عن سبع -فذكر منها-: المياثر الحمر"(4) وفي رواية من حديث عمران بن حصين: "نهى عن ميثرة الأرجوان"(5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5837).
(2)
حسن: أخرجه أبو داود (4029)، وابن ماجة (3606)، وأحمد (2/ 92)، وهو في «صحيح الجامع» (6526).
(3)
«مجمع الأنهر» (2/ 532)، و «الإنصاف» (1/ 481)، و «فتح الباري» (10/ 305)، و «نيل الأوطار» .
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5849)، ومسلم (2066).
(5)
أخرجه الترمذي (2788)، وهو في «صحيح الجامع» (6907).
والمياثر: وسائد صغيرة حمراء يجعلها الراكب -من الأعاجم- تحته.
وأجيب: بأن الدليل أخصُّ من الدعوى، وغاية ما فيه تحريم الميثرة الحمراء، فما الدليل على تحريم ما عداها مع ثبوت لبس النبي صلى الله عليه وسلم للأحمر مرات كما سيأتي؟! على أنه يحتمل أن يكون النهي عنها إنما لأنها كانت تتخذها العجم من ديباج وحرير.
2 -
ما يُروى عن عبد الله بن عمرو قال: "مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران" فسلَّم عليه، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم" (1) وهو ضعيف.
3 -
وعن امرأة من بني أسد قالت: "كنت يومًا عند زينب امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثيابها بمغرة -والمغرة صباغ أحمر- قالت: فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أنه صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت وأخذت فغسلت ثيابها ودارت كل حمرة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئًا دخل"(2) وهو ضعيف.
4 -
ما رُوي عن رافع بن يزيد الثقفي مرفوعًا: "إن الشيطان يحب الحمرة، وإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة"(3) وهو ضعيف كذلك.
الثاني: يجوز لبس الأحمر، وهو مذهب المالكية والشافعية، وحجتهم:
1 -
حديث البراء بن عازب قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعًا، وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئًا أحسن منها"(4).
2 -
وعن جابر بن سمرة قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان (5) فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر وعليه حلة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر"(6).
وقد أجاب الأوَّلون: بأن الحلة الحمراء التي لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن حمراء بحتًا وإنما خالطه غير الأحمر.
(1) ضعيف: أخرجه الترمذي (2807)، وأبو داود (4069).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (4071)، وابن أبي عاصم في «الآحاد» (3096) والطبراني (24/ 57 - 25/ 185).
(3)
ضعيف: أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7708).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5848) وقد تقدم.
(5)
ليلة إضحيان، أي: مضيئة ومقمرة.
(6)
ضعيف: أخرجه الترمذي (2811)، والنسائي في «الكبرى» (6940)، وأبو يعلى (7477)، والحاكم (4/ 207) ويشهد له ما قبله.
* الراجح: الذي يظهر لي أن أدلة الأولين القائلين بالكراهة ليست قوية، والظاهر أنه لا بأس بلبس الأحمر، لكن لو ترك الأحمر الخالص القاني الذي لم يخالطه غيره لكان أولى وأحوط خروجًا من الخلاف، والله أعلم.
* الثوب المعصفر:
عن عبد الله بن عمرو قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:"إن هذه من لباس الكفار، فلا تلبسها"(1).
وفي رواية قال: "أَأُمُّك أمرتك بهذا؟! " قلت: أغسلها، قال:"بل أحرقها" وقوله: (أأمك أمرتك بهذا؟) معناه: أن هذا من لباس النساء وزيِّهن، وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما، فقيل: هو عقوبلا وتغليظ لزجره، وزجر غيره عن مثل هذا الفعل (2).
وعن علي بن أبي طالب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبْس القَشِّىِّ، والمعصفر، عن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع"(3).
وقد اختلف أهل العلم في الثياب المعصفرة، وهي المصبوغة بالعصفر -صبغ أصفر- فأباحها جمهور العلماء، منهم الشافعي وأبو حنيفة ومالك!!
وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه لما ثبت عن ابن عمر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة"(4) وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي.
وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج والعمرة ليكون موافقًا لحديث ابن عمر فيما يحرم على المحرم لبسه!! (5)
قلت: الأظهر أنه لا يجوز لُبس الثوب المصبوغ بالعصفر للأحاديث الثابتة، لاسيما ما كان منها فاقعًا يشبه لباس النساء، ولذا قال البيهقي رحمه الله: "لو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لقال بها، إن شاء الله
…
" اهـ.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2077).
(2)
«شرح مسلم» للنووي (14/ 55).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (2078)، والترمذي (264)، والنسائي (1041).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5851)، ومسلم (1187).
(5)
«شرح مسلم» (14/ 54).
وأما حديث ابن عمر فليس فيه ذكر المصبوغ فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صبغ الشعر أو الثوب، على أنه قد يُحمل الصفرة في حديث ابن عمر على ما لم تكن فاقعة تشابه ثياب النساء، والله أعلم.
* الثوب الذي فيه صليب:
عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه"(1).
* الثوب المصنوع من جلود السباع: كالأسد والنمر والفهد ونحوها، سواء كان في الملابس أو في الأحذية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تركبوا الخز ولا النمار"(2) وإنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة والخيلاء، ولأنه زي الأعاجم (3).
* من آداب اللباس:
1 -
الاهتمام بحسن الثياب لمن وَجَدَه:
فعن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال:"ألك مال؟ " قال: نعم، قال:"من أي المال؟ " قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال:"فإذا آتاك مالًا فَلْيَرَ أثر نعمته عليك وكرامته"(4).
وقال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة
…
} (5).
ليس هذا من الكبر، فعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال:"إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس"(6).
2 -
عدم الإسراف في اللباس:
قال الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (7).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5952).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (4129)، وابن ماجة (3656).
(3)
«عون المعبود» (11/ 188).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (4063)، والنسائي (5224) وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة، وعمران بن حصين وابن مسعود وغيرهم.
(5)
سورة الأعراف: 32.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (91)، وأبو داود (4092) وغيرهم.
(7)
سورة الأعراف: 31.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، ما لم يخالطه إسراف ولا مَخِيلَة"(1).
3 -
الدعاء عند لُبس الثوب الجديد:
عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدَّ ثوبًا سمَّاه باسمه: عمامة أو قميصًا أو رداءً، ثم يقول:"اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شرِّه وشر ما صنع له"(2).
4 -
الابتداء باليمين في اللبس:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطهوره، وفي شأنه كله"(3).
5 -
عدم المشي في نعل واحدة:
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا، أو ليحفهما جميعًا"(4).
والكراهة في هذا -والله أعلم- لأجل الشهرة، فإن هذا مما يلفت الأنظار، وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس، فكل شيء صيَّر صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب (5).
6 -
عدم الاستلقاء على الظهر ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، لمن ليس عليه سراويل:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستلقين أحدكم، ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى"(6).
(1) حسن: علَّقه البخاري في كتاب (اللباس) ووصله النسائي (2559)، وابن ماجة (3605) بسند حسن.
(2)
حسن لشواهد: أخرجه أبو داود (4020)، والترمذي (1767)، والنسائي (1382) والصواب إرساله، لكن له شاهد يتقوى به.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (426)، ومسلم (268).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5855)، ومسلم (2097).
(5)
نقله في «فتح الباري» (10/ 255) عن البيهقي.
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (2099).
ومحل النهي أن لا يكون تحت ثوبه سراويل تستر عورته، فعن أبي سعيد:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتبي الرجل في صوب واحد، ليس على فرجه منه شيء"(1).
والاحتباء: أن ينصب الرجل ساقيه ويدير عليهما ثوبه أو يعقد يديه على ركبتيه معتمدًا على ذلك.
أما إذا كان يلبس ما يستر عورته، فلا حرج، فعن عبد الله بن زيد أنه:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى"(2).
* من أحكام الزينة للرجال:
1 -
زينة الشعر:
* استحباب إكرام الشَّعر:
يستحب لمن كان له شعر أن يحافظ على نظافته وحسن مظهره، فيكرمه ويرجِّله (يسرِّحه) ويدهنه ونحو ذلك.
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه"(3).
ولا ينبغي أن يترك شعره حتى يفحش ويثور، بل عليه أن يدهنه ويسكنه في بالماء ونحوه ويسرِّحه، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا أشعث فقال:"أما كان يجد ما يسكم به شعره؟ "(4).
ويستحب أن يبدأ -في تسريحه- بالشق الأيمن من الرأس لما تقدم عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره وتنعله وترجله"(5).
فإن كان يعتني بشعره، فيستحب أن يطيله ويسدله إلى منكبيه، فعن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعر رأس منكبيه"(6).
وعن عائشة قالت: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم شعر دون الجُمَّة، وفوق الوفرة"(7).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (367)، والنسائي (5340)، وأبو داود (3377) وهو عند البخاري عن أبي هريرة وعند مسلم عن جابر.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (475)، ومسلم (2100).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (4163)، وهو في «صحيح الجامع» (6493).
(4)
صحيح: أخرجه أبو داود (4062)، والنسائي (8/ 183).
(5)
صحيح: تقدم قريبًا.
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (5904).
(7)
صححه الألباني: أخرجه ابن ماجة (3635)، والترمذي (1755).
والجُمَّة: ما تدلَّي إلى المنكبين، والوفر: ما بلغ شحمة الأذنين.
ولا ينبغي إطالة الشعر فوق هذا القدر، لأمرين:
الأول: لدخوله في التشبُّه بالنساء.
الثاني: لما رُوي عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله عليه وسلم: "نعم الرجل خزيم الأسدي، لولا طول جُمَّته وإسبال إزاره" فبلغ خزيمًا، فعجَّل، فأخذ شفرة فقطع بها جمته إلى أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه (1).
* تنبيه: وأما ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الترجُّل إلا غبًّا"(2) فالمراد به: ترك المبالغة في الترفه، والله أعلم.
* النهي عن نتف الشيب:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم يوم القيامة"(3).
وعن أنس قال: "كنا نكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته"(4).
* صبغ الشعر:
ويُشرع تغيير الشيب بصبغ -غير الأسود- فعن جابر قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"غيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد"(5).
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود والنصارى فقال: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"(6) ويكون هذا بالحناء والكتم ونحوهما، قال صلى الله عليه وسلم:"إن أحسن ما غُيِّر به الشيب: الحناء والكتم"(7).
(1) إسناده ليِّن: أخرجه أبو داود (4089)، وأحمد (4/ 179)، والطبراني (6/ 94).
(2)
صححه الألباني: أخرجه النسائي (8/ 132)، والترمذي (1756)، وأبو داود (4159)، وهو في «صحيح الجامع» (6870).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (4202)، والترمذي (2821).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (2341).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (2102)، والنسائي (5076)، وأبو داود (4204).
(6)
صحيح: أخرجه البخاري (5899)، ومسلم (2103).
(7)
صححه الألباني: أخرجه الترمذي (1573)، والنسائي (8/ 139)، وابن ماجة (3622) وفي سنده اختلاف، لكن صححه الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (1509).
وأما الصبغ بالأسود فلا يجوز، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة"(1) ولما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد"(2).
* فائدة: إنما نهى عن النتف دون الخضب; لأن فيه تغيير الخلقة عن أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه.
وقيل: شرع ستر الشيب بالخضاب لمصلحة أخرى دينية وهي إرغام الأعداء وإظهار الجلادة لهم (3).
* تحريم حلق اللحية:
حلق اللحية -للرجل- حرام بإجماع من يُعتد بخلافه من أهل العلم، لأن في خلقها تغييرًا لخلق الله، وطاعة للشيطان، ومخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها، ومشابهة للكفار، ومشابهة للنساء، وقد تقدمت الأدلة على ذلك في أول "كتاب الطهارة".
* قص الشارب وحَفُّهُ:
قص الشارب من سنن الفطرة المأمور بها، وهو من تمام زينة الرجال، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط"(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: "
…
أحفوا الشوارب" (5) وفي رواية: "جُزُّوا الشوارب
…
" (6).
بل قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا"(7).
والمراد هنا: قطع الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال، واستئصال
(1) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (4212)، والنسائي (8/ 138)، وأحمد (1/ 273)، وهو في «صحيح الجامع» (8153).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
«عون المعبود» (11/ 171) ط. الفكر.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5891)، ومسلم (257).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (260).
(7)
صححه الألباني: أخرجه النسائي (1/ 15)، والترمذي (2761)، وأحمد (4/ 368)، وهو في «صحيح الجامع» (6533).
ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها بحيث لا يؤذي الآكل، ولا يجتمع فيه الوسخ، وقيل: المراد: استئصال جميع الشعر النابت على الشفة العليا، وكلا القولين تحتمله الأدلة ويحصل به مخالفة المجوس والأمن من التشويش على الآكل، واجتماع الوسخ والله أعلم.
وينبغي ألا يترك الشارب أكثر من أربعين يومًا، لحديث أنس قال:"وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة"(1).
* النهي عن القزع: عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع"(2).
والقزع: حلق بعض الرأس وترك بعضها، وقد افتتن بهذا كثير من الشباب تقليدًا لليهود والنصارى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2 -
زينة الخاتم ونحوه:
* تحريم خاتم الذهب على الرجال:
1 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب، فكان يجعل فصَّه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال:"إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصَّه من داخل" فرمى به، ثم قال:"والله لا ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيمهم (3).
2 -
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن خاتم الذهب"(4).
3 -
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، فقال:"يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟! " فقالوا للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك فانتفع به، قال: لا، والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
4 -
وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يلبس حريرًا ولا ذهبًا"(6).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (257).
(2)
") صحيح: أخرجه البخاري (5920)، ومسلم (113).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (2090).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5863).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (2090).
(6)
حسن: أخرجه أحمد (5/ 261)، والحاكم (4/ 212)، والطبراني (8/ 186).
5 -
وقد تقدم حديث عليٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحلَّ لإناثهم"(1).
فعُلم من هذه النصوص وغيرها تحريم التختم بالذهب على الرجال، فهلَّا استجاب الكثيرون من المسلمين لهذا، وألقوا "دبلة" الذهب التي ابتُلوا بها تقليدًا للكفار، وتقديسًا -زعموا- للحياة الزوجية!!
* لا بأس بخاتم الفضة:
يشرع لبس خاتم الفضة للرجال، فعن أنس قال:"اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من فضة نقشه: محمد رسول الله، فكأني بوبيص -أو بيصيص- الخاتم في إصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه"(2).
* تنبيه: يُكره للرجل لبس الخاتم في الإصبع الوسطى أو السبابة:
فعن أبي بردة قال: قال علي رضي الله عنه: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في إصبعي هذه وهذه" قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها (3).
وفي لفظ: " .. وأشار إلى السبابة والوسطى".
قال النووي رحمه الله: "وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في الأصابع كلها، قالوا: والحكمة في كونه في الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفا، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث، وهي كراهة تنزيه
…
" اهـ (4).
* هل يباح شيء من الذهب للضرورة؟
عن عبد الرحمن بن طرفة عن جده عرفجة بن أسعد: "أنه أصيب أنفُهُ يوم الكُلَاب في الجاهلية، فاتَّخذ أنفًا من وَرِق، فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذَهَبٍ"(5).
(1) صحيح: تقدم قريبًا.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (5872)، ومسلم (2092).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (2078)، وأبو داود (4225)، والترمذي (1786)، والنسائي (5210)، والتصريح السبابة عندهم عدا مسلمًا.
(4)
«شرح مسلم» للنووي (14/ 71).
(5)
صححه الألباني: أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي (4/ 164).
قال الخطابي: "فيه استباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الأسنان به وما جرى مجراه مما لا يجري غير فيه مجراه" اهـ (1).
وبهذا قال أكثر العلماء، قلت: أما ما كان لغير ضرورة فهو باق -في حق الرجل- على أصل التحريم، فلا يجوز تركيب الأزرار الذهبية في الثياب!! ولا لبس الساعات الذهبية، إذ لا ضرورة تلجئ إلى ذلك، على ما في ذلك من السرف والخيلاء، والله أعلم.
هذا في حق الرجال، وأما النساء فالذهب مباح لهن ابتداء ولو لغير ضرورة كما تقدم.
3 -
زينة الكحل للرجال:
اكتحال الرجل إذا كان لتقوية البصر، وجلاء الغشاوة عن العين، وتنظيفها وتطهيرها، أو لأجل التطيب، لا بأس به، لا سيما إذا كان بالإثمد الأصلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
وإن خير أكحالكم الإثمد: يجلو البصر، وينبت الشعر" (2).
وأما التكحل لأجل التزين والتجمل فلم يثبت فيه حديث -فيما أعلم- وقد روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات، واليسرى مرتين" ولا يثبت. فالذي يظهر أنه ليس من السنة كما يعتقده كثير من الناس.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وأما الرجال: فمحل نظر، وأنا متوقف فيه، وقد يفرق فيه بين الشباب الذي يخشى من اكتحاله فتنه، فيمنع، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يمنع"(3) اهـ.
قلت: وأما المرأة فهو مطلوب لها في تجملها لزوجها كما سيأتي.
4 -
الخضاب للرجال:
* النهي عن التزعفر:
الزعفران: نبات أصفر يصبغ به الثياب ويتخذ طيبًا للنساء يُطلى به الجسم، ولا يجوز للرجل استعماله، فعن أنس قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل"(4).
(1)«تحفة الأحوذي» (11/ 198).
(2)
حسن: أخرجه أبو داود (3878)، والترمذي (994)، والنسائي (8/ 15)، وابن ماجة (3497).
(3)
«فتاوى زينة المرأة والتجميل» (ص: 51) عن «اللباس والزينة» لسمير عبد العزيز (ص: 289).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5846)، ومسلم (2101).
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ"(1).
والخلوق: طيب يتخذ من الزعفران وغيره.
* وهل يخضب الرجل يديه ورجليه بالحناء ونحوهما؟
عن أبي هريرة قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخنَّث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر به فنُفي إلى البقيع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال:"إني نهيت عن قتل المصلين. (2) "
قال الحافظ: "وأما خضب اليدين والرجلين، فلا يجوز للرجال إلا في التداوي
…
" (3) اهـ.
قلت: وأحاديث النهي عن التضمخ بالزعفران تؤيد ذلك، وأما حديث أنس: "أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار
…
" الحديث (4)، فلا يسلم الاستدلال به على جواز الخضاب للرجل، فقد قال النووي رحمه الله: "إن الصفرة تعلقت به من جهة زوجته" اهـ (5).
وعلى هذا، فإن ما يفعله كثير من الرجال في "ليلة الحنة" قبل العُرس من خضاب اليدين والرجلين لا يجوز، والله أعلم.
5 -
زينة الطِّيب:
الطيب من الزينة المستحبة، قال صلى الله عليه وسلم:"إن خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه"(6).
وعن عائشة قالت: "كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته"(7).
(1) حسن لغيره: أخرجه أبو داود، وهو في «صحيح الجامع» (3061).
(2)
صححه الألباني: أخرجه أبو داود.
(3)
«فتح الباري» (10/ 367).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5153).
(5)
«شرح مسلم» .
(6)
حسن لغيره: أخرجه الترمذي (2788)، وأبو داود (2174).
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (5923)، ومسلم (1190).