الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة لا يصح منها شيء، فالذي يترجح لديَّ أن الاستثناء يبطل الطلاق، ولا يقع الطلاق إذا استثنى فإن الطلاق - ذاته - قد صحَّ اعتباره يمينًا منعقدة، والأصل أن كل ما صلح أن يكون يمينًا - كالطلاق على ما تقدم - دخله الاستثناء وأثر فيه، وقد كان ينبغي أن يكون هذا قول شيخ الإسلام - في نظري - لولا هذه الآثار عن الصحابة، وقد رأيتَ أنها لا تثبت، على أنه رحمه الله قد نص في الفتاوى (33/ 239) على أن الرجل لو اعتقد أن استثناءه في الطلاق لا يوقعه، وكان مقصوده تخويفها بهذا الكلام - لا إيقاع الطلاق - لم يقع الطلاق. اهـ. والله أعلم.
التخييرُ في الطلاق
1 -
تعريفه ومشروعيته:
التخيير في الطلاق: هو أن يخيِّر الرجل زوجته بين أن تبقى معه وبين فعل شيء معين، كأن يقول لها:(أنت مُخَيَّرة، إما أن تتركي العمل خارج البيت - مثلًا - أو تفارقيني) فلها أن تختار ما تشاء.
وتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه كما ستأتي الأحاديث بذلك، ومجرد التخيير لا يُعدُّ طلاقًا عند جماهير العلماء.
2 -
إذا اختارت زوجها أو ردَّتْ الخيار، لم يقع عليها طلاق (2):
وعلى هذا جماهير أهل العلم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري وابن المنذر وغيرهم، وهو مروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، ويدل على ذلك:
(أ) حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يَعدَّ ذلك علينا شيئًا» (3).
(1) سورة الأحزاب: 28، 29.
(2)
«ابن عابدين» (3/ 321)، و «جواهر الإكليل» (1/ 360)، و «المجموع» (15/ 409)، و «كشاف القناع» (5/ 257)، و «فتح الباري» (9/ 281).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري (5262)، ومسلم (1477).
(ب) وعن مسروق قال: سألت عائشة عن الخيرة، فقالت:«خيَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقًا؟» قال مسروق لا أبالي أخيَّرتُها واحدة أو مائة بعد أن تختارني (1).
(جـ) ولأن التخيير: ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقًا لاتحدا، فدلَّ على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة.
3 -
إذا اختارت نفسها، هل تقع طلقة واحدة رجعية أو بائنًا أو ثلاثًا؟
مفهوم حديثي عائشة رضي الله عنها أن الرجل لو خيَّر امرأته فاختارت نفسها أن يكون طلاقًا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق، ومن ثم اختلف أهل العلم فيما يقع - من الطلاق - باختيارها نفسها على ثلاثة أقوال (2).
الأول: تقع طلقة واحدة رجعية: وهو مذهب الشافعي وأحمد، وهو مروي عن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعبد الله بن عمرو وغيرهم.
الثاني: تقع طلقة بائنة: وهو مذهب أبي حنيفة وبه قال ابن شبرمة.
الثالث: تقع ثلاثًا في المدخول بها: وهو مذهب مالك.
(قلت): الأول أقربها، وإن كان الذي يظهر من الآية الكريمة: {
…
إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلًا} (3).
أن مجرد اختيارها نفسها لا يكون طلاقًا بل لابد من إنشاء الزوج الطلاق فإن قوله {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} . أي: بعد الاختيار، ودلالة هذا المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم من حديثي عائشة.
ثم إن تخيير الرجل لزوجته - من غير إرادة الطلاق حقيقة - قد فشا بين المسلمين في هذه الأيام، وما أكثر ما تتبجَّح به الزوجات من تفضيلهن للشيء التافه!! على بقائهن مع أزواجهن عند أهون خلاف، فإيقاع هذا طلاقًا دون إنشاء الزوج له ودون إرادته إياه، مع عدم الدليل في المسألة من قرآن أو سنة مرفوعة، ينافي مقاصد الشريعة وأصولها، والعلم عند الله.
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5263)، ومسلم (1477).
(2)
«ابن عابدين» (3/ 322)، و «جواهر الإكليل» (1/ 359)، و «المجموع» (15/ 410)، و «الجمل» (4/ 338)، و «كشاف القناع» (5/ 255)، و «المغني» (7/ 409)، و «الفتح» (9/ 281).
(3)
سورة الأحزاب: 28.