المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أركان الخلع وما يتعلق بها - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٣

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب اللباس والزينة وأحكام النظر

- ‌أولًا: اللباس والزينة للرجال

- ‌ثانيًا: اللباس والزينة للنساء

- ‌لباس المرأة المسلمة

- ‌مسائل تتعلق بأحكام النظر

- ‌الزينة للمرأة المسلمة

- ‌حكم لبس العدسات الملونة للزينة والموضة

- ‌10 - كتاب الزواج ومقدماته وتوابعه

- ‌الأنكحة الفاسدة شرعًا

- ‌الصفات المطلوبة في الزوجين

- ‌الخِطْبة وأحكامها

- ‌أحكام النَّظر في الخِطبة

- ‌عقد الزواج

- ‌شروط صحة عقد النكاح

- ‌الاشتراط في عقد النكاح

- ‌الصداق (المهر)

- ‌إعلان النكاح

- ‌تعدد الزوجات

- ‌من أحكام المولود

- ‌النشوز وعلاجه

- ‌11 - كتاب الفرْق بين الزوجين

- ‌الطلاق وأحكامه

- ‌شروط الطلاق

- ‌أولًا: الشروط المتعلقة بالمطلِّق:

- ‌ثانيًا: الشروط المتعلِّقة بالمطلَّقة:

- ‌ثالثًا: الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق:

- ‌الإشهاد على الطلاق

- ‌أنواع الطلاق

- ‌أولًا: الطلاق الرجعي والبائن

- ‌ثانيًا: الطلاق السُّنِّي والبدعي

- ‌ثالثًا: الطلاق المُنجَّز والمضاف والمعلَّق

- ‌التخييرُ في الطلاق

- ‌التوكيل أو التفويض في الطلاق

- ‌العِدَّة

- ‌الخُلْع

- ‌أركان الخلع وما يتعلق بها

- ‌الإيلاء

- ‌الظِّهَار

- ‌اللِّعان

- ‌التفريق القضائي

- ‌الحضانة

- ‌12 - كتاب المواريث

- ‌عِلْم المواريث (الفرائض)

- ‌المُستحقُّون للميراث

- ‌الحَجْبُ

الفصل: ‌أركان الخلع وما يتعلق بها

‌أركان الخلع وما يتعلق بها

الخُلع تصرفٌ شرعي من قبل الزوجين بصيغة معينة تترتب عليه الفرقة بينهما نظير مال تدفعه الزوجة إلى الزوج.

وبهذا يتبيَّن أن أركان الخُلع أربعة: الزوجان - ويسميان: المخالَع والمختلعة - وصيغة الخلع والعوض.

الركن الأول: المخالَع (الزوج):

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المخالع أن يكون ممن يملك التطليق، والقول الجامع في شروط المخالع أن يقال:(من جاز طلاقه جاز خُلعه).

ولهذا أجاز الجمهور - المالكية والشافعية والحنابلة - خُلع المحجور عليه لفلس أو سفه أو رقٍّ لأنهم يملكون الطلاق.

لكن لا يجوز تسليم المال إلى المحجور عليه، لأن الحجر أفاد منعه من التصرف (1).

خلع المريض مرض الموت (2):

إذا صح طلاق المريض مرض الموت بغير عوض، فلأن يصح بعوض أولى، لكنهم اختلفوا في حق المختلعة - في هذه الحالة - في الميراث من زوجها:

فذهب الجمهور -خلافًا للمالكية - إلى أنها لا ترث منه لوقوع البينونة بالفرقة، ولأن الفرقة وقعت بقبولها ورضاها، فكأنه طلَّقها بسؤالها وطلبها فانتفت التهمة.

لكن قال الحنابلة: لو أوصى لها - بعد مخالعتها - بمثل ميراثها أو أقل صحَّ، لأنه لا تهمة في أنه طلَّقها ليعطيها ذلك، فإنه لو لم يفارقها عن طريق المخالعة لأخذت ما أوصى لها به عن طريق الميراث، وإن أوصى لها بزيادة على ميراثها فللورثة منه الزائد عنها، لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها.

قال الدكتور زيدان معقبًّا على قول الحنابلة هذا: «إذا كان هذا التوجيه مقبولًا، فإن الأولى قبولًا أن يقال: يُنظر إلى بدل الخلع الذي بذلته له وينقص مقدار هذا البدل من الموصى به لها، فالباقي إن كان أكثر من ميراثها منه لو لم تخالعه، هو

(1)«جواهر الإكليل» (1/ 332)، و «الروضة الطالبين» (7/ 383)، و «المغني» (7/ 87).

(2)

«المبسوط» (6/ 193)، و «الشرح الكبير» (2/ 352)، و «معني المحتاج» (3/ 265)، و «المغني» (7/ 89).

ص: 347

الذي يسترد منها، أما إذا كان الباقي أقل من ميراثها منه لو لم تخالعه، فلا سبيل إلى استرداد شيء منه للورثة، وهذا - كما يبدو لي - هو مقتضى العدل والتسوية بين المخالع والمختلعة» اهـ (1).

الركن الثاني: المختلعة (الزوجة):

يشترط في المختلعة شرطًا:

[1]

أن تكون زوجة شرعًا: لأن الغرض من الخُلع هو خلاصها من قيد الزوجية، وهذا القيد إنما يكون في النكاح الصحيح حيث تكون زوجة شرعية، لكن: هل يشترط قيام الزوجية فعلًا؟ بمعنى:

هل تخالع المعتدَّة؟ (2)

(أ) المعتدة من طلاق رجعي: في حكم الزوجة حال قيام الزوجية - ما دامت في العدة - لأن الطلاق الرجعي لا يرفع الحل ولا الملك - كما تقدم - فتصح مخالعتها بعوض لفكاكها عن رباط الزوجية (3).

(ب) المعتدة من طلاق بائن: لا يصح خُلعها؛ لأنه لا يملك نكاحها حتى يزيله، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، وحكي الماوردي فيه إجماع الصحابة.

وذهب الحنفية والمالكية إلى أن المخالفة تصح لكن لا يلزمها المال، لأن إعطاءه لتحصيل الخلاص المنجِّز، وهو حاصل (!!)(4).

قلت: والأوَّل أصحُّ لأنها في العدة من الطلاق البائن ليست زوجة، والله أعلم.

[2]

أن تكون أهلًا للتبرُّع والتصرف في المال: بأن تكون بالغة عاقلة رشيدة.

فإذا كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة: فلا يصحُّ منها الخلع، وسواء كانت الصغيرة مميزة أو غير مميزة، لأن الخلع كالتبرع، والصغيرة والمجنونة ليستا من أهل التبرع (5).

(1)«المفصَّل في أحكام المرأة» (8/ 137).

(2)

«السابق» (8/ 140 - 142) بتصرف.

(3)

«المبسوط» (6/ 175)، و «مغني المحتاج» (3/ 265)، و «المغني» (7/ 279).

(4)

«ابن عابدين» (3/ 307)، و «الشرح الصغير» (1/ 446)، و «مغني المحتاج» (3/ 265)، و «المغني» (7/ 59).

(5)

«المبسوط» (6/ 178)، و «مغني المحتاج» (3/ 263)، و «المغني» (7/ 83).

ص: 348

وهل يُخالع الأب - أو الولي - عن الصغيرة؟ (1)

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة - على المذهب - إلى أنه لا يجوز للأب خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها، لأنه لا نظر له فيه، إذ البُضع غير مُتقوَّم، والبدل متقوَّم، بخلاف النكاح، لأن البضع متقوم عند الدخول، ولأنه بذلك يسقط حقها من المهر والنفقة والاستمتاع، وإذا لم يجز، لا يسقط المهر ولا يستحق مالها، وللزوج مراجعتها إن كان بعد الدخول.

ومذهب المالكية - وخرَّجه بعض متأخري الحنابلة عن أصول أحمد - وهو اختيار شيخ الإسلام: أن للأب أن يخالع عن ابنته الصغيرة بمالها إذا رأى المصلحة لها، كتخليصها ممن يتلف مالها، ويُخاف منه على نفسها وعقلها.

وخرَّجه بعضهم على أن للأب العفو عن نصف المهر في الطلاق قبل الدخول بناء على أنه الذي بيده عقدة النكاح - وقد تقدم تحريره - وردَّه في «المهذَّب» بقوله: «وهذا خطأ، لأنه إنما يملك الإبراء - على هذا القول - بعد الطلاق، وهذا الإبراء (أي: في الخلع) قبل الطلاق» اهـ.

فإن خالع الولي عنها بشيء من ماله جاز؛ لأنه يصح عندهم خُلع الأجنبي والتزامه ببدل الخلع فالأب أولى.

خُلع المريضة في مرض موتها (2):

اتفق الفقهاء - في الجملة - على أنه تصح مخالعة المرأة المريضة مرض الموت لزوجها في مرضها، لأنه معاوضة كالبيع، وإنما الخلاف بينهم - إلا الظاهرية - في القدر الذي يأخذه الزوج في مقابل ذلك، مخافة أن تكون الزوجة راغبة في محاباته على حساب الورثة.

1 -

فعند الحنفية: يأخذ الأقل من ميراثه منها ثم يفارقها أو بدل الخُلع أو ثلث تركتها، هذا إن ماتت في العدة، فإن ماتت بعد العدة، أو قبل الدخول، أخذ زوجها الأقل من: بدل الخلع أو ثلث التركة.

(1)«الهداية» (3/ 218 - مع فتح القدير)، و «الشرح الصغير» (1/ 442)، و «المجموع» (16/ 9)، و «المغني» (7/ 83)، و «الإنصاف» (8/ 388)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 26).

(2)

«المبسوط» (6/ 192)، و «الشرح الصغير» (1/ 445)، و «مغني المحتاج» (3/ 264)، و «المجموع» (16/ 37)، و «المغني» (7/ 88)، و «كشاف القناع» (3/ 137)، و «المحلي» (10/ 218).

ص: 349

2 -

وعند المالكية والحنابلة: يأخذ بدل الخلع إن كان بقدر ميراثه منها أو أقل.

3 -

وعند الشافعية: أن الخلع إن كان بمهر المثل نفذ دون اعتبار الثلث، وإن كان بأكثر فالزيادة كالوصية للزوج، وتعتبر في الزيادة الثلث، أي أنه يستحق مهر المثل والزيادة في حدود ثلث التركة!!

4 -

وأما الظاهرية: فلا فرق عندهم بين طلاق المريض أو المريضة وغيره ولا تأثير للمرض في صحة الطلاق - والخلع عند ابن حزم طلاق - وعليه يأخذ الزوج ما خالع عليه ولو زاد على ميراثه أو الثلث.

خُلع الفضولي (الأجنبي) عن الزوجة (1):

الفضولي هو الذي ليست له صفقة تُخوِّله إجراء المخالعة عنها، إذ ليس هو بوليٍّ لها ولا وكيل عنها في موضوع الخلع، فهل يصح خُلعه عن المرأة بغير إذنها وتوكيلها؟ قولان لأهل العلم:

الأول: يجوز ويصح مخالعته: كأن يقول الأجنبي للزوج: «طلِّق امرأتك بألفٍ عليَّ» وهذا قول أكثر أهل العلم: أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، وحجتهم:

1 -

أن الأجنبي بذل ماله في مقابل إسقاط حق عن غيره، كما لو قال: أعتق عبدك وعلىَّ ثمنه.

2 -

أن الطلاق مما يستقل به الزوج، والأجنبي مستقل بالالتزام، وله بذل المال، والتزامه على وجه الفداء عن الزوجة، لأن الله تعالى قد سمى الخلع فداء، فجاز كفداء الأسير.

الثاني: لا تصح مخالعة الأجنبي: وهو مذهب ابن حزم وأبي ثور وحجتهم:

1 -

أن مخالعة الأجنبي ببذله ماله سفه منه، لأنه يبذله في مقابلة ما لا منفعة له فيه، وقد يجاب عن ذلك: بأنه قد يكون له فيه غرض ديني بأن رآهما لا يقيمان حدود الله أو اجتمعا على محرَّم، فرأى أن التفريق بينهما ينقذهما من ذلك فيفعل طلبًا للثواب، وغير ذلك.

2 -

أن الخلع من عقود المعاوضات فلا يجوز لزوم العوض لغير صاحب

(1)«ابن عابدين» (3/ 458)، و «الشرح الكبير» (2/ 347)، و «مغني المحتاج» (3/ 276)، و «المغني» (7/ 85)، و «المحلي» (10/ 235، 244).

ص: 350

المعوض كالبيع، ولأن الله تعالى أضاف الفدية إلى الزوجة فقال سبحانه {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (1).

3 -

أن الأصل بقاء النكاح إلى أن يثبت المزيل له، وحينئذ فلا يملك الزوج البدل، ولا يقع الطلاق إن لم يتبع به، فإن أتبع به كان رجعيًّا.

قلت: أما صحة مخالعة الفضولي مطلقًا وبدون إذن الزوجة وعلمها، فلا أراه متَّجهًا، لاحتمال أن يخالع عنها ببذله ماله ليغري زوجها على مفارقتها نكاية بها وإضرارًا، أو أن يخالع عنها لمصلحته كأن يريد بذلك تزويجها أو تزويج زوجها قريبة له، ونحو ذلك، لكن لو علم من حال الزوجة إرادتها للخُلع لمسوِّغ شرعي ولكن ليس عندها من المال ما تبذله، فأعطاها ما تبذله وتخالع هي فهذا أحسن.

وهذا القول يلزم القائلين بأن الخلع فسخ، إذ أن الفسخ بلا سبب لا ينفرد به الزوج، فلا يصح طلبه منه، والله أعلم.

الركن الثالث: العِوَض (المال):

العِوَض: ما يأخذه الزوج من زوجته في مقابل خلعه لها، وضابطه عند الجمهور: أن يصلح جعله صداقًا، فإن ما جاز أن يكون مهرًا: جاز أن يكون بدل الخلع.

هل يصح «خُلع» بدون عوَض؟ اختلف العلماء فيما إذا قالت المرأة لزوجها: (اخلعني) فقال لها: (قَد خلعتك) ولم يكن هذا على عوض، هل يصح عقد الخلع؟ على قولين (2):

الأول: يصح الخلع بلا عوض: وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية في مذهب أحمد، وحجتهم:

1 -

أن الخلع قطع للنكاح فصحَّ من غير عوض كالطلاق.

2 -

ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه، فتسأله فراقها، فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع، فصحَّ كما لو كان بعوض.

(1) سورة البقرة: 229.

(2)

«ابن عابدين» (3/ 440)، و «الشرح الصغير» (1/ 44)، و «جواهر الإكليل» (1/ 332)، و «مغني المحتاج» (3/ 268)، و «الأم» (5/ 183)، و «المغني» (7/ 67)، و «كشاف القناع» (3/ 130)، و «الفتاوى» (32/ 304)، و «المحلي» (10/ 235).

ص: 351

الثاني: لا يصح إلا بعوض: وهو مذهب الشافعي والرواية الأخرى عن أحمد، وهو الذي استقر عليه متأخرو فقهاء الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام، والظاهر أنه مذهب ابن حزم، وحجتهم ما يلي:

1 -

أن الله تعالى علَّق الخلع على مسمَّى الفدية، فقال عز وجل:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (1).

2 -

أن امرأة ثابت بن قيس لما أرادت أن تخالع زوجها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«فتردِّي عليه حديقته؟» قالت: نعم، فردَّت عليه، وأمره ففارقها (2) قلت: وهو في معنى الشرط.

3 -

أن حقيقة الخلع: إن كان فسخًا - على ما هو الأرجح - فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا بعيبها.

4 -

أنه لو قال: (فسخت النكاح) ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء، بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة، فلا يجتمع له العوض والمعوض.

وعلى القول بأن الخلع طلاق، فهو كناية لا يقع إلا بالنية أو بذل المعوض، وههنا لم يوجد واحد منهما.

وعلى فرض أنه طلاق وليس فيه عوض، لا يقتضي البينونة إلا أن تكمل الثلاث.

الراجح:

والذي يبدو لي أنه لا يكون خُلعًا إلا إذا كان على عوض، ولا أعرف في الكتاب أو السنة ما يدل على صحة الخلع بدون عوض، والله أعلم.

مقدار العِوَض في الخلع:

اختلف الفقهاء في مقدار العوض الذي يجوز بذله وأخذه، على ثلاثة أقوال (3):

الأول: لا يُستحب أن يكون أكثر مما أعطاه: وهو قول الحنابلة، والظاهر منه

(1) سورة البقرة: 229.

(2)

صحيح: تقدم مرارًا.

(3)

«الهداية» (3/ 203)، و «البحر الرائق» (4/ 83)، و «حاشية الصاوي» (2/ 517)، و «روضة الطالبين» (7/ 374)، و «مغني المحتاج» (3/ 265)، و «المغني» (7/ 52)، و «المحلي» (10/ 240).

ص: 352

أنه يصح - عندهم - الخلع على أكثر من الصداق إلا أنه يكره، وبه قال ابن المسيب وطاووس والزهري وعطاء (1) ونقله الحافظ عن عليٍّ (2) وأبي حنيفة وإسحاق.

واحتجوا بزيادة وردت في حديث امرأة ثابت بن قيس وفيه: «فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الحديقة ولا يزداد» (3) وهذه الطريقة معلَّة بالإرسال.

ولها شواهد مرسلة منها ما جاء عن طريق عطاء - فذكر قصة المختلعة - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الزيادة من مالك فلا» (4).

الثاني: يجوز بما تراضيا عليه قلَّ أو كَثُر: وهو مذهب الجمهور، منهم مالك والشافعي، وابن حزم، وبه يقول ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعكرمة والنخعي وغيرهم، وحجتهم ما يلي:

1 -

قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (5). فهذا عموم يشمل ما افتدت به سواء كان بقدر ما أعطاه الزوج أو أكثر أو أقل.

2 -

ما جاء من طريق عبد الله بن عقيل «أن الربيع بنت معوذ حدثته أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه، فخاصمته في ذلك إلى عثمان بن عفان فأجازه، وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه» (6) قالوا: فدلَّ على أن للزوج أن يأخذ من زوجته في الخلع كل ما تملك من قليل أو كثير، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها (وهو ما يربط به الشعر بعد جمعه) ولم ينكر أحد من الصحابة على عثمان فيما أفتى به المرأة.

3 -

عن نافع «أن ابن عمر جاءته مولاة اختلعت من كل شيء لها، وكل ثوب عليها حتى نفسها، فلم ينكر ذلك عبدُ الله» (7).

(1) الأسانيد إليهم صحيحة، انظر «جامع أحكام النساء» (4/ 159).

(2)

إسناده ضعيف إلى على. أخرجه ابن حزم (10/ 240) من طريق عبد الرزاق، وفيه ليث ابن أبي سليم.

(3)

أُعلَّ بالإرسال: أخرجه ابن ماجة (2056)، وانظر «جامع أحكام النساء» (4/ 156).

(4)

مرسل: أخرجه عبد الرزاق (6/ 502)، وابن أبي شيبة (5/ 122)، وانظر «السابق» (4/ 158).

(5)

سورة البقرة: 229.

(6)

إسناده ليِّن: علَّقه البخاري في «الصحيح» (9/ 306) ووصله ابن حجر، وابن حزم (10/ 240) بسند لين.

(7)

إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (11853).

ص: 353

الثالث: التفصيل حسب نشوز الزوج أو الزوجة: وهو قول الحنفية، قالوا:

(أ) إن كان النشوز من جهة الزوج كُره له كراهة تحريم أخذ شيء منها، لقوله تعالى:{وإنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (1). ولأنه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال.

(ب) وإن كان النشوز من جهة الزوجة فله أن يأخذ ما تبذله ولو زاد على ما أعطاها، وعندهم رواية أخرى أنه لا يأخذ - في هذه الحالة - أكثر مما أعطاها.

قلت: بقول الحنفية أقول عند إعضال الزوج وحدوث النشوز من جهته، وأما إن كان من جهتها فلا مانع من اتفاقهم على ما فوق مهرها إذا تراضيا، لعموم الآية الكريمة ولعدم ثبوت ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة على مهرها، والله أعلم.

فوائد تتعلق بالعوَض:

[1]

المهر المؤجَّل يصلح أن يكون عوضًا في الخُلع (2): لأنه دين في ذمة الزوج، والدين مال حكمي أي له حكم المال، فيدخل في عموم قوله تعالى:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (3).

[2]

يجوز أن يكون العوض منفعة (4): كأن يخالعها على إرضاع ولده منها، أو من غيرها مدة معلومة - كما ذكر المالكية والشافعية - أو مطلقة - كما ذكر الحنابلة - فإن ماتت المرضعة أو الصبي أو جفَّ لبنها قبل ذلك، فعليها أجرة المثل لما بقي من المدة، لأنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثله.

[3]

لا يجوز أن يكون العوض (إخراج المرأة من مسكنها (5): لأن سكناها فيه إلى انقضاء العدة حق لله، قال تعالى:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلَاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (6). فلا يجوز لأحد إسقاطه لا بعوض ولا بغيره.

الركن الرابع: صيغة الخلع:

وهو ما ينعقد به عقد الخُلع، وهو الإيجاب من أحد طرفي هذا العقد، والقبول من الطرف الآخر، فصيغة العقد ما يتحقق به الإيجاب والقبول.

(1) سورة النساء: 20.

(2)

«فتح القدير» (3/ 216)، و «نهاية المحتاج» (6/ 391)، و «المفصَّل» (8/ 199).

(3)

سورة البقرة: 229.

(4)

«الدسوقي» (2/ 357)، و «روضة الطالبين» (7/ 399)، و «المغني» (7/ 64 - 65).

(5)

«البدائع» (3/ 153)، و «الدسوقي» (2/ 350 - الفكر)، و «مغني المحتاج» (3/ 265).

(6)

سورة الطلاق: 1.

ص: 354

والصيغة في إنشاء العقود تكون باللفظ، هذا هو الأصل، فإن تعذَّر اللفظ - كما في الأخرس والخرساء - فالصيغة تكون بالإشارة المفهمة.

ألفاظ الخُلع (1):

1 -

ألفاظ الخُلع عند الحنفية سبعة: (خالعتُك - باينتك - بارأتك - فارقتك - طلقي نفسك على ألف (مثلًا) والبيع: كبِعتُ نفسَك - والشراء: كاشتري نفسك).

2 -

وألفاظ عند المالكية أربعة: (الخلع - الفدية - الصلح - المبارأة) وكلها تأول إلى معنى واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها.

3 -

وألفاظه عند الشافعية والحنابلة تنقسم إلى صرح وكناية: فالصريح المتفق عليه عندهم لفظان: لفظ (خلع) وما يشتق منه لأنه ثبت له العرف، ولفظ (المفاداة) وما يشتق منه لوروده في القرآن، وزاد الحنابلة لفظ (فسخ) لأنه حقيقة فيه، وهو من الكنايات عند الشافعية ومن الكنايات عندهم لفظ (بيع) و (المبارأة) و (أبنتك).

وصريح الخلع وكنايته، كصريح الطلاق وكنايته عند الشافعية والحنابلة.

والتحقيق:

أن التعويل في الخلع على العوض، لا على مجرد اللفظ، فلا يشترط له لفظ معيَّن، ولا صيغة معينة، سواء كان بلفظ الخلع أو غيره، حتى لو بلفظ الطلاق، قال شيخ الإسلام: «

فمتى فارقها بعوض فهي مفتدية لنفسها به، وهو خالع لها بأي لفظ كان، لان الاعتبار في العقود بمعانيها لا بالألفاظ، وقد ذكرنا وبيَّنا أن الآثار الثابتة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس وغيره تدلُّ دلالة بيِّنة أنه خلع، وإن كان بلفظ الطلاق

» اهـ (2).

وقال رحمه الله: «

فالفرق بين لفظ ولفظ في الخلع قول محدث، لم يُعرف عن أحد من السلف: لا الصحابة ولا التابعين، ولا تابعيهم، والشافعي رضي الله عنه لم ينقله عن أحد، بل ذكر أنه يحسب أن الصحابة يفرقون، ومعلوم أن هذا ليس نقلًا لقول أحد من السلف» اهـ (3).

(1)«ابن عابدين» (3/ 443)، و «الدسوقي» (2/ 351)، و «مغني المحتاج» (3/ 268)، و «المغني» (7/ 57)، و «المحلي» (10/ 235).

(2)

الفتاوى.

(3)

الفتاوى (32/ 300).

ص: 355

وقال ابن القيم: «وأيضًا فإنه سبحانه علَّق عليه أحكام الفدية بكونه فدية، ومعلوم أنَّ الفدية لا تختص بلفظ - ولم يُبيّن الله سبحانه لها لفظًا معينًا، وطلق الفداء طلاق مقيَّد ولا يدخل تحت أحكام الطلاق المطلق، كما لا يدخل تحتها في ثبوت الرجعة والاعتداد بثلاثة قروء بالسنة الثابتة، وبالله التوفيق» اهـ. (1).

قلت: وهو الصحيح: أن الخلع فسخ بأي لفظ وقع ولو بلفظ الطلاق، بل ولو بنية الطلاق ما دام على عوض، وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأصحابه وأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه (2).

ويبدو أنه مذهب الظاهرية والله أعلم.

هل يشترط - لجواز الخُلع - إذنُ القاضي؟ (3)

ذهب الحسن البصري إلى عدم جواز الخلع دون السلطان، واختاره أبو عبيد واستدل بقوله تعالى:{فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} (4). وقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها} (5). قال: فجعل الخوف لغير الزوجين، ولم يقل: فإن خافا.

قلت: وقد يحتج القائل بهذا - وإن كنت لم أره - بحديث امرأة ثابت بن قيس إذا رفعت الأمر - في إرادتها الخلع - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يفيد الشرطية كما لا يخفى.

وذهب الجماهير من أهل العلم إلى جواز الخلع من غير إذن القاضي، واحتجوا بما يلي:

1 -

أجابوا عن قوله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} (6) بأن المراد منها:

إذن الأئمة وتمكينهم من الخلع إذا خافوا عليهما عدم القيام بالواجب فيما إذا ارتفعوا إليهم، وليس المراد وجوب الترافع إليهم لأخذ الإذن منهم لإجازة الخلع فيما بينهم.

(1)«زاد المعاد» (5/ 200).

(2)

«الفروع» (5/ 346)، و «الإنصاف» (8/ 393).

(3)

«فتح الباري» (9/ 308) - سلفية)، و «فتح القدير» (3/ 202)، و «المبسوط» (6/ 173)، و «الدسوقي» (2/ 347)، و «المغني» (7/ 52)، و «المحلي» (10/ 237).

(4)

سورة البقرة: 229.

(5)

سورة النساء: 35.

(6)

سورة البقرة: 229.

ص: 356

وعلى هذا فالأئمة والحكام يمنعونهم من الخلع عند عدم هذا الخوف بالقول والفتوى، وليس بالحكم والالتزام.

2 -

قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (1). فيه إباحة الأخذ من الزوجة بتراضيهما من غير سلطان.

3 -

عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: أُتي بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه، فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني:«قد أُتي عمر في خلع فأجازه» (2) أي بدون إذن السلطان.

4 -

أن الطلاق جائز دون الحاكم وإذنه، فكذلك الخلع.

5 -

أن الخلع عقد معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح.

والراجح: قول الجمهور - بلا شك - لعدم الدليل على اشتراط إذن القاضي، لكن ينبغي أن يلاحظ ما ذكرناه من أهمية الإشهاد على الطلاق وتوثيقه، فالأمر في الخلع أعظم، والله أعلم.

هل للقاضي أن يحكم بالخلع من غير رضا الزوج؟ (3)

تقدم في قصة امرأة ثابت «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «فتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فردَّت عليه وأمره ففارقها» وهو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب - عند الجمهور - فلذا فإنه لا يصح الخلع إلا برضا الزوج، ولذا قال ابن حزم:«فلها أن تفتدي منه، ويطلقها إن رضى هو» اهـ.

لا يشترط الطُّهر لصحة الخُلع:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخلع جائز في كل وقت، حتى ولو في الحيض، أو في الطهر الذي جامعها فيه، لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بتطويل العدة، والخلع شُرع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة، والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما - أي الضررين - بأدناهما، ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن

(1) سورة البقرة: 229.

(2)

علَّقه البخاري (9/ 306)، ووصله ابن أبي شيبة.

(3)

«المحلي» (10/ 235)، و «فتح الباري» (9/ 312 - سلفية).

ص: 357

حالها، ولأن ضرر تطويل العدة عليها، والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضا منها به، ودليلًا على رجحان مصالحها فيه (1).

قلت: وهذا مما يزيد الاطمئنان إلى ترجيح أن الخلع فسخ وليس بطلاق فتأمَّل!!

اختلاف الزوجين في الخُلع أو في العِوَض (2):

1 -

إذا أقر الزوج الخُلع، والزوجة تنكره: بانت بإقراره اتفاقًا، وأما دعوى المال: فتبقى بحالها - كما ذكر الحنفية - ويكون القول قولها فيها، لأنها تنكر، وعند الجمهور: القول قولها - في نفس العوض - بيمينها.

2 -

أما إذا ادَّعت الزوجة الخلع، والزوج ينكره، فإنه لا يقع كيفما كان - كما ذكر الحنفية - ويصدَّق الزوج بيمينه في هذه المسألة عند الشافعية، لأن الأصل عدمه، والقول قوله وعند الحنابلة: لا شيء عليه لأنه لا يدعيه.

3 -

إذا اتفقا على الخلع، واختلفا في قدر العِوَض أو جنسه أو حلوله أو صفته، فالقول قول المرأة - عند الحنفية والحنابلة في رواية.

وعند المالكية: القول قولها بيمينها، لقوله صلى الله عليه وسلم:«البينة على المدَّعى، واليمين على من أنكر» .

وفي رواية عن أحمد: أن القول قول الزوج، لأن البُضع يخرج من ملكه فكان قوله في عوضه.

وعند الشافعية: إن كان لأحدهما بيِّنة عمل بها، وإن لم يكن لأحدهما بيِّنة، أو كان لكل منهما بيِّنة وتعارضتا: تحالفا كالمتابعين، ويجب ببينونتهما بفوات العوض مهر المثل - وإن كان أكثر مما ادَّعاه - لأنه المردُّ!!

عِدَّةُ المُخْتَلِعَة:

اختلف أهل العلم في عدَّة المختلعة، على قولين (3):

(1)«المغني» (7/ 52)، وانظر نحوه في «المجموع» (16/ 13).

(2)

«ابن عابدين» (2/ 564 - ط. بولاق)، و «جواهر الإكليل» (1/ 336)، و «مغني المحتاج» (3/ 277)، و «المغني» (7/ 93)، و «كشاف القناع» (5/ 230).

(3)

«فتح القدير» (3/ 269)، و «الدسوقي» (2/ 468)، و «روضة الطالبين» (8/ 365)، و «المغني» (7/ 449)، و «الإنصاف» (9/ 279)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 323) وما بعدها.

ص: 358

الأول: عدة المختلعة هي عدَّة المطلَّقة (ثلاثة قروء): وهو قول الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة - في المذهب - وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي والنخعي والزهري وغيرهم، وحجة هذا القول:

1 -

أن الخلع طلاق (!!) فتدخل المختلعة في عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (1).

وقد أُجيب عنه (2): بأنه لا يجوز الاحتجاج بالآية حتى يبين أن المختلعة مطلقة، وهذا محل النزاع، وقد تقدم تحريره، ولو قُدِّر شمول نص الآية لها، فالخاص يقضي على العام، والآية قد استُثنى منها غير واحدة من المطلقات: كغير المدخول بها، والحامل، والأمة التي لم تحض، وإنما تشمل المطلقة التي لزوجها عليها الرجعة.

2 -

أنها فرقة بعد الدخول، فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع!! وأُجيب (3): لا يُسلَّم أن العلة في الأصل مجرد الوصف المذكور، ولا يسلَّم الحكم في جميع صور القياس، ثم هو منقوض بالمفارقة لزوجها وقد دلت السنة على أن الواجب منهما الاستبراء.

3 -

عن نافع عن ابن عمر قال: «عدَّتها - أي: المختلعة - عدَّة المطلَّقة» (4).

وأجيب: بأنه قد ثبت عن ابن عمر أيضًا خلافه، فعن نافع عن ابن عمر قال:«عدَّةُ المختلعة حيضة» (5).

ويؤيد هذه الرواية أن نافعًا - أيضًا - سمع الرُّبيع بنت مُعوِّذ وهي تخبر عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان، فجاء عمُّها إلى عثمان بن عفان، فقال له: إن ابنة معوِّذ اختلعت من زوجها اليوم، أفتنتقل؟ فقال عثمان:«لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل» فقال ابن عمر: «فعثمان خيرنا وأعلمنا» (6) فلعل ابن عمر رجع عن قوله الأول.

(1) سورة البقرة: 228.

(2)

، (3)«مجموع الفتاوى» (32/ 328).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» .

(4)

(5)

إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (2230).

(6)

إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة، وابن حزم في «المحلي» (10/ 237)، والبيهقي (7/ 450).

ص: 359

القول الثاني: عدة المختلعة حيضة واحدة: وهو قول عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس وهو رواية عن أحمد، وإسحاق وابن المنذر، واختيار شيخ الإسلام، وحجتهم:

1 -

حديث الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان فسألته: ماذا عليَّ من العدة؟ فقال: «لا عدة عليك إلا أن تكوني حديثة عهد به فتمكثي حتى تحيضي حيضة، قال: «وأنا مُتَّبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية، كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فاختلعت منه» (1).

2 -

وهو يقوِّي حديث ابن عباس: «أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعلت النبي صلى الله عليه وسلم عدَّتها حيضة» (2).

3 -

وعن الربيع بنت معوذ أن: ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له:«خذ الذي لها عليك وخلِّ سبيلها» قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربَّص حيضة واحدة فتلحق بأهلها» (3).

وقد اعتُرض على حديث امرأة ثابت بن قيس بأن الروايات اختلفت في تسمية زوجة ثابت، ففي بعضها: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وفي بعضها: حبيبة بنت سهل (4)؟!

وأجاب شيخ الإسلام: بأن هذا مما اختلفت فيه الرواية، فإما أن يكونا قصتين أو ثلاثًا، وإما أن أحد الروايتين غلط في اسمها، وهذا لا يضر مع ثبوت القصة، فإن الحكم لا يتعلق باسم امرأته، وقصة خلعه لامرأته مما تواترت به النقول، واتفق عليه أهل العلم. اهـ (5).

4 -

ما تقدم في قصة الربيِّع بنت معوذ وعمَّها مع عثمان وفُتياه بأن تعتدَّ بحيضة، وإقرار ابن عمر له.

(1) صحيح بطرقه: تقدم قريبًا.

(2)

حسن بما قبله: أخرجه أبو داود (2229) وغيره بسند ضعيف يتقوَّى بما قبله.

(3)

أخرجه النسائي (6/ 186).

(4)

أخرجه مالك (2/ 564)، وأبو داود (2227)، والنسائي (6/ 169) بسند صحيح عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت قصة مخالعتها لثابت بن قيس.

(5)

«مجموع الفتاوى» (32/ 329).

ص: 360