المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الثالثة: الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة: فإذا تزوَّج الرجل - صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة - جـ ٣

[كمال ابن السيد سالم]

فهرس الكتاب

- ‌9 - كتاب اللباس والزينة وأحكام النظر

- ‌أولًا: اللباس والزينة للرجال

- ‌ثانيًا: اللباس والزينة للنساء

- ‌لباس المرأة المسلمة

- ‌مسائل تتعلق بأحكام النظر

- ‌الزينة للمرأة المسلمة

- ‌حكم لبس العدسات الملونة للزينة والموضة

- ‌10 - كتاب الزواج ومقدماته وتوابعه

- ‌الأنكحة الفاسدة شرعًا

- ‌الصفات المطلوبة في الزوجين

- ‌الخِطْبة وأحكامها

- ‌أحكام النَّظر في الخِطبة

- ‌عقد الزواج

- ‌شروط صحة عقد النكاح

- ‌الاشتراط في عقد النكاح

- ‌الصداق (المهر)

- ‌إعلان النكاح

- ‌تعدد الزوجات

- ‌من أحكام المولود

- ‌النشوز وعلاجه

- ‌11 - كتاب الفرْق بين الزوجين

- ‌الطلاق وأحكامه

- ‌شروط الطلاق

- ‌أولًا: الشروط المتعلقة بالمطلِّق:

- ‌ثانيًا: الشروط المتعلِّقة بالمطلَّقة:

- ‌ثالثًا: الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق:

- ‌الإشهاد على الطلاق

- ‌أنواع الطلاق

- ‌أولًا: الطلاق الرجعي والبائن

- ‌ثانيًا: الطلاق السُّنِّي والبدعي

- ‌ثالثًا: الطلاق المُنجَّز والمضاف والمعلَّق

- ‌التخييرُ في الطلاق

- ‌التوكيل أو التفويض في الطلاق

- ‌العِدَّة

- ‌الخُلْع

- ‌أركان الخلع وما يتعلق بها

- ‌الإيلاء

- ‌الظِّهَار

- ‌اللِّعان

- ‌التفريق القضائي

- ‌الحضانة

- ‌12 - كتاب المواريث

- ‌عِلْم المواريث (الفرائض)

- ‌المُستحقُّون للميراث

- ‌الحَجْبُ

الفصل: الثالثة: الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة: فإذا تزوَّج الرجل

الثالثة: الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة: فإذا تزوَّج الرجل امرأة ليست كفؤًا له فلا غبار عليه، لأن القوامة بيده، والأولاد ينسبون إليه، والطلاق بيده، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أحياء العرب -ولا مكافئ له في دين ولا نسب- وتسرَّى بالإماء، وقال:"من كانت عنده جارية فعلمَّها وأحسن تعليمها وأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران"(1).

‌الخِطْبة وأحكامها

* تعريفها:

الخِطبة -بكسر الخاء-: طلب المرأة للزواج، فإن أجيب إلى طلبه فلا يعدو كونه وعدًا بالزواج، ولا ينعقد بهذا النكاح، فتظل المرأة أجنبية عنه حتى يعقد عليها.

فالخطبة مقدمة للنكاح لا يترتب عليها ما يترتب على النكاح كما سيأتي تفصيله.

* حكمها:

الخطبة ليست شرطًا في صحة النكاح، فلو تم بدونها كان صحيحًا، لكنها -في الغالب- وسيلة للنكاح، فهي عند الجمهور جائزة لقوله تعالى:{ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} (2). والمعتمد عند الشافعية استحبابها (3) لفعله صلى الله عليه وسلم: حيث خطب عائشة بنت أبي بكر (4)، وخطب حفصة بنت عمر رضي الله عنهم (5).

هذا إذا لم يَقُم بالمرأة مانع من موانع النكاح -أو غيره مما سيأتي- وإلا لم تجز الخطبة.

* من تُخطب إليه المرأة:

1 -

الأصل أن يُطلب الزواج بالمرأة (خطبتها) من وليِّها: فعن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة رضي الله عنها إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال صلى الله عليه وسلم:"أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال"(6).

(1) صحيح: أخرجه البخاري (2544)، ومسلم (154)، وانظر «المغني» (6/ 487)، و «المبسوط» (5/ 29)، و «جامع أحكام النساء» (3/ 287).

(2)

سورة البقرة: 235.

(3)

«ابن عابدين» (2/ 262)، و «المواهب» (3/ 407)، و «نهاية المحتاج» (6/ 198)، و «روضة الطالبين» (7/ 30)، و «المغني» (6/ 604).

(4)

، (4) يأتي نص الحديثين قريبًا وهما في البخاري.

(5)

أخرجه البخاري (5081).

(6)

صحيح: أخرجه مسلم، والنسائي (6/ 81).

ص: 107

2 -

ويجوز أن تخطب المرأة الرشيدة إلى نفسها:

لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لما مات أبو سلمة أرسل إلىَّ النبي صلى الله عليه وسلم حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور

" الحديث (1).

* يُشرع للوليِّ عرض مُوليه على أهل الصلاح:

1 -

فقد قال الشيخ الصالح لموسى عليه السلام: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج

} (2).

2 -

وفي الصحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيَّمت حفصة -ابنته- من خنيس بن حذافة السهمي عرضها على عثمان، ثم على أبي بكر، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

3 -

وعن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله، أنكح أختي بنت أبي سفيان قال:"وتُحبين؟ " قلت: نعم، لستُ لك بمخلية، وأَحَبُّ من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن ذلك لا يحل لي"

الحديث (4).

4 -

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، مالك تنوَّق (5) في قريش وتدعنا؟ فقال:"وعندكم شيء؟ " قلت: نعم، بنت حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة"(6).

* ويُشرع للمرأة عرض نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها:

1 -

فعن أنس قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت ابنة أنس: ما أقل حياءها، واسوأتاه، فقال أنس رضي الله عنه:"هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها"(7).

(1) سورة القصص: 27.

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (5122).

(3)

(4)

صحيح: أخرجه البخاري (5107) وقد تقدم.

(5)

أي: تختار، وتبالغ في الاختيار.

(6)

صحيح: أخرجه مسلم (1446)، والنسائي (6/ 99).

(7)

صحيح: أخرجه البخاري (5120)، والنسائي (6/ 78)، وابن ماجة (2001).

ص: 108

2 -

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: "زوجنيها

" الحديث (1).

ومحل هذا إذا أُمنت الفتنة كما لا يخفى، فإن وجدت الفتنة في إخبارها للرجل برغبتها في الزواج منه، لم يجز لما فيه من الفساد {والله لا يحب الفساد} (2)(3).

* من لا يجوز خِطبتُهنَّ:

[1]

المحرمات من النساء سواء على التأبيد أو التأقيت: لأن الخِطبة مقدمة إلى النكاح، وما دام النكاح ممنوعًا فتكون الخطبة كذلك، وقد تقدم ذكر المحرمات من النساء قريبًا.

على أنه يحلُّ خطبة الكافرة (المجوسية ونحوها) لينكحها إذا أسلمت (4).

[2]

المرأة المعتدَّة (في فترة العدَّة):

وهي وإن كانت داخلة في عموم المحرمات على التأقيت -كما تقدم- إلا أن لها أحكامًا وتفصيلات خاصة، ويختلف حكم خطبة المعتدة باختلاف حالتها.

* والمعتدة لا تخلو من حالات:

(أ) أن تكون معتدَّة من وفاة زوجها:

فهذه لا يجوز للرجل أن يصرِّح لها بالخطبة، كأن يقول: أريد أن أتزوجك أو: إذا انقضت عدَّتك تزوجتك، وعلى تحريم ذلك اتفاق الفقهاء (5). لكن يجوز له أن يعرِّض لها برغبته في ذلك دون تصريح:

قال الله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

واعلموا أن الله غفور حليم} (6). ولأن الخاطب إذا صرَّح بالخطبة تحققت رغبته فيها، فربما تكذب في انقضاء العدة.

قال شيخ الإسلام (32/ 8): "

ومن فعل ذلك (أي من التصريح بخطبة

(1) صحيح: أخرجه البخاري (5126)، ومسلم (1425).

(2)

سورة البقرة.

(3)

«جامع أحكام النساء» (3/ 211 - الحاشية) بتصرف.

(4)

«نهاية المحتاج» (6/ 198).

(5)

«ابن عابدين» (2/ 619)، و «مغني المحتاج» (3/ 135)، و (3/ 135)، و «كشاف القناع» (5/ 18).

(6)

سورة البقرة: 235.

ص: 109

المعتدَّة) يستحق العقوبة التي تردعه وتردع أمثاله عن ذلك، فيعاقَب الخاطب والمخطوبة جميعًا، ويزجر عن التزويج بها معاقبة له بنقيض قصده" اهـ.

والتعريض (1): قيل هو: أن يضمن الكلام ما يصلح للدلالة على المقصود وغيره، إلا أن إشعاره بالمقصود أتم.

وقيل: ما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها كقوله: ورُبَّ راغب فيك، ومن يجد مثلك؟

قلت: ما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها كقوله: ورُبَّ راغب فيك، ومن يجد مثلك؟

قلت: ومن صور التعريض ما فسَّر به ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} . فقال: "يقول: إني أريد التزويج، ولوددت أنه يُيَسَّر لي امرأة صالحة"(2).

(ب) أن تكون معتدة من طلاق رجعي (التطليقة الأولى أو الثانية):

وهذه لا يجوز التصريح لها بالخطبة، ولا يجوز كذلك التعريض لها في عدَّتها، لأنها -في عدتها من الطلاق الرجعي- في معنى الزوجة لعودها إلى النكاح بالرجعة، وقد سمَّى الله المعتدة الرجعية زوجة

فقال سبحانه: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} (3).

فالنكاح الأول قائم والتعريض حينئذ يعد تخبيًا لها على زوجها ولأنها مجفوَّة بالطلاق، فقد تكذب في انقضاء عدتها انتقامًا، وعلى هذا اتفاق الفقهاء (4).

(جـ) أن تكون معتدة من طلاق بائن:

ولا يجوز التصريح لها بالخطبة بالاتفاق، ثم اختلفوا في جواز التعريض لها بالخطبة؟ على قولين (5):

الأول: يجوز التعريض: وهو مذهب الجمهور: المالكية والشافعية -في الأظهر عندهم- والحنابلة، وحجتهم:

(1)«مواهب الجليل» (3/ 417)، و «نهاية المحتاج» (6/ 199)، و «أسنى المطالب» (3/ 115).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (5124)، والطبري (5099)، وابن أبي شيبة (4/ 257).

(3)

سورة البقرة: 232.

(4)

«جواهر الإكليل» (1/ 276)، و «نهاية المحتاج» (6/ 18)، و «الإقناع» (2/ 76).

(5)

«ابن عابدين» (2/ 619)، و «جواهر الإكليل» (1/ 276)، و «نهاية المحتاج» (6/ 199)، و «المغني» (6/ 608).

ص: 110

1 -

عموم قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} (1).

2 -

حديث فاطمة بنت قيس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طلَّقها زوجها ثلاثًا: "اعتدِّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني"

وفي لفظ "لا تسبقيني بنفسك"(2).

قال النووي: فيه جواز التعريض بخطبة البائن وهو الصحيح عندنا.

3 -

أن هذه المرأة لا تجوز رجعتها إلى مطلقها، كما لا يمكن للمعتدة من وفاة زوجها أن تعود إليه، فهما في معنى واحد بخلاف المعتدة من طلاق رجعي.

الثاني: لا يجوز التعريض: وهو مذهب الحنفية والقول المقابل للأظهر عند الشافعية، وحجتهم:

1 -

أن النص المبيح للتعريض بالخطبة (الآية الكريمة) إنما ورد في المعتدة من وفاة، فلا يجوز تعديته إلى غيرها من المعتدات.

2 -

لأنه قد يتأذَّى المطلق بالتعريض بخطبة زوجته، فيفضي إلى عداوته.

قلت: والراجح جواز التعريض لحديث فاطمة بنت قيس، والله أعلم.

* فائدتان:

1 -

إذا خطب المرأة في عدَّتها خطبة صريحة، ثم تزوَّجها بعد انقضاء عدَّتها كان آثمًا، والزواج صحيحًا، أما إذا تزوجها في عدتها فالزواج باطل كما تقدم، لأن الخطبة لا تقارن العقد فلم تؤثر فيه، ولأنها ليست شرطًا في صحة النكاح فلا يُفسخ بوقوعها غير صحيحة، وإلى هذا ذهب الجمهور (3).

2 -

إذا تزوَّج رجل امرأة في عدَّتها: فإنه يُفَرَّق بينهما، وتكمل عدَّتها من الزوج الأول، ثم تعتدُّ من الثاني إن كان دخل بها، وصداقها لها إن كانت تجهل الحكم، فإن كانت عالمة بأنه لا يجوز الزواج، فلإمام المسلمين الحق في أن يعطيها الصداق أو يودعه بيت المال من باب التعزير (4):

فعن ابن المسيب وسليمان بن يسار: أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلَّقها

(1) سورة البقرة: 235.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (1480).

(3)

«الأم» (5/ 32)، و «كشاف القناع» (5/ 18)، و «نيل الأوطار» (6/ 131) ط. الحديث.

(4)

من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: 385) نقلًا عن «جامع أحكام النساء» (3/ 229).

ص: 111

البتة فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضرب زوجها بالمخففة ضربات، وفرَّق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"أيما امرأة نكحت في عدتها: فإن كان زوجها الذي تزوَّج بها لم يدخل بها فرِّق بينهما، ثم اعتدَّت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان [أي الزوج الجديد] خاطبًا من الخطاب، فإن كان دخل بها فرِّق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا ينكحها أبدًا" قال سعيد: ولها مهرها بما استحل منها (1).

قلت: ثم هل يجوز للزوج الثاني أن يتقدم مرة أخرى -بعد انقضاء العدتين- فيخطبها ويتزوجها؟ أم لا يجوز أبدًا؟

تقدم أن عمر رضي الله عنه يمنعه أبدًا وبه قال مالك والليث والأوزاعي، وأجازه عليُّ بن أبي طالب: فعن عطاء "أن عليًّا رضي الله عنه أُتي في ذلك، ففرَّق بينهما، وأمرها أن تعتدَّ ما بقي من عدَّتها الأولى، ثم تعتدُّ من هذا عدةٌ مستقلة، فإذا انقضت عدَّتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت، وإن شاءت فلا"(2) وبه قال الجمهور.

والأظهر قول عليٍّ رضي الله عنه (3) لأنه الأصل ولعدم الدليل على حكم عمر رضي الله عنه ولعله إنما قضى بذلك تعزيرًا.

لكن إذا كان تزوجها في العدة عالمًا بالحرمة، فيكون لمنعه من نكاحها وجه زجرًا له ومعاملة بنقيض قصده، والله أعلم.

(د) أن تكون معتدة من نكاح فاسد أو فسخ (4):

كالمعتدة من لعان أو ردَّة، أو المستبرأة من الزنى، أو التفريق لعيب أو عنَّة وشبه ذلك، فذهب الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية إلى جواز التعريض لها بالخطبة لعموم الآية الكريمة وقياسًا على المطلقة ثلاثًا، ولأن سلطة الزوج قد انقطعت.

(1) إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (7/ 441)، وعبد الرزاق (10539).

(2)

ضعيف وله شواهد: أخرجه الشافعي في «الأم» (5/ 233)، والبيهقي (7/ 441)، وعبد الرزاق (10532).

(3)

وإليه مال شيخنا - حفظه الله - في «جامع أحكام النساء» (3/ 230).

(4)

«المواهب» (3/ 417)، و «الدسوقي» (2/ 218)، و «مغني المحتاج» (3/ 136)، و «مطالب أولي النهى» (5/ 23).

ص: 112

هذا كله في غير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها، أما هو فيحل له التعريض والتصريح.

[3]

خِطبة المرأة المخطوبة لمسلم:

إذا خطب الرجل المسلم امرأة، فلا يحل لغيره أن يتقدم ليخطبها على خطبة أخيه:

1 -

فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " .. ولا يخطب الرجل على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك"(1).

2 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب"(2).

3 -

وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلُّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر"(3).

وهذا النهي للتحريم عند جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، لأنه نهى عن الإضرار بالآدمي المعصوم، فكان على التحريم ولما يفضي إليه هذا الفعل من العداوة والبغضاء، والإيذاء والتعدي على المسلم، ولإفضائه إلى التزكية النفس وذم الغير واغتيابه.

* ما حدُّ الخطبة التي يَحرُم الخطبة عليها (4)؟

أجمع العلماء على تحريم الخطبة على خطبة المسلم إذا كان قد صُرِّح للخاطب بالموافقة على خطبته، ولم يأذن هو لغيره ولم يترك، وعلم الخاطب الثاني بخطبة الأول وإجابته.

ولم يشترط الحنابلة التصريح بالإجابة والموافقة على الخطبة بل قالوا: يكفي التعريض بالموافقة في تحريم الخطبة على خطبة الآخر، وهو أحد قولي الشافعي، ولعلَّهم استأنسوا بحديث:"وإذْنُها صمتها"(5) فيكون السكوت دليلًا على موافقتها!!

(1) صحيح: أخرجه البخاري (5143)، ومسلم (1413).

(2)

صحيح: أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412).

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (1414).

(4)

«جواهر الإكليل» (1/ 275)، و «نهاية المحتاج» (6/ 199)، و «الأم» (5/ 39)، و «فتح الباري» (9/ 199 - المعرفة)، و «شرح مسلم» (3/ 569)، و «المغني» (6/ 607)، و «المحلي» (10/ 33)، و «السيل الجرار» (2/ 246)، و «شرح المعاني» للطحاوي (3/ 6).

(5)

صحيح.

ص: 113

وذهب الشافعية -في الأصح عندهم- والحنفية والمالكية إلى أن إجابة الخاطب تعريضًا لا تحرِّم الخطبة على خطبته، واحتجوا بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم ومعاوية خطباها، فأمرها أن تنكح أسامة -وقد تقدم الحديث مرارًا- قالوا: فلم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض بل خطبها لأسامة.

واشترط المالكية لتحريم الخطبة على الخطبة ركون المرأة المخطوبة أو وليِّها، ووقوع الرضا بخطبة الخاطب الأول غير الفاسق.

قلت: والذي يظهر لي أن مجرَّد تقدم المسلم لخطبة امرأة يجعل خطبة غيره لها حرامًا إذا علم بذلك، ولا يجوز له التقدم حينئذٍ إلا إذا علم عدم رضاهم بالخاطب الأول أو أذن الخاطب الأول أو عدل عن الخطبة، وهذا مذهب أبي محمد بن حزم واختيار الشوكاني -رحمهما الله- ويؤيده حديث ابن عمر في قصة عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على عثمان وأبي بكر وفيه قول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما:"إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لَقَبلتُها"(1).

فإن أبا بكر امتنع من خطبتها بمجرد علمه برغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقدم لها حتى ينظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره، فكيف بمن تقدم فعلًا، وكيف بمن أبرم الخطبة وحصل الركون إليه والموافقة عليه؟!!

وأما حديث فاطمة بنت قيس فلا يناقض الأحاديث الصحيحة الناهية عن الخطبة على الخطبة، لأنه صلى الله عليه وسلم أشار عليها بعد استشارته والأمر لا يزال إليها، فإن قيل: ألم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه تقدَّم لفاطمة أكثر من خاطب، فكيف أقرها على ذلك بعد نهيه عن خطبة الرجل على خطبة أخيه؟

فالجواب (2): أنه يُحتمل أن يكون الثاني تقدم لخطبتها من غير علمه بخطبة الأول، ويحتمل أن تكون الخطبتان في وقت واحد أو متقارب، وقد يكون الخاطب رُدَّ من قِبَلها، أو من وليِّها، ولكنها أرادت استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في كل من تقدم.

(1) صحيح: أخرجه البخاري (5145) وقد تقدم.

(2)

«أحكام الزواج» للدكتور عمر الأشقر - حفظه الله - (ص: 45) وقد أشار إلى شيء من هذا النووي في «شرح مسلم» (3/ 569).

ص: 114

ويتأيد هذا المذهب كذلك بأن الحكمة من النهي عن الخطبة حصول الكراهية والبغضاء، والثُّلمة في الأخوة، وهذا حاصل بالتقدم للخطبة على خطبة الغير سواء علم الخاطب الثاني بموافقة المخطوبة أو وليها أو لم يعلم، فإذا أذن الأول أو ترك أو رُدَّ من قبل المرأة أو وليِّها، فلا إشكال، ولا حرج حينئذٍ في تقدم الثاني لها، والله أعلم.

إذا خطب على خطبة غيره ثم عقد عليها، فهل يصح؟

تقدم أن خطبة الرجل على خطبة أخيه حرام، فإن عقد عليها الثاني ففي صحة هذا العقد قولان لأهل العلم (1):

الأول: أن هذا العقد فاسد أو باطل، ويُفَرَّق بينهما: وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وداود، وهو اختيار شيخ الإسلام، قال: وهو الأشبه بما في الكتاب والسنة، والقاعدة عنده: أن كل ما نهى الله عنه وحرَّمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى، فإن الحرام لا يكون صحيحًا نافذًا كالحلال يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل به.

والنهي يدل على أن المنهي عنه فساده راجح على صلاحه، ولا يُشرع التزام الفساد ممن يُشرع له دفعه.

الثاني: يأثم العاقد، وهو عاص، لكن العقد صحيح: وهو مذهب الجمهور: أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عن كل من مالك وأحمد، قالوا: لا ملازمة بين تحريم الخطبة على الخطبة وبين صحة عقد الثاني لأن محل التحريم -وهو الخطبة- متقدم على العقد وخارج عنه، وليست الخطبة جزءًا من العقد، فإن العقد يصح بدونها، كما أن إثم الخاطب على خطبة غيره باق ولو لم يعقد.

قلت: وبقول الجمهور أقول، والله أعلم.

* الخِطبة على خِطبة الكافر:

صورة هذه المسألة: أن يخطب ذمِّيٌّ كتابيةً ويُجاب، ثم يخطبها مسلم، أو أن يكون الخاطب تاركًا للصلاة [عند من يرى كفر تاركها] ونحو ذلك، فللعلماء في حكم الخطبة عليه قولان:

(1)«جواهر الإكليل» (1/ 276)، و «بداية المجتهد» (2)، و «نيل الأوطار» (6/ 129)، و «كشاف القناع» (5/ 18)، و «مجموع الفتاوى» (32/ 10).

ص: 115

الأول: يجوز الخطبة على خطبته، وهو مذهب أحمد والأوزاعي وابن المنذر والخطابي:

1 -

لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر"(1).

وقد قطع الله الأخوة بين الكافر والمسلم، فيختص النهي بالمسلم.

2 -

أن الأصل الإباحة حتى يرد المنع، وقد ورد المنع -أي من الخطبة على الخطبة- مقيدًا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة.

3 -

أن لفظ النهي خاصٌّ في المسلم، وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله، وليس الذمي كالمسلم، ولا حرمته كحرمته، ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها.

الثاني: أنه يَحْرُم الخطبة على خطبة الكافر، وهو مذهب الجمهور، قالوا: لما في ذلك من الإيذاء للخاطب الأول!! وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه" فقد خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له!!

قلت: والأوَّل أرجح، وأما قولهم:(خرج مخرج الغالب)، فقال ابن قدامة:"متى كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يُعتبر في الحكم، لم يَجُزْ حذفُه ولا تعدية الحكم بدونه، وللأخوة الإسلامية تأثير في وجوب الاحترام، وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه، وحفظ قلبه، واستبقاء مودَّته، فلا يجوز خلاف ذلك والله أعلم" اهـ.

* الاستشارة في الخطبة، وذكر عيوب الخاطب (2):

إذا استُشير إنسان في خاطب أو مخطوبة فعليه أن يصدق ولو بذكر مساوئه، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة إذا قصد بذلك النصيحة والتحذير لا الإيذاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت

قيس لما استشارته: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له"(3) وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"(4).

(1)«شرح الزرقاني» (3/ 164)، و «أسنى المطالب» (3/ 115)، و «المغني» (6/ 608)، و «فتح الباري» (9/ 200)، و «شرح مسلم» (3/ 570)، و «جامع أحكام النساء» (3/ 241).

(2)

«جواهر الإكليل» (1/ 276)، و «نهاية المحتاج» (6/ 200)، و «روضة الطالبين» (7/ 32)، و «كشاف القناع» (5/ 11).

(3)

صحيح: تقدم مرارًا.

(4)

صحيح.

ص: 116