المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: الطلاق المنجز والمضاف والمعلق - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٣

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب اللباس والزينة وأحكام النظر

- ‌أولًا: اللباس والزينة للرجال

- ‌ثانيًا: اللباس والزينة للنساء

- ‌لباس المرأة المسلمة

- ‌مسائل تتعلق بأحكام النظر

- ‌الزينة للمرأة المسلمة

- ‌حكم لبس العدسات الملونة للزينة والموضة

- ‌10 - كتاب الزواج ومقدماته وتوابعه

- ‌الأنكحة الفاسدة شرعًا

- ‌الصفات المطلوبة في الزوجين

- ‌الخِطْبة وأحكامها

- ‌أحكام النَّظر في الخِطبة

- ‌عقد الزواج

- ‌شروط صحة عقد النكاح

- ‌الاشتراط في عقد النكاح

- ‌الصداق (المهر)

- ‌إعلان النكاح

- ‌تعدد الزوجات

- ‌من أحكام المولود

- ‌النشوز وعلاجه

- ‌11 - كتاب الفرْق بين الزوجين

- ‌الطلاق وأحكامه

- ‌شروط الطلاق

- ‌أولًا: الشروط المتعلقة بالمطلِّق:

- ‌ثانيًا: الشروط المتعلِّقة بالمطلَّقة:

- ‌ثالثًا: الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق:

- ‌الإشهاد على الطلاق

- ‌أنواع الطلاق

- ‌أولًا: الطلاق الرجعي والبائن

- ‌ثانيًا: الطلاق السُّنِّي والبدعي

- ‌ثالثًا: الطلاق المُنجَّز والمضاف والمعلَّق

- ‌التخييرُ في الطلاق

- ‌التوكيل أو التفويض في الطلاق

- ‌العِدَّة

- ‌الخُلْع

- ‌أركان الخلع وما يتعلق بها

- ‌الإيلاء

- ‌الظِّهَار

- ‌اللِّعان

- ‌التفريق القضائي

- ‌الحضانة

- ‌12 - كتاب المواريث

- ‌عِلْم المواريث (الفرائض)

- ‌المُستحقُّون للميراث

- ‌الحَجْبُ

الفصل: ‌ثالثا: الطلاق المنجز والمضاف والمعلق

5 -

أن العبادات والعقود المحرَّمة إذا فعلت على الوجه المحرَّم لم تكن لازمة صحيحة، فإن النهي يقتضي الفساد، ولأنه طلاق منه منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز إيقاعه فكذلك يفيد عدم نفوذه، وإلا لم يكن للمنع فائدة، وقد أطال ابن القيم بمعارضات كثيرة من هذا الجنس.

وأجيب: بأن هذا قياس في معارضة النص - من صاحب القصة - فهو فاسد الاعتبار، وقد عورض هذا بقياس أحسن منه وهو ما تقدم نقله عن ابن عبد البر من أن الطلاق ليس من أعمال البر التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وإنما هو إزالة عصمة فيها حق لآدمي فكيفما أوقعه وقع

اهـ.

الراجح: من خلال الأدلة المتقدمة أن مذهب الجماهير من السلف والخلف من إيقاع الطلاق على الحائض هو الأقوى، والله أعلم.

تنبيه: يترتب على هذا أنه تجب على المرأة العدة: إذا طُلِّقت في الحيض، وهي في هذه الحالة تعتدُّ بحيضة على النحو الذي تقدم بيانه.

من طلَّق طلاق بدعة، هل يجب عليه مراجعتها؟

تقدَّم أن ابن عمر لما طلَّق امرأته وهي حائض، أخبر عمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «مُرْهُ فليراجعها

».

وهو أمر استحباب عند أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وأحمد في المشهور عنه، وحكاه النووي عن سائر الكوفيين وفقهاء المحدِّثين.

وقال مالك وأصحابه: هي واجبة يُجبر عليها ما بقي من العدة شيء، وهذا هو الأصح عند الحنفية وبه قال داود الظاهري، وهو الأرجح عملًا بحقيقة الأمر، ورفعًا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثره وهو العدة، ودفعًا لضرر تطويل العدة (1).

‌ثالثًا: الطلاق المُنجَّز والمضاف والمعلَّق

[1]

الطلاق المُنَجَّز: وهو الطلاق الخالي في صيغته عن التعليق على شرط أو الإضافة إلى المستقبل، بل يقصد به المطلِّق وقوع الطلاق في الحال، كقوله (أنتِ طالق).

حكمه:

ينعقد هذا الطلاق سببًا للفرقة في الحال، ويعقبه أثره بدون تراخٍ ما دام

(1)«طرح التثريب» للعراقي (7/ 88 - 89).

ص: 300

مستوفيًا لشروطه، فإذا قال لها:(أنت طالق) طلقت للحال وبدأ عدَّتها - إن كانت من ذوات العدة - هذا مع ملاحظة الفارق بين البائن والرجعي.

[2]

الطلاق المُضاف: هو الذي قُرنت صيغته بوقت، ويقصد المطلق بذلك وقوع الطلاق عند حلول ذلك الوقت، كقوله:(أنت طالق أول الشهر القادم - أو آخر النهار).

حكمه: إذا طلق الرجل امرأته لأَجَل، بأن أضافه إلى المستقبل، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال (1):

الأول: ينعقد الطلاق في الحال، لكن لا يقع إلا عند حلول الأجل المضاف إليه: وهو قول أبي عبيد وإسحاق والشافعي وأحمد وداود الظاهري وأصحابهم.

الثاني: يقع الطلاق في الحال منجزًا: وهو قول ابن المسيب وأحد قولي أبي جنيفة والليث ومالك.

الثالث: لا يقع لا في الحال ولا عند حلول الأجل: وهو مذهب أبي محمد بن حزم، وقد ناقش أدلة مخالفيه وفنَّدها، وانتصر لمذهبه بما حاصله:

1 -

أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علَّمنا الله الطلاق على المدخل بها وغير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} (2).

2 -

أن النكاح إلى أجل لا يجوز، فقياس الطلاق عليه أولى من قياسه على المداينة والعتق.

3 -

أن خلاف هذا القول يستلزم تحريم فرج بالظن على من أباحه الله تعالى له باليقين.

[3]

الطلاق المعلَّق على شرط:

وهو أن يعلِّق طلاق زوجته على حصول أمر، سواء كان هذا الأمر فعل المطلِّق أو المطلَّقة، أو لم يكن من فعل أحد.

فإن كان من فعل المطلق أو المطلقة أو غيرهما سُمِّي «يمينًا» عند الجمهور

(1)«المحلي» (10/ 213 - 216)، و «ابن عابدين» (3/ 265)، و «الدسوقي» (2/ 390)، و «مغني المحتاج» (3/ 314)، و «المغني» (7/ 363).

(2)

سورة الطلاق: 1.

ص: 301

مجازًا، لما فيه من معنى القسم، وهو: تقوية عزم الحالف أو عزم غيره على فعل شيء أو تركه، كأن يقول لزوجته:(إن خرجت من البيت فأنت طالق) أو: (إن سافرتُ أنا، فأنتِ طالق) أو (إن زارك فلان فأنت طالق).

فإن كان الطلاق مُعلَّقًا على فعل أحد، كأن يقول لها:(أنت طالق إن طلعت الشمس) فإنه يسمى «تعليقًا» لا يمينًا لانتفاء معنى اليمين، وقيل: يسمى يمينًا أيضًا (1).

حُكْم الحلف بالطلاق:

إذا علَّق الرجل طلاق امرأته على شرط، ثم حدث هذا الشرط، كأن يقول:(أنت طالق لو خرجْت) فَخَرَجَتْ، فهل يقع الطلاق؟

والجواب: أن هذا الرجل، لا يخلو حاله من أحد أمرين:

1 -

أن يكون قصد بذلك إيقاع الطلاق حقيقة إذا حصل الشرط الذي علَّق عليه، فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه عند حصول الشرط عند جمهور أهل العلم.

وخالف ابن حزم فقال: لا يقع سواء برَّ أو حنث، بناءً على أصله المعروف: أنه لا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل، ولا يمين إلا كما أمر الله تعالى وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من كان حالفًا فليحلف بالله» (2). فدلَّ على أن كل حلف بغير الله عز وجل فإنه معصية وليس يمينًا.

قلت: والأوَّل أظهر، بل قال شيخ الإسلام: «

وقد ذكر غير واحد الإجماع على وقوع هذا الطلاق المعلَّق، ولم نعلم فيه خلافًا قديمًا، لكن ابن حزم زعم أنه لا يقع به الطلاق، وهو قول الإمامية، مع أن ابن حزم ذكر في «كتاب الإجماع» إجماع العلماء على أنه يقع به الطلاق، وذكر أن الخلاف إنما هو فيما إذا أخرجه مخرج اليمين

» اهـ (3).

2 -

أن يكون قصد بذلك حمل الزوجة (حضَّها) على الفعل أو الترك، ولم يكن في نيته الطلاق حقيقة عند وقوع الشرط، بل إنه يكره طلاقها إذا فعلت ما علَّق طلاقها عليه.

فللعلماء في هذا النوع قولان:

(1)«ابن عابدين» (3/ 241)، و «المغني» (7/ 369)، وانظر «مجموع الفتاوى» (33/ 47).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (6646)، ومسلم (1646).

(3)

«المحلي» (10/ 211)، و «مجموع الفتاوى» (33/ 46، 47).

ص: 302

الأول: أنه يقع عند حصول الشرط كذلك: وهو مذهب جمهور الفقهاء منهم الأئمة الأربعة (1)، وحجتهم ما يلي:

1 -

ما ذكره البخاري تعليقًا عن نافع قال: طلَّق رجل امرأته البتة إنْ خرجتْ، فقال ابن عمر رضي الله عنه:«إن خرجت فقد بُتَّتْ منه، وإن لم تخرج فليس بشيء» (2).

قال السُّبْكي رحمه الله: فأوقع ابن عمر الطلاق على الحالف به عند الحنث في يمينه، ولا يُعرف أحد من الصحابة خالف ابن عمر في هذه الفتوى (!!) ولا أنكرها عليه. اهـ (3).

2 -

ما يُروي عن عروة بن الزبير قال: ضرب الزبير أسماء بنت أبي بكر فصاحت بعبد الله بن الزبير، فلما رآه قال:«أمُّك طالق إن دخلت» فقال له عبد الله: «أتجعل أمِّي عُرضة ليمينك؟» فاقتحم عليه فخلَّصها فبانت منه، قال:«ولقد كنت غلامًا ربما أخذت بشعر منكبي الزبير» (4) والشاهد فيه قوله: «فبانت منه» لكنه ضعيف.

3 -

ما جاء عن ابن مسعود في رجل قال لامرأته: إن فَعَلتْ كذا وكذا فهي طالق فتفعله، قال:«هي واحدة، وهو أحق بها» (5) وفيه ضعف.

4 -

ما جاء عن طريق الحسن: أن رجلًا تزوَّج امرأة وأراد سفرًا، فأخذه أهل امرأته، فجعلها طالقًا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء، فلما قدم خاصموه إلى علي بن أبي طالب، فقال عليٌّ:«اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا؟!» فردَّها عليه (6).

(1)«ابن عابدين» (3/ 253)، و «القوانين الفقهية» (ص 200)، والخرشي (4/ 54)، و «روضة الطالبين» (8/ 114)، و «مغني المحتاج» (3/ 316)، و «المغني» (7/ 397)، و «كشاف القناع» (5/ 254).

(2)

أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (9/ 300 - سلفية) ولم يصله الحافظ في «التعليق» (4/ 453)!!

(3)

«الدُّرة المضية في الرد على ابن تيميَّة» (ص 16).

(4)

إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 121)، والذهبي في «السير» (2/ 291)، وانظر «الميزان» (4/ 178).

(5)

إسناده منقطع: أخرجه البيهقي (7/ 356) وهو منقطع بين إبراهيم وابن مسعود.

(6)

إسناده منقطع: أخرجه ابن حزم في «المحلي» (10/ 212)، والحسن لم يسمع من عليٍّ.

ص: 303

وقد أجيب عنه: بأن عليًّا رضي الله عنه إنما أنكر عليهم اضطهادهم للرجل حتى حلف بالطلاق، وليس فيه أنه أوقع الطلاق!!

5 -

ما يُروى عن عائشة قالت: «كل يمين - وإن عظمت - ففيها الكفارة إلا العتق، والطلاق» (1) وهذا لو صحَّ فلا تعلق له بوقوع الطلاق أو عدمه، إنما هو في الكفارة إذا حنث.

6 -

أن آيات الطلاق فيها تفويض الأمر للزوج، وهي مُطْلقَة لم تفرِّق بين منجَّز ومعلَّق، والأصل أن يُعمل بالمطلق على إطلاقه حتى يأتي ما يقيِّده.

7 -

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» (2).

القول الثاني: أن الطلاق لا يقع: وهو قول عكرمة وطاووس وابن حزم وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية - ونسبه إلى أبي حنيفة!! وطائفة من أصحاب الشافعي - وتلميذه ابن القيم (3)، واحتجوا بما يلي:

1 -

قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} (4)، وقوله سبحانه:{ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} (5).

قال شيخ الإسلام: والحلف بالطلاق من أيمان المسلمين المكفَّرة، وهو داخل في جملة الأيمان بالآية.

2 -

وبمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفِّر عن يمينه، وليأت الذي هو خير» (6).

3 -

قول سبعة من الصحابة بعدم وقوع الحلف بالعتق، وهم: ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة وأم سلمة وحفصة، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذكر ابن تيمية، فكذا الطلاق بالقياس الصحيح.

(1) لم أجده مسندًا: وقد ذكره السبكي في «الدرة المضية» (17/ 18).

(2)

صحيح: تقدم تخريجه في «الزواج» .

(3)

«مصنف عبد الرزاق» (6/ 406)، و «مجموع الفتاوى» (33/ 44) وما بعدها، و «إعلام الموقعين» (4/ 79 - ط. الحديث) وما بعدها، و «المحلي» (10/ 211)، و «جامع أحكام النساء» (4/ 129 - وما بعدها).

(4)

سورة التحريم: 2.

(5)

سورة المائدة: 89.

(6)

صحيح: أخرجه مسلم (1650) وغيره.

ص: 304

قلت: صحَّ عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال:

«قالت لي مولاتي ليلى ابنة العجماء: كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك. قال: فأتيت زينب ابنة أم سلمة وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها فقالت: أفي البيت هاروت وماروت، فقالت يا زينب جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها حر وهي يهودية ونصرانية، فقالت يهودية ونصرانية خلى بين الرجل وامرأته، قال فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة فأرسلت معي إليها فقالت يا أم المؤمنين جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية خلى بين الرجل وامرأته فكأنها أبت، فأتيت عبد الله بن عمر فانطلق معي إليها فلما سلم عرفت صوته فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد أم من أي شيء أنت أفتتك زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منهما قالت يا أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية قال يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وخلى بين الرجل وامرأته» (1).

والشاهد أنها لما قالت: «كل مملوك لها حر» إن لم يفرق بين أبي رافع وامرأته، أفتاها الصحابة بأن عليها كفارة يمين، ولم يوجبوا عليها عتقًا، «فإذا أفتوا في الحلف بالعتق - الذي هو أحب إلى الله تعالى من

الطلاق - أنه لا يلزم الحالف، بل يجزئه كفارة يمين، فكيف يكون قولهم في الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله؟

» (2).

وقد أجاب عنه البيهقي فقال: وهذا في غير العتق، فقد روي عن ابن عمر من وجه آخر أن العتاق يقع، وكذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما

، وكأن الراوي قصر بنقله في رواية بكر بن عبد الله المزني (3)، أو لم يكن لها في الوقت مملوك فلم يتعرضوا له.

4 -

أن الملتزم لأمر عند الشرط إنما يلزمه بشرطين، أحدهما: أن يكون الملتزم

(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (16000)، والبيهقي (10/ 66).

(2)

«مجموع الفتاوى» (33/ 50).

(3)

قلت: نعم، قد أخرجه عبد الرزاق (16001) عن معمر عن أبان عن بكر بنحوه ولم يذكر:«كل مملوك لها حر» !!.

ص: 305

قربةً، والثاني: أن يكون قصده التقرب إلى الله به، لا الحلف به، فلو التزم ما ليس بقربة كالتطليق والبيع والإجارة

لم يلزم، بل تجزئه كفارة يمين.

وهنا الحالف بالطلاق هو التزام وقوعه على وجه اليمين، وهو يكره وقوعه إذا وجد الشرط كما يكره وقوع الكفر إذا حلف به وهذا - الأخير - لا يلزمه بالاتفاق، لأنه لم يقصد وقوعه عند الشرط، بل قصد الحلف به (1).

5 -

أن القول بعدم وقوع الطلاق المعلَّق على فعل المرأة، يمنع أن تتعمد المرأة فعله لتحنيثه وإيقاع الطلاق، وهو ملحظ أشهب من أصحاب مالك، قال ابن القيم: «وهذا القول هو الفقه بعينه، ولاسيما على أصول مالك وأحمد في مقابلة العبد بنقيض قصده، كحرمان القاتل ميراثه من المقتول

وتوريث امرأة من طلقها في مرض موته فرارًا من ميراثها .. ، فمعاقبة المرأة ههنا بنقيض قصدها هو محض القياس والفقه، ولا ينتقض هذا على أشهب بمسألة «المخيَّره» ومن جعل طلاقها بيدها؛ لأن الزوج قد ملكها ذلك وجعله بيدها، بخلاف الحالف فإنه لم يقصد طلاقها بنفسه

» اهـ.

الترجيح:

قد رأيتَ أنّه ليس في المسألة نص صريح من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها إجماع ثابت، والذي يظهر لي أن الأقرب إلى روح الشريعة ومقاصدها أن لا يقع الحلف بالطلاق (الطلاق المعلق على شرط) إذا كان الحالف لا يقصد به إلا التهديد أو الحض أو المنع من فعل، وهذا هو المعمول به اليوم في المحاكم المصرية فقد تضمنت المادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 ما نصه:

(لا يقع الطلاق غير المنجَّز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه لا غير).

وأما إذا قصد به وقوعه حقيقة عند حصول الشرط، فإن هذا يقع طلاقه كما تقدم والله أعلم.

فوائد (2)(على القول بوقوع الطلاق المعلَّق):

1 -

لو علَّق الرجل طلاق امرأته على فعل، ثم حصل منه الفعل المعلَّق عليه ناسيًا أو مكرهًا فإن الطلاق يقع كذلك عند الجمهور، وعند الشافعية فيه قولان: أظهرهما أنه لا يقع الطلاق.

(1)«مجموع الفتاوى» (33/ 56 - 57).

(2)

«ابن عابدين» (3/ 352)، و «الدسوقي» (2/ 375)، و «مغني المحتاج» (3/ 293 - 316)، و «المغني» (7/ 294).

ص: 306

2 -

إذا علق الطلاق على شرط، فإنها تبقى حلالًا له يطؤها متى شاء ما دام لم يحصل الفعل المعلَّق عليه عند الجمهور، خلافًا لمالك (!!).

قلت: إذا كان الطلاق لم يقع، فلم يُمنه من وطئها؟!!

3 -

إذا علقَّ الزوج الطلاق على شرط، فإنه ينحلُّ بحصول الشرط المعلق عليه مرة واحدة، مع وقوع الطلاق به على الزوجة في هذه المرة، فإذا عادت إليه ثانية في العدة أو بعدها، لم تقع عليها به طلقة أخرى لانحلاله، هذا ما لم يكن التعليق بلفظ (كلما فعلت

) فإنه يقع عندهم كلما فعلته.

وكذلك تنحلُّ اليمين المعلقة على شرط بزوال الحلِّ بالكلية، كأن تبين منه قبل أن تفعل الشرط، فلو تزوجها بعد التحليل، وفعلت الشرط لم يقع الطلاق عند جمهورهم.

كما تنحلُّ اليمين المعلقة على شرط بردَّة الحالف عند أبي حنيفة وصاحبيه.

وتنحلُّ اليمين المعلقة على شرط كذلك بفوت محلِّ البر، فإذا قال لها:(أنت طالق إن دخلت دار فلان) ثم خربت الدار ونحو ذلك انحلت اليمين حتى لو كان الدار الخربة بنيت ثانية فدخلتها.

فائدة (على القول بعدم وقوع الطلاق المعلَّق ممن لم يقصده):

ماذا على من حلف بالطلاق (علَّقه على شرط) إذا حصل الشرط؟ (1).

هذا النوع من الأيمان - الذي يدخل فيه الحلف بالطلاق - كقوله (إن فعلت كذا فعبيدي أحرار - أو عليَّ أن أحج - أو عليَّ الطلاق أي: إن لم يحصل كذا) العلماء فيها ثلاثة أقوال:

الأول: يلزمه ما حلف به إذا حنث: وهو القول الجاري على مسلك الجمهور كما تقدم.

الثاني: أنها يمين غير منعقدة فلا شيء فيها إذا حنث، لا كفارة ولا وقوع طلاق، وهذا مذهب الظاهرية.

الثالث: أنها يمين منعقدة، تكفَّر إذا حنث كغيرها من الأيمان: وهو مذهب شيخ الإسلام مستندًا لفتوى الصحابة في الحلف بالعتق، قلت: وهو الأشبه بالصواب والعلم عند الله.

(1)«مجموع الفتاوى» (33/ 50).

ص: 307

إذا علَّق الطلاق بالنكاح:

إذا قال الزوج: (إذا تزوجت فلانة فهي طالق) ثم تزوَّجها، فإن هذا الطلاق لا يقع في أصحِّ قولي العلماء، وهو مذهب الشافعي وأحمد واختيار شيخ الإسلام (1).

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} (2).

فذكر سبحانه النكاح قبل الطلاق.

وقد سئل ابن عباس عن الرجل يقول: (إذا تزوجت فلانة فهي طالق، فقال: «ليس بشيء إنما الطلاق لمن ملك» قالوا: فابن مسعود قال: «إذا وقَّت وقتًا فهو كما قال، قال: «يرحم الله أبا عبد الرحمن، لو كان كما قال، لقال الله: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن» (3).

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك» (4).

الاستثناء في الطلاق:

الاستثناء شرعًا: هو التعليق على مشيئة الله تعالى، والمراد بالاستثناء في الطلاق أن يقول الزوج لزوجته:(أنت طالق إن شاء الله) فهل يقع الطلاق؟

لأهل العلم في هذه المسألة مذهبان (5):

الأول: لا يقع الطلاق (ينفعه الاستثناء): وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن حزم ومستندهم ما يلي:

1 -

أن الاستثناء في الطلاق داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه» (6).

(1)«روضة الطالبين» (8/ 68)، و «منتهي الإرادات» (2/ 280)، و «مجموع الفتاوى» (33/ 233).

(2)

سورة الأحزاب: 49.

(3)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 320).

(4)

صحيح بطرقه: أخرجه الترمذي (1181)، وأبو داود (2190)، وابن ماجة (2047) وغيرهم وله شواهد كثيرة.

(5)

«ابن عابدين» (3/ 366)، و «القوانين الفقهية» (243)، و «مغني المحتاج» (3/ 302)، و «الروضة» (8/ 96)، و «المغني» (7/ 402)، و «الفتاوى» (35/ 284).

(6)

صحيح: أخرجه البخاري (6639)، ومسلم (1654).

ص: 308

وأجيب: بأن قول القائل: (أنت طالق إن شاء الله) ليس يمينًا فلا يحمَّل النص ما لا يحتمله، وإنما يدخل في النص الحلف بالطلاق.

2 -

ما يُروى عن ابن عباس مرفوعًا: «من قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، أو غلامه حر إن شاء الله، أو عليه المشي إلى بيت الله إن شاء الله - فلا شيء عليه» (1).

وقد ورد نحوه عن معاذ مرفوعًا وفيه التفريق بين الطلاق - فلا يقع - والعتاق، وهو منكر كذلك.

3 -

قال الله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} (2). قال ابن حزم: ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسَّره لإخراجه بغير استثناء، فصحَّ أنه تعالى لم يُرد وقوعه إذا يسَّره لتعليقه بمشيئته عز وجل. اهـ.

4 -

عن الثوري - في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله تعالى - قال: قال طاووس وحماد: «لا يقع عليها الطلاق» (3).

الثاني: يقع الطلاق (لا ينفعه الاستثناء): وهو مذهب مالك وأحمد والليث والأوزاعي وأبي عبيد واختيار شيخ الإسلام، ومستند هذا المذهب ما يلي:

1 -

ما رُوي عن ابن عباس أنه قال: «إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، فهي طالق» (4).

2 -

ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد قالوا: «كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزًا في كل شيء إلا العتاق والطلاق» (5).

قال ابن قدامة: وهذا نقل للإجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم، ولم يُعلم لهم مخالف، فهو إجماع. اهـ.

قلت: يعني: الإجماع السكوتي، وليس هو بحجة، على أن هذه الآثار عن

(1) منكر: أخرجه ابن عدي في «الكامل» (1/ 338 ط. الفكر)، وعنه البيهقي (7/ 361)، وانظر «الإرواء» (7/ 154).

(2)

سورة التكوير: 29.

(3)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (11326).

(4)

قال الألباني في «الإرواء» (2071): لم أره عن ابن عباس من قوله، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري

وإسناده صحيح.

(5)

لم أجده مسندًا. وقد ذكره ابن قدامة في «المغني» .

ص: 309