الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* فائدة:
إن جهَّزت الزوجة أو ذووها شيئًا برضاهم -من غير إجبار- فهو حسن، فعن عليٍّ رضي الله عنه قال:"جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقِربة ووسادة حشوها إذخر"(1).
إعلان النكاح
* معناه وحكمه:
إعلان النكاح: هو إظهاره وإشاعته بين الناس، وقد تقدم الكلام على حكمه في "الشرط الرابع" من "شروط صحة عقد الزواج".
* بم يكون إعلان النكاح (2):
يكون الإعلان بضرب النساء الدُّف، وغنائهن الغناء المباح، لإشاعة السرور والبهجة، وترويح النفوس.
وهذا الغناء مباح -في المناسبات- إذا سلم من الفحش الظاهر والخفي والتحريض على الإثم وذكر المحرَّم، وإذا خلا من آلات اللهو والمعازف (غير الدف).
ومن الأدلة على ذلك:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحرام والحلال الضرب بالدفوف والصوت"(3).
فعن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو"(4).
وعن الربيع بنت معوِّذ بن عفراء، قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُنِيَ عليَّ فجلس على فراشي، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ، فقال:"دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين"(5).
أما اللهو المقترن بآلات الطرب المشتمل على ذكر أوصاف النساء والأغاني
(1) حسن: أخرجه النسائي (6/ 135)، وابن ماجة (4152).
(2)
«فقه الزواج» للسدلان (ص: 69 - 76) باختصار.
(3)
الترمذي (1088)، والنسائي (6/ 127)، وابن ماجة (1896) بسند حسن.
(4)
البخاري (5163).
(5)
البخاري (5147)، وأبو داود (4922)، والترمذي (1090)، وابن ماجة (1897).
الخليعة، الذي ينشر الفواحش والرذائل في الشباب والشابات، ويهدم القيم ويغير السلوك -فلا شك في تحريمه باتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة.
قال ابن رجب (1): "إنما كانت دفوفهم نحو الغرابيل، وغناؤهم إنشاد أشعار الجاهلية في أيام حروبهم وما أشبه ذلك، فمن قاس على ذلك سماع أشعار الغَزَل مع الدفوف المصلصلة [أي: التي فيها جلاجل] فقد أخطأ غاية الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل" اهـ.
قال العز بن عبد السلام (2): "أما العود، والآلات المعروفة ذوات الأوتار كالرَّبابة والقانون، فالمشهور من المذاهب الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام" اهـ.
* ومن منكرات الأفراح (3):
1 -
ذهاب العروس إلى "الكوافير" ليلة الزفاف:
وهذا من أشد المنكرات التي أصبحت عادة لا تنكر، بل يُنكر على من هجرها ولا يخفى القدر الذي يراه ويلمسه "الكوافير" -وهو رجل في الغالب- من العروس، ولا يخفى ما يحصل في هذه الأماكن
وفي هذه المناسبات، فلله كيف سمحت الفتاة المسلمة بإسلام جسدها لرجل أجنبي يعبث به؟ ويا لعَارِ زوجها "الديوث" الذي لا يغار على أهله؟!
2 -
إطلاع النساء على عورة العروس بحجة تهيئتها للزفاف:
وهذا حرام، فلا يجوز أن تطَّلع المرأة على عورة المرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة" وعورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورة الرجل في حق الرجل: من السرة إلى الركبة.
"وعموم النساء الجاهلات لا يتحاشين كشف العورة أو بعضها والأم حاضرة أو الأخت أو البنت، ويقلن: هؤلاء ذوات قرابة، فلتعلم المرأة أنها إذا بلغت سبع سنين لم يجز لأمها ولا لأختها ولا بنتها أن تنظر إلى عورتها"(4).
(1)«نزهة الأسماع في مسألة السماع» (ص41).
(2)
«تلبيس إبليس» (ص 229).
(3)
من كتابي «250 خطأ من أخطاء النساء» (ص 144) وما بعدها.
(4)
انظر أحكام النساء لابن الجوزي (ص 76) ط. ابن تيمية.
3 -
الإصرار على إقامة حفلات الزواج في الفنادق، وحضور هذه الحفلات على فيها من المنكرات:
فيُجمع في هذا بين الإسراف والتبذير من جهة، وبين الإثم الحاصل من استجلاب المغنين والمغنيات والاستماع إلى النغمات والألحان التي تهيج النفوس، وتترك أثرها السيء في القلوب، وهذا مشاهد في مناسبات الأعراس وغيرها، وغالبًا ما يختلط الرجال بالنساء مما يدعو صراحة إلى الفحش والتبرج والرذيلة والذي لا يفعله إلا من لا خلاق له، ولا شك في حرمة هذا النوع من الحفلات.
ولتعلم الأخت المسلمة أنه قد أبيح لهن في هذه الأعراس ضرب الدف وإنشاد الأشعار وإعلان النكاح وإظهار البهجة والفرحة والسرور، ما دام قد سلم من الفحش وآلات اللهو والطرب والاختلاط بالرجال.
4 -
تبرج العروس ليلة الزفاف:
وهذا حرام لا يجوز، إذا كان يراها غير النساء أو المحارم، وليعلم أن للعروس أن تتزين ما شاءت شريطة ألا يطلع عليها الأجانب.
5 -
جلوس العروسين في "الكوشة" بين النساء والرجال:
وهذا خطأ كبير، وهو محرم لأمور منها أن فيه دخولًا على النساء وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إياكم والدخول على النساء" وفيه التمكين من نظر الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، لا سيما وكلا الجنسين في قمة زينته.
وقد أفتت هيئة كبار العلماء بحرمة ذلك (فتوى رقم 8854/ 1405هـ).
6 -
قيام بعض النساء بالرقص في الحفلات:
وهذا الرقص إذا كان على مرأى الرجال والأجانب فهو من أشد المنكرات، وإذا كان في مكان خاص بالنساء، فالأولى منعه أيضًا، وذلك لأن الرقص عادة إنما تتعاطاه الفتيات على أنغام الموسيقى المحرمة وهذا حرام.
ثم إنه لا يؤمَن -مع رقة الدين وفساد النفوس- أن تصف امرأة لزوجها أو غيره صفة رقص هذه المرأة فيحصل فساد كبير.
7 -
تصوير الحفلات بالصور الفوتوغرافية والفيديو:
وهذا قبح عظيم وشر مستطير، فالنساء متعطرات متحليات بحليهن متجملات متزينات، وتصويرهن -والحالة هذه- فتنة عظيمة، ففيه كشف للعورات، وزرع
لبذور الشر والفساد، فالتصوير على هذا الوجه محرم بلا ريب، والمجاهرة بالمعاصي بلاء، هذا على أن أصل التصوير محرم بإطلاق، فعلى أرباب هذه الحفلات -وخصوصًا النساء- الانتهاء عن هذه الظاهرة السيئة وأن يتحروا في هذه الحفلات ما أباح الله تعالى دون ما حرم.
8 -
الإسراف في وليمة العرس:
فقد أصبح الناس -بتحريض من جهلة النساء- يتنافسون في إنفاق الأموال الطائلة لإعداد وليمة العرس بما يزيد عن حاجة المدعوين إليها، وتكون النتيجة أن يلقى الطعام في مواضع القمامة في حين لا يجد الفقير ما يسد به رمقه؟! وقد ذم الله تعالى الإسراف في اثنتين وعشرين آية من كتابه، فقال تعالى:{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (1).
وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا واشربوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة، إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"(2).
9 -
ترك العروس الصلاة ليلة الزفاف:
فإنها تستعد لليلة زفافها من بعد صلاة الظهر عادة فتغتسل وتتزين وتضع المساحيق، وتلبس ثياب العرس وغير ذلك وربما نسيت الصلاة وهذا حرام بلا خلاف.
10 -
تهنئة العروسين بقولهن: (بالرفاء والبنين):
وهي عادة منكرة: شاعت في عصر الجاهلية، وأصبحت شعارًا ودعاءً لمن يقدمون تبريكاتهم وتهانيهم بالزواج، وقد ورد النهي عن هذه الصيغة، فعن عقيل بن أبي طالب أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا:"بالرفاء والبنين" فقال: لا تقولوا هكذا، لكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم بارك لهم وبارك عليهم"(3).
ولعل الحكمة في النهي عن استعمال هذه الصيغة: مخالفة ما كان عليه أهل الجاهلية، ولعل فيه من الدعاء للزوج بالبنين دون البنات، ونحوه من الدعاء للمتزوجين، ولأنه ليس فيه ذكر اسم الله وحمده والثناء عليه، فعلينا التأسي
(1) سورة الأعراف: 31.
(2)
أخرجه النسائي (5/ 79)، والحاكم في المستدرك (4/ 135) بسند حسن.
(3)
أخرجه النسائي (3371)، وابن ماجة (1906)، وانظر «إرواء الغليل» (1923).
والاقتداء بالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، ومن ذلك قول المهنئ:"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير".
* وليمة العُرْس:
1 -
تعريفها: "الوليمة: اسم للطعام في العُرس خاصة".
2 -
حكمها: الوليمة سنة مستحبة مؤكدة (1) للمتزوج أن يولم بما تيسر، فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه، وحث أصحابه على الوليمة.
فعن أنس قال: "
…
أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها (أي بزينب بنت جحش) عروسًا فدعا القوم فأصابوا الطعام ثم خرجوا
…
" الحديث (2).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج: "أَوْلِمْ ولو بشاة"(3).
ولا تشترط الشاة ولا غيرها في الوليمة، بل حسبما تيسَّر للزوج، فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحَيس (4).
والحَيْس: تمر منزوع نواه ويخلط بالأقط أو الدقيق أو السويق.
3 -
وقتها: (هل عند العقد؟ أو بعده؟ أو عند الدخول؟ أو بعده؟):
الصواب أن الوليمة تكون عند الدخول أو بعده، لا عند العقد لما تقدم قريبًا في حديث أنس -في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب- الذي فيه: "أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروسًا فدعا القوم فأصابوا من الطعام
…
".
وقال بعض العلماء إن وقتها موسع من عقد النكاح إلى انتهاء العرس (5).
4 -
الدعوة للوليمة:
يستحب للمتزوج أن يدعو إليها الصالحين سواء كانوا فقراء أو أغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي"(6). ويستحب أن يجعل فيها حظًا للفقراء والمساكين:
(1) وهو قول الجمهور، بينما ذهب الشافعي ومالك - في قول - والظاهرية إلى وجوبها.
(2)
البخاري (1428)، ومسلم (5166)، والترمذي (3218)، والنسائي (6/ 136).
(3)
الحديث عند البخاري (5169)، وانظر «فتح الباري» (9/ 237).
(4)
البخاري (2048)، ومسلم (1427).
(5)
«الإنصاف» للماوردي (8/ 317).
(6)
أبو داود (4811)، والترمذي (2506) وحسنه الألباني.
فعن أبي هريرة قال: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله"(1).
5 -
إجابة الدعوة للوليمة:
ذهب جمهور العلماء إلى أن إجابة دعوة العُرس واجبة -إلا لعذر- واستدلوا بما يأتي:
-حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها"(2).
- وحديث أبي هريرة المتقدم: "
…
ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله" (3) والمرأة كالرجل في هذا الحكم إلا إذا اقترن بإجابة الدعوة اختلاط بالرجال أو خلوة محرَّمة، فلا تجوز حينئذٍ.
* فائدة: من دُعي وهو صائم؟
من دُعي إلى وليمة وهو صائم -رجلًا أو امرأة- فعليه أن يجيب ويحضر الوليمة لما تقدم من الأدلة، فإذا حضر فإنه مخير بين أمرين، إما أن يأكل معهم -إن كان صيامه تطوعًا وأراد الفطر- وإما أن يمتنع عن الأكل ويدعو لصاحب الوليمة: لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك"(4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل" يعني الدعاء (5).
ويكون الدعاء بأحد الأدعية التي تقدمت في "آداب الطعام".
6 -
متى يُترك حضور الوليمة؟
تقدم أن وجوب حضور الوليمة وإجابة الدعوة مشروط بعد وجود عذر، ومن هذه الأعذار:
(1) البخاري (5177)، ومسلم (1432) موقوفًا وله حكم الرفع.
(2)
البخاري (5173).
(3)
البخاري (5177)، ومسلم (1432) موقوفًا وله حكم الرفع.
(4)
مسلم (1430)، وأبو داود (3722).
(5)
مسلم (1431)، وأبو داود (3719)، والبيهقي (7/ 263) وهذا لفظه.
1 -
أن يدعى الشخص إلى موضع فيه منكر من خمر أو معازف ونحوها، فحينئذ لا يجوز الحضور إلا بقصد إنكارها ومحاولة إزالتها، فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع، ومما يدل على هذا:
حديث علي قال: صنعت طعامًا فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع [فقلت: يا رسول الله، ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: "إن في البيت سترًا فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تصاوير"](1).
2 -
أن يكون الداعي ممن يخص بدعوته الأغنياء لا الفقراء.
3 -
أن يكون الداعي ممن لا يتورع عن أكل الحرام ويتخوض في الشبهات، إلى غير ذلك من الأعذار الشرعية التي يترك الواجب من أجلها.
وكذلك يعذر المدعو إذا وجد عنده عذر شرعي كالذي يبيح التخلف عن الجمعة: من كثرة مطر أو وحلٍ أو خوف عدو أو خوف على مال أو نحو ذلك.
* يجوز للعروس أن تخدم أضياف زوجها يوم عرُسها:
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس، قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه"(2).
قلت: ومحل هذا الفعل هو أمن الفتنة كما لا يخفى، والله أعلم.
* التهنئة بالزواج:
من محاسن الشريعة تهنئة المسلم أخاه المسلم بما حصل له من الخير، والدعاء له بالبركة ودوام النعمة وشكرها، لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للمتزوج بالبركة ودوام التوفيق وطول العشرة (3).
* ما يقال للعروسين:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ الإنسان -إذا تزوج- قال: "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير"(4).
(1) ابن ماجة (3359)، وأبو يعلى (436) والزيادة له وصححه الألباني.
(2)
البخاري (5176)، ومسلم (2006)، وابن ماجة (1912).
(3)
«فقه الزواج» د. السدلان (ص: 97).
(4)
أبو داود (2130)، والترمذي (1091)، وابن ماجة (1905) بسند حسن.
وعن عائشة قالت: "تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر"(1).
ولا ينبغي العدول عن هذه الصيغ المشروعة في التهنئة إلى ما اعتاده الناس من قولهم (بالرفاء والبنين) فقد ورد النهي عن ذلك.
* ويستحب الهدية للعروسين:
والأصل في هذا حديث أنس قال: "لمَّا تزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب، أهدت له أم سليم حيسًا في تور حجارة
…
" الحديث (2).
* آداب ليلة الزفاف (3):
هذه بعض الآداب التي ينبغي لكل من الزوجين التأدب بها ليلة الزفاف، فإذا دخل العروسان منزلهما فيستحب:
1 -
تسليم الزوج على العروس: فإنَّ هذا مما يذهب الرهبة من قلب العروس، فعن أم سلمة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا تزوجها، فأراد أن يدخل عليها، سلَّم"(4).
2 -
أن يلاطفها بتقديم شيء من الشراب أو الحلوى:
فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت:
"إنى قيَّنت (5) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته فدعوته لجلوتها (6)، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعُسِّ (7) فيه لبن، فشرب ثم ناولها النبى صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها
واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذى من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت فشربت شيئًا
…
" (8).
(1) صحيح البخاري (5156).
(2)
مسلم (1428) وقد تقدم.
(3)
«آداب الزفاف» للألباني، و «الانشراح في آداب النكاح» لأبي إسحاق الحويني، و «المعاشرة بين الزوجين» لعمرو عبد المنعم، و «فقه الزواج» للسدلان (ص: 103) عن كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 409).
(4)
«أخلاق النبي» لأبي الشيخ (199) بسند حسن.
(5)
قيَّنت: أي زيَّنت.
(6)
أي: لينظر إليها مجلوة بزينتها.
(7)
العُسّ: هو القدح الكبير.
(8)
أحمد (6/ 452) وسنده محتمل للتحسين.
3 -
أن يضع يده على رأسها ويدعو لها:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا فليأخذ بناصيتها، وليسمِّ الله عز وجل، وليدع بالبركة، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما جبلتها عليه"(1).
4 -
أن يصلي معها ركعتين (وهو منقول عن السلف):
ومن ذلك حديث أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك، قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم. قال: فتقدمتُ بهم وأنا عبد مملوك، وعلَّموني فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصلِّ ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوَّذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك
…
" (2).
5 -
يستحب له قبل أن يأتيها أن يتسوَّك ليطهر فمه:
أو استخدام غير السواك كفرشاة الأسنان والمعجون ونحوه، فهذا أدعى لدوام العشرة والألفة.
فعن شريح بن هانئ قال: "قلت لعائشة: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم -يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك"(3).
6 -
التسمية والدعاء عند الجماع:
عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّر بينهما في ذلك -أو قضي ولد- لم يضره شيطان أبدًا"(4).
قلت: وإتمامًا للفائدة فيحسن هنا إيراد طرف من الآداب والأحكام المتعلقة بالجماع:
(1) أبو داود (2160)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (241 - 264)، وابن ماجة (1918) بسند حسن.
(2)
عزاه الألباني إلى ابن أبي شيبة بسند صحيح وأورد في الباب آثارًا أخرى في (آداب الزفاف: 94).
(3)
صحيح مسلم (253).
(4)
البخاري (5165)، ومسلم (1434).
* من آداب الجماع (1):
1 -
يستحب للرجل مداعبة زوجته قبل الجماع:
ففي رواية لحديث جابر لما تزوج فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجت بكرًا أو ثيبًا وأجابه بأنها ثيب فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لك وللعذارى ولُعابها"(2).
وفيه إشارة إلى مصِّ لسانها ورشف ريقها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل (3).
فإذا قضى وطره منها فلا يقوم عنها حتى تأخذ حاجتها، فإن ذلك أدعى لدوام العشرة والمودة.
2 -
للزوج أن يجامعها على أي وضع شاء بشرط أن يكون في الفرج:
فعن جابر قال: إن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة، جاء ولدها أحول، فأنزل الله عز وجل:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} (4).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة، ما كان في الفرج"(5).
3 -
يباح للزوج في جماع زوجته جسدها كله ما عدا الدُّبُر:
فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن" وسنده ضعيف (6).
لكن قال ابن عباس: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى رجل أتى بهيمة أو امرأة في دبرها"(7).
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه: أن رجلًا قال له: آتي امرأتي أنَّى شئت، وحيث شئت، وكيف شئت؟ قال: نعم، فنظر له رجل فقال له: إنه يريد الدبر!! قال عبد الله: محاش النساء عليكم حرام (8).
(1) من كتابي «فقه السنة للنساء» ص (411).
(2)
صحيح البخاري (5080).
(3)
فتح الباري (9/ 121).
(4)
سورة البقرة: 223.
(5)
أصله في الصحيحين، وهذا لفظ الطحاوي في «شرح المعاني» (3/ 419 بسند صحيح.
(6)
أحمد (5/ 213)، وابن ماجة (1924) وفي سنده اضطراب كما قال شيخنا - حفظه الله -.
(7)
النسائي في «العشرة» (116) وسنده حسن موقوفًا.
(8)
ابن أبي شيبة (3/ 530)، والدارمي (1/ 259) والطحاوي في «شرح المعاني» (3/ 46) وسنده صحيح.
* تنبيه: المحرَّم إنما هو الجماع في الدبر، أما الاستمتاع بالإليتين بدون إدخال في الدبر فهذا جائز لا شيء فيه، والله أعلم.
4 -
لا يجوز جماع المرأة في الفرج وهي حائض:
وقد تقدم هذا في أبواب الحيض، وتقدم أن للرجل أن يصنع مع زوجته -وهي حائض- كل شيء إلا الجماع، فليراجع، وقد تقدم هناك أنه لا حرج في جماع المستحاضة.
5 -
إذا وجد الرجل قوة فأراد أن يعود للجماع مرة أخرى فليتوضأ:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ"(1).
6 -
لا حرج على الزوجين في التجرد من الثياب عند الجماع:
وقد سبق بيان هذا في "أحكام النظر"، وأنه لا حد للعورة بين الزوجين، وأما ما روي "إذا أتى أحدكم أهله، فلْيُلْقِ على عَجُزِه وعَجُزِها شيئًا، ولا يتجردا تجرُّد العَيْرين"(2).
فهذا حديث منكر لا يصح، فرجع إلى ما قدمنا من الجواز والله أعلم.
7 -
لا يجوز للمرأة أن تمتنع من جماع زوجها إذا طلبها:
لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح"(3).
8 -
إذا وقع نظر الرجل على امرأة فأعجبته فليأت زوجته:
فعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب، وهي تمعس منيئة (4) لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال:"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فاذا أبصر أحدكم امرأة فليات أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه"(5).
وفي رواية: "فإن معها مثل الذي معها".
(1) صحيح مسلم (308) وتقدم.
(2)
النسائي في «العشرة» (143) وقال: هذا حديث منكر.
(3)
البخاري (5193)، ومسلم (1436).
(4)
أي تدلك الجلد لدباغته.
(5)
مسلم (1403)، وأبو داود (2151)، والترمذي (1158) والرواية له.
9 -
لا يجوز لأحد الزوجين أن ينشر أسرار الجماع:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى المرأة وتُفضي إليه ثم ينشر سرَّها"(1) لكن يجوز هذا لمصلحة شرعية كما كانت زوجات النبي صلى الله عليه
وسلم ينشرن ذلك لبيان هديه صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت هناك مصلحة شرعية من ذكره فلا بأس والله أعلم.
10 -
إذا قدم الرجل من سفر فلا يباغت لأهله بل يخبرهم بموعد رجوعه:
حتى تستعد الزوجة بالتنظف والتطيب وتحسين هيئتها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"إذا قدم أحدكم ليلًا فلا يأتين أهله طروقًا، حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة"(2).
11 -
يجوز جماع المرأة المرضع (الغِيلة):
فعن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغِيلة، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم"(3).
والغيلة: هي وطء المرضع، وقيل هي: أن ترضع وهي حامل.
12 -
يُكره العزل (إنزال المني خارج الفرج):
فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال:"ذلك الوأد الخفي"{وإذا الموءودة سئلت} (4)(5).
وعن جابر أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي جارية لي وأنا أعزل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن ذلك لن يمنع شيئًا أراده الله"(6).
وفي رواية: "اعزل إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها".
وعن جابر قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل"(7).
(1) مسلم (1437)، وأبو داود (4870).
(2)
مسلم (715) وقد تقدم.
(3)
مسلم (1442).
(4)
سورة التكوير: 8.
(5)
مسلم (1442)، وأبو داود (3882)، والترمذي (2077)، والنسائي (6/ 106)، وابن ماجة (2011).
(6)
مسلم (1439).
(7)
البخاري (5208)، ومسلم (1440).
فدلت هذه النصوص على كراهة العزل، ولْيُعلم أنه ما من نفس كتب الله أن تخلق إلا خُلقت، عزل الرجل أو لم يعزل.
* منع الحمل:
وتنحصر وسائل منع الحمل في: العزل، والتعقيم الدائم، والتعقيم المؤقت (1).
* فأما العزل فقد تقدم الكلام عليه، ويلحق به ما تتعاطاه المرأة لمنع الحمل مؤقتًا من الحبوب وغيرها، والأولى والأحوط اجتناب هذه الوسائل، إلا أننا نقول: إذا اقترن تعاطي هذه الحبوب ونحوها بنية عدم الحمل خشية ضيق الرزق أو الفقر فإنه يحرم، لأنه سوء ظن بالله تعالى الذي تكفل بالرزق للآباء والأبناء، قال تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} (2).
وأما التعقيم وهو منع الحمل الدائم بإزالة المبيض أو الرحم ونحو ذلك فلا خلاف في حرمته، لأنه قضاء على النسل الذي أمر الشرع بالمحافظة عليه وتكثيره إلا أن تكون ضرورة قصوى بحيث يكون في عدم إزالة الرحم ونحوه خطرًا على الأم فإنه يباح حينئذٍ.
* وأما التعقيم المؤقت فإن له حكم العزل بالضابط الذي تقدم التنبيه عليه، والله أعلم.
* التلقيح الصناعي (3):
* التلقيح الصناعي هو حصول الحمل بطريق غير الاتصال الجنسي المعروف.
وهو جائز شرعًا إذا كان بماء الزوج، ودعت إليه داعية كأن يكون بأحد الزوجين الراغبين في إنجاب الأولاد مانع يمنع من الحمل من طريق الاتصال العادي، ومحرم شرعًا إذا كان بماء غير الزوج، لما فيه من معنى الزنا، والاختلاط في الأنساب، ونسبة الولد إلى أب لم ينشأ من مائه.
والنسب في الحالة الأولى يكون ثابتًا من الزوج، فإنه ولده قد خلق من مائه، ولهذا الولد كل حقوق الأولاد، أما النسب في الحالة الثانية المحرمة فإنه يأخذ حكم نسب الولد الذي ينشأ من زنا الزوجة، ينفيه الزوج فينتفي نسبه (4).
(1)«الفقه الواضح» د. محمد بكر إسماعيل (2/ 464 - 466).
(2)
سورة الإسراء: 31.
(3)
«الفقه الواضح» (2/ 264 - 266).
(4)
أحكام الأولاد في الإسلام (ص 13).
وقد نصت دار الإفتاء المصرية على جواز هذه العملية بالشروط والضوابط التي أشرنا إليها، مصدرة هذه الفتوى بإحدى عشرة قاعدة تعتبر غاية في الدقة، إليك بيانها:
1 -
المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التي استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية ولذا شرع النكاح وحرم السفاح والتبني.
2 -
الاختلاط بالمباشرة بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن في جسده لا يعدل عنها إلا لضرورة.
3 -
التداوي جائز شرعًا بغير المحرم، بل قد يكون واجبًا إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم في واحد من الزوجين.
4 -
تلقيح الزوجة بذات مني زوجها دون شك في استبداله أو اختلاطه بمني غيره من إنسان أو مطلق حيوان جائز شرعًا، فإذا ثبت ثبت النسب، فإن كان من رجل آخر غير زوجها فهو محرم شرعًا ويكون في معنى الزنا ونتائجه.
5 -
تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المني- حرام ويدخل في معنى الزنا.
6 -
أخذ بويضة الزوجة التي لا تحمل وتلقيحها بمني زوجها خارج رحمها (أنابيب) وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمني إنسان آخر أو حيوان لداع طبي، وبعد نصح طبيب حاذق مجرب بتعيين هذا الطريق - هذه الصورة جائزة شرعًا.
7 -
التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما في رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات لفترة معينة يعاد بعدها الجنين إلى ذات رحم الزوجة -فيه إفساد لخليقة الله في أرضه ويحرم فعله.
8 -
الزوج الذي يتبنى أي طفل انفصل، وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة، لا يكون ابنًا له شرعًا، والزوج الذي يقبل أن تحمل زوجته من نطفة غيره، سواء بالزنا الفعلي أو بما في معناه - سماه الإسلام ديوثًا.
9 -
كل طفل ناشئ بالطرق المحرمة قطعًا من التلقيح الصناعي، لا ينسب إلى أب جبرًا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تمامًا.
10 -
الطبيب هو الخبير الفني في إجراء التلقيح الصناعي أيًّا كانت صورته، فإن كان عمله في صورة غير مشروعة كان آثمًا وكسبه حرام وعليه أن يقف عند الحد المباح.
11 -
إنشاء مستودع تستجلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة، لتلقح بها نساء لهن صفات معينة - شر مستطير على نظام الأسرة، ونذير بانتهاء الحياة الأسرية كما أرادها الله.
وعلى ضوء هذه القواعد جاءت الفتوى تدور في فلكها فراجعها إن شئت في كتاب الفتاوى المجلد التاسع 1403هـ-1983م، ص 3213 وما بعدها. اهـ.
* الحقوق بين الزوجين (1):
(أ) حقوق الزوج على زوجته:
الأصل الذي بنيت عليه هذه الحقوق قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} (2). فحق الرجل على زوجته عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: "حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(4).
وطاعة المرأة لزوجها من موجبات دخول الجنة: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت"(5).
فإذا كان الأمر كذلك فجدير بالمرأة المؤمنة أن تعرف حقوق زوجها عليها ومن ذلك:
1 -
أن تطيعه فيما يأمرها:
فعن حصين بن محصن عن عمته قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أذات
(1) من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص 418 - 437) مع شيء من الزيادة.
(2)
سورة النساء: 34.
(3)
صحيح: وقد تقدم تخريجه.
(4)
الترمذي (1159)، وابن حبان (1291)، والبيهقي (7/ 291) وهو صحيح لغيره.
(5)
صحيح: ابن حبان (4163) وهو صحيح.
زوج أنت؟ " قلت: نعم، قال: "فأين أنت منه؟ " قلت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: "فكيف أنت له، فإنه جنتك ونارك" (1).
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير النساء؟ قال: "التي تطيعه إذا أمر، وتسره إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله"(2).
* تنبيه: طاعة المرأة لزوجها ليست مطلقة فإنها مشروطة بما ليس فيه معصية لله تعالى، فإن أمرها زوجها بمعصية كأن تخلع حجابها أو تترك الصلاة أو أن يجامعها في حيضها أو في دبرها، فإنها لا تطيعه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف"(3).
2 -
أن تَقَرَّ في البيت، ولا تخرج إلا بإذنه:
قال تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} (4).
قال شيخ الإسلام: "لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه،
…
وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة، عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة" (5).
3 -
أن تعطيه إذا دعاها إلى الفراش:
وقد تقدم هذا قريبًا في "آداب الجماع".
4 -
أن لا تأذن لأحد أن يدخل بيته إلا بإذنه:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "
…
وإنَّ لكم ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه" (6).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تأذن المرأة في بيت زوجها وهو شاهد إلا بإذنه"(7).
وهذا محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به وأما لو علمت رضا الزوج بذلك، فلا حرج عليها إن كان ممن يجوز له الدخول عليها، والله أعلم.
(1) النسائي في «العشرة» (ص 106)، والحاكم (2/ 189)، والبيهقي (7/ 291)، وأحمد (4/ 341) وهو حسن.
(2)
النسائي (6/ 68) وهو صحيح وقد تقدم.
(3)
البخاري (7257)، ومسلم (1840).
(4)
سورة الأحزاب: 33.
(5)
«مجموع الفتاوى» (32/ 281).
(6)
صحيح مسلم (1218).
(7)
صحيح مسلم (1026).
5 -
أن لا تصوم -صيام تطوع- وزوجها حاضر إلا بإذنه:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمرأة أن تصوم -وزوجها شاهد- إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه"(1).
6 -
أن تُنفق من ماله إلا بإذنه:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْفِقُ امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها"(2).
7 -
أن تقوم بخدمته وخدمة أولاده:
فقد كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تخدم زوجها حتى اشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى في يدها من الرحى (3).
وقالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "كنت أخدم الزبير بن العوام [زوجها] خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم" وكانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له تبعد ثلثي فرسخ، أي عن بيتها (4).
قال شيخ الإسلام في "الفتاوى"(34/ 90، 91):
"وتنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه فى مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن، والطعام لماليكه وبهائمه، مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة، وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء، فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب فى السفر الذى هو نظير الإنسان وصاحبه فى المسكن إن لم يعاونه على مصالحه لم يكن قد عاشره بالمعروف.
وقيل -وهو الصواب-: وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها فى كتاب الله، وهى عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)، وعلى العانى [أي: الأسير] والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف، ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه
(1) البخاري (5195)، والترمذي (782)، وابن ماجة (1761).
(2)
أبو داود (3565)، والترمذي (670)، وابن ماجة (2295) وسنده حسن.
(3)
صحيح: البخاري (5361)، ومسلم (2182).
(4)
البخاري (5224)، ومسلم (2182).
(5)
يعني حديث: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم» أخرجه مسلم (1218).
الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوَّع ذلك بتنوُّع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القويه ليست كخدمة الضعيفة" اهـ.
قلت: وإلى هذا ذهب أبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني من الحنابلة، بينما ذهب الجمهور إلى أنه لا يجب على المرأة خدمة زوجها وينبغي على الزوج أن يوفِّر لها من يقوم بخدمة حوائجها (!!) قالوا: لأن المعقود من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره (1). قلت: القول بإيجاب إيجاب الخدمة عليها بالمعروف أولى، قال ابن القيم في "الزاد" (5/ 187 - 188): "واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأيضًا: فإن المهر في مقابلة البُضْع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضًا: فإن العقود المطلقة إنما تُنزَّل على العُرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلية، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرُّعًا وإحسانًا يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: لا خدمة عليها وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدًا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها، والزبير معه، لم يقل: لا خدمة عليها، وإن هذا ظلم لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه أن منهنَّ الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه". اهـ.
وعلى كلٍّ لا شك أنه من التعاون على البر والتقوى، وهو مأمور به شرعًا. وليس معنى هذا أن لا يقوم الزوج بمساعدة زوجته في بعض ما تقوم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأنف أن يقوم بذلك:
فعن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله -تعني في خدمتهم- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"(2).
فعلى الزوج أن يراعي ظروف زوجته، فلا يرهقها ويحملها ما لا تستطيع.
(1)«فتح القدير» (4/ 199)، و «المبسوط» (5/ 181)، و «الأم» (5/ 87)، و «المجموع» (18/ 256)، و «المغني» (7/ 21)، و «الإقناع» (4/ 139).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (676).
8 -
أن تحفظه في عرضها وأولاده وماله:
قال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} (1).
قال الطبري في "تفسيره":
يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن في حق الله في ذلك وغيره. اهـ.
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم في خير النساء: "
…
وتحفظه في نفسها وماله" (2).
9 -
أن تشكر له، ولا تجحد فضله، وتعاشره بالمعروف:
فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "
…
ورأيت النار، لم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء" قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: "بكفرهن" قيل: يكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط"(4).
ولسنا نعني بالشكر: شكر اللسان فحسب، وإنما نقصد معه إظهاره السرور والراحة بالحياة في كنفه والقيام على أموره وأمور ولده، وخدمته وعدم التخلي عنه عنه (5)، وعدم الشكاية منه وغير ذلك.
10 -
أن تتزين له وتتجمل:
"فإن خير النساء من تسرك إذا نظرت" كما تقدم مرارًا.
11 -
أن لا تَمُنَّ عليه إذا أنفقت عليه وعلى أولاده من مالها (6):
فإن المن يبطل الأجر والثواب، كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (7).
(1) سورة النساء: 34.
(2)
صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
النسائي في «العِشرة» (249) وسنده صحيح.
(4)
البخاري (29)، ومسلم (884).
(5)
«الآداب الشرعية في المعاشرة الزوجية» لعمرو عبد المنعم (ص: 24) بتصرف يسير.
(6)
«الوجيز» (ص 308) بتصرف يسير.
(7)
سورة البقرة: 264.
12 -
أن ترضى باليسير وتقنع به ولا تكلفه فوق طاقته (1):
قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا} (2).
13 -
أن لا تفعل ما يؤذيه ويغضبه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا"(3).
14 -
أن تحسن معاملة والديه وأقاربه (4).
15 -
أن تحرص على الحياة معه فلا تطلب الطلاق لغير سبب شرعي:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"(5).
16 -
أن تحد عليه إذا مات أربعة أشهر وعشرًا:
وقد تقدم هذا في "الجنائز".
(ب) حقوق الزوجة على زوجها:
وهي حقوق مالية كالمهر -وقد تقدم- والنفقة.
وحقوق غير مالية، ومن هذه الحقوق:
1 -
حسن العشرة مع الزوجة:
والمراد به: إحسان الصحبة، وكف الأذى، وعدم مطل الحقوق مع القدرة، وإظهار البشر والطلاقة والانسباط.
والأصل في هذا قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} (6).
وقوله سبحانه: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (7).
(1)«الوجيز» (ص 308) بتصرف يسير.
(2)
سورة الطلاق: 7.
(3)
الترمذي (1184)، وابن ماجة (2014) بسند حسن.
(4)
انظر كتابي «250 خطأ من أخطاء النساء» (ص: 102).
(5)
الترمذي (1199)، وأبو داود (2209)، وابن ماجة (2055) وهو صحيح.
(6)
سورة النساء: 19.
(7)
سورة البقرة: 228.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(1).
وحسن العشرة لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق، فما سنذكره بعد ذلك إنما هو جزء من حسن العشرة، وإنما نفرده لمزيد العناية به، ومن ذلك:
2، 3، 4 - النفقة، والكسوة، والسُّكنى، بالمعروف:
أما النفقة: فالمراد بها ما ينفقه الزوج على زوجته وأولاده من طعام وكسوة وسكنى ونحو ذلك، ونفقة الزوجة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول (2):
- أما الكتاب فمن ذلك:
1 -
قوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} (3).
2 -
وقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} (4).
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهن، من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره" اهـ.
- وأما السنة فمنها:
1 -
حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"(5).
2 -
وحديث معاوية القشيري رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟
…
قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت"(6).
(1) الترمذي (3892)، وابن حبان (1312) وهو صحيح.
(2)
«ابن عابدين» (3/ 886)، و «البدائع» (4/ 15)، و «بداية المجتهد» (2/ 94)، و «مغني المحتاج» (3/ 426)، و «المغني» (7/ 563)، و «روضة الطالبين» (9/ 40).
(3)
سورة الطلاق: 7.
(4)
سورة البقرة: 233.
(5)
صحيح: أخرجه مسلم (1218).
(6)
حسن: أخرجه أبو داود (2142)، وابن ماجة (1850)، وأحمد (4/ 447)، والنسائي في «العشرة» (269).
3 -
وحديث عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطينى وولدى إلا ما أخذتُ وهو لا يعلم، قال:"خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف"(1).
- وأما الإجماع، فقد ذكر غير واحد من أهل العلم اتفاقهم على وجوب نفقة الزوجة على زوجها -إذا كان بالغًا- إلا الناشز.
- وأما المعقول: فإن المرأة محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقه، فكان عليه أن ينفق عليها.
* سبب وجوب النفقة:
ذهب الحنفية إلى أن سبب وجوب النفقة على الزوج: حبس المرأة عليه، وقال الجمهور: سبب وجوب النفقة: الزوجية، أي: كونها زوجة (2).
* شروط وجوب النفقة:
اشترط الجمهور لإيجاب النفقة للزوجة على زوجها شروطًا، قبل الدخول، وبعده (3).
* الشروط قبل الدخول:
1 -
أن تمكنه من الدخول بها: بأن تدعوه -بعد العقد- إلى الدخول بها، فإن لم تفعل أو امتنعت من الدخول بغير عذر فلا نفقة عليه.
2 -
أن تكون الزوجة مطيقة للوطء: بأن لا تكون صغيرة أو بها مانع من الوطء.
3 -
أن يكون الزواج صحيحًا: فإن كان فاسدًا، فلا نفقة لها على الزوج، ولا يمكن اعتبار الزوجة محبوسة على الزوج، لأن التمكين لا يصح مع فساد النكاح، ولا يستحق في مقابلته بالاتفاق.
* الشروط بعد الدخول:
1 -
أن يكون الزوج موسرًا: فلو كان معسرًا لا يقدر على النفقة، فلا نفقة عليه مدة إعساره، لقوله تعالى:{لينفق ذو سعة من سعته .... لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها} (4).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714).
(2)
«البدائع» (4/ 16)، و «مغني المحتاج» (3/ 425)، و «المغني» (7/ 564).
(3)
«البدائع» (4/ 18)، و «مغني المحتاج» (3/ 435)، و «المغني» (7/ 601)، و «بداية المجتهد» (2/ 94).
(4)
سورة الطلاق: 7.
2 -
أن تكون محبوسة عليه (تكون غير ناشز): فإذا خرجت عن طاعته فلا نفقة لها.
* فائدة: الزوجة العاملة أو الموظفة، هل لها نفقة؟
إذا كانت المرأة تعمل خارج بيتها (في عمل مباح!!) فإن كان برضا الزوج ولم يمنعها فإنه تجب لها النفقة، لأن الاحتباس عليه حقه، فله أن يتنازل عنه، فإن لم يرض ومنعها من الخروج فخرجت للعمل، سقط حقها في النفقة، لأن الاحتباس في هذه الحالة ناقص (1).
* تقدير النفقة الواجبة:
الأصل في هذا قوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته
…
} (2). وقوله سبحانه {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم لهند:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(4).
فالمعتبر إذن:
1 -
الكفاية للزوجة والأولاد بالمعروف، وهذا يختلف بحسب اختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة.
2 -
استطاعة الرجل وسعته.
وقد أطال الفقهاء رحمهم الله في تحديد القدر الواجب في النفقة، وفصلوا في ذلك بما نراه مبنيًّا على أعراف زمانهم (5)، وكذلك في مسألة النفقة: هل المعتبر فيها حال الزوج أو الزوجة أو حالهما؟ والصحيح الذي دلت عليه النصوص القرآنية المتقدمة أن المعتبر -في اليسار والإعسار- حال الزوج، وهو مذهب المالكية والشافعية (6).
(1)«ابن عابدين» (2/ 891).
(2)
سورة الطلاق: 7.
(3)
سورة البقرة: 236.
(4)
صحيح: تقدم قريبًا.
(5)
انظر «البدائع» (4/ 23)، و «ابن عابدين» (2/ 886)، و «القوانين الفقهية» (221)، و «بداية المجتهد» (2/ 95)، و «مغني المحتاج» (3/ 426)، و «المغني» (7/ 564 - 571).
(6)
«الشرح الصغير» (2/ 731 - وما بعدها)، و «المغني» (7/ 564 - 571).
* هل يلزم الزوج بنفقة علاج زوجته؟
مذهب الأئمة الأربعة أن الزوج لا يجب عليه نفقة علاج زوجته وتداويها (1)!! لكن الظاهر أن مبنى هذا القول على أن المداواة -في الماضي- لم تكن من الحاجات الأساسية ولم تكن تكثر الحاجة إليها، "أما الآن فقد أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، بل أهم، لأن المريض يفضل -غالبًا- ما يتداوى به على كل شيء، وهل يمكنه تناول الطعام وهو يشكو ويتوَّجع من الآلام والأوجاع التي تبرح به وتجهده وتهدده بالموت؟!
لذا فإنا نرى وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية، وكما تجب على الوالد نفقة الدواء اللازم للولد بالإجماع، وهل من حسن العشرة أن يستمتع الزوج بزوجته حال الصحة، ثم يردَّها إلى أهلها لمعالجتها حال المرض؟!! " اهـ (2).
* وأما الكسوة: فقد أجمع أهل العلم على أنه تجب الكسوة للزوجة على زوجها إذا مكنته من نفسها على الوجه الواجب عليها، لقوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} (3).
ولما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم -في حديث جابر-: "
…
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (4).
ولأن الكسوة لابد منها على الدوام، فلزمته كالنفقة، كما أجمعوا على أنه يجب أن تكون الكسوة كافية للمرأة، وأن هذه الكفاية تختلف باختلاف طولها وقصرها وسمنها وهزالها وباختلاف البلاد التي تعيش فيها في الحر والبرد (5).
* فائدة: لو كساها الزوج ثم طلقها أو مات أو ماتت قبل أن تبلى الثياب، فهل يسترجعها؟
إذا استلمت المرأة نفقتها المفروضة ثم طلقها الزوج أو توفي عنها أو توفيت،
(1)«ابن عابدين» (2/ 889)، و «الدسوقي» (2/ 511)، و «مغني المحتاج» (3/ 431)، و «كشاف القناع» (5/ 536).
(2)
«الفقه الإسلامي وأدلته» د. وهبة (7/ 794 - 795).
(3)
سورة البقرة: 233.
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (1218) وقد تقدم.
(5)
«البدائع» (4/ 24)، و «ابن عابدين» (2/ 645 - 654)، و «جواهر الإكليل» (1/ 403)، و «روضة الطالبين» (9/ 47).
فلا يجوز للزوج ولا لورثته استرجاعها في أصحِّ قولي العلماء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية ووجه عند الحنابلة (1).
لأنه وفَّاها ما عليه ودفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه، فلم يكن له الرجوع فيها.
ولأنها صلة فأشبهت الهبة، ولا يجوز الرجوع في الهبة في حال وفاة الواهب أو الموهوب.
* وأما السُّكنى: فهي واجبة للزوجة على زوجها بالاتفاق:
1 -
لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها، فوجوب السكنى للتي هي في صُلب النكاح أولى.
قال الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} (2).
2 -
ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بالمعروف بين الأزواج بقوله: {وعاشروهن بالمعروف} (3). ومن المعروف المأمور به أن يُسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها.
3 -
كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع فلذلك كانت السكنى حقًا لها على زوجها (4).
* صفة المسكن الشرعي: المعتبر في المسكن الشرعي للزوجة هو سعة الزوج وحال الزوجة، قياسًا على النفقة باعتبار أن كلًّا منهما حق مترتب على عقد الزواج.
ولقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث من وجدكم} وقوله سبحانه: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} (5).
فالواجب يكون بقدر حال المنفعة يسرًا وعسرًا وتوسطًا فكذلك السكنى، وهو مذهب الجمهور.
وقال الشافعية: المعتبر في المسكن الشرعي هو حال الزوجة فقط، على خلاف قولهم في النفقة!!
(1)«ابن عابدين» (2/ 660)، و «جواهر الإكليل» (1/ 404)، و «روضة الطالبين» (9/ 55)، و «المغني» (7/ 572).
(2)
سورة الطلاق: 6.
(3)
سورة النساء: 19.
(4)
«البدائع» (4/ 15)، و «تحفة المحتاج» (7/ 443)، و «الفرع» لابن مفلح (5/ 577).
(5)
سورة الطلاق: 7.
قالوا: لأن الزوجة ملزمة بملازمة السكن، فلا يمكنها إبداله، فإذا لم يعتبر حالها فذلك إضرار بها، والضرر منهي عنه شرعًا، أما النفقة فيمكنها إبدالها (1).
قلت: ومذهب الجمهور أولى للآيات المتقدمة، والله أعلم.
* فوائد:
1 -
سكنى الزوجة مع أهل الزوج (2): والمراد بهم هنا: الوالدان وولد الزوج من غير الزوجة.
فذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أنه لا يجوز الجمع بين الأبوين (أو غيرهما من الأقارب) والزوجة في مسكن واحد، ويكون للزوجة الامتناع عن السكنى مع واحد منهما إلا أن تختار هي ذلك، لأن السكنى من حقها فليس له أن يُشرك غيرها فيه، ولأنها تتضرر بذلك.
وأما المالكية ففرقوا بين الزوجة الشريفة (ذات القدر) والوضيعة، فمنعوا جمع الشريفة مع أبويه، وأجازوه في الوضيعة إلا أن يكون فيه ضرر عليها.
وأما جمع الزوجة وولد الزوج في مسكن واحد: فإن كان كبيرًا يفهم الجماع، لم يجز باتفاق الفقهاء، لما فيه من الضرر بها، وهو حقها فيسقط برضاها.
وإن كان ولد الزوج صغيرًا لا يفهم الجماع: فإسكانه معها جائز وليس لها حق الامتناع من السكنى معه.
2 -
سكنى أهل الزوجة مع الزوج (3):
ليس للمرأة أن تُسكن أحدًا من محارمها في منزل زوجها، وللزوج أن يمنعها من إسكانهم معها، إلا أن يرضى فلا حرج حينئذٍ.
وأما ولدها من غير الزوج، فلا يجوز لها إسكانه معها بغير رضا الزوج كذلك عند الجمهور، وقيَّد المالكية المنع بما إذا كان الزوج عالمًا به وقت البناء، فإن كان يعلم به ولم يكن له حاضن فليس له منعها من إسكانه معها عندهم.
3 -
هل تُجمع الزوجات في بيت واحد؟
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الجمع بين امرأتين في مسكن واحد، لأن ذلك
(1)«البجيرمي على المنهج» (2/ 102)، و «مغني المحتاج» (3/ 432).
(2)
«البدائع» (4/ 24)، «حاشية الدسوقي» (2/ 474)، و «مغني المحتاج» (3/ 430).
(3)
«البحر الرائق» (4/ 210)، و «نهاية المحتاج» (7/ 597)، و «كشاف القناع» (3/ 117).
ليس من المعاشرة بالمعروف، ولأنه يؤدي إلى الخصومة التي نهى الشارع عنها، ولأن كل واحدة منهما قد تسمع حسَّه إذا أتى
الأخرى أو ترى ذلك، مما يثير بينهما العداوة والغيرة ونحو ذلك. ومنع الجمع بين امرأتين في مسكن واحد حق خالص لهما، فيسقط برضاهما عند الجمهور (1).
قلت: الأصل أن يجعل لكل زوجة منهن بيتًا كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم
…
} (2).
فذكر سبحانه أنها بيوت ولم تكن بيتًا واحدًا، لكن إذا رضيتا بذلك جاز، لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه، والله أعلم (3).
* تنبيه: سيأتي مزيد بيان لبعض مسائل النفقة والسكنى في أبواب عدة المطلَّقة إن شاء الله.
5 -
التلطف بالزوجة وملاعبتها وتقدير صغر سِنِّها:
وليكن لهذا الزوج في رسول الله الأسوة الحسنة، فعن عائشة قالت:"كان الحبش يلعبون، فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو"(4).
ويسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ويقول لها: "تعالي أسابقك" فتسبقه، ثم يسابقها بعد أن بدنت وحملت اللحم فيسبقها ويضحك ويقول:"هذه بتلك"(5).
وقالت عائشة: "كنت ألعب بالبنات [العرائس من القطن] عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إليَّ فيلعبن معي"(6).
فأي حلم بعد هذا مع الزوجة!! (7).
(1)«فتح القدير» (4/ 207)، و «مواهب الجليل» (4/ 13)، و «نهاية المحتاج» (7/ 186)، و «كشاف القناع» (5/ 196)، و «الفروع» (5/ 324).
(2)
سورة الأحزاب: 53.
(3)
انظر كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 440) ط. التوفيقية.
(4)
البخاري (5190)، ومسلم (892).
(5)
مسند أحمد (6/ 264) بسند صحيح.
(6)
البخاري (6130)، ومسلم (2440).
(7)
«فقه التعامل بين الزوجين» لشيخنا مصطفى العدوي - أثابه الله - (ص 41).
5 -
أن يَسْمُر مع زوجته يُحدِّثها ويستمع إلى حديثها:
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم مستمعًا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن أن لا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا وهو حديث أم زرع وهو حديث طويل، ومع ذلك لا يملُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي تقصُّه عليه.
وها هو الحديث أذكره مع بعض فوائده (1):
قالت عائشة رضي الله عنها:
جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبارهن شيئًا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث (2) على رأس جبل (3) لا سهل (4) فيُرتقى (5) ولا سمين (6) فيُنتقل (7).
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره (8) إني أخاف أن لا أَذَرَه (9) إن أذكرهُ أذكر
(1) السابق ص (43 - 55) والحديث عند البخاري (5189)، ومسلم (2448).
(2)
الغث: الهزيل النحيف الضعيف.
(3)
في رواية: على رأس جبل وعر.
(4)
أي: الجبل ليس بسهل، والمعنى: أن صعوده شاق لوعورته.
(5)
يُرتق أي: يُصعد عليه.
(6)
المراد: اللحم.
(7)
يُنتقل، أي: يتحول.
والمعنى الإجمالي لقولها - والله أعلم - أنها شبهت زوجها بلحم الجمل الضعيف الهزيل، وهذا اللحم رغم أنه لحم جمل ضعيف هزيل فهو موضوع على قمة جبل وعر يصعب الصعود إليه، فالجبل ليس بسهل للارتقاء واللحم ليس بسمين يستحق مكابدة المشاق.
وتنزيل هذا على الزوج كالتالي: أنها تذم زوجها فتقول: إن لحمه كلحم الإبل ليس كلحم الضأن الطيب، والمعنى: أنها لا تستمتع بزوجها ذلك الاستمتاع المطلوب فهو رجل ضعيف لحمه غير جيد، وكأنها تصف مضاجعته لها، تعني: أنني إذا استمتعت منه بشيء فكأني آكل لحم الجمل الهزيل وهو مع هذه الحالة من الهزال والضعف خُلقه سيئ فلا أحد يعرف كيف يتكلم معه ولا كيف يتخاطب معه ولا يصل إليه لسوء خلقه، وحتى إذا وصلت إليه بعد مكابدتي المشاق فماذا عَساي أن أحصل منه، إنني بعد هذا الجهد للوصول إليه لا أجد شيئًا يستحق أن آخذه وأنتقل به واستمتع به، والله أعلم.
(8)
أبث معناها: أنشر.
(9)
أذره: أتركه، والمعنى: أترك خبره.
عُجَرَهُ (1) وَبُجَرَه (2).
قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق (3) إن أنطق أطلَّق وإن أسكت أعلَّق (4).
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامةَ (5) لا حَرٌّ ولا قَرٌّ ولا مخافة ولا سآمة (6).
قالت الخامسة: زوجى إن دخل فَهِد (7)، وإن خرج أَسِدَ (8)، ولا يَسألُ عما عَهِد (9).
(1)، (1) عُجره وبُجره: العُجر هي العروق والأعصاب التي تنتفخ وتظهر في الوجه والجسد عند الغضب أو عند الكبر، والبُجر مثلها إلا أنها محتصة بالبطن.
والمعنى الإجمالي - والله أعلم - أن المرأة تشير إلى أن زوجها مليء بالعيوب، فهي تقول إنني إذا تكلمت فيه ونشرت أخباره أخشى أن استمر في الحديث ولا انتهى لكثرة ما فيه من شرور وانفعالات، وماذا أذكر من زوجي إن ذكرت منه شيئًا فالذي أذكره هو العُقد الموجودة في وجهه وانتفاخ أوداجه والنتوء الظاهرة في عروق البطن والجسد، هذا الذي أذكره منه.
ومن العلماء من قال: إن معنى قولها إني أخاف أن لا أذره أي: أخاف أن لا أتحمل مفارقته فإنه إذا بلغه أنني تكلمت فيه طلقني فأخشى من مفارقته لوجود أولادي وعلاقتي به، والأول أولى، والله أعلم.
(2)
(3)
العَشَنَّق: هو الطويل المذموم الطول، وقيل: هو السيئ الخُلق، وقيل: هو النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تتحكم فيه النساء، وقيل عكس ذلك، أنه الأهوج الذي لا يستقر على حال.
(4)
أما قولها: إن أنطق أُطلق وإن أسكت أعلق: فمعناه - والله أعلم - إذا تكلمت عنده وراجعته في أمر طلقني وإن سكَتُّ على حالي لم يلتفت إليَّ وتركني كالمعلقة التي لا زوج لها ولا هي أيم، فلا زوج عندها ينتفع به ولا هي أيم تبحث عن زوج لها، والله أعلم.
(5)
قولها: كليل تهامة، أما تهامة فبلاد تهامة المعروفة، والليل في هذه البلاد معتدل والجو فيها طيب لطيف، فهي تصف زوجها بأنه لين الجانب هادئ الطبع رجل لطيف.
(6)
مخافة: من الخوف، والسآمة من قولهم: سأم الرجل، أي: ملَّ وتعب، والمعنى أنني أعيش مع زوجي آمنة مطمئنة مرتاحة البال لست خائفة ولا أملُّ من معيشته معي، وحالي عنده كحال أهل تهامة وهم يستمتعون بلذة ليلهم المعتدل وجو بلادهم اللطيف.
(7)
فهد بفتح الفاء وكسر الهاء وفتح الدال من الفهد المعروف، أي فيه من خصال الفهد.
(8)
أسَد بفتح الألف وكسر السين وفتح الدال من الأسد، أي فيه من خصال الأسد.
(9)
هذا الوصف الذي وصفت به المرأة زوجها محتمل احتمالين: إما المدح وإما الذم.
أما المدح فله وجوه، أحدها: أنها تصف زوجها بأنه فهد لكثرة وثوبه عليها وجماعه لها فهي محبوبة عنده لا يصبر إذا رآها، أما هو في الناس إذا خرج فشجاع كالأسد.
وقولها: لا يسأل عما عهد أي: أنه يأتينا بأشياء من طعام وشراب ولباس ولا يسأل أين ذهبت هذه، ولا تلك.
والوجه الثاني للمدح أنه إذا دخل البيت كان كالفهد في غفلته عما في البيت من خلل وعدم مؤاخذته لها على القصور الذي في بيتها، وإذا خرج في الناس فهو شجاع مغوار كالأسد، ولا يسأل عما عهد، أي أنه يسامحها في المعاشرة على ما يبدو منها من تقصير.
أما الذم فهي تصف زوجها بأنه إذا دخل كان كالفهد في عدم مداعبته لها قبل المواقعة، وأيضًا سيئ الخلق يبطش بها ويضربها ولا يسأل عنها، فإذا خرج من عندها وهي مريضة ثم رجع لا يسأل عنها ولا عن أحوالها ولا عن أولاده، والله أعلم.
قالت السادسة: زوجى إن أكل لَفَّ (1)، وإن شرب اشتفَّ (2)، وإن اضطجع التفَّ (3)، ولا يُولجُ الكفَّ ليعلم البثَّ (4).
قالت السابعة: زوجى غَيَاياء (5) -أو: عَيَاياء (6) - طباقاء (7) كلُّ داء لهُ داءٌّ، شَجَّكِ (8) أو فَلَّكِ (9) أو جَمَع كُلًّا لكِ.
قالت الثامنة: زوجى المسُّ مسُّ أرنَب (10)، والريح ريحُ زرْنب (11).
قالت التاسعة: زوجى رفيعُ العماد (12)، طويل النِّجاد (13)، عظيم
(1) أي: مر على جميع ألوان الطعام التي على السفرة فأكل منها جميعًا.
(2)
اشتف أي: شرب الماء عن آخره.
(3)
أي: التف في اللحاف والفراش وحده بعيدًا عني.
(4)
لا يدخل يده إلى جسدي ويرى ما أنا عليه من حال وأحزان، فهي تصف زوجها بما يُذم به الرجل وهو كثرة الأكل والشرب وقلة الجماع، والله أعلم.
(5)
، (6) الغياياء هو الأحمق، والعياياء (من العي) الذي لا يستطيع جماع النساء.
(6)
طباقاء بلغ الغاية في الحمق.
(7)
شجَّك أي: إذا كلمتيه شجَّك والشج هو الجرح في الرأس.
(8)
والفلول هي الجروح في الجسد، والمعنى: إذا راجعته في شيء ضربني على رأسي فكسرها أو على جسدي فأدماه أو جمعهما لي معًا، أي جمع لي الضرب على الرأس (الذي هو الشج) مع جراح الجسد (الفلول)، والله أعلم.
(9)
(10)
قولها: المس مس أرنب، أي: أن زوجها إذا مسته وجدت بدنه ناعمًا كوبر الأرنب، وقيل: كَنَّت بذلك عن حسن خلقه ولين عريكته بأنه طيب العرق لكثرة نظافته واستعماله الطيب تظرفًا.
وفي رواية: أنا أغلبه والناس يغلب.
(11)
الزرنب نبت له ريح طيب، فهي تصف زوجها بحسن التجمل والتطيب لها، والله أعلم.
(12)
رفيع العماد تعني: أن بيته مرتفع كبيوت السادة والأشراف حتى يقصده الأضياف.
(13)
طويل النجاد: النجاد هو حمالة السيف، كجراب السيف تصفه بالجرأة والشجاعة.
الرماد (1)، قريب البيت من الناد (2).
قالت العاشرة: زوجى مالك (3) وما مالك، مالكٌ خيرٌ من ذلك (4)، له إبلٌ كثيرات المبارك قليلاتُ المسارح (5)، وإذا سمعن صوتَ المزْهر (6) أيقنَّ أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجى أبو زرع فما أبو زرع، أناس (7) من حُلىٍّ أذنىَّ، وملأ من شحم عضُديَّ (8)، وبجَّحنى فَبَجحَتْ (9) إليَّ نفسى، وجدنى فى أهل غُنَيمة بشقٍّ (10)، فجعلنى فى أهل
صهيل (11) وأَطيط (12) ودائس (13) ومُنق (14)
(1) المراد بالرماد الحطب الذي نشأ عن إيقاد النار في الخشب والحطب، وكونه عظيم الرماد يدل على أنه كريم يكثر الأضياف من المجيء إليه فيكثر من الذبح والطهي لهم فيكثر الرماد لذلك، وهو أيضًا كريم في أهله.
(2)
قريب البيت من الناد أي: من النادي، فالناس يذهبون إليه في مسائلهم ومشاكلهم، فالمعنى أنها تصفه بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة، والله أعلم.
(3)
زوجها اسمه مالك.
(4)
أي: خيرٌ من المذكورين جميعًا.
(5)
أي: أن من الإبل من يسرح ليرعى، وكثير منها يبقى بجواره استعدادًا لإكرام الضيف بذبحها.
(6)
المزهر آلة كالعود - على ما قاله بعض العلماء - يُضرب به لاستقبال الأضياف والترحيب بهم.
والمعنى: أن الإبل إذا سمعت صوت المزهر علمن أن هناك أضيافًا قد وصلوا، فإذا وصل الأضياف أيقنت الإبل أنها ستذبح، والله أعلم.
(7)
أناس من النوس وهو الحركة، والمعنى حرك أذني بالحلي، والمعني أيضًا: أكثر في أذني من الحلي حتى تدلى منها واضطرب وسمع له صوت.
(8)
أي: أن عضديها امتلأت شحمًا.
(9)
بجحني، أي: عظمني وجعلني أتبجح فعظمت إليَّ نفسي وتبجحت.
(10)
بشق، قيل: هو مكان وقيل: شق جبل، والمعنى وجدني عندما جاء يتزوجني أعيش أنا وأهلي في فقر وفي غنيمات قليلة نرعاها بشق الجبل.
(11)
أي: صهيل الخيول.
(12)
أطيط أي: إبل، أي أنها أصبحت في رفاهية بعد أن كانت في ضنك من العيش.
(13)
الدائس هو ما يُدلس، وهي القمح الذي يداس عليه ليخرج منه الحبُّ ويفصل عنه التبن كما يفعل الآن في بعض بلاد الريف يرمون القمح في طريق السيارات كي تدوسه فتفصل بين الحب والتين، وكان الدائس في زمان السلف هي الدواب.
(14)
المُنق هو الذي له نقيق، قال بعض العلماء: هو الدجاج.
والمعنى: أنها أصبحت في ثروة واسعة من الخيل والإبل والزرع والطيور وغير ذلك.
، فَعِنْدَه أقول فلا أقبَّح (1)، وأرقُدُ فَأَتَصَبَّحُ (2)، وأشرب فأتقنَّح (3).
أم أبى زرع، فما أم أبى زرع؟ عكومها (4) رَدَاحٌ (5)، وبيتها فساحٌ.
ابن أبى زرع، فما ابن أبى زرع؟ مضجعه كمسلِّ شَطْبَة (6). ويُشبعه ذراع الجَفْرة (7). بنتُ أبى زرع، فما بنتُ أبى زرع؟ طوعُ أبيها، وطوعُ أمها، وملءُ كِسائها (8)، وغيظُ جارتها (9).
جارية أبى زرع، فما جارية أبى زرع؟ لا تَبُثُّ (10) حديثَنا تَبثيثًا، ولا تُنَقَّثُ (11) مِيراثنا (12) تنقيثًا، ولا تملأ بيتنا تعشيشًا (13).
(1) أي: لا يقبح قولي ولا يرده بل أنا مُدللة عنده.
(2)
أي: أنام إلى الصباح لا يوقظني أحدٌ لعمل بل هناك الخدم الذين يعملون لي الأعمال فلا يقول لي: قومي جهزي طعام ولا اعلفي دابة ولا هيئي المركب بل هناك من الخدم من يكفيني ذلك.
(3)
أتقَّنح أي: أشرب حتى أرتوي، وقيل: أشرب على مهل لأني لا أخشى أن ينتهي اللبن فهو موجود دائمًا.
(4)
العكوم هي الأعدال والأحمال التي توضع فيها الأمتعة.
(5)
رداح أي: واسعة عظيمة.
والمعنى: أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والمتاع والقماش، وبيتها متسع كبير ومالها كثير تعيش في خير كثير وعيش رغيد وفير.
(6)
الشطبة: هي سعف الجريد الذي يشق فيؤخذ منه قضبان رقاق تنسج منه الحصر، والمسل هي العود الذي سُلَّ (أي: سُحب) من هذه الحصيرة. تعني: أن المضجع الذي ينام فيه الولد الصغير، قدر عود الحصير الذي يسحب من الحصيرة، أي: أن الولد لا يشغل حيزًا كبيرًا في البيت.
أما الحافظ بن حجر رحمه الله فقال: «فتح الباري» 9/ 179): ويظهر لي أنها وصفته بأنه خفيف الوطأة عليها، لأن زوج الأب غالبًا يستثقل ولده من غيرها فكان هذا يخفف عنها، فإذا دخل بيتها فاتفق أنه قال فيه:(أي: نام فيه) مثلًا لم يضطجع إلا قدر ما يسل السيف من غمده ثم يستيقظ؛ مبالغةً في التخفيف عنها.
(7)
الجفرة هي: الأنثى من الماعز التي لها أربعة أشهر.
وتعني: أن الولد ليس بكثير الطعام ولا الشراب.
(8)
أي: أن جسمها ممتلئ آتاها الله بسطة فيه.
(9)
قيل: جارتها: ضرتها، وقيل: جارتها على الحقيقة.
(10)
لا تبث أي: لا تنشر ولا تُظهر.
(11)
أي: لا تخولنا فيه ولا تسرق منه.
(12)
في رواية: ميرتنا، والمعنّي بها الطعام.
(13)
أي: أنها نظيفة وتنظف البيت فلا تترك البيت قذرًا دنسًا مليئًا بالخرق ومليئًا بما لا فائدة فيه.
ومعنى آخر: أنها لا تدخل على بيتنا شيئًا من الحرام وأيضًا لا تترك الطعام يفسد.
قالت: خرج أبو زرع والأوطابُ تَمْخَضُ (1)، فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين (2) يلعبان من تحت خصرها برمانتين (3)، فطلقنى ونكحها، فنكحت بعده رجلًا سَريًّا (4)، ركب شريًّا (5)، وأخذ خطيًّا (6)، وأراح (7) عليَّ نعمًا ثريًّا (8)، وأعطانى من كل رائحة (9) زوجًا وقال: كُلى أمَّ زرع وميرى (10) أهلك، قالت: فلو جمعت كل شىء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع (11)، قالت عائشة: قال رسول الله
(1) الأوطاب: هي قدور اللبن وأوعيته، وتمخض أي: تُخضُّ كي يستخرج منها الزبد والسمن.
ومن أهل العلم من قال: إنه خرج من عندها وهي تمخض اللبن فكانت متعبة فاستلقت فرآها متعبة فكأنه زهد فيها.
(2)
أي: أنه سُرَّ بالوالدين وأُعجب بهما ومن ثمَّ أحب أن يرزق منها بالولد.
(3)
ذكر بعض أهل العلم أن معناه أن إليتيها عظيمتان فإذا استلقت على ظهرها ارتفع جسمها الذي يلي إليتيها من ناحية ظهرها عن الأرض حتى لو جاء الطفلان يرميان الرمانة من تحتها مرت الرمانة من تحت ظهرها وذلك من عظم إليتيها.
وقال آخر أن الطفلين يلعبان وهما مجاورين لها، ومنهم من حمل الرمانتين على ثدييها، ودلَّل بذلك على صغَر سنها أي أن ثديها لم يتدل من الكبر.
(4)
سريًّا أي: من سراة الناس وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة.
(5)
شريًّا أي: فرسًا جيدًا خيارًا فائقًا يمضي في سيره بلا فتور.
(6)
هو الرمح الخطي أي: الذي يجلب من موضع يقال له: الخط، وهو موضع بنواحي البحرين كانت تجلب منه الرماح.
(7)
أراح أي: أتى بها إلى المراح وهو موضع الماشية، أو رجع إليَّ (عند رواحه).
(8)
الثرى: هو المال الكثير من الإبل وغيرها.
(9)
في رواية (ذابحة)، المعنى: أعطاني من كل شيء يذهب ويروح صنفين فمثلًا الإبل والغنم والبقر والعبيد وغيرها تروح فكل شيء يروح (أو كل شيء يذبح) أعطاني منه بدلًا من الواحد اثنين أو أعطاني منه صنفًا.
(10)
الميرة هي الطعام، زمنه قول إخوة يوسف عليهم السلام:{ونمير أهلنا} [يوسف: 65] أي: نجلب لهم الميرة، والمراد أنه قال لها: صليهم وأوسعي عليهم بالمبرة.
فهذه المرأة وصفت زوجها بالسيادة والشجاعة والفضل والجود والكرم فهو رجل يركب أفضل الفرسان ويخرج غازيًا معه سهمٌ جيد من أجود السهام فيرجع منتصرًا غانمًا الغنيمة فيُدخل عليَّ من كل نوع مما يُذبح زوجًا ولا يضيق عليَّ في الإهداء وصلة أهلي بل يقول: كُلي يا أم زرع وصلي أهلك وأكرميهم.
(11)
من العلماء من قال: إن الذي يجمعه هذا الزوج من الغزوة إذا قُسم على الأيام حتى تأتي الغزوة الثانية كان نصيب كل يومٍ من الأيام لا يملأ أصغر إناء من آنية أبي زرع.
والذي يظهر لي أنها أرادت المبالغة في فضل أبي زرع، والله أعلم.
-صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبى زرع لأم زرع"(1).
(1) هذا هو القدر المرفوع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هي بعض الفوائد المتعلقة بحديث أم زرع ذكرها الحافظ بن حجر رحمه الله فقال: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفضِ ذلك إلى ما يمنع، وفيه المزح أحيانًا وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهل وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسده تترتب على ذلك من تجنبها عليه وإعراضها عنه. وفيه منع الفخر بالمال وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين، وإخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم وتذكيرهم بذلك لاسيما عند وجود ما طعن عليه من كفر الإحسان. وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها، وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل، ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور، وقد تقدم في أبواب الهبة جواز تخصيص بعض الزوجات بالتحف واللطف إذا استوفى للأخرى حقها. وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها. وفيه الحديث عن الأمم الخالية وضرب الأمثال بهم اعتبارًا، وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطًا للنفوس. وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن وقصر الطرف عليهم والشكر لجميلهم، ووصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسن وسوء، وجواز المبالغة في الأوصاف، ومحله إذا لم يصر ذلك ديدنًا لأنه يفضي إلى خرم المروءة. وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر إما بالسؤال عنه وإما ابتداء من تلقاء نفسه، وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة أشار إلى ذلك الخطابي، وتعقبه أبو عبد الله التميمي شيخ عياض بأن الاستدلال بذلك إنما يتم أن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع المرأة تغتاب زوجها فأقرها، وأما الحكاية عمن ليس بحاضر فليس كذلك وإنما هو نظير من قال: في الناس شخص يسئ، ولعل هذا هو الذي أراده الخطابي فلا تعقب عليه، وقال المازري قال بعضهم: ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم، قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن فأقرهن على ذلك، فأما والواقع خلاف ذلك وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا، ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه، إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم، وهذا في حق المعين فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه، ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون لا تعرف أسماؤهم ولا أعيانهم فضلًا عن أسمائهم ولم يثبت للنسوة إسلام حتى يجري عليهن حُكم الغيبة فبطل الاستدلال به لما ذكر، وفيه تقوية لمن كره نكاح من كان لها زوج لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته، ومع ذلك حقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول، وفيه أن الحب يستر الإساءة، لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلة. وقد وقع بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعرًا، ففي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة أنها حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي زرع وأم زرع وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع. وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل، لكن محله إذا كن مجهولات، والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله صلى الله عليه وسلم:«كنت لك كأبي زرع» والمراد ما بينه بقوله في رواية الهيثم في الألفة إلى آخره لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة والابن الخادم وغير ذلك وما لم يذكر من أمور الدين كلها. وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية فإنه صلى الله عليه وسلم تشبه بأبي زرع، وأبو زرع قد طلق فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه، وفيه جواز التأسي بأهل الفصل من كل أمة
…
اهـ (نقلًا عن «فقه التعامل بين الزوجين»).
7 -
أن يعلمها أمور دينها ويحثَّها على الطاعة:
فكما أن الزوج مطالب بحسن العشرة التي تقتضي التلطف مع الزوجة على النحو الذي تقدم، فإنه -كذلك- مطالب بأن لا يتوانى ولا يفتر عن تعليمها وحثها على طاعة الله تعالى.
وقد قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة} (1).
وعن أم سلمة -رضى الله عنها- قالت: استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: "سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صواحب الحُجَر (2)، فرُبَّ كاسية فى الدنيا، عارية فى الآخرة"(3).
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أَبَتْ نضح فى وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبى نضحت فى وجهه الماء"(4).
(1) سورة التحريم: 6.
(2)
يعني: أزواجه كي يقمن فيصلين.
(3)
صحيح البخاري (115).
(4)
مسند أحمد (2/ 250) بسند حسن.
8 -
أن يَغُضَّ الطرف عن بعض أخطائها ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله:
وإلى هذا يرشد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يَفْرِك (1) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر"(2).
9 -
أن لا يؤذيها بضربها في وجهها أو تقبيحها:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " .. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح .. "(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم"(4).
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ضرَّابًا للنساء، فعن عائشة قالت:"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب خادمًا له قط، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله"(5).
* فائدة: ضرب الزوجة مشروع إذا نشزت وتركت طاعة زوجها على النحو الذي في قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (6)، والضرب في هذه الآية له ثلاثة ضوابط:
1 -
أن يكون بعد عدم جدوى الوعظ والهجر في الفراش.
2 -
أن يكون ضرب تأديب غير مبرح، يكسر النفس ولا يكسر العظم.
3 -
أن يُرفع الضرب ويمنع إذا امتثلت لطاعة زوجها.
10 -
أن لا يهجرها -إذا هجرها- إلا في البيت:
ففي الحديث المتقدم: "ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" إلا أن تكون هناك مصلحة شرعية في الهجر خارج البيت كما هجر النبي أزواجه شهرًا في غير بيوتهن، وسيأتي في "الإيلاء".
11 -
أن يُعِفَّها:
فيلبي رغبتها الفطرية ليقصرطرفها عن الحرام، ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عثمان
(1) أي لا يكرهها ويبغضها.
(2)
صحح مسلم (1469).
(3)
أبو داود (2142)، وابن ماجة (1850)، وأحمد (4/ 447).
(4)
البخاري (4942)، ومسلم (2855).
(5)
مسلم (2328)، والترمذي في «الشمائل» (331)، والنسائي في «العشرة» (281)، وابن ماجة (1984).
(6)
سورة النساء: 34.
بن مظعون إلى ما لأهله عليه من الحق، لما انقطع عنهم إلى العبادة فقال صلى الله عليه وسلم:"وإن لأهلك عليك حقًّا"(1)، ووطء المرأة على الزوج في أظهر قولي العلماء وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد واختاره شيخ الإسلام (2) وحدَّ وجوبه بما كان بقدر حاجتها وكفايتها، وبقدرته بحيث لا ينهك بدنه ويشتغل عن معيشته، ولا عبرة بما وراء ذلك مما قال به الفقهاء من أن الوطء الواجب: هو مرة كل أربعة أشهر، بل الصحيح أن حدَّه قدرة الرجل وكفاية المرأة.
12 -
أن يأذن لها إذا استأذنته في الخروج لشهود الجماعة أو زيارة الأقارب إذا أمنت الفتنة: وقد سبق هذا في "الصلاة".
13 -
أن لا ينشر سِرَّها ويذكر عيبها: وقد تقدم مثل هذا في حقوق الزوج.
14 -
أن يتزين الرجل لزوجته كما تتزين له:
قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} (3)(4).
15 -
أن يحسن الظن بها (5):
لقوله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا} (6). وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} (7). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلًا"(8).
وفي الوقت نفسه -مع حسن الظن- ينبغي للزوج أن يتحفظ ويحتاط ويبتعد عن مسببات الفساد والمخالفات الشرعية.
(1) البخاري (1977)، ومسلم (1159).
(2)
«ابن عابدين» (3/ 202)، و «الإنصاف» (8/ 354)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 271)، و «الجامع لاختيارات ابن تيمية» (2/ 643).
(3)
سورة البقرة: 228.
(4)
إسناده صحيح: أخرجه الطبري في «التفسير» (2/ 453)، وابن أبي شيبة (4/ 196)، والبيهقي (7/ 295).
(5)
«فقه التعامل بين الزوجين» (ص: 78 - 79).
(6)
سورة النور: 12.
(7)
سورة الحجرات: 12.
(8)
صحيح: البخاري (5244) وقد تقدم.