الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: قولنا: تبقى عليه على العقد الأول وإن تأخر إسلامه ما لم تتزوَّج غيره، لا يعني أنها زوجته ما لم تتزوَّج (!!) لأنها محرَّمة عليه بنص القرآن، فلا يجوز لها أن تمكث في بيته إذا هي أجنبية عنه، خلافًا لما يفتى به - في هذه الأيام - بعض (الدكاترة المتفتحين!!) سبحان الله، نحلُّ لها الحرام حتى نرغِّبها في الإسلام؟!! نعوذ بالله من الخذلان.
أقول: غاية ما في الأمر أن زوجها إذا أسلم بعدها فوجدها خليَّة لم تتزوَّج فهو أحق بها ولا يحتاج إلى تجديد عقد، والله أعلم.
(ب) وإذا أسلم الرجل وزوجته كافرة:
1 -
فإن كانت كتابية، فهما على نكاحهما، لأنه يصح الزواج بينهما ابتداءً من الأصل، فيكون بقاء الزواج بينهما أولى.
2 -
وإن كانت كافرة - غير كتابية- فُرِّق بينهما لقوله تعالى: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} (1).
فإن أسلمت بعده فهي امرأته على نكاحها الأول، كما تقدم.
(جـ) إذا ارتدَّ أحد الزوجين المسلمين:
فإن الفُرقة تقع بينهما، على تفصيل الخلاف المتقدم في إسلام أحدهما، فإن عاد المرتد إلى الإسلام كان حكمه حكم إسلام من كان باقيًا على الكفر، وقد تقدم.
الحضانة
تعريف الحضانة (2):
الحضانة: مصدر من: حضن الصبي حضنًا وحضانة، أي: جعله في حضنه أو ربَّاه فاحتضنه، والحضن هو ما دون الإبط إلى الكشح والصدر أو العضدان وما بينهما وجانب الشيء أو ناحيته.
والحضانة اصطلاحًا: حفظ من لا يستقلُّ بأمره وتربيته ورقابته عما يهلكه أو يضرُّه ولا يرد تطبيق أحكام الحضانة - غالبًا - إلا في حال الفرقة بين الزوجين
(1) سورة الممتحنة: 10.
(2)
«أحكام الطفل» (ص: 212) لشيخنا أحمد العيسوي - نضَّر الله وجهه - وانظر «القاموس المحيط» ، و «البدائع» (4/ 40)، و «مغنى المحتاج» (3/ 452)، و «كشاف القناع» (5/ 576).
ووجود أولاد دون السن التي يستغنى فيها الصغير عن النساء، وذلك أن الولد يحتاج إلى نوع من الرعاية والحماية والتربية والقيام بما يصلحه، وهذا ما يعرف بالولاية.
حُكمها (1):
الحضانة واجبة، لأن المحضون يهلك بتركها، فوجب حفظه من الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك.
والحضانة - عند المحققين - تتعلق بها ثلاث حقوق معًا: حق الحاضنة، وحق المحضون، وحق الأب أو من يقوم مقامه، فإن أمكن التوفيق بين هذه الحقوق وجب المصير إليه، وإن تعارضت قُدِّم حق المحضون على غيره، ويتفرَّع على هذا الأحكام التالية:
1 -
تجبر الحاضنة على الحضانة إذا تعيَّنت عليها، بأن لم يوجد غيرها.
2 -
لا تجبر الحاضنة على الحضانة إذا لم تتعيَّن عليها، لأن الحضانة حقها، ولا ضرر على الصغير لوجود غيرها من المحارم.
3 -
لا يصح للأب أن يأخذ الطفل من صاحبة الحق في الحضانة، ويعطيه لغيرها إلا لمسوِّغ شرعي.
4 -
إذا كانت المرضعة غير الحاضنة للولد، فعليها إرضاعه عندها حتى لا يفوت حقها في الحضانة.
ترتيب المستحقين للحضانة (2):
لما كان نساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها وأشد ملازمة للطفل قُدِّمن على الرجال في حضانة الطفل، وهذا في سنٍّ معينة، وبعدها يكون الرجال أقدر على التربية من النساء.
الأم أحقٌ الحاضنات:
وإذا كان النساء مقدمات على الرجال في الحضانة، فإن أم الطفل أحقُّ
(1)«المراجع السابقة» مع «المغنى» (7/ 612)، و «الفقه الإسلامي وأدلته» (7/ 718).
(2)
«البدائع» (4/ 41 - 44)، و «فتح القدير» (10/ 313)، و «القوانين الفقهية» (224)، و «المراجع السابقة» ، و «زاد المعاد» (5/ 437 - وما بعدها)، و «مجموع الفتاوى» (34/ 123).
بحضانته- بعد الفرقة بطلاق أو وفاة أو زواج من غيرها - بالإجماع لوفور شفقتها، إلا إذا وُجد مانع يمنع استحقاقها للحضانة كما سيأتي قريبًا، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنتِ أحقُّ به ما لم تنكحي» (1).
ترتيب الحضانات بعد الأم:
تقدم أن أم الطفل هي الأحق بحضانته من غيرها بالاتفاق، لكن إذا وُجد مانع - مما سيأتي- من تقديمها، فقد تضاربت أقوال الفقهاء واختلفت في ترتيب المستحقات لحضانة الطفل:
1 -
فعند الحنفية: تقدَّم الأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأخوات، ثم الخالات، ثم بنات الأخت، ثم بنات الأخ، ثم العمات، ثم العصبات بترتيب الإرث.
2 -
وعند المالكية: الأم، ثم الجدة لأم، ثم الخالة، ثم الجدة لأب، وإن علت، ثم الأخت، ثم العمة، ثم ابنة الأخ، ثم للوصي، ثم للأفضل من العصبة.
3 -
وعند الشافعية: الأم، ثم أمُّ الأم، ثم أمُّ الأب، ثم الأخوات، ثم الخالات، ثم بنات الأخ وبنات الأخت، ثم العمَّات، ثم لكل ذي محرم وارث من العصبات على ترتيب الإرث، فهم قد وافقوا الحنفية.
4 -
وعند الحنابلة: الأم، ثم أمُّ الأم، ثم أمُّ الأب، ثم الجد ثم أمهاته، ثم الأخت لأبوين، ثم الأخت لأم، ثم لأب، ثم خالة لأبوين، ثم لأمِّ ثم لأبٍ، ثم عمه، ثم خالة أم، ثم خالة أب، ثم عمته، ثم بنت أخ، ثم بنت عم أب، ثم باقي العصبة الأقرب فالأقرب.
قلت: سبب وجود هذا الاختلاف، عدم وجود النص القاطع في المسألة، لكننا نلحظ تقديم أكثرهم أقارب الأم على أقارب الأب عند التساوي في القرب، ولعلهم استندوا في هذا إلى تقديم الأم على الأب فأخذوا منه تقديم جنس نساء الأم على نساء الأب، وربَّما ساعدهم على وضع هذا الضابط ما يلي:
(1) حسن: أحرجه أبو داود (2276)، وأحمد (2/ 182)، والبيهقي (8/ 4).
1 -
حديث البراء في اختصام على بن أبي طالب وزيد وجعفر في حضانة ابنة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: «قال عليٌّ: أنا أخذتُها وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم» (1).
2 -
حديث القاسم بن محمد قال: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ففارقها، فجاء عمر قباء فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه، حتى أتيا أبا بكر الصديق، فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكر:«خلِّ بينها وبينه» .
قال: فما راجعه عمر الكلام (2).
وخالف في هذا شيخ الإسلام - وهو رواية أحمد (3) - فقال: «يقدَّم من النساء من كُنَّ من جهة الأب على اللائي من جهة الأم، وما سوى ذلك من تقديم نساء الأم على نساء الأب فهو مخالف للمنصوص والمعقول» قلت: يعني إذا تساووا في درجة القرابة، وإلا فيقدم الأقرب، ومأخذ هذا الضابط
وأجاب أصحاب هذه الاتجاه عن حديث ابنة حمزة بجوابين (4):
الأول: أن الشرع قدم خالة ابنة حمزة لأنها تحت ابن عمها جعفر ممل جعل عليًّا دونه وإن كان ابن عمِّها أيضًا، فكان وجه التقدم: وجود الخالة تحت من له حق الحضانة (!!).
الثاني: أن عمة ابنة حمزة (صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها) لم تطلب حضانتها، وقد طلبها جعفر نائبًا عن خالتها فقضى الشارع بها لها في غيبتها، ولو كانت طلبتها عمتها لكانت الأحق.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (4251)، والترمذي (1905 - مختصرًا)، وأبو داود (2278).
(2)
إسناده منقطع: أخرجه مالك، والبغوي (9/ 323).
(3)
«مجموع الفتاوى» (34/ 123)، و «الإنصاف» (9/ 419).
(4)
«الإنصاف» للمرداوي (9/ 419).
وأجابوا عن أثر عمر مع جدة ابنه، بأنه ليس فيه تقديم لجنس نساء الأم على جنس نساء الأب في الحضانة، فعمر لم تكن له أمٌّ حتى يقال: إن أم مطلَّقته قدِّمت عليها في الحضانة.
قلت: الذي يظهر لي أن الخالة تُقدَّم على غيرها، لأنها بمنزلة الأم بالنصِّ، ثم يكون الترتيب بعد ذلك باعتبار الأرفق بالصغير والأخبر بتغذيته وحمله والأصبر على ذلك، لأن هذا هو المناط في تقديم النساء على الرجال في الحضانة، بصرف النظر عن كون الحاضنة من أقارب الرجل أو المرأة، والله أعلم بالصواب.
فائدة: إذا لم يكن للمحضونة من أحد من النساء المذكورات انتقلت الحضانة إلى الرجال على ترتيب العصبات الوارثين المحارم.
شروط استحقاق الحضانة (1):
اشترط الفقهاء في الحضانة شروطًا لا بد من توفرها، وإلا سقط حقها في الحضانة، فإليك هذه الشروط مع التعليق عليها:
1، 2 - العقل والبلوغ: فلا حضانة لمعتوه أو مجنون أو صغير ولو كان مميزًا لأنهم في حاجة إلى من يتولى أمرهم ويحضنهم، فلا يتولوا أمر غيرهم.
3 -
اتفاق الحاضنة والمحضون في الدين: فلا حضانة لكافر على مسلم، لوجهين:
الأول: أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه فيصعب على الطفل بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل، وهو ما صرَّح به النبي صلى الله عليه وسلم -حيث قال:«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه» (2) فلا يؤمَن على دين الطفل مع كون الحاضن كافرًا.
الثاني: أن الحضانة ولاية وقد قال تعالى: {ولَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (3).ولذا جرى العمل على أنه إذا أسلم أحد الأبوين فالولد مع المسلم منهما، يشير إلى هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كُنت أنا وأمي من المستضعفين: أنا من الوالدان وأمي من النساء» (4) يعني: في الهجرة، قال
(1)«البدائع» (4/ 41)، و «الشرح الصغير» (2/ 758)، و «مغني المحتاج» (3/ 454)، و «كشاف القناع» (5/ 579)، و «المعاد» (5/ 549)، وما بعدها و «أحكام الطفل» (ص 213).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (6599)، ومسلم (2688).
(3)
سورة النساء: 141.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (1357).
البخاري: «ولم يكن أبيه على دين قومه» وهذا من فقهه رحمه الله ومبناه على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر كما رجحه الحافظ في الفتح (3/ 261).
وعن رافع بن سنان: أن أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت: ابنتي وهي فطيم - أو شبهه - وقال رافعُ: ابنتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«اقعد ناحية» وقال لها «اقعدي ناحية» قال: وأقعد الصبيَّة بينهما، ثم قال:«ادعواها» فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم اهدها» فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها» (1).
قال ابن القيم (2): وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلاف هُدى الله الذي أراده من عباده» اهـ.
4 -
القدرة على التربية: فلا حضانة لكفيفة أو مريضة أو مقعدة أو نحو ذلك مما يلحق الضرر بالطفل ويؤدي إلى إهماله وضياعه.
5 -
أن لا تكون الأم متزوجة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم -في الحديث المتقدم: «أنت أحق به ما لم تنكحي» (3) ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الأم إذا نكحت سقط حقها في الحضانة، لكن خالف في هذا الحسن البصري (!!) وابن حزم، فهو قول الجماهير على كلِّ حال ويؤيده نص الحديث.
وهل يشترط في الحاضنة - غير الأم - أن لا تكون متزوجة بأجنبي؟ اشترط ذلك أكثر أهل العلم للحديث السابق، ولأنه يعامل الطفل بقسوة وكراهية، ولأنها مشغولة عنه بحق الزوج.
بخلاف ما إذا كانت متزوجة بقريب محرم للمحضون.
قلت: يرد على هذا حديث ابنة حمزة، فقد قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم -لخالتها وهي زوجة جعفر ابن عمها وليس من محارمها، والظاهر أن اشتراط عدم الزواج بأجنبي مختص بالأم، لما عُرف من المرأة المطلقة يشتد بغضبها لمطلِّقها ومن يتعلق به، فقد يبلغ بها الشأن إلى إهمال ولدها منه قصدًا لإغاظته، وتبالغ في التحبب عند الزوج الثاني بتوفير حقِّه، وبهذا يجتمع شمل الأحاديث كما أفاده الصنعاني رحمه الله (4).
(1) حسن: أخرجه أبو داود (2244)، والنسائي (3495).
(2)
«زاد المعاد» (5/ 460).
(3)
حسن: تقدم قريبًا.
(4)
«سبل السلام» (ص: 1180).
6 -
العدالة (عدم الفسق): ولا وجه لاعتبار العدالة وعدم الفسق شرطًا في الحاضنة، ولو كان شرطًا لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور ولنقل العمل به، فإنه لم يزل منذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم -إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم بربُّونهم لا يتعرض لهم أحد مع كثرتهم ولم يُعلم أنه انتزع طفل من أبويه أو أحدهما لفسقه، ثم إن العادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق يحتاط لابنته ولا يضيِّعُها ويحرص على الخير لها بجهده (1). فهذا الشرط باطل.
7 -
الحريَّة: وقد اشترطها الجمهور في الحاضن، قالوا: لأن المملوك لا ولاية له على نفسه فلا يتولى غيره، والحضانة ولاية.
وقال مالك في حر له ولد من أمته: (إن الأم أحق ما لم تُبع فتنتقل فيكون الأب أحق به) واستدل بعموم حديث: «لا تُولَّهُ والدة عن ولدها» (2) وحديث: «من فرّق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» (3).
قلت: وهو الصحيح لأنها أمُّه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأم: «أنت أحق به ما لم تنكحي» .
ولذا قال ابن القيم رحمه الله: وأما اشتراط الحرية فلا ينتهض عليه دليل يركن القلب إليه. اهـ.
هل تجب للحاضن أجرة على الحضانة؟
لا تستحق الحاضنة أجرة على الحضانة إذا كانت زوجة أو معتدة لأبي المحضون في أثناء العدة، كما لا تستحق أجرًا على الإرضاع، لو جوبهما عليها ديانة، ولأنها تستحق النفقة أثناء الزوجية والعدة، وهذه النفقة كافية للحضانة، قال تعالى {والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4).
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق أجرة الحضانة لأنها أجرة على عمل كالرضاعة، قال تعالى: {فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
(1)«زاد المعاد» (5/ 461)، «سبل السلام10» (ص: 1178).
(2)
ضعيف: أخرجه البيهقي (8/ 5).
(3)
حسن: أخرجه الترمذي (1283)، وأحمد (5/ 412)، والدرامي (2/ 227)، والحاكم (2/ 55) وصححه.
(4)
سورة البقرة: 233.
وأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وإن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (1). وكذلك تستحق الحاضنة غير الزوجة أجرة الحضانة مقابل قيامها بعمل من الأعمال، هذا بخلاف أجرة الرضاع، ونفقة الطفل (2).
انتهاء مدة الحضانة وما يترتَّب عليه:
إذا استغنى الطفل عن الخدمة وبلغ سن التمييز، وقدر على القيام وحده بحاجاته الأولية كالأكل والشرب واللبس ونحو ذلك - فإنه تنتهي مدة حضانته، وليس لهذا الاستغناء سنُّ معينة، فلذا فانه يترك للقاضي تحديد هذا السنِّ بحسب تقديره لحال الطفل ومصلحته (3).
فإذا حُكم بانتهاء مدة الحضانة، فماذا يُفعل بالطفل؟ إذا اتفق الأبوان إقامته عند أحدهما أمضى هذا الاتفاق، أما لو تنازعا (4):
[1]
بالنسبة للغلام: للعلماء في الغلام بعد انتهاء الحضانة ثلاثة مذاهب:
الأول: الأب أحق به: وهو مذهب أبي حنيفة، لأن الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلُّق بأخلاق الرجال واكتساب العلوم، والأب على ذلك أقدر وأقوم، قال: ولا يخيَّر، ولا يعرف حظه، وربما اختار من يلهو عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته فيؤدي إلى فساده.
الثاني: الأم أحق به حتى يبلغ: وهو مذهب مالك.
الثالث: أنه يُخيَّر بينهما: وهو مذهب الشافعي وأحمد، لحديث أبي هريرة: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي
عنبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«استهما عليه» فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت» فاخذ بيد أمه فانطلقت به (5).
(1) سورة الطلاق: 6
(2)
«حاشية ابن عابدين» (2/ 876).
(3)
نص القانون المصري على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ الصغير سبع سنين، وبلوغ الصغيرة تسع سنين.
(4)
«البدائع» (2/ 42)، و «القوانين» (ص 224)، و «مغنى المحتاج» (3/ 456)، و «المغنى» (7/ 614).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (2277)، والنسائي (3496)، والترمذي (1357)، وابن ماجه (2351).
وظاهرة تقديم القرعة على التخيير، لكن قدِّم التخيير عليها لعمل الخلفاء الراشدين به، فقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه أنه:«اختُصم إليه في صبي، فقال: هو مع أمه حتى يُعرب عنه لسانه فيختار» (1).
ورُوي عن عمارة بن رؤيبة: «أن عليِّا رضي الله عنه خيَّره بين أُمِّه وعمِّه فاختار أمِّهُ، فقال له: أنت مع أمك، وأخوك هذا إذا بلغ ما بلغت خُيِّر كما خيِّرت، قال: وأنا غلام» (2) وفي سنده ضعف.
وهذا هو الراجح للحديث وأثر عمر، على أنه قد ذكر ابن القيم رحمه الله أن التخيير والقرعة لا يكونان إلا إذا حصلت به مصلحة الولد، فلو كانت الأم أصون من الأب وأغير منه قدِّمت عليه ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك فلا التفات إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له، ولا تحتمل الشريعة غير هذا، ومتى أخلَّ أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطّله والآخر مُراعٍ له فهو حق وأولى به (3).
[2]
بالنسبة للصغيرة: فللعلماء فيها أقوال: فقال المالكية: تبقى عند أمِّها حتى تتزَّوج ويدخل بها زوجها، وقال الحنفية وهو قول لأحمد: أنها إذا بلغت المحيض تضم إلى أبيها، وقال الحنابلة - في المذهب -: إذا بلغت سبعًا ضُمَّت إلى أبيها.
فاتفق الأئمة الثلاثة على أنها لا تخيَّر، وقال الشافعي: تخيَّر كالغلام، وتكون عند من تختار منهما.
واختار شيخ الإسلام أنها لا تخيَّر، بل تجعل عند أحد الأبوين إذا كان يلتزم طاعة الله تعالى في تربيتها، فإن لم تحصل طاعة الله ورسوله بمقامها عند أحدهما، مع حصول ذلك عند الآخر، قدم الآخر قطعًا (4).
(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرازق (126.6)، وسعيد بن منصور (2263).
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه عبد الرازق (126.9)، وسعيد بن منصور (2265)، والبيهقي (8/ 4).
(3)
«زاد المعاد» (5/ 474)، و «سبل السلام» (ص 1177).
(4)
«مجموع الفتاوى» (34/ 130 - 132).