الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحل ذكر المساوئ عند الاحتياج إليه، فإن اندفع بدونه بأن لم يحتج إلى ذكرها وجب الاقتصار على ذلك ولم يجز ذكر العيوب.
وإذا استشير في أمر نفسه في النكاح بيَّنه كقوله: عندي شح، وخلقي شديد ونحو ذلك. وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه، وإن قال لهم: أنا لا أصلح لكم، دون الكشف عن عيوبه كفاه.
* الاستخارة للخِطبة (1):
يستحب للخاطب والمخطوبة أن يستخيرا في أمر الزواج، فيستخير كل منهما في الآخر وفي وقت الزواج وأهل العروس ونحو ذلك، وقد تقدم في "كتاب الصلاة" ذكر صلاة الاستخارة وطرف من آدابها، ويستحب الإخلاص في دعاء الاستخارة، ولا بأس بتكرير الاستخارة لأنها دعاء، والإكثار منه والإلحاح فيه مستحب.
* يجوز أن يتوسط الرجل لخطبة أو زواج امرأة:
فقد "شفع النبي صلى الله عليه وسلم لمغيث عند بريرة لتتزوَّجه فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع" قالت: لا حاجة لي فيه"(2).
وكان ابن عمر إذا دُعي إلى تزويج قال: "لا تفضضوا علينا الناس، الحمد لله وصلى الله على محمد، إن فلانًا خطب إليكم فلانة، إن أنكحتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله"(3).
أحكام النَّظر في الخِطبة
[1]
نظر الخاطب إلى المخطوبة:
* حكمه:
اتفق جمهور أهل العلم على أن من أراد نكاح امرأة فيُشرع له أن ينظر إليها، والأصل في هذا:
(1) من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 383) باختصار.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (5283)، وأبو داود (2231)، والنسائي (8/ 245)، وابن ماجة (2075).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (7/ 181).
1 -
قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} (1).
والحُسن لا يُعرف إلا بعد رؤيتهن.
2 -
حديث أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوَّج من الأنصار، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قال: لا، قال:"اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا"(2).
3 -
حديث جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا خطب أحدكم المرأة فَقَدَر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها فليفعل"(3).
4 -
حديث سهل بن سعد "أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعَّد النظر إليها وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه
…
" الحديث (4).
5 -
حديث عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُريتُك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتُك، فكشفتُ عن وجهك الثوب فإذا هي أنت، فقلتُ: إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه"(5).
والحكمة في مشروعية النظر إلى المخطوبة أن يحصل له اطمئنان النفس إلى الإقدام على الزواج منها، وهذا يؤدي -في الغالب- إلى دوام العشرة، بخلاف إذا لم يرها حتى عقد عليها، فإنه ربما أن يفاجأ بما لا يناسبه، فتجفوها نفسه.
6 -
ولذا جاء في حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(6).
أي: أولى وأجدر أن يجمع بينكما، وتدوم بينكما المودة والأُلفة.
(1) سورة الأحزاب: 52.
(2)
صحيح: أخرجه مسلم (1424)، والنسائي (6/ 69).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (2082)، وأحمد (3/ 360)، والحاكم (2/ 165)، والبيهقي (7/ 84).
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5126)، ومسلم (1425).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (5125)، ومسلم.
(6)
صححه الألباني: أخرجه الترمذي (3087)، وهو في «صحيح الترمذي» (934) وقد أعلَّه الدارقطني، لكن له شواهد تقويه.
قلت: وحكم النظر إلى المخطوبة عند أهل العلم دائر بين الإباحة والاستحباب، والثاني أقرب للأدلة السابقة، ولم يقل أحد بوجوبه -فيما علمتُ- فضلًا أن يكون شرطًا لصحة النكاح، ولذا قال شيخ
الإسلام (1): "يصح النكاح وإن لم يرها، فإنه لم يعلل الرؤية بأنه لا يصح منها النكاح، فدلَّ على أن الرؤية لا تجب، وأن النكاح يصحُّ بدونها" اهـ.
* حدود النظر إلى المخطوبة:
لا خلاف بين أهل العلم -القائلين بمشروعية النظر إلى المخطوبة- في جواز النظر إلى الوجه والكفين (2).
ثم اختلفوا في القدر الذي يُباح النظر إليه فوق ذلك على أربعة أقوال (3):
الأول: لا ينظر إلى الوجه والكفين فقط، وبه قال الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول عند الحنابلة، قالوا: لأن الوجه مجمع المحاسن وموضع النظر، ولدلالته على الجمال، ودلالة الكفين على خضب البدن، ولأنهما يظهران عادة فلا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة.
الثاني: يُباح النظر إلى ما يظهر منها غالبًا، كالرقبة واليدين والقدمين، وهو الصحيح في مذهب الحنابلة، ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر منها عادة، ولأنها امرأة أُبيح النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم.
وقد رُوي عن أبي جعفر الباقر قال: خطب عمر إلى عليٍّ ابنته، فقال: إنها صغيرة، فقيل لعمر: إنما يريد بذلك منعها، قال: فكلمه، فقال عليٌّ: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، قال: فبعث بها إليه، قال: فذهب عمر فكشف عن ساقيها، فقالت: أَرْسِل، فلولا أنك أمير المؤمنين لصككتُ عنقك" (4). وفي سنده انقطاع.
(1)«مجموع الفتاوى» (29/ 355).
(2)
«المغني» (6/ 552).
(3)
«ابن عابدين» (5/ 237)، و «جواهر الإكليل» (1/ 275)، و «مغني المحتاج» (3/ 128)، و «نهاية المحتاج» (6/ 183)، و «المغني» (6/ 552)، و «الإنصاف» (8/ 19)، و «فتح الباري» (9/ 182)، و «المحلي» (10/ 30).
(4)
إسناده منقطع: أخرجه عبد الرزاق (6/ 163)، وسعيد بن منصور (521).
الثالث: يجوز النظر إلى ما يريد منها إلا العورة، وهذا مذهب الأوزاعي.
الرابع: يجوز النظر إلى جميع البدن، وهو مذهب داود وابن حزم والرواية الثالثة عن أحمد، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"انظر إليها".
قلت: والراجح "الذي تطمئن إليه النفس أن الرجل إذا ذهب لخطبة المرأة فإنها تُبدي له الوجه والكفين كما قال الجمهور، أما إذا اختبأ لها فله أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها"(1) فليس له أن يطالبها بإبداء ما فوق الوجه والكفين، لكن له أن يستفسر عما فوق ذلك، وأن تنقله له أمُّه أو أخته، أو أن يختبئ هو لرؤيته، وهذا القول عندي هو الذي يُخرَّج عليه قول من أجاز النظر إلى ما فوق الوجه والكفين والله أعلم.
* هل يُشترط استئذان المخطوبة وعلمُها بالنظر إليها (2):
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يشترط علم المخطوبة أو إذنها أو إذن وليها بنظر الخاطب إليها، اكتفاءً بإذن الشارع، ولإطلاق الأخبار، كما في حديث جابر المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" فقال: فخطبتُ جارية فكنت أتخبَّأ لها، حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوُّجها، فتزوجتها" (3).
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها، وإن كانت لا تعلم" وهذا -إن ثبت- نص في المسألة.
بل قال بعض الفقهاء: إنَّ عدم إعلامها بالنظر أولى، لأنها قد تتزيَّن له بما يغرّه، فيفوت غرضه من النظر، وهو رؤيتها على طبيعتها.
وذهب المالكية إلى وجوب إعلام المرأة أو وليها بالنظر، لئلا يتطرَّق الفساق للنظر إلى النساء ويقولون: نحن خُطَّاب.
قلت: وقول الجمهور أقرب إلى النص، ثم هو لو تمكَّن من النظر إليها -بغير علمها- قبل خطبتها فهو أولى، لأنه قد يُردُّ أو يُعرض فيحصل التأذى والكسر.
(1)«جامع أحكام النساء» (1/ 253).
(2)
«المواهب» (3/ 404)، و3/ 404)، و «الدسوقي» (2/ 215)، و «نهاية المحتاج» (6/ 183)، و «كشاف القناع» (5/ 10).
(3)
حسن: تقدم قريبًا.
* هل يجوز النظر إلى المخطوبة بشهوة أو التلذذ بذلك؟
اشترط الحنابلة لإباحة النظر أمن الفتنة، قالوا: وأما النظر بقصد التلذذ أو الشهوة فهو على أصل التحريم (1).
وأما الجمهور فلم يشترطوا ذلك، بل قالوا: ينظر لغرض التزوُّج وإن خاف أن يشتهيها، أو خاف الفتنة لأمرين:
1 -
أن الأحاديث الواردة بالمشروعية لم تقيِّد النظر بذلك.
2 -
أن المصلحة المترتبة على نظر الخاطب أعظم من المفاسد المترتبة عليه (2).
* تكرار النظر إلى المخطوبة (3):
للخاطب أن يكرِّر النظر إلى المخطوبة -إن احتاج لذلك- ويتأمل محاسنها ولو بلا إذن وهو الأولى، ليتبيَّن هيئتها، فلا يندم بعد النكاح، إذ لا يحصل الغرض غالبًا بأول نظرة. لكن ينبغي أن يتقيَّد في هذا بقدر الحاجة وهي التأكد من مدى قبوله لها، فلو اكتفى بنظرة أو أكثر -وحصل له القبول- حرُم ما زاد على ذلك، لأنه نظر أبيح لحاجة فيتقيَّد بها، وتعود أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
قلت: وعلى هذا، فلا ينبغي تعدد مجالس الرجل مع مخطوبته كما هو حاصل في هذه الأيام حيث يكاد الخاطب يزور مخطوبته كل يوم، ويجلس معها الساعات الطويلة يصوِّب النظر إليها -وقد استقر في نفسه قبولها- ويكرِّره لا لأجل تحقق مدى قبوله لها، ولكن ربما تغرُّلًا فيها وتلذُّذًا بجمالها!! ولا شك أن هذا لا يجوز لأنها لا تزال أجنبية عنه.
* إذا لم تعجبه المخطوبة:
إذا نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها فلم تعجبه، فليسكت، ولا يجوز له أن يذيع ما يسوؤها وأهلها، فربما أعجب غيره ما ساءه منها، ولا ينبغي أن يقول: لا أريدها، لأنه إيذاء (4).
(1)«المغني» (6/ 533).
(2)
«ابن عابدين» (5/ 237)، و «جواهر الإكليل» (1/ 275)، و «روضة الطالبين» (7/ 20)، و «مجموع الفتاوى» (15/ 419 - 21/ 251).
(3)
«ابن عابدين» (5/ 237)، و «نهاية المحتاج» (6/ 183)، و «مغني المحتاج» (3/ 128)، و «كشاف القناع» (5/ 10)، و «المغني» (6/ 552).
(4)
«روضة الطالبين» (7/ 21)، و «مغني المحتاج» (2/ 85).
* هل يكتفي بالنظر إلى صورة المخطوبة؟
يجوز للخاطب أن ينظر إلى صورة المخطوبة سواء كانت "فوتوغرافية" أو "تليفزيونية" لدخوله في عموم الأدلة الحاثة على النظر إلى ما يدعوه لنكاحها.
ويتأكد هذا في الأحوال التي تكون المرأة فيها في مكان بعيد عن الخطاب، إلا أنه يحسن التنبيه هنا إلى أن هذا الطريق يدخل فيه التدليس، فالصورة قد تكون خادعة، فلا تُظهر الشخص المصوَّر على حقيقته،
وقد يحتال المصوِّر فيظهر المرأة القبيحة في صورة جميلة، أو تقدَّم له صورة امرأة غير التي يريد التقدم إلى خطبتها، وقد تضير الصورة المرأة بوصولها إلى عدد كبير من الأشخاص، وفي ذلك ضرر لها ولأسرتها (1).
[2]
نظر المخطوبة للخاطب:
حكم نظر المخطوبة إلى خاطبها كحكم نظره إليها، لأنه يُعجبها منه ما يعجبه منها بل هي أولى منه في ذلك، لأنه يمكنه مفارقة من لا يرضاها بخلافها.
"ويمكن أن يقال: إن الشارع لم يوجه المرأة إلى النظر إلى الخاطب، لأن الرجال ظاهرون بارزون في المجتمع الإسلامي، لا يختفون كما تختفي النساء، وبذلك تستطيع المرأة إن شاءت أن تنظر إلى الرجل بسهولة ويسر إذا تقدم لخطبتها.
وقد اختلف أهل العلم في حدود نظر المخطوبة إلى الخاطب، والصواب أنه إن وقع نظرها على أكثر من الوجه والكفين لم يحرم، فعورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة" (2).
[3]
الخُلوة بالمخطوبة:
لا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنظر ولا لغيره لأنها محرمة، ولم يرد الشرع بغير النظر، فبقيت على التحريم، ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور (3).
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خلوة الرجال بالنساء، فقال:"لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"(4) وقال: "لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"(5).
(1)«أحكام الزواج» للدكتور عمر الأشقر (ص: 61) بتصرف يسير.
(2)
«السابق» (ص: 60)، وانظر:«ابن عابدين» (5/ 237)، و «الدسوقي» (2/ 215).
(3)
«المغني» لابن قدامة (6/ 553).
(4)
صحيح: أخرجه أحمد (1/ 18) والترمذي.
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (3006)، ومسلم (1341).
"ويزعم الذين انحرف بهم المسار عن دين الله وشرعه أن مصاحبة الخاطب المخطوبة، والخلوة بها، والسفر معها، أمر لا بدَّ منه، لأنه يؤدي إلى تعرف كل واحد منهما على الآخر!!
ومن نظر في سيرة الغرب في هذه المسألة وجد أن سبيلهم لم يؤدِّ إلى التعارف والتآلف بين الخاطبين، فكثيرًا ما يهجر الخاطب خطيبته، بعد أن يفقدها شرفها، وقد يتركها، ويترك في رحمها جنينًا تشقى به وحدها، وقد ترميه من رحمها من غير رحمة.
وحتى الذين توصلهم الخطبة إلى الزواج كثيرًا ما يكتشف كل واحد من الزوجين أن تلك الخطبة الطويلة لم تكشف له الطرف الآخر
…
" (1).
[4]
لا يجوز للخاطب مصافحة المخطوبة ولا مسُّ شيء منها: وإن أمن الشهوة، لأنها أجنبية عنه، ولوجود الحُرْمة وانعدام الضرورة والبلوى:
1 -
فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحلُّ له"(2).
ولذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافح النساء ولا يبايعهن إلا كلامًا.
2 -
فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول للمرأة المبايعة: "قد بايعتك" كلامًا وقالت: "ولا والله، ما مسَّت يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك" (3).
وفي رواية أنه قال لهن: "إني لا أصافح النساء .. "(4).
[5]
محادثة المخطوبة:
يجوز للخاطب -إن احتاج ذلك- أن يحادث المخطوبة في وجود المحرم، إما للتعرف على صوتها، أو ليقف على رأيها فيما له أثر في الحياة الزوجية المقبلة، ولها أن تحادثه بشرط الانضباط بالضوابط الشرعية، فيكون الكلام بقدر الحاجة،
(1)«أحكام الزواج» د. عمر الأشقر (ص: 58) بتصرف يسير.
(2)
حسن: أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 211)، وانظر «الصحيحة» (226).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (2713).
(4)
صحيح: أخرجه الترمذي (1597)، والنسائي (4181)، وابن ماجة (2874)، وأحمد (6/ 357).
من غير خضوع بالقول، أو لين وتميُّع، قال تعالى:{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولًا معروفًا} (1).
ومما يدل على جواز المحادثة بضوابطها قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب} (2).
وقوله تعالى في تكليم موسى عليه السلام للمرأتين بمدين: {وجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما
سقيت لنا} (3). وفي الباب عدة أحاديث منها حديث أنس في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: " .. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟! "(4).
وقد يحتاج في بعض الأحيان محادثتها عن طريق "الهاتف" فلا حرج كذلك على أن تُراعي الضوابط السابقة، وينبغي كذلك أن تكون هذه المحادثة بعلم أهل المخطوبة، وأن تكون بقدر الحاجة، "أما إذا كان الهاتف سيحدث بينهما جوًّا مشابهًا لجو الخلوة التي نُهيا عنها شرعًا وكانت ستتمكن هي وهو من الحديث الذي يجرهما إلى مُحرَّم فترك ذلك متعيِّن، والله أعلم"(5).
* دبلة الخِطبة: درج الناس في هذه الأيام على أن يقدم الخاطب لمخطوبته خاتم الخطبة "الدبلة" فيمسك يدها -وهو أجنبي عنها- ويلبسها "الدبلة" وتلبسه هي الأخرى "دبلة" -وقد تكون من الذهب كذلك!! - ويكون هذا في حفل صاخب يختلط فيه الرجال والنساء!! وفي هذا كله من المنكرات ما لا يخفى، فضلًا عن أنه ليس في الإسلام ما يدل على الخطبة بهذا الشكل بل هو تقليد أجنبي ابتدعه الفراعنة، وقيل: هو تقليد نصراني، وعلى كل حال فتبادل "دبلة" الخطوبة بين العروسين تقليد دخيل على المسلمين، ففعله تقليد أعمى وتشبُّه بالكفار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم"(6) فيستوي في الحرمة أن تكون "دبلة" الخاطب من الذهب أو الفضة وإن كانت الذهبية أشد تحريمًا، والله أعلم.
(1) سورة الأحزاب: 32.
(2)
سورة الأحزاب: 53.
(3)
سورة القصص: 23 - 25.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (4462).
(5)
من «جامع أحكام النساء» (4/ 366) باختصار وتصرف.
(6)
حسن: أخرجه أبو داود (4031)، وأحمد (2/ 50) وغيرهما.
* العُدول والرجوع عن الخطبة:
1 -
حكم العُدول عن الخِطبة (1):
الخطبة ليست عقدًا، ولكنها وعد بعقد، والوعد بالعقود غير مُلزم بعقدها عند جمهور أهل العلم، ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة إذا رأى المصلحة للمخطوبة في ذلك، ولا يُكره لها أيضًا الرجوع عن الإجابة إذا رأى المصلحة للمخطوبة في ذلك، ولا يُكره لها أيضًا الرجوع إذا كرهت الخاطب، لأن النكاح عقد عمري يدوم الضرر فيه، فكان لها الاحتياط لنفسها والنظر في حظها.
وإن رجعا لغير غرض كُره لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول، ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمها كمن سام سلعة ثم بدا له ألا يبيعها، ويكره كذلك أن يتركها الخاطب، إذا ركنت له المرأة وانقطع عنها الخُطَّاب لركونها إليه.
قلت: قال الله تعالى: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (2).
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف"(3).
وهذه النصوص وغيرها قوية في الدلالة على وجوب الوفاء وعدم جواز الإخلاف -لغير عذر- فكيف حملوها على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد؟!!
(أ) ما دفعه كجزء من المهر: فهذا له حالتان:
الأولى: أن يكون موجودًا بعينه، ومن ذلك ما يسمى بـ "الشبكة" وهي الحلي الذي يدفعه الخاطب إلى مخطوبته بعد الاتفاق عليه، وقد يُدفع إليها قبل العقد أو بعده حسب جريان العرف، فهذا ونحوه يحق للخاطب -عند العدول عن الخطبة- أن يستردَّه باتفاق أهل العلم لا فرق في هذا بين أن يكون العدول من جانبه أو جانبها أو بسبب خارج عن إرادتهما (4).
(1)«المغني» (6/ 607)، و «مواهب الجليل» (3/ 411)، و «فتح الباري» (5/ 290).
(2)
سورة الصف: 3.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري ومسلم.
(4)
«ابن عابدين» (3/ 153).
الثانية: أن يكون قد اشترى به جهازًا لبيت الزوجية: فللفقهاء في حكم ردِّ قيمة الصداق أو ما اشترى به من جهاز قولان:
القول الأول: يجب ردُّ ما دفعه من صداق لأن الصداق معاوضة في مقابلة التمتع ولم تتم المعاوضة فوجب ردُّه بعينه إن كان قائمًا، وبقيمته إن هلك أو استهلك، وهذا مذهب الجمهور.
القول الثاني: لا يرجع عليها مما اشترى من جهاز إن كان أذن لها -بالشراء- أو علم أو جرى به عُرف، وإلا يرجع عليها بما دفعه من صداق، وهذا قول المالكية.
والذي يظهر لي: أنه إن كان العدول من جانب الخاطب وكان على علم بشراء الجهاز من المهر أو جرى بذلك العرف -فإنه يسترد الجهاز ولا تكلف المرأة ببيعه وردِّ ما دفعه لما فيه من الغُرْم.
وإن كان العدول من جانب المخطوبة، فإنها تُلزم بردِّ ما دفعه من الصداق وإن غَرِمتْ في بيع الجهاز.
(ب) ما دفعه على سبيل الهدية: فهذا لأهل العلم في حكم استرداده أربعة أقوال (1):
الأول: يجوز استردادها إذا كانت قائمة في ملك المُهدى إليه بعينها ولم يتصرف فيها بما يخرجها عن ملكه، فإن هلكت أو تغير حالها لم يمكن استردادها، وهذا مذهب الحنفية.
الثاني: لا يستردُّ شيئًا وإن كان المانع من جهتها إلا لشرط أو عرف، وبه قال بعض المالكية، والظاهر أن مبناه على أن الهدية في معنى الهبة، والهبة لا يجوز أن يعود الواهب فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه"(2).
ولما أهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرسًا لرجل ليجاهد عليه فأضاعه، أراد عمر أن يشتريه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه"(3).
(1)«ابن عابدين» (2/ 364)، و «جواهر الإكليل» (1/ 176)، و «قليوبي وعميرة» (3/ 216)، و «حاشية الجمل» (4/ 129)، و «بداية المجتهد» (2)، و «الإنصاف» (8/ 296)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 10)، و «فقه الزواج» (64).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (2622)، ومسلم.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (2623).
الثالث: تُسترد الهدايا أيًّا كان نوعها، فإن كانت قائمة بذاتها رُدَّ عينها وإن كانت هالكة فتردُّ قيمتها، وهو قول جمهور الشافعية والحنابلة، ومعناه -عندهم فيما يظهر- على أن هذه الهدايا ليست كالهبة، لأن من شرط الهبة -عندهم- أن تكون بغير عوض، والواهب في الخطبة إنما وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال مَلَك الرجوع كالهبة بشرط الثواب، فكأن ما قُبض بسبب النكاح حكمه حكم المهر.
الرابع: إن كان فسخ الخطبة من جانب الخاطب لم يحقَّ له استردادها، وإن كان من جانبها فله استردادها، لأن السبب الذي من أجله الإهداء لم يتم، وبهذا قال الرافعي من الشافعية وابن رشد من المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أعدل الأقوال في نظري، فإن إيجاب ردِّ الهدايا عند عدول الخاطب يجمع على المخطوبة ألم العدول وألم الاسترداد، وكذلك منع ردِّ الهدايا عند عدول المخطوبة يجمع على الخاطب ألم العدول والغُرم المالي.
قلت: ولو قُيِّد المردود بما كان باقيًا غير مستهلك لكان حسنًا، إذ لا ينبغي أن يطالب أحدهما الآخر بقيمة ما بذله له من المأكولات ونحوها مما هو مشاهد في كثير من الحالات التي يندى لها الجبين.
* حكم تعويض المتضرِّر من العدول عن الخِطبة (1):
يرى بعض المعاصرين أن العدول عن الخطبة يستوجب التعويض المادي -كما هو الحال عند الطوائف النصرانية!! - بينما لم يرتب الفقهاء -قديمًا- على اختلاف مذاهبهم أية آثار مادية تجاه أي طرف يقوم بالعدول عن الخطبة، وهذا هو الصحيح لأمور:
1 -
أن القول بالتعويض يعمق المشكلة ويؤصِّلها، ولا يحلها، ثم إن الضرر الذي ينشأ عن الفسخ ناتج عن إعطاء الناس الخطبة فوق ما تستحقه، فالخطبة وعد، والوعد لا يجوز أن يبني عليه الناس من التصرفات ما يعود عليهم بالضرر، وما يفعله الناس من النفقات والمشتريات ونحو ذلك هو من الاستعجال في أمر كان لهم فيه سعة وأناةٌ.
(1)«أحكام الزواج» د. عمر الأشقر (ص: 77 - 78) باختصار وتصرف وانظر المسألة بالتفصيل في «مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق» لأسامة عمر الأشقر (ص: 47 - 77).
2 -
أن هذا سيفتح الباب لكلا الطرفين ليوقع الخسائر بالطرف الآخر بكل ما أوتي من قوة وفطنة، نتيجة لما يقع في النفس من المرارة والألم، وأعداد مثل هذه القضايا في المجتمع لا تكاد تنحصر مما سيرهق المحاكم.
3 -
أن التعويض يخالف طبيعة الخطبة وحقيقتها من كونها وعدًا واتفاقًا أوَّليًّا ممهدًا للزواج.
4 -
أن القول بالتعويض مخالف لإجماع الأمة.
5 -
أن القول بالتعويض ليس عدلًا.
6 -
أن الإلزام بالتعويض قد يلجئ إلى إتمام الزواج مع الكره له، وهذا أمر خطير.
* الفحص الطبي قبل الزواج (1):
ونعني به ما استجد في هذا العصر، الذي انحدر فيه مستوى الأمانة والصدق في الإخبار عن معايب النفس الجسدية والنفسية قبل الإقدام على الزواج، مع تقدم العلم واتخاذ الاحتياطات الطبية للتأكد من سلامة الزوجين، بحيث يقدم المقبلون على الزواج على عمل الفحوصات التي تعنى بمعرفة الأمراض الوراثية والمعدية والجنسية والعادات اليومية التي ستؤثر مستقبلًا على صحة الزوجين المؤهلين، أو على الأطفال عند الإنجاب.
* الرأي الطبي في هذا الفحص:
أبرز الرأي الطبي أن لمسألة "الفحص الطبي قبل الزواج" سلبيات وإيجابيات يمكن تلخيصها فيما يلي (2):
(أ) إيجابيات الفحص الطبي:
1 -
تعتبر الفحوص الطبية قبل الزواج من الوسائل الوقائية الفعالة جدًّا في الحد من الأمراض الوراثية والمعدية الخطيرة.
2 -
تشكِّل حماية للمجتمع من انتشار الأمراض والحد منها، والتقليل من نسب المعاقين في المجتمع وبالتالي من التأثير المالي والإنساني على المجتمع.
3 -
محاولة ضمان إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقليًّا وجسديًّا، وعدم انتقال الأمراض الوراثية التي يحملها الخاطبان أو أحدهما إليهم.
(1) انظر «مستجدات فقهية» لأسامة الأشقر (ص: 83 - 100).
(2)
من «السابق» (ص: 84 - 87) بتصرف واختصار.
4 -
تحديد قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه إلى حد ما، علمًا بأن وجود أسباب العقم في أحد الزوجين قد يكون من أهم أسباب التنازع والاختلاف بين الزوجين.
5 -
التأكد من عدم وجود عيوب عضوية أو فيسيولوجية مرضية تقف أمام الهدف المشروع لكل من الزوجين من ممارسة العلاقة الجنسية السليمة منهما.
6 -
التحقق من عدم وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج، مما له دور في إرباك استقرار الحياة الزوجية.
7 -
ضمان عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسيًا، وعدم تضرر المرأة أثناء الحمل وبعد الولادة نتيجة اقترانها بالزوج المأمول.
(ب) سلبيات الفحص الطبي:
1 -
قد يؤدي هذا الفحص إلى الاحباط الاجتماعي، كما لو أثبتت الفحوصات أن هناك احتمالًا لإصابة المرأة بالعقم أو بسرطان الثدي واطلع على ذلك الآخرون، مما يسبب لها ضررًا نفسيًّا واجتماعيًّا، وفي هذا قضاء على مستقبلها، خاصة أن الأمور الطبية تخطئ وتصيب.
2 -
يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة ومكتئبة ويائسة إذا ما تم إخبار الشخص بأنه سيصاب بمرض عضال لا شفاء له.
3 -
ثم تبقى نتائج التحليل احتمالية في العديد من الأمراض، وهي ليست دليلًا صادقًا لاكتشاف الأمراض المستقبلية.
4 -
قد تحرم هذه الفحوصات البعض من فرصة الارتباط بزواج نتيجة فحوصات قد لا تكون أكيدة.
5 -
ثم قلما يخلو إنسان من أمراض، خاصة إذا علمنا أن الأمراض الوراثية التي صنفت تبلغ أكثر من (3000 مرض وراثي).
6 -
أن التسرُّع في إعطاء المشورة الصحية في الفحص يسبب من المشاكل بقدر ما يحلها.
7 -
وقد يُساء للأشخاص المقدمين على الفحص، بإفشاء معلومات الفحص واستخدامها استخدامًا ضارًّا.
هذا هو ملخص "الرأي الطبي" في عملية "الفحص الطبي قبل الزواج"، فما هو موقف الشريعة من ذلك؟ وهل يجوز إلزام المقبلين على الزواج بإجرائه؟
* الرأي الشرعي في "الفحص الطبي قبل الزواج":
لا شك أنه لم تكن هناك حاجة لبحث هذه المسألة قديمًا، لما تميز به المسلمون الأولون من الأمانة في الإخبار عن العيوب من جهة، ولعدم وجود التقدم العلمي الذي يمكنهم من إجراء هذا الفحص من جهة أخرى وأما العلماء المعاصرون فلهم في هذه المسألة اتجاهان:
الاتجاه الأول: منع هذا الفحص، وأنه لا حاجة إليه، وممن رأى هذا العلَّامة ابن باز -نوَّر الله قبره- ومأخذه أنه ينافي إحسان الظن بالله، وأن هذا الفحص قد يعطي نتائج غير صحيحة (1).
الاتجاه الثاني: أنه جائز، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبهذا قال الأكثرون ورأوا أنه ليس فيه ما يتعارض مع الشرع، ولا ما يتعارض مع الثقة بالله، لأنه ضرب من الأخذ بالأسباب وقد قال عمر رضي الله عنه حين وقع الطاعون بالشام:"أفرُّ من قدر الله إلى قدر الله"(2).
قلت: لعلَّ هذا هو الأقرب مع بعض التحفُّظات. ويمكن الاستدلال على جوازه بما يأتي (3):
1 -
أن حفظ النسل من الكليات الخمس التي تضافرت النصوص على الاهتمام بها والدعوة إلى رعايتها، وقد قال زكريا عليه السلام:{رب هب لي من لدنك ذرية طيبة} (4).
ودعا المؤمنون ربهم {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} (5).
فلا مانع من حرص الإنسان على أن يكون نسله صالحًا غير معيب ولا مشوَّه.
2 -
حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوج زوجته من عائلة نعرف بناتها بالإنجاب، فقال صلى الله عليه وسلم:"تزوَّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم"(6) مما يدل على أهمية عنصر الاختيار على أسس صحة النسل والولادة المستقبلية.
(1)«جريدة المسلمون» 597 بتاريخ 12 يوليو 1996 (ص: 11) من «السابق» (ص: 92).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري.
(3)
«مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق» (ص: 93 - 97) بانتفاء واختصار.
(4)
سورة آل عمران: 38.
(5)
سورة الفرقان: 74.
(6)
صحيح: تقدم في أول الكتاب.
3 -
عن عمر رضي الله عنه. قال: "أيما امرأة غُرَّ بها رجل، بها جنون أو جُذام أو برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غرَّه"(1). وسيأتي في كتاب الفرق بين الزوجين" مشروعية التفريق بسبب العيوب في أحد الزوجين.
4 -
الأدلة التي حثت على النظر إلى المخطوبة ومعرفة العيوب، كحديث أبي هريرة "أن رجلًا خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا"(2).
5 -
الأدلة العامة في اجتناب المصابين بالأمراض المعدية كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توردوا الممرض على المُصِحِّ"(3).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " .. وفرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"(4) وهذا لا يعلم إلا بالفحص.
6 -
الأدلة العامة في النهي عن الضرر.
ومما تقدم يمكن القول بأن الفحص الطبي قبل الزواج لا يعارض الشريعة، بل هو موافق لمقاصدها، وعليه: فإذا رأى ولي الأمر إلزام الناس به -في حالة انتشار الأمراض- فإنه يجوز ذلك من باب السياسة الشرعية، وإن كان ليس لهذا الفحص تأثير في صحة العقد شرعًا.
* تحفُّظات:
1 -
ينبغي أن لا يُجبر الناس على إجراء الفحوصات التي لا حاجة ماسة إليها، وإنما تضبط بالحاجة وبما يتعلق بالأمراض الضارة بمستقبل الزواج، من غير توسُّع يرهق كاهل الناس بتكاليفه، وحتى لا تكون هذه الفحوص أداة وذريعة لابتزاز الناس والإضرار بهم.
2 -
لابد للأطباء القائمين على هذه الفحوصات من الحفاظ على أسرار الناس ومعايبهم لئلا تتخذ ذريعة للإفساد.
(1) رجاله ثقات: أخرجه مالك (2/ 526)، وعبد الرزاق (10679)، والبيهقي (7/ 214).
(2)
صحيح: أخرجه مسلم.
(3)
صحيح: أخرجه البخاري.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5380)، وأحمد (2/ 443)، والبيهقي (7/ 218).