الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن بطال: "يؤخذ منه أن طيب الرجال لا يجعل في الوجه بخلاف طيب النساء، لأنهن يطيبن وجوههن ويتزين بذلك بخلاف الرجال، فإن تطيب الرجل في وجهه لا يشرع لمنعه من التشبه بالنساء" اهـ (1).
وأطيب الطيب المسك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (2).
* الطيب لا يُرَدُّ:
عن أنس: أنه كان لا يردُّ الطيب وزعم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عُرض عليه ريحان فلا يردَّه، فإنه خفيف المحمل طيب الريح"(4) وسيأتي طرف مما يتعلق بالطيب عند "طيب النساء".
ثانيًا: اللباس والزينة للنساء
(5)
لباس المرأة المسلمة
1 -
لباس المرأة أمام الأجانب (6):
(أ) النهي عن التبرج والوعيد عليه:
التبرج: أن تبدي المرأة زينتها ومحاسنها وما يجب أن تستره مما تستدعى به شهوة الرجال.
قال تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} (7).
وجاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال:"أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي، ولاتزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى"(8).
(1)«الفتح» (10/ 366).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (2252).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5929)، ونحوه في «صحيح الجامع» (4852).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (2253)، وأبو داود، والنسائي، وعندهما «طيب» بدل «ريحان» .
(5)
") من هنا حتى آخر «كتاب اللباس» من كتابي «فقه السنة للنساء» . ط. التوفيقية - الطبعة الثانية.
(6)
المراد بالأجانب: الرجال غير المحارم، وسيأتي تعريف المحرم قريبًا.
(7)
سورة الأحزاب: 33.
(8)
مسند أحمد (2/ 196) بسند حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات (1) مميلات
مائلات (2)، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة (3) لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" (4).
(ب) شروط لباس المرأة المسلمة، وهي ثمانية (5):
الشرط الأول: أن يستر جميع البدن، إلا أنه اختلف في الوجه والكفين:
وقال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} (7).
واعلم أن العلماء قد اتفقوا على أنه يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها، وإنما حصل الاختلاف -المعتبر- في الوجه والكفين.
* فذهب طائفة من العلماء إلى أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها:
واستدلوا لذلك بجملة أدلة منها (8):
1 -
قول الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب} (9).
وقد نزلت الآية لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ودعا القوم فطمعوا ثم
(1) أي: يكشفن شيئًا من أبدانهن إظهارًا لجمالهن، أو يلبسن ثيابًا رقيقة تصف ما تحتها.
(2)
أي: متبخترات في مشيتهن، مميلات أكتافهن، أو مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن.
(3)
يجمعن الغدائر فوق رؤوسهن فتشبه أسمنة الإبل.
(4)
صحيح مسلم (2128).
(5)
انظر «جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة» للألباني (ص 37) وما بعدها.
(6)
سورة النور: 31.
(7)
سورة الأحزاب: 59.
(8)
انظر «جامع أحكام النساء» لشيخنا - حفظه الله - (4/ 505) وما بعدها.
(9)
سورة الأحزاب: 53.
خرجوا وبقي منهم رهط أطالوا المكث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرج النبي صلى الله عليه وسلم وزينب معه ثم دخل مرارًا كي يخرجوا، فنزلت الآية فضرب بينهم وبينه سترًا (1).
فقال الموجبون لستر الوجه: إن هذا الخطاب يدخل فيه النساء جميعًا لاشتراك الجميع في العلة وهي طهارة القلوب.
2 -
قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} (2) وفسروا الإدناء في الآية بستر جميع الوجه وإظهار عين واحدة تبصر بها.
3 -
حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"(3).
ومعنى استشرفها الشيطان: زينها في نظر الرجال.
4 -
حديث الإفك وفيه: "
…
وكان صفوان بن المعطل السلمي، من وراء الجيش، فأدلج عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي
…
" (4).
5 -
حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام"(5).
* بينما ذهب طائفة أخرى من العلماء إلى أنه يجوز كشف الوجه والكفين، وأن سترهما مستحب وليس بواجب، واستدلوا لذلك بجملة أدلة ومن ذلك (6):
1 -
قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} (7) فقالوا: {إلا ما ظهر منها} أي: الوجه والكفين (8)
(1) سبب النزول هذا أخرجه البخاري (4791)، ومسلم (1428) من حديث أنس بمعناه.
(2)
سورة الأحزاب: 59.
(3)
الترمذي (1173)، وابن خزيمة (3/ 95)، والطبراني في الكبير (10115) وهو صحيح.
(4)
البخاري (4141)، ومسلم (2770).
(5)
مستدرك الحاكم (1/ 454) بسند صحيح.
(6)
انظر «جلباب المرأة المسلمة» للألباني.
(7)
سورة النور: 31.
(8)
اختاره الطبري في «التفسير» (18/ 84) وفي الآية أوجه أخرى: فقيل: إلا ما ظهر بغير قصد منهن، وقيل: الثياب، وقيل: الكحل والخاتم والسوار وغيرها.
2 -
حديث عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه (1).
وهذا أصرح أدلة هذا القول، لكن إسناده ضعيف جدًّا.
-واستدلوا كذلك بجملة أدلة تفيد أن النساء المسلمات كن يُظهرن الوجه أو الكفين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينههن، ومن ذلك:
3 -
حديث جابر بن عبد الله في وعظ النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم العيد، وفيه: "
…
فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدَّين، فقالت: لم يا رسول الله؟
…
" الحديث (2).
قالوا: فقول جابر (امرأة سفعاء الخدين) دليل على أنها كانت كاشفة لخدَّيها.
4 -
حديث ابن عباس في قصة إرداف النبي صلى الله عليه وسلم للفضل بن عباس في حجة الوداع واستفتاء المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه:
"
…
فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل، فحوَّل وجهه إلى الشق الآخر" (3).
وفي رواية أخرى من حديث علي بن أبي طالب أن ذلك كان عند المنحر بعدما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة (4)، أي أن سؤال المرأة كان بعد التحلل من الإحرام (التحلل الأصغر).
قال ابن حزم: "ولو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء" اهـ.
5 -
حديث عائشة قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة
(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (4104) وفي سنده أربع علل: الأولى: خالد بن دريك لم يدرك عائشة فالسند منقطع، الثانية: عنعنة قتادة وهو مدلس، والثالثة: سعيد بن بشير ضعيف وخاصة في قتادة، الرابعة: عنعنة الوليد بن مسلم وهو يدلس ويسوّي.
(2)
مسلم (885)، والنسائي (1/ 233)، وأحمد (3/ 318).
(3)
البخاري (6228)، ومسلم (1218).
(4)
الترمذي (885)، وأحمد (562) بسند جيد، وانظر فتح الباري (4/ 67).
الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يُعرفن من الغَلَس" (1).
فقالوا: فإن مفهومه أنه لولا الغلس (أي: الظلمة) لعُرفن، وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة.
6 -
حديث ابن عباس في قصة وعظ النبي النساء يوم العيد وحثهن على الصدقة وفيه: "
…
وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه (وفي رواية: فجعلن يلقين الفتخ والخواتم) في ثوب بلال
…
" (2).
7 -
حديث عائشة "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت"(3).
-واستدلوا كذلك بجملة آثار تنص على جريان العمل على كشف الوجه والكفين في النساء بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم (4).
وليُعلم أن لكل من الطائفتين مناقشات على أدلة الأخرى، وليس هذا محل بسطها وتحريرها فهذا يطول (5).
وإنما أردت أن أسوق القولين، مع ثلة من أدلة كل فريق لإظهار أن هذه المسألة -وهي حكم لبس النقاب- قد اختلف فيها العلماء قديمًا وحديثًا، وأنه من الخلاف السائغ الذي لا ينبغي معه تشديد النكير على المخالف.
ولا يفوتني أن أحذر -في هذا المقام- من طائفة ثالثة (ليست من العلماء في شيء) يرون أن ستر الوجه بدعة وتنطع في الدين، بل بلغ الجهل ببعضهم أن صنف كتابًا في ادِّعاء أن تغطية وجه المرأة حرام؟!!
وأودُّ في ختام هذا البحث أن أقرر هذه الفوائد:
1 -
أجمع العلماء على وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من المرأة الحرة.
2 -
في الوجه والكفين خلاف تقدم الإشارة إليه.
(1) البخاري (578)، ومسلم (645).
(2)
البخاري (977)، وأبو داود (1142)، والنسائي (1/ 227).
(3)
أبو داود (4166)، وعنه البيهقي (7/ 86) وصححه الألباني.
(4)
انظرها في «جلباب المرأة المسلمة» للألباني (ص 96 وما بعدها).
(5)
انظرها في «الحجاب
…
أدلة الموجبين وشبه المخالفين» لشيخنا مصطفى العدوي، و «عودة الحجاب» للشيخ محمد بن إسماعيل، و «جلباب المرأة المسلمة» للعلامة الألباني.
3 -
أن الذين يقولون بعدم وجوب ستر الوجه، يرون أنه الأفضل والأولى لاسيما في زمان الفتنة.
الشرط الثاني (1): أن لا يكون زينة في نفسه:
لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} (2).
فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تسأل عنهم (3): رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيًا، وأمة أو عبد أبق فمات، أو امرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم"(4).
والتبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعى به شهوة الرجال (5).
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل أن يكون الجلباب نفسه زينة (6).
* تنبيه:
يتوهم بعض النساء "الملتزمات" أن كل ثوب سوى الأسود هو زينة في نفسه!! وهذا خطأ من أمرين:
الأول: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "طيب المرأة ما ظهر لونه وخفي ريحه"(7) وهو حديث حسن.
الثاني: أنه جرى العمل من النساء الصحابيات على لبس الثوب الملون بغير الأسود ومن ذلك:
1 -
حديث عكرمة أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء
(1) من شروط لباس المرأة أمام الأجانب.
(2)
سورة النور: 31.
(3)
لأنهم من الهالكين.
(4)
أحمد (6/ 19)، والحاكم (1/ 119) وغيرهما وهو صحيح.
(5)
«فتح البيان» (7/ 274).
(6)
«جلباب المرأة المسلمة» (ص 120).
(7)
حسن بطرقه: أخرجه الترمذي (2788)، وأبو داود (2174).
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها .... " الحديث (1).
2 -
وفي حديث أم خالد بنت خالد قالت: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال:"من ترون أن نكسو هذه؟ " فسكت القوم، قال:"ائتوني بأم خالد" فأتى بها تُحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: "أبلي وأخلقي" وكان فيها علمٌ أخضر أو أصفر، فقال:"يا أم خالد، هذا سناه" وسناه بالحبشية (2)[معناه: حسن].
3 -
عن القاسم "أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة، وهي محرمة"(3).
قلت:
1 -
فالظاهر أن الثوب الذي هو زينة في نفسه هو المنسوج من عدة ألوان، أو الذي فيه نقوش ذهبية وفضية مما يلفت النظر ويبهر العيون.
2 -
ولا يمنع ما قدمنا من أن الأسود هو أولى الثياب للمرأة وأسترها وهو لبس نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما مرَّ في حديث عائشة في قصة رؤية صفوان لها والذي فيه: "
…
فرأى سواد إنسان نائم
…
" وقد تقدم قريبًا.
وفي حديث عائشة الآخر الذي فيه خروج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان (4).
الشرط الثالث: أن يكون الثوب صفيقًا: لا يشف عما تحته:
فقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما
…
، ونساء كاسيات عاريات
…
لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" (5).
فالمراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة (6).
(1) البخاري (5825).
(2)
البخاري (5823).
(3)
ابن أبي شيبة (8/ 372) بسند صحيح.
(4)
صحيح مسلم (2128) وقد تقدم قريبًا.
(5)
صحيح مسلم (2128) وقد تقدم قريبًا.
(6)
نقله السيوطي في «تنوير الحوالك» (3/ 103) عن ابن عبد البر.
الشرط الرابع: أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها:
فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مالك لم تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مُرها فلتجعل تحتها غلالة، إن أخاف أن تصف حجم عظامها"(1). والقبطية: ثياب تعمل بمصر، والغلالة: بطائن تلبس تحت الثوب.
قلت: فإلى الأخوات المسلمات في هذا الزمان نقول: لا يكفي أن تستري شعرك ونحرك ثم لا تبالين -بعد ذلك- بلبس الملابس الضيقة والقصيرة التي لا تتجاوز نصف الساق!! واعلمن أنه لا يكفي أن تلبس الجورب على الساقين المكشوفتين!! فعليكن أن تبادرن إلى إتمام الستر كما أمر الله تعالى أسوة بالنساء المهاجرات الأول حين نزل الأمر بضرب الخُمُر، شققن مروطهن فاختمرن بها، وإننا لا نطالبكن بشق شيء من ثيابكن!! وإنما بإطالته وتوسيعه حتى يكون ثوبًا ساترًا لجميع ما أمركن الله بستره (2).
الشرط الخامس: أن لا يكون مُبَخَّرًا أو مطيَّبًا:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا من ريحها، فهي زانية"(3).
وسبب المنع من ذلك واضح، وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماء ما في معناه، كحسن الملبس، والحلى الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال (4).
وقد ذكر الهيثمي في "الزواجر"(2/ 37) أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها.
الشرط السادس: أن لا يشبه لباس الرجال:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"(5).
(1) أحمد (5/ 205) بسند لين، وله شاهد عند أبي داود (4116) فيحسَّن به.
(2)
مستفاد من كلام للعلامة الألباني رحمه الله في «الجلباب» (ص: 133).
(3)
النسائي (2/ 283)، وأبو داود (4173)، والترمذي (2786) وغيرهم بسند حسن.
(4)
«فتح الباري» (2/ 279).
(5)
البخاري (5885)، والترمذي (2784)، وأبو داود (4097)، وابن ماجة (1904).
والمعنى: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء والعكس.
وعن أبي هريرة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل"(1).
* فائدة: الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه كلا الجنسين بالآخر، ليس راجعًا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء وما يشتهونه ويعتادونه، وإنما هو راجع إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء،
فإن ما يصلح للنساء لابد أن يناسب ما أمرن به من الاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور، فالشارع له مقصودان: أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء، والثاني: احتجاب النساء، ولابد من حصولهما جميعًا (2).
* الشرط السابع: أن لا يشبه لباس الكافرات:
لما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين -رجالًا ونساءً- التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم.
وقد تضافرت النصوص الشرعية لتقرير هذه القاعدة، ومما يتعلق بالثياب حديث عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:"إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها"(3).
والنصوص غير هذا كثيرة جدًا، والمقصود هنا أن يُعلم أنه لا يجوز أن تلبس المرأة ثوبًا فيه مشابهة للباس الكافرات، فإن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس (4).
الشرط الثامن: أن لا يكون لباس شهرة:
لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارًا"(5).
(1) أبو داود (4098)، وأحمد (2/ 325) بسند صحيح.
(2)
أفاد معناه شيخ الإسلام كما نقله الألباني في «الجلباب» (ص 150 وما بعدها) عن «الكواكب» لابن عروة الحنبلي (93/ 132 - 134).
(3)
مسلم (2077)، والنسائي (2/ 298)، وأحمد (2/ 162).
(4)
راجع لهذا كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية، فإنه لا مثيل له.
(5)
أبو داود (4029)، وابن ماجة (3607) بسند حسن لغيره.
وثوب الشهرة: هو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء كان الثب نفيسًا تلبسه تفاخرًا بالدنيا وزينتها، أو خسيسًا إظهارًا للزهد والرياء.
* فوائد متفرقة:
1 -
يجوز للمرأة لبس الحرير:
اعلمي أختي المسلمة، أنه يحل للنساء لبس الحرير، ولا يحل للرجال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"حرم الله لبس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأُحلَّ لإناثهم"(1).
وعن عليٍّ قال: "كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلَّة سيراء فخرجت بها فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها خُمرًا بين نسائي"(2).
واستدل به على جواز لبس المرأة الحرير الصرف بناء على أن الحلة السيراء، هي: التي تكون من حرير صرف (3).
2 -
ذيل ثوب المرأة:
عن أم سلمة قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: "ترخي شبرًا" قالت أم سلمة: إذًا ينكشف عنها، قال:"فذراعًا لا تزيد عليه"(4).
فهذا الحديث يفيد استثناء النساء من الوعيد الوارد في حق المسبل (المطيل لثوبه).
وقد أجمع العلماء (5) على جواز الإسبال للنساء.
* فائدة: من أين يقاس الشبر الذي ترخيه المرأة من ثوبها؟
يقاس الشبر من منتصف الساقين كما نقله في "عون المعبود"(11/ 174)، ولهذا قالت أم سلمة: إذًا تنكشف أقدامهن، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لهن بالذراع، والمقصود أن تعلم المرأة هنا أمرين:
الأول: أنه يجب عليها تغطية قدميها بثوبها.
(1) الترمذي (1720)، والنسائي (5144)، وأبو داود (4057)، وابن ماجة (3595) وهو صحيح.
(2)
البخاري (5840)، ومسلم (2071).
(3)
«فتح الباري» (1/ 300).
(4)
أبو داود (4117)، ومالك في الموطأ (1700) بسند صحيح.
(5)
نقله النووي في «شرح مسلم» (4/ 795).
والثاني: أنه يجوز لها إسبال ثوبها بما لا يزيد عن الذراع كما تقدم.
3 -
لبس المرأة "البنطلون":
"البنطلون" من أسوأ ما ابتلي به كثير من النساء -هداهن الله- فهو وإن كان يستر العورة إلا أنه يصفها وصفًا مهيجًا للغرائز، ومثيرًا للشهوات، ولا سيما وقد تعددت ألوانه وأنواعه وأشكاله، وقد علمت أن من شروط الحجاب الشرعي أن لا يكون الثوب ضيقًا بحيث يصف مفاتن الجسم، حتى صارت "البنطلونات" أشد إغراءً وفتنة من الثياب القصيرة، وربما كانت ضيقة جدًّا، وربما كانت بلون اللحم حتى يخيل للشخص أنها لا تلبس شيئًا، وهذا من الفجور الذي عمَّ، ولذلك لا يجوز للمرأة لبس البنطلون، اللهم إلا إذا لبسته لزوجها -ما لم يكن مشابهًا للباس الرجال- ولا تخرج به أمام المحارم فضلًا
عن الأجانب. ولا بأس أن تلبسه المرأة -تحت العباءة الساترة- فإنه أعون على عدم التكشف لا سيما عند ركوب السيارة ونحو ذلك، والله أعلم.
4 -
هل يجوز لبس المرأة الكعب العالي؟
عن ابن مسعود قال: "كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يُصلُّون جميعًا، فكانت المرأة لها الخليل، تلبس القالبين تطول بهما لخليلها، فألقي عليهن الحيض" فكان ابن مسعود يقول: "أخروهن حيث أخرهن الله"(1).
فالظاهر في أمر الكعب العالي أن المرأة إذا كانت تتخذه كي تتشرف للرجال ويراها الرجال فيحرم لبسهما، لأنهما في هذه الحالة مدعاة للفساد ونشر الشرور (2).
قلت: ويضاف إلى هذا أن لبس الحذاء ذي الكعب العالي يجعل مشية المرأة وحركاتها ملفتة لنظر الرجال، هذا فضلًا عما يحدثه هذا الحذاء من صوت يلفت الأنظار كذلك، وعلى هذا فلا ينبغي للمرأة أن تلبسه إذا خرجت من بيتها.
2 -
لباس المرأة أمام محارمها:
قبل أن نتعرف على القدر الذي يجوز للمرأة أن تبديه أمام المحارم، يجدر أولًا أن نعرِّف المَحرم.
"وحقيقة المحرم من النساء التي يجوز النظر إليها والخلوة بها والمسافرة بها، كل من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فقولنا:
(على التأبيد) احتراز من أخت المرأة وعمتها وخالتها ونحوهن .. " (1).
قال الله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعلوتهن أو آبائهن ....} (2).
ففي الآية إباحة نظر المحارم إلى مواضع الزينة من المرأة، لأن الضرورة داعية إلى المخالطة والمداخلة والمعاشرة حيث يكثر الدخول عليهن والنظر إليهن بسبب القرابة، والفتنة مأمونة من جهتهم.
وقد بدأ الله تعالى في الآية الكريمة بالأزواج ثم أتبعهم ببقية المحارم، وهم:
1 -
الآباء وكذا الأجداد، سواء كانوا من جهة الأب أو الأم.
2 -
آباء الأزواج.
3 -
أبناؤهن وأبناء أزواجهن، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن نزلوا.
4 -
الإخوة مطلقًا، سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وإن نزلوا.
5 -
أبناء الإخوة والأخوات لأنهم في حكم الإخوة.
6 -
الأعمام والأخوال وهم من المحارم وإن لم يذكروا في الآية، وجمهور العلماء على أن حكمهم كحكم سائر المحارم، ويشهد لهذا: حديث عائشة: "أن أفلح أخا القعيس جاء يستأذن عليها -وهو عمها من الرضاعة- بعد أن نزل الحجاب، [قالت]: فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت، فأمرني أن آذن له"(3).
7 -
المحارم من الرضاع، ولم يذكروا في الآية أيضًا، وقد أجمع العلماء على أنهم كسائر المحارم، وهذا يتأيد بالحديث السابق أيضًا.
إذا عرفت المحارم، فما هو القدر الذي يجوز إبداؤه للمحارم؟
للعلماء في القدر الذي تبديه المرأة لمحارمها قولان مشهوران: الأول: أنه لا يجوز للمحارم النظر إلى جميع بدن المرأة ما عدا ما بين السرة والركبة (4) وهو مذهب الجمهور.
1 -
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره، فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإن ما أسفل من سرَّته إلى ركبتيه من عورته" (5).
(1) شرح مسلم للنووي (3/ 484).
(2)
سورة النور: 31.
(3)
البخاري (5103)، ومسلم (1445).
(4)
المبسوط (10/ 149)، والمجموع (16/ 140).
(5)
أحمد (2/ 187)، وأبو داود (495) بسند حسن.
والحديث وإن كان سياقه في الرجال إلا أن النساء شقائق الرجال.
2 -
ولحديث أبي سلمة قال: "دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبى صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحوًا من صاع، فاغتسلت وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب"(1).
قال القاضي عياض (2): وظاهره أنهما رأيا عملها فى رأسها وأعالى جسدها مما يحل نظره للمحرم -لأنها خالة أبى سلمة من الرضاع- وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه
…
اهـ.
القول الثاني: أنه يجوز النظر من المحارم إلى ما يظهر من المرأة غالبًا كمواضع الوضوء (3).
فعن ابن عمر قال: "كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا"(4).
وهذا محمول على أنه يختص بالزوجات والمحارم (5)، وعلى هذا ففيه دليل على جواز نظر الرجل إلى مواضع الوضوء من محارمه والعكس والله أعلم (6).
* تنبيهات:
1 -
إباحة نظر المحرم إلى المرأة -على ما تقدم- مشروط بأن لا يكون على وجه الالتذاذ والاستمتاع والشهوة، فإن حصل هذا فلا خلاف في منعه.
2 -
فرق بعض العلماء بين بعض المحارم فيما يجوز للمرأة أن تبديه، بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما تبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج. قاله القرطبي (7).
(1) البخاري (251)، ومسلم (320).
(2)
نقله الحافظ في «الفتح» (1/ 465).
(3)
سنن البيهقي (9417)، والإنصاف (8/ 20)، والمغني (6/ 554)، والمجموع (16/ 140).
(4)
البخاري (193)، وأبو داود (79)، والنسائي (1/ 57)، وابن ماجة (381).
(5)
«فتح الباري» (1/ 465) و «عون المعبود» (1/ 147).
(6)
«جامع أحكام النساء» (4/ 195).
(7)
ذكره شيخنا في «جامع أحكام النساء» (4/ 504) ثم قال: «وهذا مقبول من ناحية النظر، لكنه يفتقر في إثباته إلى الأدلة» اهـ.
3 -
ينبغي للمرأة أن لا تظهر زينتها لمحرمها الذي تحصل من جهته الشبهة أو الريبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر زوجته سودة بالاحتجاب من غلام، وقد حكم أنه أخوها -لأنه ولد على فراش أبيها- لما رأى به شبهًا بينًا بعتبة بن أبي وقاص وقد ادعى سعد بن أبي وقاص أنه ابن أخيه عتبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما قضى أنه أخوها: "
…
احتجبي منه يا سودة" (1).
* يجوز للمرأة مَسُّ المرأة وتقبيلها إذا لم يكن بشهوة:
ففي حديث عائشة في قصة غضبها على ابن الزبير (وهو ابن أختها أسماء). ونذرها ألا تكلمه، واستشفاعه إليها لتكمله:
"قالت: ادخلوا كلكم -ولا تعلم أن معهما ابن الزبير- فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي
…
" (2).
وعن عائشة قالت: "
…
كانت إذا دخلت عليه [أي فاطمة] قام إليها [النبي صلى الله عليه وسلم] فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها" (3).
* ويجوز للمرأة أن تركب خلف الرجل من محارمها:
لحديث أنس قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مَقفَله من عسفان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وقد أردف صفية بنت حيي فعثرت ناقته
…
الحديث" (4).
3 -
لباس المرأة أمام النساء:
قال ابن كثير (3/ 284): وقوله {أو نسائهن} يعني: تظهر بزينتها أيضًا للنساء المسلمات
…
اهـ.
(1) البخاري (2053)، ومسلم (1457) وهذا معناه.
(2)
البخاري (6073).
(3)
أبو داود (5217)، والترمذي (3872)، والحاكم (4/ 272) وهو صحيح.
(4)
البخاري (3085)، ومسلم (1345).
(5)
سورة النور: 31.
وعورة المرأة التي يجب سترها عن المرأة هي عورة الرجل بالنسبة للرجل: من السرة إلى الركبة (1).
فلا يجوز أن تطلع المرأة على ما بين السرة والركبة من امرأة أخرى كما يفعله كثير من المسلمات، قال ابن الجوزي (2): "وعموم النساء الجاهلات، لا يتحاشين كشف العورة أو بعضها والأم حاضرة أو الأخت أو البنت، ويقلن هؤلاء ذوات قرابة، فلتعلم المرأة أنها إذا بلغت سبع سنين لم يجز لأمها ولا أختها ولا لابنتها أن تنظر إلى عورتها
…
" اهـ.
قلت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة الثوب الواحد"(3).
* هل تبدي المرأة زينتها للمرأة الكافرة؟
ذهب فريق من العلماء إلى أن المرأة لا يجوز لها أن تبدي زينتها لغير المسلمات لئلا يصفنها لأزواجهن، لقوله تعالى:{أو نسائهن} والمراد النساء المؤمنات فيخرج من ذلك نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم (4).
بينما ذهب آخرون إلى جواز ذلك وأنه لا فرق بين المسلمة والذمية في النظر إلى المرأة، واستدلوا بأن الكوافر من اليهوديات كُن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكنَّ يحتجبن ولا أمرن بالحجاب ولا أمرن بالحجاب، وقد جاءت يهودية فدخلت على عائشة فذكرت عذاب القبر .... فسألت رسول الله فقال: "نَعَم عذاب القبر
…
" الحديث (5).
وقالت أسماء: قدمت عليَّ أمي وهي راغبة -يعني: عن الإسلام- فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلها؟ قال: "نعم"(6).
ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب
(1) المغنى (6/ 562).
(2)
«أحكام النساء» لابن الجوزي (ص76).
(3)
مسلم (338)، وأبو داود (4018)، والترمذي (2793)، وابن ماجة (661).
(4)
تفسير ابن كثير (3/ 284)، وتفسير القرطبي (4625).
(5)
البخاري (1372)، ومسلم (903).
(6)
البخاري (2620)، ومسلم (1003).
أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي، ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما، فقوله:{أو نسائهن} يحتمل أن يكون المراد جملة النساء، والله أعلم (1).
قلت: لكن إن حصلت الريبة من إحدى النساء الكتابيات وعلم أنها تصف المرأة لزوجها فإنه يمنع إبداء الزينة لها والله أعلم.
4 -
لباس المرأة أمام عَبْدِها:
ذهب أكثر العلماء إلى أن عبد المرأة كالمحرم يجوز له النظر إلى ما ينظر إليه المحرم.
واستدلوا بقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن} (2) قالوا: فقوله: {أو ما ملكت أيمانهن} يشمل العبيد والإماء، ولا يجوز أن يحمل ذلك على الإماء، لأن ذلك دخل في قوله قبل ذلك {أو نسائهن} (3).
ولحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى، قال:"إنه ليس عليكِ بأس، إنما هو أبوك وغلامك"(4).
ورجع شيخ الإسلام جواز نظر العبد إلى مولاته لأجل الحاجة لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والمعامل والخاطب فإذا جاز فنظر العبد أولى (5).
5 -
إبداء الزينة أمام من ليس لهم حاجة إلى النساء:
قال تعالى: {أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال} (6).
(1)«جامع أحكام النساء» (4/ 498).
(2)
سورة النور: 31.
(3)
المبسوط (10/ 157).
(4)
أبو داود (4106)، والبيهقي (7/ 95) وهو حسن.
(5)
«مجموع الفتاوى» (16/ 141).
(6)
سورة النور: 31.
قال ابن كثير: يعني كالأُجَراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء وهم مع ذلك في عقولهم وَلَهٌ. اهـ.
وهم الذين ليس لهم حاجة إلى النساء ولم يكن لهم فيهن إرب لكبر أو تخنث أو عنَّة.
ومثل هؤلاء يرخص لهم في النظر إلى النساء من أجل الحاجة الماسة، رفعًا للحرج، لكن إذا علم أن المخنث -مثلًا- يفطن إلى أمر النساء ويصفهن فإنه يمنع من الدخول عليهن والنظر إليهن.
فعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها -وفي البيت مخنث- فقال المخنث لأخي أم سلمة -عبد الله بن أبي أمية-: إن فتح الله لكم الطائف غدًا أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يدخلن هذا عليكم"(1).
فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يصف ابن غيلان علم أنه يفهم أمر النساء فأمر بحجبه.
* تنبيه: اتفق جمهور الفقهاء على أن الرجل الخصي والمجبوب يحرم نظره إلى النساء، لأن العضو إن تعطل أو عدم، فشهوة الرجال لا تزال من قلوبهم (2).
6 -
إبداء الزينة للأطفال الذين لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن:
قال الله تعالى: {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} (3).
قال ابن كثير: "يعني: لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعاطفهن في المشي وحركتهن وسكناتهن، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء، فأما إن كان مراهقًا أو قريبًا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمكن من الدخول على النساء" اهـ.
ومما يدل على ذلك، حديث جابر "أن أم سلمة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها" قال: حسبت أنه قال: كان أخاها من الرضاعة أو غلامًا لم يحتلم (4).
(1) البخاري (5235)، ومسلم (2180).
(2)
انظر المبسوط (10/ 158)، والمجموع (16/ 140).
(3)
سورة النور: 31.
(4)
مسلم (2206)، وأبو داود (4105)، وابن ماجة (3480).