الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كان مشركًا ثم أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فإنه يؤمر بفراق من شاء منهن مما زاد على الأربع.
وقد ورد عن ابن عمر "أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخيَّر أربعًا منهن"(1).
وهو حديث مُعلٌّ إلا أن الإجماع منعقد على العمل به.
ومن تزوَّج خامسة وعنده أربع: فزواجه باطل، وعليه الحدُّ إن كان عالمًا، عند مالك والشافعي، وقال الزُّهري: يُرجم إذا كان عالمًا، وإن كان جاهلًا أدنى الحدين الذي هو الجَلد، ولها مهرها، ويُفرَّق بينهما ولا يجتمعان أبدًا (2).
الأنكحة الفاسدة شرعًا
(3)
[1]
نكاح الشغار:
وهو أن يزوِّج ابنته أو أخته أو موليته، على شرط أن يزوِّجه ابنته أو أخته أو موليته، سواء كان بينهما صداق أو لم يكن على الأصح.
وقد أجمع العلماء على تحريم نكاح الشغار، واختلفوا في صحته، فالجمهور على بطلانه (4) لما يأتي:
1 -
حديث جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار"(5).
2 -
وعن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار" قال: والشغار أن يقول الرجل للرجل زوِّجني ابنتك وأوزوجك ابنتي، أو: زوجني أختك وأزوجك أختي (6).
(1) أعلَّه الأئمة: أخرجه الترمذي (1128)، وابن ماجة (1953)، وأحمد (2/ 13) وغيرهم وأعلَّه البخاري ومسلم وأحمد وأبو حاتم وأبو زُرعة بالإرسال وانظر «التلخيص» (3/ 168).
(2)
«تفسير القرطبي» (5/ 18)، و «جامع أحكام النساء» (3/ 467).
(3)
الفاسد والباطل مترادفان في اصطلاح جمهور الفقهاء، إلا في النكاح، فحيث يقولون (نكاح باطل) فهو ما أجمعت الأمة على بطلانه، وهذا لا ينعقد أصلًا ولا يعترف الشرع به ولا يحتاج الفراق فيه إلى طلاق، ولا تترتب عليه آثاره إلا أن يكون حصل بشبهة، وأما (النكاح الفاسد) فهو ما اختلفوا في فساده وتجب المفارقة فيه بطلاق، وتترتب عليه بعض آثاره.
(4)
«فتح الباري» (9/ 163).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1417).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (1416)، والنسائي (6/ 112)، وابن ماجة (1884).
3 -
عن الأعرج "أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقًا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال فى كتابه: هذا الشغار الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1).
4 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط، شرط الله أحق وأوثق"(2).
5 -
ثم "إن اشتراط المبادلة مقتضي لفساد هذا النكاح، لما فيه من فساد كبير، لأنه يُفضي إلى إجبار النساء على النكاح ممن لا يرغبن فيه إيثارًا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، وهو ظلم لهن، ولأن ذلك يُفضي إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن، كما هو واقع بين من يتعاطون هذا العقد المنكر، وكذلك لما يُفضي إليه هذا النكاح من النزاع والخصومات بعد الزواج، وهذا من العقوبات العاجلة لمن خالف شرع الله"(3).
[2]
نكاح المُحَلِّل:
وهو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلاثًا، ثم يطلقها، لأجل أن تحلَّ لزوجها الأول.
وهو من الكبائر، حرَّمه الله تعالى ولعن فاعله والمفعول لأجله:
1 -
فعن ابن مسعود قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحِلَّ والمحلَّل له"(4).
* وقد ذهب عامة أهل العلم، منهم: مالك والشافعي -في قول- وأحمد، والليث والثوري وابن المبارك وغيرهم، إلى أن نكاح التحليل فاسد، وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعثمان بن عفان من الصحابة (5).
1 -
فعن عمر بن الخطاب قال: "لا أُوتَي بمحلِّل وبمحلَّلة إلا رجمتهما"(6).
(1) حسن: أخرجه أبو داود (2075).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (2155)، ومسلم (1504).
(3)
من رسالة للعلامة ابن باز رحمه الله في «نكاح الشغار» .
(4)
صحيح: أخرجه الترمذي (1120)، والنسائي (6/ 149)، وأحمد (1/ 448) وغيرهم، وقد ورد تسمية المحلل «التيس المستعار» عند ابن ماجة (1936) ولا يصح.
(5)
«بداية المجتهد» (2/ 102)، و «المغني» (6/ 645)، و «نهاية المحتاج» (6/ 282)، و «المحلي» (10/ 180)، و «سنن الترمذي» (3/ 420)، و «روضة الطالبين» (7/ 126).
(6)
إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (6/ 265)، وسعيد بن منصور (1992):
2 -
وسئل ابن عمر عن تحليل المرأة لزوجها، فقال:"ذلك السفاح"(1).
* وسواء في هذا: أن يُشترط عليه طلاق المرأة لتحلَّ لزوجها، أو لا يُشترط لكن ينوي هو تحليلها، فالنكاح فاسد:
3 -
فعن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله عن رجل طلَّق امرأته ثلاثًا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليُحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال:"لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعدُّ هذا سفاحًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2).
وذهب أبو حنيفة والشافعي -في قوله الثاني وهو المشهور- إلى أن النكاح صحيح والشرط باطل (3)!! ولا يسلم لهذا القول دليل، والصحيح أنه نكاح فاسد.
* فائدة: المعتبر في فساد النكاح نيَّة الزوج الثاني (المحلِّل): فلا يخلو من حالين:
1 -
أن ينوي زواج المرأة ثم تطليقها لتحليلها لأول، سواء شُرط عليه أم لا، فالنكاح حينئذ فاسد، ويكون ملعونًا.
2 -
أن يُشرط عليه تحليل المرأة قبل العقد، فينوي -هو- غير ما اشترطوا عليه ويقصد النكاح رغبة، فالنكاح صحيح، لأنه خلا من نية التحليل وشرطه (4).
* ولا اعتبار لنية الزوج الأول، أو المرأة نفسها:
لأن الزوج الأول لا يملك شيئًا من العقد، ولا من رفعه، فهو أجنبي كسائر الأجانب.
وكذلك المرأة لأن الطلاق والإمساك إلى الزوج الثاني لا إليها، ومما يؤيد هذا:
أن امرأة رفاعة القرظى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلَّقنى فبَتَّ طلاقى، وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظى، وإنما معه مثل الهُدبة، فقال
صلى الله عليه وسلم: "لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عُسَيْلتكِ، وتذوقى عُسَيْلته"(5) يعني: يجامعك.
فلم يعتبر نيَّتها شيئًا.
(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (10776).
(2)
صحيح: أخرجه الحاكم (2/ 199)، والبيهقي (7/ 208).
(3)
«ابن عابدين» (3/ 411)، و «روضة الطالبين» (7/ 126).
(4)
«المغني» لابن قدامة (6/ 648).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433).
[3]
نكاح المتعة:
وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل مؤقت -يوم أو يومين أو أكثر- في مقابل شيء يعطيه إياها من مال أو نحوه.
وقد كان هذا النكاح حلالًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فحرَّمه تحريمًا باتًا إلى يوم القيامة، وعلى هذا جماهير أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وغيرهم (1).
وقد اختلفت الأخبار في الوقت الذي نسخ فيه نكاح المتعة، والذي صحَّ منها (2):
1 -
نَسخه في خيبر:
صحَّ أن عليًا قال لابن عباس: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر"(3).
ثم رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة بعد ذلك، ولم يبلغ عليًّا رضي الله عنه هذا الترخيص، فبنى على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث التحريم يوم خيبر، وعلى ما استقرَّ عليه الأمر أيضًا (4).
2 -
نسخه في عام الفتح:
فعن الربيع بن سبرة أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال: "فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم) فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء
…
ثم استمتعت
منها (أي من فتاة) فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم" (5) وفي لفظ: "
…
فكُنَّ معنا [يعني النساء اللاتي استمتعوا بهن] ثلاثًا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن" (6).
(1)«المدونة» (2/ 196)، و «بداية المجتهد» (2/ 101)، و «نهاية المحتاج» (5/ 71)، و «المبسوط» (5/ 152)، و «المغني» (6/ 644)، و «الإنصاف» (8/ 163)، و «التمهيد» (10/ 121)، و «شرح معاني الآثار» (3/ 26)، و «المحلي» (9/ 519)، و «جامع أحكام النساء» (3/ 171)، ونكاح المتعة عند القائلين به: لا ميراث فيه، وتقع الفرقة بانقضاء الأجل من غير طلاق وهو بهذا يخالف النكاح، وانظر «الاستذكار» (16/ 301).
(2)
انظر هذه الأخبار بأسانيدها في «جامع أحكام النساء» (3/ 127 - وما بعدها).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5115)، ومسلم (1407).
(4)
«فتح الباري» (9/ 168).
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1406).
(6)
صحيح: أخرجه مسلم (1406)، والبيهقي (7/ 202).
وفي لفظ: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها"(1).
3 -
نسخه عام أوطاس:
عن سلمة بن الأكوع قال: "رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها"(2).
ثم كان هذا التحريم مؤبدًا إلى يوم القيامة.
* تنبيهان:
1 -
صح عن جابر بن عبد الله أنه قال: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر حتى نهى عنه عمر فى شأن عمرو بن حريث"(3).
وهذا محمول على أن من استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يكن بلغه النسخ والتحريم (4).
2 -
ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرى إباحة زواج المتعة عند الضرورة فعن أبي جمرة قال: "سمعْتُ ابن عباس يُسأل عن متعة النساء فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قِلَّة أو نحوه؟ فقال ابن عباس: نعم"(5).
وهذا من مفاريد الحبر ابن عباس رضي الله عنهما وهو مأجور على اجتهاده إن شاء الله، وأما نحن فمتعبَّدون بما بلغنا عن الشارع من تحريمه أبدًا، ومخالفة ابن عباس لجمهور الصحابة غير قادح في حجيَّة التحريم، ولا قائم لنا بالمعذرة عن العمل به، والله تعالى أعلم.
* من تزوَّج بالمتعة، ماذا يفعل؟ تقدم أن نكاح المتعة فاسد، فتجب فيه المفارقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من تمتع بامرأن أن يفارقها كما في حديث سبرة.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1406).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1405)، والبيهقي (7/ 204)، وابن حبان (4151).
(3)
صحيح: أخرجه مسلم (1405)، وأبو داود (2110).
(4)
«شرح معاني الآثار» (3/ 27)، و «شرح مسلم» (3/ 555).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5116)، والطحاوي (3/ 26)، والبيهقي (7/ 204).
* ما حكم من تزوَّج امرأة وفي نيَّته طلاقها بعد مدة؟
هذا يفعله كثير من المسافرين إلى الخارج، فيتزوجون وفي نيتهم أن يفارقوا أزواجهم إذا أرادوا العودة إلى بلادهم.
وهذا النكاح صحيح عند عامة أهل العلم: إذا تزوَّجها بغير شرط إلا أن في نيَّته طلاقها بعد مدة، قالوا: لأنه قد ينوي الشيء ولا يفعله، ولا ينويه ويفعله، فيكون الفعل حادثًا غير النية (1).
وخالف في هذا الأوزاعي، فقال: هو نكاح متعة، وهو اختيار العلامة ابن عثيمين (2).
قلت: ولعل قول الأوزاعي أَوْجَهُ، ويؤيده ما تقدم قريبًا من قول ابن عمر لمن سأله عن رجل أراد أن يتزوج زوجة أخيه ليحلها له:"لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعدُّه سفاحًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"(3).
ويضاف إلى ذلك ما في هذا النوع من النكاح من الغش والخداع، وإلقاء العداوة والبغضاء، وإذهاب الثقة بين المسلمين، وتدني النفس وتنقلها في مراتع الشهوات، وما يترتب على ذلك من المفاسد والمنكرات، فإن هذا النوع أجدر بالبطلان من عقد المتعة الذي يُشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الرجل والمرأة ووليها!!
ثم ههنا أمر وهو: هل للزوج حق الطلاق من غير سبب؟! "الأصل في الطلاق الحظر، لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدنيوية، والإباحة للحاجة إلى الخلاص"(4). وسيأتي في أبواب الطلاق أنه تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة على حسب اختلاف الأحوال.
[4]
الزواج العُرفي (5):
المراد به هنا: تلك الظاهرة التي تفشت بين الشباب في هذه الأيام حيث: يقيم الرجل علاقة مع امرأة -زميلة في الجامعة مثلًا!! - ولا يعرف بهذه العلاقة
(1)«المغني» (6/ 644)، و «الأم» (5/ 80) عن كتابي «فقه السنة للنساء» (ص 376).
(2)
«الاستذكار» (16/ 301)، و «أحكام التعدد» لإحسان العتيبي (ص 26).
(3)
صحيح: تقدم قريبًا.
(4)
«شرح فتح القدير» لابن الهمام (3/ 78)، و «الإنصاف» (8/ 429).
(5)
انظر: «الزواج العُرفي باطل» للشيخ أسامة البطة، حفظه الله.