المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الثالث: التوقُّف في حكمه، وهو منقول عن العلامة ابن عثيمين، - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٣

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب اللباس والزينة وأحكام النظر

- ‌أولًا: اللباس والزينة للرجال

- ‌ثانيًا: اللباس والزينة للنساء

- ‌لباس المرأة المسلمة

- ‌مسائل تتعلق بأحكام النظر

- ‌الزينة للمرأة المسلمة

- ‌حكم لبس العدسات الملونة للزينة والموضة

- ‌10 - كتاب الزواج ومقدماته وتوابعه

- ‌الأنكحة الفاسدة شرعًا

- ‌الصفات المطلوبة في الزوجين

- ‌الخِطْبة وأحكامها

- ‌أحكام النَّظر في الخِطبة

- ‌عقد الزواج

- ‌شروط صحة عقد النكاح

- ‌الاشتراط في عقد النكاح

- ‌الصداق (المهر)

- ‌إعلان النكاح

- ‌تعدد الزوجات

- ‌من أحكام المولود

- ‌النشوز وعلاجه

- ‌11 - كتاب الفرْق بين الزوجين

- ‌الطلاق وأحكامه

- ‌شروط الطلاق

- ‌أولًا: الشروط المتعلقة بالمطلِّق:

- ‌ثانيًا: الشروط المتعلِّقة بالمطلَّقة:

- ‌ثالثًا: الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق:

- ‌الإشهاد على الطلاق

- ‌أنواع الطلاق

- ‌أولًا: الطلاق الرجعي والبائن

- ‌ثانيًا: الطلاق السُّنِّي والبدعي

- ‌ثالثًا: الطلاق المُنجَّز والمضاف والمعلَّق

- ‌التخييرُ في الطلاق

- ‌التوكيل أو التفويض في الطلاق

- ‌العِدَّة

- ‌الخُلْع

- ‌أركان الخلع وما يتعلق بها

- ‌الإيلاء

- ‌الظِّهَار

- ‌اللِّعان

- ‌التفريق القضائي

- ‌الحضانة

- ‌12 - كتاب المواريث

- ‌عِلْم المواريث (الفرائض)

- ‌المُستحقُّون للميراث

- ‌الحَجْبُ

الفصل: الثالث: التوقُّف في حكمه، وهو منقول عن العلامة ابن عثيمين،

الثالث: التوقُّف في حكمه، وهو منقول عن العلامة ابن عثيمين، رحمه الله تعالى.

الراجح:

قلت: (أبو مالك): الفاصل في النزاع هو تكييف اشتراط إسقاط النفقة والمبيت ومدى تأثيره على صحة العقد، وقد تقدم أن الشروط في عقد النكاح على ثلاثة أنواع: شروط موافقة لمقصود العقد الشرع، وشروط منافية لمقصود العقد ومنافية لحكم الله، وشروط لم يأمر بها الشارع ولم ينه عنها، وفي اشتراطها مصلحة لأحد الزوجين.

والذي يظهر أن اشتراط إسقاط النفقة والمبيت ونحوه مما هو واجب شرعًا على الزوج هو من الشروط الفاسدة، وعلى ضوء ما ترجح لدى في العقد مع الشرط الفاسد (1) أقول: هذا العقد صحيح والزواج صحيح لكن الشرط فاسد، وعليه يترتب على هذا الزواج آثاره الشرعية من حلِّ الجماع وثبوت النسب ووجوب النفقة والقسم، ومن حق الزوجة المطالبة به، لكن لو ارتضت التنازل عنه -من غير اشتراط- فلا حرج لأنه حقها.

على أن هذا النوع من الزواج لا يسلم من المحاذير التي تدفع إلى القول بكراهته وعدم التوسع في تعاطيه، ولعل هذا هو مأخذ المتوقفين في حكمه، والله أعلم بالصواب.

‌الصداق (المهر)

* تعريفه وحكمه:

الصداق اصطلاحًا: عِوَضٌ في النكاح أو نحوه، بفرض حاكم أو تراضيهما، ويسمى مهرًا، وأجرًا، وفريضة، وغير ذلك.

ووجه تسميته بالصداق: "أنه يشعر بصدق رغبة الزوج في الزوجة"(2).

والمهر واجب على الرجل بالنكاح أو الوطء بإجماع علماء المسلمين (3) ولا يخدش في صحة الإجماع ما تقدم من تجويز الحنفية والشافعية إسقاط المهر، فإنهم جميعًا -في هذه الحالة- يوجبون مهر المثل.

(1) راجع ما تقدم في باب: «الاشتراط في عقد النكاح» .

(2)

«سبل السلام» (3/ 311).

(3)

«الاستذكار» لابن عبد البر (16/ 67).

ص: 160

وقد تقدَّم أن المهر شرط في صحة عقد النكاح إما مسمى مفروضًا أو مسكوتًا عنه ويكون لها مهر مثلها، في أصح قولي العلماء.

* ما يصلح أن يكون مهرًا:

1 -

كل ما جاز أن يكون ثمنًا في البيع (1): بأن يكون متموَّلًا، طاهرًا، حلالًا، منتفعًا به، مقدورًا على تسليمه، كالأموال والأعراض ونحوها، قال الله تعالى: {وأحلَّ لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم

} (2).

2 -

الإجازة: فكل عمل جاز الاستجار عليه، جاز جعله صداقًا، وذلك كتعليم القرآن، والصنائع، والخدمة ونحو ذلك، وهذا مذهب الشافعي وأحمد، ومنع ذلك أبو حنيفة وكرهه مالك (3).

والصحيح جواز النكاح على الإجارة، فقد قصَّ الله تعالى علينا في كتابه أن الشيخ الصالح زوَّج موسى عليه السلام بإحدى ابنتيه، وجعل مهرها أن يعمل عنده ثماني سنين، قال الله تعالى:{قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك} (4). وهذا على قول من قال: إن شرع من قبلنا شرع لازم لنا حتى يدلَّ الدليل على ارتفاعه، وهو الصحيح.

وقد مرَّ حديث الواهبة، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد الزواج منها:

"اذهب، فقد أنكحتكها بما معك من القرآن"(5) على تأويل أن المراد: أن يعلمها سورة أو أكثر من القرآن.

3 -

إعتاق الأَمَة:

فعن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها"(6) وقد أجاز أن يكون العتق صداقًا الشافعي وأحمد وداود، ومنعه فقهاء الأمصار لمعارضته للأصول، ووجه ذلك أن العتق إزالة ملكٍ، والإزالة لا تتضمن استباحة الشيء

(1)«بداية المجتهد» (2/ 46)، و «الشرح الصغير» للدردير (2/ 245)، و «الأم» (5/ 52)، و «المغني» (7/ 212)، و «الإنصاف» (6/ 231).

(2)

سورة النساء: 24.

(3)

«بداية المجتهد» (2/ 47)، و «روضة الطالبين» (7/ 304)، و «المغني» (7/ 212)، و «المبسوط» (6/ 80).

(4)

سورة القصص: 27.

(5)

صحيح: تقدم كثيرًا.

(6)

صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم.

ص: 161

بوجه آخر، لأنها إذا أعتقت ملكت نفسها، فكيف يلزمها النكاح؟ وأجابوا باحتمال الخصوصية، لكثرة اختصاصه صلى الله عليه وسلم في باب النكاح!! (1).

قلت: الأظهر جواز أن يكون العتق صداقًا للحديث السابق، والأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أنها للتأسي إلا ما دلَّ الدليل على الخصوصية كزواج الهبة والزيادة على الأربع، وما ذكروه من معارضة الأصول لا يُعارض به هذا الحديث، والله أعلم.

4 -

هل يكون الإسلام مهرًا؟

عن أنس قال: "تزوَّج أبو طلحة أمَّ سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمتُ فإن أسلمتَ نكحتُك، فأسلم فكان صداق ما بينهما"(2).

وفيه حجة لمن أجاز أن يكون إسلام الرجل مهرًا، إلا أن أبا محمد بن حزم طعن في هذا الاستدلال بأمرين:

1 -

أن ذلك كان قبل الهجرة بمدة، لأن أبا طلحة قديم الإسلام، من أول الأنصار إسلامًا، ولم يكن نزل إيجاب إيتاء النساء صدقاتهن بعد.

2 -

أنه ليس في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك (3).

* أقل المهر وأكثره:

1 -

لا حدَّ لأكثر المهر: اتفق أهل العلم -لا خلاف بينهم- على أنه لا حد لأكثر ما يدفعه الرجل مهرًا لزوجته (4).

قال شيخ الإسلام: "ومن كان ذا يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقًا كثيرًا فلا بأس بذلك، كما قال الله تعالى:{وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} (5). أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه، أو يعجز عن وفائه فهذا مكروه

" اهـ (6).

2 -

ولا حدَّ لأقلِّ المهر على الراجح: فيصحُّ الصداق بكل ما يسمى مالًا أو ما

(1)«بداية المجتهد» (2/ 47)، وانظر «المحلي» (9/ 501 - 507) ففيه بحث نفيس.

(2)

صحيح: أخرجه النسائي (6/ 114).

(3)

«المحلي» (9/ 499 - 500).

(4)

«الاستذكار» لابن عبد البر (16/ 65)، و «الحاوي» للماوردي (12/ 11).

(5)

سورة النساء: 20.

(6)

«مجموع الفتاوى» (32/ 195).

ص: 162

يقوَّم بمال ما دام قد حصل به التراضي، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور والأوزاعي والليث وابن المسيب وغيرهم وأجاز ابن حزم كل ما له نصف ولو حبة شعير (1)، ويؤيد عدم تحديد أقل المهر:

(أ) عموم قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} (2). وهو يتناول قليل المال وكثيره.

(ب) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتزوج الواهبة: "هل عندك من شيء؟ " قال: لا، قال:"اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد"

الحديث (3) فدلَّ على أن المهر يصح بكل ما يطلق عليه اسم المال.

* بل يصح الصداق بكل ما له قيمة حسيَّة أو معنوية: وهذا "هو الذي تجتمع به الأدلة ويتفق مع المعنى الصحيح لمشروعية المهر، إذ ليس المقصود من المهر العوض المالي فحسب، وإنما هو رمز للرغبة وصدق النية في الاقتران، فيكون بالمال غالبًا، وبكل ماله قيمة معنوية، ما دامت قد رضيت بذلك الزوجة"(4).

وقد صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلًا بما معه من القرآن، وتزوَّج أبو طلحة أم سليم، وكان مهرها إسلامه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتق صفية صداقها، فكان ما يحصل للمرأة من انتفاعها بالقرآن والعلم وإسلام الزوج، وانتفاعها بحريتها وملكها لرقبتها صداقًا لها إذا رضيت به، فإن الصداق -في الأصل- حق للمرأة تنتفع به (5).

* المغالاة في المهور (6):

ليس من الإسلام تلك النظرة المادية التي تسيطر على أفكار طائفة من الناس، فيغالون في المهور، حتى إنه لا يكاد يخرج بعضهم من عقد الزواج إلا وهم

(1)«المغني» (7/ 48)، و «الإنصاف» (9/ 249)، و «الحاوي» (12/ 11)، و «تكملة المجموع» (15/ 482)، و «المحلي» (9/ 494 - وما بعدها)، وقال الشافعي: لا يجب أن يقل عن مهر المثل، وخالفه الجمهور وكثير من أصحابه وانظر «الأم» (5/ 66).

(2)

سورة النساء: 24.

(3)

صحيح: تقدم كثيرًا.

(4)

«فقه الزواج» للسدلان (ص 26).

(5)

انظر «زاد المعاد» لابن القيم (5/ 178 - 179) ط. الرسالة.

(6)

«الزواج والمهور» للمسند (ص 57 - 58)، و «من قضايا الزواج» لجاسم الياسين (ص 70 - 72)، عن «فقه الزواج للسدلان» (ص 28 - 43)، وكتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 392 - 396).

ص: 163

يتحدثون عن المهر، وكم بلغ من الأرقام القياسية

؟! كأنما خرجوا من حلبة سباق أو مزايدة على سلعة!!

فإن المرأة ليست سلعة في سوق الزواج كي نسلك بها هذا المسلك الماديِّ البحت.

وهذه المغالاة في المهور يكون من نتائجها السلبية:

1 -

جعل أكثر الشباب عزبًا وأكثر البنات عوانس.

2 -

حصول الفساد الأخلاق في الجنسين عندما ييأسون من الزواج فيبحثون عن بديل لذلك.

3 -

حدوث الأمراض النفسية لدى الشباب من الجنسين بسبب الكبت، وارتطام الطموح بخيبة الأمل.

4 -

خروج كثير من الأولاد عن طاعة آبائهم وأمهاتهم وتمردهم على العادات الطيبة والتقاليد الكريمة الموروثة.

5 -

غش الولي بامتناعه من تزويجها بالكفء الصالح الذي يظن أنه لا يدفع لها صداقًا كثيرًا، رجاء أن يأتي من هو أكثر صداقًا ولو كان لا يُرضي دينًا ولا خلقًا!! ولا يُرجى للمرأة السعادة معه.

6 -

تكليف الزوج فوق طاقته، مما يجلب العداوة في قلبه لزوجته وأهلها.

* إذا كانت هذه سلبيات المغالاة في المهور: فما حكمها شرعًا؟

الحاصل في حكم المغالاة في المهور، بالنظر في الأدلة الواردة في هذا الباب أن يقال:

1 -

المشروع تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه:

* قال صلى الله عليه وسلم: "خير الصداق أيسره"(1).

* وقال ابن القيم بعد ما أورد جملة من الأحاديث في الصداق:

"فتضمنت الأحاديث

أن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره" (2).

* وقال عمر بن الخطاب:

(1) مستدرك الحاكم (2/ 182).

(2)

«زاد المعاد» (5/ 178).

ص: 164

"ألا لا تغلوا صُدُق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله عز وجل كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقته امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول: كلفت لكم علق القربة"(1).

* وعن عائشة لما سئلت: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: "كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشًّا، (والنش: نصف أوقية) فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه"(2).

قال شيخ الإسلام: "فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هنَّ خير خلق الله في كل فضيلة وهنَّ أفضل نساء العالمين في كل صفة -فهو جاهل أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة"(3).

2 -

إذا كان في المغالاة تكليف للزوج بما لا يطيق فهو مذموم:

ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزوج امرأة من الأنصار: "على كم تزوجتها؟ " قال: على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على أربع أواقٍ؟ كأنما تنحتون من عُرض هذا الجبل

" (4).

وعن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في مهر امرأة، فقال:"كم أمهرتها؟ " قال: مائتي درهم، فقال:"لو كنتم تغرفون من بُطحان ما زدتم"(5).

فهذا إنكار من النبي صلى الله عليه وسلم على إكثار المهر بالنسبة لحال هؤلاء الأزواج لأنه تقدم أن مهر بناته وأزواجه كان أكثر من ذلك، فالعبرة بحال الزوج.

3 -

إذا كان الرجل ميسورًا غنيًّا فله أن يكثر صداق زوجته:

"فقد زوَّج النجاشي أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمهرها عنه أربعة آلاف

(1) أبو داود (2106)، والترمذي (1114)، والنسائي (6/ 117)، وابن ماجة (1887) وهو صحيح.

(2)

مسلم (1426)، والنسائي (6/ 116)، وابن ماجة (1886).

(3)

«مجموع الفتاوى» (32/ 192 - 194).

(4)

مسلم (1424)، والنسائي (6/ 69).

(5)

أحمد (3/ 448)، والبيهقي (7/ 235) بسند صحيح.

ص: 165

[وكانت مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم] وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة" (1).

* وعن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صُدُق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، كتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذاك؟ قالت: نهيتَ الناس آنفًا أن يغالوا في صُدُق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: {وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا

تأخذوا منه شيئًا} (2). فقال عمر: كل أحد أفقه من عمر -مرتين أو ثلاثًا- ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن تغالوا في صدق النساء ألا فليفعل الرجل في ماله ما بدا له" (3).

فالخلاصة: أن الناس يتفاوتون في الغنى والفقر، فلا بد من مراعاة حالة الزوج المالية، فلا يطالب بما لم يقدر عليه مما يضطره إلى الاستدانة ونحو ذلك، فإن كان قادرًا لم يكره له الزيادة في المهر، إلا أن يقترن بذلك نية المباهاة ونحوها فإن يكره حينئذٍ والله أعلم (4).

* الصداق حق للمرأة وليس لأوليائها (5):

لقوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} (6). وقوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} (7). وغير ذلك من الآيات فإنها تدل على أن الصداق حق للمرأة، فلا يحل لأبيها ولا لغيره أن يأخذوا من هذا الصداق بغير إذنها، ولذا

(1) أبو داود (2107)، وأحمد (6/ 427)، والنسائي (6/ 119) وهو صحيح.

(2)

سورة النساء: 20.

(3)

سنن سعيد بن منصور (598)، وعنه البيهقي (7/ 233) وهو حسن لغيره، له شواهد أوردها شيخنا - حفظه الله - في «جامع أحكام النساء» (3/ 301) لم يقف عليها الألباني رحمه الله فضعَّف الأثر في «الإرواء» (6/ 348) ووصف المتن بالنكارة والصواب أنه يحسَّن.

(4)

هذا التفصيل هو اختيار شيخ الإسلام كما ف «الاختيارات» (ص 227).

(5)

«المحلي» (9/ 511).

(6)

سورة النساء: 4.

(7)

سورة النساء: 24.

ص: 166

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الزوج لا يجوز له دفع المهر لغير الزوجة أو وكيلها أو من أذنت له أن يدفعه إليهم.

* أنواع المهر:

ينقسم المهر باعتبار الاتفاق على قيمته إلى: مسمى وغير مسمى، وباعتبار وقت دفعه وأدائه إلى: معجَّل ومؤجَّل، وباعتبار المقدار الذي تستحقه المرأة منه إلى: الكل والنصف والمتعة.

أولًا: المهر المسمَّى، والمسكوت عنه (مهر المثل):

1 -

يستحب أن يتفق العاقدان على فرض المهر وتسميته قطعًا للنزاع ومنعًا للخصومة (1)، ويجب حينئذٍ إمضاء المهر المتفق عليه، ويكون في ذمة الزوج دفعه للمرأة.

2 -

ويجوز العقد من غير تسمية المهر كما دلَّ عليه قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} (2).

ويسمى هذا: "نكاح التفويض" وهو جائز بالإجماع (3)، وفي هذه الحالة يجب للمرأة مهر المثل اتفاقًا.

ومعنى مهر المثل: القدر الذي تُزوَّج عليه مثيلاتها من قريباتها من جهة أبيها كأخواتها وعماتها، لا من جهة أمها، فإن الأم قد تكون من أسرة لها أعراف تخالف أعراف أسرة أبيها (4)، فإن لم يوجد لها أمثال من قبل أبيها، فمن مثيلاتها وأقرانها من أهل بلدتها (5).

ثانيًا: المهر المعجَّل والمؤَجل

الأصل أن يكون المهل معجَّلًا تقبضه المرأة قبل الدخول بها ولها أن تمنع نفسها حتلا تتسلمه، قال الله تعالى:{ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} (6).

(1)«مجموع الفتاوى» (29/ 344).

(2)

سورة البقرة: 236.

(3)

«بداية المجتهد» (2/ 53).

(4)

«المبسوط» (5/ 64)، و «روضة الطالبين» (7/ 286).

(5)

«أحكام الزواج» للأشقر (ص: 261) بتصرف يسير.

(6)

سورة الممتحنة: 10.

ص: 167

ولما سأل عليٌّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل بفاطمة قال له صلى الله عليه وسلم: "أعطها شيئًا" فقال: ما عندي من شيء، قال:"فأين درعك الحطمية؟ " قال عليٌّ: هي عندي، فقال صلى الله عليه وسلم:"فأعطها إياه"(1).

وقد مضى على هذا عمل السلف رضي الله عنهم (2).

لكن يجوز تأجيل المهر أو بعضه، وكذلك تقسيطه، للحاجة كإعسار الرجل ونحو ذلك، إذا اتفق الطرفان على تأجيله إلى ما بعد الدخول، لأن المهر دين كسائر الديون، فيجوز تأجيله، ولذا فإنه يستحب تعجيله.

لكن .. هل يشترط تحديد هذا الأجل؟ أم لا؟ (3).

1 -

إذا أُجِّل لأجل مجهول، كأن يقول: تزوجتك على ألفٍ بشرط الميسرة أو أدفعها عند هبوب الرياح أو قدوم فلان ونحو ذلك، فلا يصح التأجيل باتفاق المذاهب الأربعة، لتفاحش الجهالة.

2 -

إذا أُجِّل المهر -أو بعضه- ولم يُذكر الأجل ولم يحدَّد، ففيه خلاف:

(أ) قال الحنفية والحنابلة: يصح المهر، وتستحقه المرأة بالفراق أو الموت، عملًا بالعرف والعادة في البلاد الإسلامية!!

(ب) وقال الشافعية: المهر فاسد، ولها مهر المثل.

(جـ) وقال المالكية: إن كان الأجل مجهولًا كالتأجيل للموت أو الفراق فسد العقد، ووجب فسخه، إلا إذا دخل الرجل بالمرأة، فحينئذٍ يجب مهر المثل.

ثالثًا: ما تستحقه المرأة من المهر وأحواله:

[أ] ما يتقرر للزوجة به المهر كاملًا (4):

1 -

الدخول الحقيقي بالزوجة (الجماع):

اتفق أهل العلم على أن الزوجة تستحق المهر كاملًا، إذا دخل بها الزوج

(1) صحيح: تقدم قريبًا.

(2)

«مجموع الفتاوى» (32/ 195).

(3)

«البدائع» (2/ 288)، و «ابن عابدين» (2/ 493)، و «بداية المجتهد» (2/ 48)، و «الدسوقي» (2/ 297)، و «مغني المحتاج» (3/ 222)، و «المغني» (6/ 693)، و «كشاف القناع» (5/ 178).

(4)

«البدائع (2/ 291 - 295)، و «بداية المجتهد» (2/ 48)، و «الدسوقي» (2/ 300)، و «مغني المحتاج» (3/ 224)، و «المغني» (6/ 716)، و «كشاف القناع» (5/ 168).

ص: 168

وجامعها، لقوله تعالى:{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا* وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} (1).

فنهى الله تعالى الزوج أن يأخذ شيئًا مما أعطاه للمرأة إذا طلَّقها واعتبر الأخذ منه بهتانًا وكذبًا وإثمًا، وذلك لأن المهر كان في مقابل حلِّ الوطء (الإفضاء) وقد استوفى الزوج حقه بالدخول، فتقرر للزوجة جميع المهر.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأة نُكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل -ثلاثًا- فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها"(2).

فإذا كان جميع المهر يتقرر بالدخول في النكاح الباطل، فمن باب أولى يتقرر في النكاح الصحيح (3).

ويترتب على استقرار المهر بالدخول: أن لا يسقط شيء منه بعدئذٍ إلا بالأداء لصاحبه، أو بالإبراء (التنازل) من صاحب الحق (4).

* فائدة: يتقرر للمرأة جميع المهر بالوطء ولو كان حرامًا: كالوطء في الدُّبُر وفي حال الحيض أوالنفاس أو الإحرام أو الصوم أو الاعتكاف ونحو ذلك.

2 -

موت أحد الزوجين قبل الدخول في نكاح صحيح: وهنا حالتان:

(أ) إذا كان المهر مسمى في العقد: ومات أحد الزوجين قبل الدخول (الوطء) فإن المرأة تستحق المهر كاملًا باتفاق الفقهاء، وعلى هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، لأن العقد لا ينفسخ بالموت، وإنما ينتهي به، لانتهاء أمده وهو العمر، فتتقرر جميع أحكامه بانتهائه، ومنها المهر.

(ب) إذا كان المهر لم يسمَّ في العقد (نكاح تفويض): ومات أحد الزوجين فاختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

الأول: تستحق مهر مثلها: وهذا مذهب الحنفية والصحيح عند الحنابلة وهو قول للشافعي، ودليلهم:

(1) سورة النساء: 20، 21.

(2)

صحيح: تقدم تخريجه في «اشتراط الولي» .

(3)

«نيل الأوطار» (118).

(4)

«الفقه الإسلامي وأدلته» (7/ 289).

ص: 169

1 -

حديث علقمة قال: أُتي عبد الله [بن مسعود] في امرأة تزوَّجها رجل ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقًا ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه فقال: "أرى لها مثل صداق نسائها، ولها الميراث وعليها العدة" فشهد معقل بن سنان الأشجعي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى"(1).

2 -

ولأنه عقد مدته العمر، فبموت أحدهما ينتهي ويستقر بع العوض، كانتهاء الإجارة.

3 -

ولأن الموت يكمل به المهر المسمى، فيكمل به مهر المثل للمفوضة، كالدخول.

الثاني: لا شيء لها: وهو مذهب مالك والقول الآخر للشافعي، وحجتها:

أنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس، فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق!! (2).

قلت: قد علَّق الشافعي رحمه الله القول في المسألة على صحة الحديث المتقدم، وهو صحيح، فيتعين صحة المذهب الأول وهو الأظهر عند الشافعية، والله أعلم.

3 -

الخلوة الصحيحة بين الزوجين ولو بدون جماع:

ضابط الخلوة الصحيحة: أن يجتمع الزوجان -بعد العقد الصحيح- في مكان يتمكنان فيه من التمتع الكامل، بحيث يأمنان دخول أحد عليهما، وليس بأحدهما مانع طبعي -كوجود شخص ثالث ونحوه- يمنع من الاستمتاع (3).

فإذا حصلت هذه الخلوة بعد العقد، فاختلف أهل العلم في القدر الذي تستحقه المرأة من المهر إذا طلقها على قولين (4):

الأول: تستحق جميع المهر ولو لم يحصل جماع، وهذا مذهب أبي حنيفة

(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2114)، والترمذي (1145)، والنسائي (6/ 121)، وابن ماجة (1891)، وأحمد (3/ 480).

(2)

انظر «الحاوي» (12/ 106)، و «الأم» (5/ 51)، مع «المراجع السابق» .

(3)

«ابن عابدين» (2/ 465)، وزاد الحنفية من موانع الخلوة: المرض، والمانع الشرعي كالصوم والحيض والإحرام ونحوه، وفيه نظر لأن هذا قد لا يمنع ارتكاب المحظور وحصول الجماع كما لا يخفى.

(4)

«بداية المجتهد» (2/ 49)، و «المبسوط» (6/ 63)، و «الحاوي» (12/ 173)، و «المحلي» (9/ 482) مع المراجع السابقة.

ص: 170

والشافعي في القديم، وهو مشهور مذهب أحمد، وإسحاق والأوزاعي، وهو مروي عن الخلفاء الراشدين الأربعة وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، وحجة هذا القول:

1 -

عن زرارة بن أوفى قال: "قضى الخلفاء الراشدون المهديُّون: أن من أغلق بابًا، أو أرخى سترًا، فقد وجب المهر والعدَّة"(1) وهو منقطع.

وذكر ابن قدامة أنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم!! وهو متعقب بخلاف بعضهم كما سيأتي.

2 -

عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "قضى في المرأة إذا تزوَّجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق"(2).

3 -

وعن عليٍّ قال: "إذا أُرخيت الستور فقد وجب الصداق"(3).

4 -

قوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض

} (4).

قالوا: الإفضاء هو الخلوة، لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو الخلاء، فكأنه قال:(وقد خلا بعضكم إلى بعض).

قال الفراء: "الإفضاء: الخلوة، دخل بها أو لم يدخل"(5).

5 -

وحملوا المسَّ في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} (6). على الخلوة لا على الجماع.

6 -

ولأن الخلوة مظنة الجماع والمسيس، فإذا خلا بها فقد هيئت الفرصة لتحقق ذلك، والخلوة هي القدر الذي يمكن للقاضي التحقق منه، أما ما وراء ذلك فيصعب التحقق منه عند النزاع (7).

الثاني: لا تستحق جميع المهر إلا بالوطء فقط: وهو مذهب مالك والشافعي في الجديد وهو رواية أخرى عن أحمد وابن حزم، وهو مروي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، وحجتهم:

(1) إسناده منقطع: أخرجه البيهقي (7/ 255)، وابن حزم (9/ 482).

(2)

إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 528)، والبيهقي (7/ 255).

(3)

إسناده صحيح: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 201)، والبيهقي (7/ 255).

(4)

سورة النساء: 21.

(5)

«معاني القرآن» للفرَّاء. مخطوط، عن «اختيارات ابن قدامة» (3/ 101).

(6)

سورة البقرة: 237.

(7)

«أحكام الزواج» د. الأشقر (ص: 265).

ص: 171

1 -

قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} (1).

قالوا: والمراد بالمسِّ: الوطء، والمطلقة قبل الوطء يصدق عليها هذا.

2 -

فسروا الإفضاء في قوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (2). بأن المراد به: الجماع.

3 -

عن ابن عباس أنه كان يقول في الرجل إذا أُدخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم أنه لم يمسَّها- قال: "عليه نصف الصداق"(3).

4 -

وعن ابن مسعود قال: "لها نصف الصداق، وإن جلس بين رجليها"(4).

قلت: لو ثبتت هذه الروايات عن ابن عباس وابن مسعود لكانت في مقابل ما ثبت عن عمر وعلي، ولم يكن في شيء من ذلك حجة على المخالف ولبقي الخلاف في تأويل معنى المس والإفضاء في الآيتين الكريمتين، لكن لا يثبت المروي عن ابن عباس وابن مسعود -فيما علمت- فبقول عمر وعليٍّ وغيرهما من الصحابة أقول، والله أعلم.

لكن قد يقال: إنما استقر المهر كله بالخلوة لأنها تفضي إلى الوطء، فلو ثبت عدم الوطء بإقرار الزوجة أو بالكشف الطبي الحديث، فهل يقال: لها نصف المهر فقط؟

هذا محل نظر واجتهاد، فليُحرَّر.

4 -

إقامة الزوجة سَنَة في بيت الزوج ولو بدون وطء (عند المالكية):

فإذا تزوَّج رجل امرأة وزُفَّتْ إليه، وأقامت عنده سنة (!!) بلا وطء وجب لها المهر كاملًا عند المالكية، قلت: أما التحديد بالسنة فلا أعلم له دليلًا، ولو زُفَّت إليه وأقامت عنده دون وطء، فهذه راجعة إلى الحالة السابقة (الخلوة الصحيحة) فيقال فيها ما تقدم هناك.

(1) سورة البقرة: 237.

(2)

سورة النساء: 21.

(3)

إسناده ضعيف: أخرجه سعيد بن منصور (772) وفيه ليث بن أبي سليم: (ضعيف مختلط) وجاء من وجه آخر عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه، رواه البيهقي (7/ 254) وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس فلا يُفرح به!!.

(4)

إسناده منقطع: ابن حزم (9/ 484).

ص: 172

5 -

طلاق الفرار في مرض الموت قبل الدخول (عند الحنابلة):

إذا طلَّق الرجل امرأته التي لم يدخل بها، في مرض موته فرارًا من ميراثها، ثم مات فإنه يتقرر لها المهر كاملًا -عند الحنابلة- لوجوب عدة الوفاة عليها في هذه الحالة ما لم تتزوَّج أو ترتد.

[ب] ما يتقرر للمرأة به نصف المهر (1):

* الطلاق قبل الدخول (والخلوة على الراجح) وكان المهر مُسمًّى في العقد:

إذا طلَّق الرجل زوجته قبل الدخول (وقبل الخلوة على الراجح) وكان المهر قد سُمَّي في العقد، فإن المرأة تستحق نصف هذا المهر، باتفاق أهل العلم.

لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} (2).

وكذلك الحال إذا حصلت الفرقة بغير الطلاق (إذا كان من جانب الزوج) كالفسخ بسبب الإيلاء أو اللعان، أو ردَّة الزوج أو إبائه اعتناق الإسلام بعد إسلام زوجته ونحو ذلك، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.

* فإن لم يكن المهر مسمى وطلقها قبل الدخول (أو الخلوة)؟ فههنا اختلف العلماء فيما تستحقه المرأة من المهر، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: ليس لها المتعة (3): وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي -في المشهور عنه- وأحمد وإسحاق والثوري وأبي عبيد وغيرهم وحجتهم:

1 -

قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} (4).

(1)«البدائع» (2/ 296)، و «المبسوط» (6/ 82)، و «ابن عابدين» (2/ 463)، و «بداية المجتهد» (2/ 50)، والقوانين» (202)، و «المدونة» (2/ 224)، و «مغني المحتاج» (3/ 231)، و «نهاية المحتاج» (6/ 364)، و «كشاف القناع» (5/ 165 - 176)، و «الإنصاف» (8/ 299)، و «المغني» (7/ 239).

(2)

سورة النساء: 237.

(3)

المتعة: مبلغ من المال يدفعه الزوج لمطلقته، وهو يختلف باختلاف حال الزوج وسيأتي في «الطلاق» .

(4)

سورة البقرة: 236.

ص: 173

2 -

قوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقًا على المتقين} (1).

3 -

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} (2).

القول الثاني: ليس لها شيء، وإنما يُستحب لها المتعة ولا تجب، وهو مذهب مالك والليث، وحجته: أن قوله تعالى: {متاعًا بالمعروف حقًا على المحسنين} قد دلَّ على أن المتعة على سبيل الإحسان والتفضُّل لا الوجوب، ولو كانت واجبة لم تختص بالمحسنين!!

وأجيب بأن أداء واجب من الإحسان.

القول الثالث: تستحق نصف مهر المثل: وهو رواية ثانية في مذهب أحمد، وحجته أنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول.

قلت: والصحيح الأول لصرح الآيات الكريمة، والله أعلم.

* فائدة: تقرر أن المهر إذا كان مسمى مفروضًا في العقد، ثم طلَّقها قبل الدخول، فلها نصف المهر، لكن

إذا لم يذكر المهر في العقد، وإنما فرض بعده بالتراضي أو بالقضاء، فهل لها نصف المفروض (المسمى) بعد العقد أم لا؟

قال الحنفية: لا ينتصف المفروض بعد العقد، لاختصاص التنصيف بالمفروض في العقد بنص القرآن، وإنما تجب للمرأة المتعة فقط.

وقال الجمهور: ينتصف المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد، وهو الصحيح "لأن قوله تعالى:{فنصف ما فرضتم} عموم لكل صداق في نكاح صحيح فرضه الناكح في العقد أو بعده، ولم يقل عز وجل: فنصف ما فرضتم في نفس العقد،

ولو أراد ذلك لبينه لنا ولم يهمله

" اهـ (3).

[جـ] ما يسقط به المهر كلُّه (4):

1 -

حصول الفُرقة -من جانب الزوجة- قبل الدخول: كأن تُسلم -وزوجها

(1) سورة البقرة: 241.

(2)

سورة الأحزاب: 49.

(3)

«المحلي» لابن حزم (9/ 482) بتصرف يسير واختصار.

(4)

«البدائع» (2/ 295)، و «القوانين الفقهية» (203)، و «مغني المحتاج» (3/ 234)، و «كشاف القناع» (5/ 165 - 167)، و «المقنع» (3/ 86)، و «الفقه الإسلامي وأدلته» (7/ 295).

ص: 174

كافر- أو يفسخ الزواج بعيب في الزوجة أو أن ترتدَّ، أو أن تكون أرضعت من ينفسخ به نكاحها، أو أن تفسخ لعيب الزوج أو إعساره، ونحو ذلك، فحينئذٍ يسقط المهر المسمى ومهر المثل، وهذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة، كذلك عند الحنفية والمالكية لكنهم لم يفرقوا بين أن تكون الفُرقة من جانب الزوج أو الزوجة فالكل عندهم مسقط للمهر.

2 -

الخلع (1) على المهر قبل الدخول أو بعده: فإذا خالع الرجل امرأته على مهرها، سقط المهر كله، فإن كان المهر غير مقبوض سقط عن الزوج، وإن كان مقبوضًا ردَّته على الزوج.

3 -

الإبراء (التنازل) عن كل المهر قبل الدخول أو بعده: فإذا تنازلت المرأة عن مهرها المفروض -وكان دَيْنًا في ذمة الزوج- فإنه يسقط، إذا كانت المرأة أهلًا للتبرع.

4 -

هبة الزوجة كل المهر للزوج: متى كانت أهلًا للتبرع، وقبل الزوج الهبة في المجلس، سواء أكانت الهبة قبل القبض أو بعده.

* عفو المرأة، ومن بيده عقدة النكاح:

قال الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} (2).

ومعنى الآية الكريمة: أن المرأة إذا طلقها زوجها قبل أن يطأها وقد كان سمَّى لها صداقًا رضيته فلها نصف صداقها الذي لها إلا أن تعفو هي فلا تأخذ من زوجها شيئًا وتهب له النصف الواجب لها، أو يعفو من بيده عقدة النكاح.

وقد اختلف أهل العلم في المراد بالذي بيده عقدة النكاح على قولين:

الأول: أنه ولي المرأة، فيكون للولي أن يعفو عن نصف الصداق الذي استحقته المرأة.

الثاني: أنه الزوج نفسه، فيكون المعنى: أو يعفو الزوج فيعطيها جميع الصداق.

وهذا التأويل أرجح "لأن الصداق من حق المرأة [كما تقدم] لا يجوز لأحد التصرف فيه إلا بإذنها، وهي أحق به قبل الطلاق وبعده"(3).

(1) ستأتي أحكام «الخلع» في الباب الآتي، إن شاء الله.

(2)

سورة البقرة: 237.

(3)

«جامع أحكام النساء» لشيخنا - رفع الله قدره - (3/ 308) وهو اختيار ابن حزم في «المحلي» (9/ 511).

ص: 175

فأيهما عفا عن حقِّه، فهو أقرب للتقوى، والله تعالى أعلم.

* إذا سُمِّي للمرأة مَهْران (مهر التلجئة):

إذا طلب أهل الزوجة من الزوج أن يسمي صداقين: أحدهما للعقد، والآخر للعلن مفاخرة أمام الناس، لا أنه يلزمه، فذهب الجمهور -خلافًا للحنابلة- إلى أنه يلزمه الصداق المسمى في العقد، لا الصداق المعلن، اعتبارًا للنية في العقود، وهو اختيار شيخ الإسلام (1).

* حكم الحِباء:

الحباء: أن يشترط أحد أقارب الزوجة على الزوج مبلغًا من المال لنفسه، وقد اختلف أهل العلم في حكم الحباء على ثلاثة أقوال (2):

الأول: يجوز الحباء للأب، وهو مذهب الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية، وهو قول إسحاق، وحجتهم: قوله تعالى -في قصة الشيخ الكبير مع موسى عليه السلام: {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} (3). قالوا: فجعل الصداق: الإجارة على غنمه، وهو شرط لنفسه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك".

الثاني: إن كان الشرط عند عقد النكاح فهو للمرأة وإن كان بعده فهو للأب:

وهو مذهب مالك وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد، لأن في اشتراطه عند العقد تهمة النقصان من صداقها، وأما بعده فلا توجد التهمة.

واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما امرأة نُكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أُعْطِيَهُ، وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنتُه وأخته"(4).

(1)«تحفة الفقهاء» (2/ 218)، و «المدونة» (2/ 171)، و «الفروع» (5/ 267)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 199).

(2)

«بداية المجتهد» (2/ 56)، و «روضة الطالبين» (7/ 266)، و «المقنع» (3/ 79)، و «نيل الأوطار» (6/ 207).

(3)

سورة القصص: 27.

(4)

حسن: أخرجه أبو داود (2129)، والنسائي (6/ 120)، وابن ماجة (1955)، وأحمد (2/ 182).

ص: 176

الثالث: لا يجوز الحباء مطلقًا، ويفسد المهر، وتستحق مهر المثل: وهو مذهب الشافعي.

قلت: الراجح أن المرأة تستحق ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء ولو كان ذلك الحباء مذكورًا لغيرها كأبيها أو غيره، وأما ما يذكر بعد العقد فهو لمن جُعل له سواء كان وليًّا أو غيره، لأجل الحديث المتقدم، والله أعلم.

* جهاز العروس، على مَن يجب؟

الجهاز -بفتح الجيم، والكسر لغة قليلة-: اسم لما تُزفُّ به المرأة إلى زوجها متاع وأثاث وفراش لمنزل الزوجية.

وقد ذهب جمهور العلماء، منهم: أبو حنيفة والشافعي وأحمد وابن حزم وغيرهم (1)، إلى أنه لا يجب على المرأة أن تتجهز بمهرها أو بشيء منه أو من غيره وعلى الزوج أن يُعِدَّ لها المنزل بكل ما يحتاج إليه ليكون سكنًا شرعيًا لائقًا بهما في حدود طاقته ويسره: قال الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} (2).

ولأن المهر المدفوع ليس في مقابلة الجهاز، وإنما هو عطاء ونحلة كما قال تعالى:{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} (3). أو هو في مقابلة حلِّ التمتع بها -كما تقدم- والشيء لا يقابله عِوَضان.

حتى لو كان الزوج قد دفع أكثر من مهر مثلها رجاء جهاز فاخر، ما دام المال الذي دفعه غير مستقل عن المهر.

فإذا دفع الزوج مقدارًا من المال -مستقلًّا عن المهر- في مقابلة الجهاز، فتلزم الزوجة حينئذٍ بإعداد الجهاز، لأنه كالهبة بشرط العوض.

فإذا تجهزت الزوجة بنفسها أو جهَّزها ذووها، فالجهاز ملك لها خاصٌّ بها، لأنها لا يلزمها كما تقدم.

(1)«ابن عابدين» (2/ 652)، و «حاشية الدسوقي» (2/ 321)، و «نهاية المحتاج» (5/ 408)، و «كشاف القناع» (3/ 149)، و «المحلي» (9/ 507).

(2)

سورة الطلاق: 6.

(3)

سورة النساء: 4.

ص: 177