الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد الزواج
* رُكنا العقد:
عقد الزواج كغيره من العقود مبناه على إرادة العاقدين على الرضا بموضوع العقد، ولما كانت الإرادة والرضا من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها البشر، لزم أن يصدر عن كل واحد من العاقدين ما يدل على قبوله بالعقد، وموافقته عليه.
وتسمى الألفاظ التي يتم بها العقد وتكون دالة على رضا العاقدين بالمعقود عليه: الإيجاب والقبول، وهما ركنان للعقد باتفاق أهل العلم (1).
والإيجاب: لفظ يصدر من أحد المتعاقدين للتعبير عن إرادته في إقامة العلاقة الزوجية، وهو يوحي بأن العاقد ثبت في ذمته ما ألزم نفسه به بقوله.
والقبول: لفظ يصدر من المتعاقد الآخر للتعبير عن رضاه وموافقته بالمعقود عليه.
"والإيجاب والقبول اللذين ينعقد بهما النكاح يجب صدورهما ممن يصح منه عقد النكاح، وهما الخاطبان إذا كان كل واحد منهما أهلًا لعقد النكاح، كما يصح صدورهما من وكيل الزوج أو الزوجة، فالنكاح يقبل النيابة كغيره من العقود"(2).
* شروط انعقاد عقد الزواج:
أولًا: شروط في صيغة العقد:
1 -
يشترط في صيغة "الإيجاب والقبول" أن تكون بألفاظ تدلُّ على النكاح كأنكحت وزوجت وملكت وبعت ووهبت ونحوها وذلك يتحقق بوجود عرف أو قرينة، ولا يشترط أن تكون الصيغة بلفظ "الإنكاح" أو "التزويج" لأن العبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وهذا أصحُّ قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وقول في مذهب أحمد واختيار شيخ الإسلام (3).
ويؤيده ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلًا امرأة فقال: "قد ملَّكتُكها بما معك من القرآن"(4) وأما الشافعية والحنابلة فلا يصح عندهم إلا بلفظ اشتق من التزويج
(1)«المغني» (6/ 532).
(2)
«أحكام الزواج» للأشقر (ص: 80).
(3)
«ابن عابدين» (2/ 268)، و «المواهب» (3/ 419)، و «مغني المحتاج» (3/ 140)، و «المغني» (6/ 532)، و «مجموع الفتاوى» (29/ 12).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري بهذا اللفظ.
أو الإنكاح لأنه لم يذكر في القرآن سواهما فوجب الوقوف معهما تعبدًا واحتياطًا، لأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تُتلقى من الشرع.
* العقد بغير اللغة العربية:
إذا كان العاقدان أو أحدهما لا يفهم العربية، فإنه يجوز عقد الزواج بغير العربية اتفاقًا.
فإن كانا يفهمان العربية ويستطيعان العقد بها، فقال الشافعية والحنابلة: لا يجوز العقد حينئذٍ بغير العربية.
والصحيح أنه يجوز، قال شيخ الإسلام: "تعيُّن اللفظ العربي في عقد النكاح في غاية البعد عن أصول أحمد ونصوصه، وعن أصول الأدلة الشرعية، إذ النكاح يصح من الكافر والمسلم، وهو وإن كان قربة فإنما هو كالعتق والصدقة، ومعلوم أن العتق لا يتعيَّن له لفظ، لا عربي ولا عجمي، وكذلك الصدقة والوقف والهبة لا يتعيَّن لفظ عربي بالإجماع، ثم العجمي إذا تعلم العربية في الحال قد لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ كما يفهم من اللغة التي اعتادها.
نعم لو قيل: تُكره العقود بغير العربية لغير حاجة كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة -لكان متوجِّهًا، كما قد رُوي عن مالك أحمد والشافعي ما يدل على كراهية اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة" اهـ (1).
* لا ينعقد بالإشارة إلا لأخرس (2): ذهب الجمهور خلافًا للمالكية إلى أن القادر على النطق لا تعتبر إشارته في العقود، واتفقوا على أن إشارة الأخرس المعهودة والمفهومة معتبرة شرعًا فينعقد بها النكاح، واختلفوا: هل يشترط للعمل بالإشارة عدم القدرة على الكتابة؟ والصحيح أنه يشترط.
2 -
يشترط في الصيغة أن تدلَّ على الدوام والتنجيز: فإن كانت دالة على التأقيت أو الاستقبال لم يصحَّ العقد، فقوله:(إذا جاء رأس الشهر فقد زوَّجتك) لأنه لا ينعقد به النكاح، وكذلك قوله:
(زوجتك ابنتي عندما تنجح في الامتحان) لأنه معلق على شرط غير متحقق -في الحال- فلم يصحَّ (3). فإن علقه على أمر متحقق فعلًا صحَّ العقد.
(1)«مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (29/ 12).
(2)
«الفواكه الدواني» (2/ 57)، و «مغني المحتاج» (2/ 17).
(3)
انظر «الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص: 282)، و «أحكام الزواج» (ص: 81).
3 -
أن يوافق القبول الإيجاب من كل وجه، وعلى هذا اتفاق الفقهاء (1) فإن خالف القبولُ الإيجاب من وجه لم يصح النكاح، فإذا قال الولي: زوجتُك ابنتي فاطمة على مهر مقداره عشرة آلاف، فقال الخاطب: قبلتُ نكاح ابنتك عائشة على مهر مقداره خمسة آلاف، لم يصح النكاح.
4 -
اتصال القبول بالإيجاب: ويحصل هذا الاتصال باتحاد مجلس العقد، بأن يقع الإيجاب والقبول معًا في مجلس واحد.
ولا يعني هذا أن يشترط حصول القبول فور صدور الإيجاب، فإن الفورية لا تشترط عند الجمهور: الحنفية والمالكية والحنابلة، فلا يضرُّ التراخي ما دام القبول قد حصل في نفس المجلس (2).
فائدة:
وإنما اشترط الفقهاء -فيما مضى- اتحاد المجلس لعدم تصوُّر اتصال الإيجاب والقبول مع اختلاف الأمكنة وتباعد الديار، أما في عصرنا فقد تقدمت وسائل الاتصالات كالهاتف ونحوه، ولا مانع من إجراء العقود -مع اختلاف المجالس- إذا تحققت الفورية (أو: اتصال القبول بالإيجاب على النحو المتقدم) وتحقق كل واحد من العاقدين من هوية الآخر وأمن التزوير (3).
5 -
أن لا يعود الموجب عن إيجابه قبل قبول الآخر:
ذهب الجمهور -خلافًا للمالكية- إلى أن الإيجاب غير ملزم، وللموجب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الطرف الآخر، وحينئذٍ لا ينعقد العقد، فلابد أن يُصرَّ الموجب على ما أتى به من الإيجاب إلى قبول الآخر (4).
وكذلك لو مات أحد العاقدين بعد الإيجاب وقبل القبول لم ينعقد عند الجمهور (5).
(1)«البدائع» (5/ 136)، و «مغني المحتاج» (2/ 6)، و «كشاف القناع» (3/ 146).
(2)
«البدائع» (5/ 137)، و «مواهب الجليل» (4/ 241)، و «كشاف القناع» (3/ 147).
(3)
«أحكام الزواج» (ص: 83) بتصرف يسير.
(4)
«البدائع» (5/ 138)، و «مغني المحتاج» (2/ 6)، و «الشرح الكبير» (4/ 4 - مع المغني)، و «مواهب الجليل» (4/ 240).
(5)
«ابن عابدين» (4/ 20)، و «مغني المحتاج» (2/ 6)، و «المغني» (4/ 9 - مع الشرح).