الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم -قال: «تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لا عنتْ عليه» (1).
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جعل ميراث ابن الملَاعَنَة لأُمِّه ولورثتها من بعدها» (2).
قالوا: ولا يعارض هذا ما جاء في حديث سهل المتقدم: «ثم جرت السنة أن يرث منها وترث منه ما فرض الله لها» حتى على فرض أنه من قول سهل بن سعد، لا الزهري، فإن تعصيب الأم لا يُسقط ما فرض الله لها من ولدها في كتابه، وغايتها أن تكون كالأب حيث يجتمع له الفرض والتعصيب، فهي تأخذ فرضها ولابُدَّ، فإن فَضلَ شيء أخذته بالتعصيب، وإلا فازت بفرضها» (3).
التفريق القضائي
الأصل أن الفُرقة بين الزوجين تقع باختيار الزوج وإرادته عن طريق الطلاق، لكن ثَمَّ حالات تُرفع إلى القاضي، ويكون له إيقاع التفريق بين الزوجين فيها، ومن هذه الحالات:
[1]
التفريق بسبب الإيلاء.
[2]
التفريق بسبب الظهار.
[3]
التفريق بسبب اللعان.
وقد تقدمت هذه الحالات وأحكامها قريبًا في هذا الكتاب.
[4]
التفريق للشقاق بين الزوجين: وقد تقدم الكلام عليه في آخر كتاب «الزواج» في «النشوز وعلاجه، فليراجعه من شاء.
[5]
التفريق بسبب العيوب المانعة من الاستمتاع:
تنقسم العيوب المانعة من الاستمتاع إلى قسمين:
(أ) عيوب جنسية تمنع الوطء.
(ب) عيوب لا تمنع الوطء، لكنها أمراض مُنفِّرة بحيث لا يمكن المقام معها إلا بضرر.
(1) حسن: أخرجه أبو داود (2906)، والترمذي (21116)، وابن ماجه (2742)، وأحمد (3/ 490).
(2)
حسن: أخرجه أبو داود (2908).
(3)
«زاد المعاد» (5/ 401).
وهذه العيوب منها ما يختص بالرجل، ومنها ما يختص بالمرأة، ومنها ما يشترك فيه الرجال والنساء.
وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة -خلافًا للظاهرية (1) - على الجواز التفريق بين الزوجين للعيوب، لكنهم اختلفوا في موضعين: هل يثبت حق التفريق بالعيب لكلا الزوجين؟ أم للزوجة فقط؟ فقال الجمهور الأول، وذهب الحنفية إلى الثاني، قالوا: لأن الزوج يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق بخلاف الزوجة، والأظهر قول الجمهور:«لأن كلا الزوجين يتضرر بهذه العيوب، وأما اللجوء إلى الطلاق فيؤدي إلى الإلزام بكل المهر بعد الدخول وبنصفه قبل الدخول، وفي التفريق بسبب العيب يُعفى الرجل من النصف قبل الدخول، وبعد الدخول لها المسمَّى بالاتفاق، لكن يرجع الزوج - عند المالكية والحنابلة والشافعية - بالمهر بعد الدخول على ولي الزوجة كالأب والأخ لتدليسه بكتمان العيب، ولا سكنى لها ولا نفقة» (2).
شروط التفريق بالعيوب (عند من يقول بها):
اشترط الفقهاء شرطين لثبوت الحق في طلب التفريق بالعيب، وهما (3):
1 -
ألا يكون طالب التفريق عالمًا بالعيب وقت العقد: فإن علم به قبل العقد، وعُقد الزواج لم يحقَّ له طلق التفريق، لأن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضا منه بالعيب.
2 -
ألا يرضى بالعيب بعد العقد: فإن كان طالب التفريق جاهلًا بالعيب، ثم علم به بعد إبرام العقد ورضي به، سقط حقُّه في طلب التفريق.
فائدتان (4):
1 -
اشترط الحنفية - كذلك - أن يكون طالب التفريق سالمًا من العيوب حتى يحق له طلبه، وخالفهم الجمهور فلم يشترطوا ذلك إلا في بعض الصور.
2 -
اتفق الجمهور على أن العيب القديم السابق على العقد، والمرافق له، والحادث بعده، سواء في إثبات الخيار، لأنه عقد على منفعة، وحدوث العيب بها يثبت الخيار كما في الإجارة.
(1) حجة الظاهرية: أنه لم يصحَّ في الفسخ للعيب دليل في القرآن أو السنة أو الأثر عن الصحابة أو القياس أو المعقول (!!).
(2)
«الفقه الإسلامي وأدلته» (7/ 516).
(3)
«السابق» (7/ 521).
(4)
«الموسوعة الفقهية» (29/ 70 - 71) باختصار.
العيوب التي تجيز التفريق (1):
[1]
العيوب الخاصة بالرجل، وهي:
(أ) الجَبُّ: وهو قطع ذَكَر الرجل وأنثييه، ومثله في الحكم عند الجمهور قطع الذكر وحده، ومثله - عند المالكية -: قطع الأنثيين دون الذكر.
والمرأة تُحرَم الاستمتاع إذا كان الرجل قد جُب ذكره بلا خلاف، ولذا أثبتوا لها حق الفسخ إذا لم تكن تعلم بعيبه قبل العقد.
(ب) العنَّة: وهي العجز عن الوطء مع سلامة العضو، وسمي بذلك - عند الجمهور - لأن الذكر يعن يمنة ويسرة ولا يطأ في الفرج، والعنة عند المالكية: هي صغر الذكر بحيث لا يتأتى به الجماع.
والعنة تمنع من حق المرأة في الاستمتاع، ولذا ثبت لها حق طلب التفريق بالقيد المذكور قبله.
وقد قال الفقهاء: يؤجل العنين للعلاج سنة، فإن استطاع الوطء خلال السنة لم يحق للمرأة طلب التفريق.
(جـ) الخصاء: وهو -عند الجمهور- قطع الأنثيين أو رضُّها أو سلُّهما دون الذكر، وعند المالكية: هو قطع الذكر دون الأنثيين.
وقد ذهب الحنفية والمالكية، وجمهور الحنابلة وبعض الشافعية إلى أن الخصاء يمنع المرأة من الاستمتاع، فأثبتوا لها حق طلب التفريق، واحتجوا لما جاء عن سليمان بن يسار: أن ابن سند تزوَّج امرأة وهو خصي، فقال له عمر:«أأعلمتها؟» قال: لا، قال:«أعلمها ثم خيِّر» (2).
[2]
العيوب الخاصة بالمرأة، وهي:
(أ) الرَّتق: هو انسداد محل النكاح، بحيث لا يمكن معه الوطء، وربما كان ذلك لضيق في عظم الحوض، أو لكثرة اللحم فيه.
(ب) القَرَن: هو شيء ناتئ في الفرج يسدُّه ويمنع الوطء، وربما كان ذلك من لحم أو عظم.
(1)«البدائع» (3/ 327)، و «الدسوقي» (2/ 278)، ومغنى المحتاج» (3/ 202)، و «المغنى» (7/ 125)، و «كشاف القناع» (5/ 115).
(2)
صححه الألباني: انظر «إرواء الغليل» (6/ 322).
(جـ) العَفَل: رغوة في الفرج تحدث عند الجماع، أو هو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة فيضيق به فرجها فلا ينفذ به الذكر، وقيل: هو القرن.
(ر) الإفضاء: هو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك البول، أو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك الغائط.
وهذه العيوب: ذهب الجمهور إلى أنها تمنح الرجل حق طلب التفريق بسببها على خلاف عند بعضهم في اعتبار بعضها - قالوا: لأن هذه العيوب في المرأة تضيع حق الرجل في الاستمتاع، وهذا منقول عن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ولا يعلم لهم منهم مخالف.
هل يثبت حق التفريق بالاستحاضة؟
لم يذكر الفقهاء الاستحاضة في العيوب التي تجيز التفريق، إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله اعتبره عيبًا يجيز التفريق به، لأنه لا يمكن الوطء معه إلا بضرر يخافه أو أذى يحصل له والقاعدة عنده أن ما يمنع كمال الوطء، يجوز التفريق لأجله.
[3]
العيوب التي يشترك فيها الرجال والنساء:
(أ) الجُنون.
(ب) الجُذام: علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها، وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها مع التقرُّح.
(جـ) البَرَص: بياض يظهر في ظاهر البدن فيفسد مزاج الأعضاء، وتزداد اتساعًا مع الأيام، وربما نبت عليها شعر أبيض أيضًا، وربما كانت بقعًا سوداء.
وقد ذهب الجمهور إلى اعتبار هذه الأمور من العيوب التي تجيز للزوجين طلب الفرقة، وقد نقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة على إثبات خيار الفسخ بها (2).
قلت: ويتأيد هذا المذهب بقول عمر رضي الله عنه: «أيُّما امرأة غُرَّ بها رجل، به جنون أو جُذام أو برص، فلها المهر بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غرَّه» (3).
(1)«مجموع الفتاوى» (32/ 172).
(2)
«المجموع» (16/ 167) ط. الفكر، و «المغني» (6/ 651) ط. الرياضي الحديثة.
(3)
رجاله ثقات: أخرجه مالك (2/ 526)، وعبد الرازق (10679)، والبيهقي (7/ 214) وهو صحيح إن صحَّ سماع ابن المسيب من عمر.
وبنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فرَّ من المجذوف فرارك من الأسد» (1). ففيه إثبات الضرر بالجذام ونحوه، وهذا مما يمنع حصول حق الاستمتاع والله أعلم.
فائدة:
هذه العيوب ليست للحصر، وإنما هي للتمثيل، فيلحق بها كل ما كان في معناها أو زاد عليها، ويدخل في هذا ما يسمى بمرض «الإيدز» ونحوه، نسأل الله العافية من البلاء.
وقد اختار شيخ الإسلام أن تُرَّد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع، وقال ابن القيم:«والقياس: أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغرورًا قطُّ، ولا مغبونًا بما غُرَّ به وغُبن به، ومن تدبَّر مقاصد الشرع ومصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح- لم يخفَ عليه رجحان هذا القول، وقربه من قواعد الشريعة» (2) اهـ.
نوع الفرقة الحاصلة بالعيوب:
ذهب الحنفية والمالكية أن الفرقة للعيب طلاقٌ بائن، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها فسخ وليست طلاقًا (3)، وهو الأقرب.
[6]
التفريق لعدم الإنفاق:
اتفق أهل العلم على وجوب النفقة للزوجة على زوجها بالعقد الصحيح ما لم تمتنع من التمكين، فإذا لم يقم الزوج بها - لغير مانع من الزوجة - فهل لها أن تطلب الفُرقة لذلك؟
الجواب: أن هذا الزوج لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون له مال ظاهر يمكن للزوجة أخذ نفقتها منه، بعلم الزوج أو الوصول بغير علمه (4)، بنفسها أو أمر القاضي، فحينئذٍ ليس لها طلب التفريق، لوصولها إلى حقها بغير الفرقة فلا تمكَّن منها.
(1) صحيح: أخرجه البخاري.
(2)
«زاد المعاد» (5/ 183).
(3)
«الموسوعة الفقهية» (29/ 76).
(4)
تقدم في «حقوق الزوجين» (أن للمرأة أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ولو بدون علم زوجها، والحديث فيه.
الثانية: أن لا يكون للزوج الممتنع عن النفقة مال ظاهر، سواء أكان ذلك لإعساره، أم للجهل بحاله، أم لأنه غيَّب ماله، ففي جواز رفع الزوجة إلى القاضي وطلبها التفريق لذلك خلاف بين أهل العلم، يمكن تلخيصه في ثلاثة مذاهب (1):
الأول: يجوز التفريق لعدم الإنفاق: وهو مذهب الجمهور: المالكية والشافعية والحنابلة وهو مروي عن عمر وعليٍّ وأبي هريرة، وبه قال ابن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور، ومن أدلتهم:
1 -
قوله تعالى: {ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا} (2).وإمساك المرأة بدون النفقة عليها إضرار بها.
2 -
قوله تعالى: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ} (3). وإمساك الزوجة مع ترك الإنفاق عليها ليس إمساكًا بمعروف، فيتعين التسريح.
3 -
حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة ما ترك غنيَّ، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول» تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تُطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني؟ قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة (4).
وأجاب المخالفون: بأن قوله: (تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تُطلقني) ليس مرفوعًا بل هو قول أبي هريرة كما هو مصرَّح به هنا، وهو الراجح من طرق الحديث.
4 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» .
5 -
عن أبي الزناد قال: سألتُ سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال: «نعم» قلتُ: سُنة؟ قال: «سُنة» (5).
(1)«الدسوقي» (2/ 518)، و «مغنى المحتاج» (3/ 442)، و «المغنى» (7/ 573)، و «الزاد» (5/ 511)، و «سبل السلام» (ص1170).
(2)
سورة البقرة: 231.
(3)
سورة البقرة: 229.
(4)
صحيح: أخرجه البخاري (5356)، وانظر: أحمد (2/ 524)، والدارقطني (3/ 296)، والبيهقي (7/ 470)، وابن حبان (5/ 150).
(5)
إسناده صحيح: أخرجه سعيد بن منصور (2022)، وعبد الرزاق (7/ 96).
قال الشافعي: «ويُشبه أن يكون المقصود بقوله: سنة، أي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» اهـ (!!).
6 -
عن ابن عمر قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن: «ادعُ فلانًا وفلانًا - ناسًا قد انقطعوا من المدينة وخلوا منها - فإما أن يرجعوا إلى نسائهم، وإما أن يبعثوا إليهن بالنفقة، وإما أن يطلقوا، ويبعثوا بنفقة ما مضى» (1).
7 -
أن الفسخ ثبت بالعجز عن الوطء، والضرر فيه أقل من الضرر من عدم الإنفاق، لأن العجز عن الوطء إنما هو فقد لذة وشهوة يبقى البدن بدونها، فلأن يثبت الفسخ بالعجز عن النفقة- التي لا يقوم البدن إلا بها - أولى.
8 -
أن النفقة في مقابل الاستمتاع، بدليل أن الناشز لا نفقة لها - عند الجمهور - فإذا لم تجب النفقة سقط الاستمتاع، فوجب الخيار للزوجة.
9 -
القياس على الرقيق والحيوان، فإن من أعسر بالإنفاق عليه أُجبر على بيعه اتفاقًا، ففي الزوجة أولى.
الثاني: لا يجوز التفريق لعدم الإنفاق: وهو مذهب الحنفية، وقول للشافعي (2)، وحجتهم:
1 -
قوله تعالى: {ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَاّ مَا آتَاهَا} (3). قالوا: وإذا لم يكلفه الله النفقة في هذه الحال، فقد ترك ما لا يجب عليه، ولا يأثم بتركه، فلا يكون سببًا للتفريق بينه وبين سكنه، وأجيب عن الآية بأنها دلت على سقوط الوجوب عن الزوج المعسر، وهذا يقول به الأولون.
2 -
قوله تعالى: {وإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} (4). قالوا: وغاية ما يقال في نفقة الزوجة أنها تكون دينًا في الذمة، وقد أعسر بها الزوج، فتكون الزوجة مأمورة بالانتظار بموجب نص هذه الآية.
(1) إسناده صحيح: أخرجه الرزاق (7/ 93)، والبيهقي (7/ 469).
(2)
«فتح القدير» (3/ 320)، و «المبسوط» (5/ 191)، و «سبل السلام» (1170)، وإلى هذا جنح ابن القيم في «الزاد» (5/ 521) إلا أنه أجاز التفريق في حالة: إذا غرَّ الرجل والمرأة بأنه ذو مال، فتزوجته على ذلك، ثم ظهر معدومًا لا شيء له، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها ولا بالحاكم.
(3)
سورة الطلاق: 7
(4)
سورة البقرة: 280.
3 -
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسًا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم -جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا، قال: فقال: لأقولن شيئًا أُضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، لو رأيتَ بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:«هنَّ حولي كما ترى يسألنني النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن
رسول الله صلى الله عليه وسلم -ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرًا
…
» (1).
قالوا: فهذا أبو بكر وعمر يضربان بنتيهما بحضرته صلى الله عليه وسلم -لما سألتاه النفقة التي لا يجدها، فلو كان الفسخ لهما وهما طالبتان للحق لم يُقر النبي صلى الله عليه وسلم -الشيخين على ما فعلا، ولبيَّن أن لهما أن تطالبان مع الإعسار حتى تثبت على تقدير ذلك المطالبة بالفسخ.
وأجيب: بأن ضرب أبي بكر وعمر كالآية دلت على عدم وجوب عليه صلى الله عليه وسلم -وليس فيه أنهن سألن الطلاق أو الفسخ، ومعلوم أنهن لا يسمحن بفراقه، فإن الله تعالى قد خيرهن فاخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم -والدار الآخرة، فلا دليل في القصة، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم -لا يفرط فيما يجب عليه من الإنفاق فلعلهم طلبن زيادة على ذلك، فتخرج القصة عن محل النزاع بالكلية.
4 -
أنه كان في الصحابة المعسر بلا ريب، ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم -أحدًا منهم بأن للزوجة الفسخ، ولا فسخ أحد. وأجيب: بأنه لم يُعلم أن امرأة طلبت الفسخ أو الطلاق لإعسار الزوج بالنفقة ومنعها عن ذلك حتى تكون حجة، بل كان نساء الصحابة كرجالهن يصبرن عل ضنك العيش وتعسُّره، كما قال مالك: إن نساء الصحابة كنَّ يردن الآخرة فلم يكن يبالين بعسر أزواجهن.
5 -
ولأنها لو مرضت الزوجة، وطال مرضها حتى تعذر على الزوج جماعها لوجبت نفقتها ولم يكن من الفسخ، وكذلك الزوج، فدل على أن الإنفاق ليس في مقابلة الاستمتاع كما قال الأولون.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1478).
الثالث: لا يجوز التفريق بعدم الإنفاق، بل يجب على الزوجة الموسرة أن تنفق على زوجها المعسر:
فإذا أيسر الزوج لا ترجع عليه بشيء، وهذا هو مذهب أبي محمد بن حزم (1) مستدلًا بقوله تعالى:{وعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نُفْسٌ إلَاّ وسْعَهَا لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا ولا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (2).
قال: فالزوجة وارثة، فعليها النفقة بنص القرآن (!!) وتُّعقب بأن الله تعالى قد جعل على وارث المولود له، أو وارث من رزق الوالدات وكسوتهن بالمعروف مثل ما على الموروث، فأين في الآية نفقة غير الزوجات حتى يحمل عمومها على ما ذهب إليه؟! (3).
الراجح:
الأظهر مما تقدم: القول بجواز التفريق بعدم الإنفاق للأدلة التي ذكرها الجمهور، لا سيما وقد قال به الصحابة وعملوا به، ولما فيه من رفع الضرر عن الزوجة لا سيما إذا رفض الزوج تطليقها اختيارًا أو بالاتفاق معها، على أن الأولى والأحسن أن تصبر الزوجة في إعسار زوجها وتقف بجانبه وتواسيه ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.
وأما أدلة المانعين فلا تنهض لمكافأة أدلة الجمهور، والله أعلم.
نوع هذه الفرقة؟
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الفرقة لعدم الإنفاق فسخ ما دامت بحكم القاضي، فإن طلب القاضي من الزوج طلاقها فطلقها كانت رجعية ما يبلغ الثلاث أو يكن قبل الدخول، وإلا فبائن.
وذهب المالكية إلى أنها طلاق رجعي وللزوج مراجعتها في العدة إلا أنهم اشترطوا لصحة الرجعة - هنا- أن يجد الزوج يسارًا لنفقتها الواجبة عليه (4).
(1)«المحلي» (10/ 92).
(2)
سورة البقرة: 232.
(3)
«زاد المعاد» (5/ 518) طـ. الرسالة.
(4)
«الدسوقي» (2/ 419)، و «مغنى المحتاج» (3/ 442)، و «المغنى» (3/ 442).
[7]
التفريق بسبب الضرر (1):
يرى المالكية أن للزوجة طلب التفريق بسبب الضرر الواقع عليها من قبل الزوج، وحدُّ هذا الضرر:«كل ما يلحق الأذى أو الألم ببدن الزوجة أو نفسها أو يعرضها للهلاك، ويصدر من الزوج بقصد وتعمد، وبدون وجه حق، أو موجب شرعي لهذا الإضرار» .
وهذا الضرر قد يكون ماديًّا أو معنويًّا نفسيًّا، فالمادي: كل ما يلحق الأذى ببدنها كضربها وإحداث جرح في بدنها، وكإلقاء الماء الحار عليها ونحو ذلك مما لا يجوز فعله شرعًا. والمعنوي أو النفسي: ما يلحق الألم في نفس الزوجة، كإسماعها القبيح من سب وشتم لها ولوالديها، وكترك الكلام معها وإهانتها وهجر فراشها وعدم وطئها دون مبرر شرعي.
لكن لا ينبغي أن تبادر المرأة - مع أهون ضرر - برفع طلب التفريق إلى القاضي، وإنما يكون هذا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح وحصول ما لا يطاق معه دوام العشرة بين أمثالها.
وقد أُخذ بمذهب المالكية في هذه المسألة في المحاكم المصرية.
ترك الوطء من الضرر المبيح لطلب التفريق:
تقدم في «حقوق الزوجين» أن وطء الرجل زوجته بالمعروف واجب في أصح قولي العلماء، ولذا قال شيخ الإسلام:«وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضٍ للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى» اهـ (2).
نوع الفرقة في هذه الحالة:
قال المالكية - وهم أكثر الفقهاء أخذًا بالتفريق بالضرر -: الواقع بالتفريق للضرر: طلقة بائنة وذلك بأن يأمر القاضي زوجها بطلاقها، فإن امتنع طلَّق عليه القاضي (3).
(1)«الدسوقي» (2/ 345)، و «مواهب الجليل» (4/ 17)، و «المفصَّل» لعبد الكريم زيدان (8/ 437).
(2)
«الاختيارات الفقهية لابن تيمية» (ص: 247).
(3)
«حاشية الدسوقي» (2/ 345).
[8]
التفريق لفقد الزوج أو غيبته:
أولًا: التفريق لغيبة الزوج:
إذا غاب الزوج عن زوجته - مع علمها بمكانه وإمكان الاتصال به - فقد اختلف الفقهاء في جواز التفريق للغيبة على أقوال، مبناها اختلافهم في حكم استدامة الوطء، أو حق للزوجة مثل ما هو حق للزوج أم لا؟
فذهب الحنفية والشافعية - وهو قول للحنابلة - إلى أن دوام الوطء قضاء حق للرجل فقط، وليس للزوجة حق فيه (!!) فإذا ترك وطأها مدة لم يكن ظالمًا لها سواء كان حاضرًا أو غائبًا، وعليه: فليس لها طلب التفريق لذلك عندهم، وهذا مذهب ابن حزم (1).
بينما ذهب المالكية على أاستدامة الوطء حق للزوجة مطلقًا، وهو الأظهر عند الحنابلة إلا أنهم قيدوه بما لم يكن بالزوج عذر مانع منه كمرض أو غيره، ولذا أجازوا طلب التفريق للغيبة (2)، واشترطوا في الغيبة ليثبت التفريق بها للزوجة شروطًا، وهي:
1 -
أن تكون غيبة طويلة:
واختلفوا في مدَّتها: فقال الحنابلة أكثر من ستة أشهر، واستندوا إلى ما يروي عن عمر رضي الله عنه أنه «وقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرًا، ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون شهرًا راجعين» (3) وهذا لما سمع شكاة امرأة بالمدينة كان زوجها غائبًا عنها في سبيل الله.
وحدَّها المالكية- في المعتمد عندهم- بسنة فأكثر.
2 -
أن تكون الغيبة لغير عذر، فإن كانت لعذر كالحج والتجارة وطلب العلم لم يكن لها طلب التفريق، هذا عند الحنابلة، وأما المالكية فلم يشترطوا عدم العذر، وإنما لها الحق بالغيبة مطلقًا.
(1)«الأم» (5/ 239)، و «ابن عابدين» (3/ 202)، و «المحلى» (10/ 133 - 134)، و «المغني» (7/ 488).
(2)
«الدسوقي» (2/ 339)، و «المغنى» (7/ 31، 488)، و «كشاف القناع» (3/ 144).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (2463) بسند حسن وأخرجه عبد الرازق (12594) عن معمر بلاغًا، وله شواهد ذكرها ابن كثير في «تفسيره» إلا أن في بعض طرقه (أربعة أشهر) وفي بعضها ستة أشهر.
3 -
أن تخشى على نفسها الضرر، والمراد به: الوقوع في الزنى.
4 -
أن يكتب القاضي إليه بالرجوع إليه أو نقلها أو تطليقها ويمهله مدة مناسبة.
قلت: القول بجواز التفريق للغيبة أوجه بلا شك، لأن الصحيح الوطء بالمعروف حق للمرأة كما تقدم تحريره، ولقوله تعالى {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1).
واعتبار عذر الرجل في تركه من المعروف فيُعتبر قول الحنابلة، لكن ينبغي أن يتقيد بألا تزيد غيبة المعْذور عن المدة التي تنتظرها زوجة المفقود والتي يأتي تحريرها قريبًا.
وأما تحديد مدة الستة أشهر فإن ثبت النقل به عن عمر رضي الله عنه فالقول قوله، وإلا فالتحديد بمدة الإيلاء (أربعة أشهر) أولى لاسيما وفي بعض الطرق أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد:«أن لا تحبسوا الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر» وقد تقدم في «مدة الإيلاء» والله أعلم.
نوع الفرقة بغيبة الزوج (2):
اتفق القائلون بجواز التفريق للغيبة على أنه لا بد فيه من قضاء القاضي، لأنه فصلٌ مجتهد فيه، فلا ينفذ بغير قضاء.
وهذه الفرقة فسخ عند الحنابلة، وعند المالكية: طلاق، ولم يصرحوا بكونه بائنًا أو رجعيًا.
هل يفرَّق على الزوج المحبوس: المحبوس غائب معلوم المكان، وعليه فإن الجمهور خلافًا للمالكية قالوا: لا يجوز التفريق عليه مطلقًا، فأما الحنفية والشافعية فلأنه غائب معلوم الحياة وهم لا يقولون بالتفريق عليه كما تقدم وأما الحنابلة فلأن غيابه لعذر.
ثانيًا: التفريق لفقدان الزوج:
إذا غاب الزوج عن زوجته غيبة منقطعة خفيت فيها أخباره، وجهلت فيها حياته، فهذا يسمى (المفقود) ومذاهب العلماء في تجويز طلب زوجة المفقود التفريق كمذاهبهم في زوجة الغائب - من حيث الجملة - لأن المفقود غائب وزيادة.
(1) سورة البقرة: 228.
(2)
«المراجع السابقة» .
فإذا فُقد الزوج فللعلماء في شأن زوجته أقوال (1):
الأول: لا تتزوج وليس لها طلب التفريق مهما طالت المدة حتى يتبيَّن وفاته أو تطليقه:
وهذا مذهب الحنفية والشافعي في الجديد، وبه قال ابن حزم، وحجتهم:
1 -
ما يروي عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان» (2) وهو ضعيف ولا يثبت.
2 -
ما يُروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: «إذا فقدت زوجها فلا تتزوَّج حتى يستبين أمره» (3) وعنه أنه قال في امرأة المفقود: «وهي امرأته ابتليت، فتصبر حتى يستبين موت أو طلاق» (4) وفي أسانيدها نظر.
3 -
لأنها زوجة كباقي الزوجات، فلا تقع الفرقة بينها وبين زوجها إلا بما يوجب الفرقة من موت أو طلاق وليس فقدان الزوج موجبًا للفرقة.
4 -
أنه لم يجز الحكم بموته في قسمة ماله، فلم يجز الحكم بموته في نكاح زوجته.
الثاني: تتربَّص الزوجة أربع سنين من غيبته ثم يُحكم بوفاته فتعتد بأربعة أشهر وعشر وتحلُّ بعدها للأزواج: وهو ظاهر مذهب أحمد فيمن كان ظاهر غيبته الهلاك والقول القديم للشافعي، وبه قال المالكية [إذا فقد في حالة السلم في دار الإسلام] وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس وغيرهم من الصحابة:
1 -
عن ابن المسيب أن عمر رضي الله عنه قال: «أيُّما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا ثم تحلُّ» (5).
(1)«البدائع» (6/ 196)، و «الدسوقي» (2/ 479)، و «مغنى المحتاج» (3/ 26، 379)، و «الأم» (5/ 239)، و «المغنى» (7/ 489)، و «كشاف القناع» (3/ 267)، و «المحلي» (10/ 133).
(2)
ضعيف: أخرجه البيهقي (7/ 445).
(3)
ذكره البيهقي (7/ 446) وقال شيخنا في «جامع أحكام النساء» (4/ 201) في أسانيدها نظر.
(4)
عزاه في لحافظ في «الفتح» (9/ 340 - سلفية) إلى أبي عبيد في «النكاح» وذكر في «المغنى» (7/ 491) أنه مرسل.
(5)
صحيح لطرقه: أخرجه مالك (1219)، وعبد الرازق (7/ 88)، وسعيد بن منصور (1752)، والبيهقي (7/ 445).
2 -
وعنه أن عمر وعثمان قضيا في المفقود أن امرأته تتربَّص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرًا بعد ذلك، ثم تزوج، فإن جاء زوجها الأول خيرِّ بين الصداق وبين امرأته» (1).
3 -
عن جابر بن زيد «عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين، قال ابن عمر: ينفق عليها في الأربع سنين من مال زوجها، لأنها حبست نفسها عليه
…
» الأثر (2).
4 -
أنه لا يصح خلاف هذا عن أحد من الصحابة.
وعند الحنابلة - وهو اختيار شيخ الإسلام - لا يشترط لتربُّص الزوجة المدة المقررة لها، ووقوع الفرقة بعدها حكم حاكم (3).
الثالث: لا وجه لتربُّصها ولها أن تطالب الحاكم بالفسخ: وهذا القول نقله الصنعاني عن الإمام يحيى، واستحسنه، واختاره شيخنا - رفع الله قدره - وقيَّد طلبها للتفريق بخشية الوقوع في الفتنة (4).
ومأخذ هذا القول عموم الأدلة الرافعة للضرر، كقوله تعالى {ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا} (5). وقوله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار» (6).
وأنه قد شُرع التفريق لرفع المضارة في الإيلاء والظهار وللعيوب ونحو ذلك، وهو هنا أبلغ، وأما المدة التي تتربَّصها فليس فيها شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تكن لازمة.
قلت: أما جواز طلب المرأة المفقودة زوجها التفريق لفقده فلا شك أن قواعد الشريعة وأصولها يؤيده، وكذلك قال به الصحابة رضي الله عنهم، لأن تضرُّر المرأة حاصل بفقد زوجها إلا فيما ندر، لكن الذي ينبغي تحريره: ما الأجل الذي يُضرب لها لانتظاره ثم يجوز لها طلب الفسخ بعده؟ وهل حكم عمر ومن معه من الصحابة بانتظار الأربع سنوات مُلزم؟
(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (7/ 85).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (1/ 402).
(3)
«كشاف القناع» (3/ 267)، و «الاختيارات الفقهية» (ص 281).
(4)
«سبل السلام» (ص1143)، و «جامع أحكام النساء» (4/ 202) لشيخنا مصطفى العدوي حفظه الله.
(5)
سورة البقرة: 231.
(6)
حسن: تقدم قريبًا.
فلقائل أن يأخذ بقول عمر ومن معه من الصحابة لأنه لا يصح خلافه عن أحد منهم، ويكون لهذا القول وجهه، ولآخر أن يقول: «آراء الصحابة إن هي إلا اجتهاد منهم، والذي نعتقده حقًّا هو أن مرجع الأمر للحاكم فله أن يقدر الوقت لها، وذلك يختلف باختلاف الأزمان، فإذا كان في عصر الصحابة مقدرًا بأربع سنين كما ذهب إليه أو حكم به عمر بن الخطاب، وهو إنما قاله بما كان له من سلطة الحكم، وعصرهم لم تكن فيه الأخبار سريعة التدوال بين البلدان، ومن الصعب وصول خبر من قُطر إلى آخر إلا بعد مدة طويلة، فقد يجوز في زماننا هذا أن يقدر الأجل بسنة واحدة
…
» (1) وهذا اختيار العلامة أحمد شاكر، رحمه الله. قلت: ولهذا القول وجاهته لاسيما وقد تيسرت وسائل الاتصالات الحديثة، ولما فيه من رفع الضرر عن المرأة لاسيما في زمان الفتنة، فالذي يظهر أن المرأة إذا خشيت الفتنة ترفع أمرها إلى القاضي لينظر فيه فإن رأى المصلحة في فسخ النكاح فعل والله أعلم.
نوع الفرقة للفقد (2):
إذا لم ترفع المرأة المفقود زوجها أو أحدٌ من ورثته أمره للقاضي، فهو حي في حق زوجته العمر كله بالاتفاق.
فإذا رفع إلى القاضي وقضى بموته انقضت الزوجية حكمًا من تاريخ حكم الوفاة، وبانت زوجته واعتدَّت للوفاة، وهي ببينونة وفاة لا بينونة طلاق أو فسخ.
إذا عاد المفقود بعد الحكم بالتفريق: فهذا له حالات ثلاث:
الأولى: أن يعود المفقود، وزوجته لم تتزوج: فهي امرأته بنكاحها الأول معه، ولا تحتاج إلى تجديد النكاح معه، لأننا إنما أبحنا لها الزواج، لأن الظاهر موت زوجها، فإذا بان حيًّا انخرم ذلك الظاهر، وكان النكاح بحاله، كما لو شهدت البيِّنة بموته ثم بان حيًّا (3).
الثانية: أن يعود بعد أن تزوجت زوجته، وقبل دخول الثاني بها: فهي زوجة
(1) حاشية «الروضة الندية» (2/ 56).
(2)
«ابن عابدين» (2/ 656)، و «الدسوقي» (2/ 479)، و «مغنى المحتاج» (3/ 397)، و «المغنى» (7/ 489).
(3)
«الفتاوى الهندية» (2/ 300)، و «الدسوقي» (2/ 480)، و «المجموع» (16/ 616)، و «المغنى» (7/ 492).
الأول كذلك عند الجمهور (مالك والشافعي واحمد) لأن نكاحها إنما صحَّ في الظاهر دون الباطن فإذا قدم المفقود تبيَّنا أن نكاح امرأته كان باطلًا، لأنه صادف امرأة ذات زوج، وليس على الثاني حينئذٍ مهر، لأنه فاسد لم يتصل به دخول (1).
الثالثة: أن يعود بعدما تزوجت زوجته ودخل الثاني بها:
فقد ثبت عن عمر وعثمان أنهما قضيا في المفقود «أن امرأته تتزوَّج، فإن جاء زوجها الأول خيِّر بين الصداق وبين امرأته» (2).
وبه قال الحنابلة: فإن اختار المفقود زوجته فهي زوجته بالعقد الأول، لأن نكاحها من الثاني كان باطلًا، وإن اختار تركها فإنه يرجع على الثاني (أي: يأخذ منه) بصداقها، قيل: الذي كان دفعة لها أولًا - وهو قضاء الصحابة- وقيل يأخذ المهر الذي دفعه الثاني (!!)(3).
واختار شيخ الإسلام أنها تكون زوجة الثاني ظاهرًا وباطنًا.
[9]
التفريق بإسلام أحد الزوجين أو وردَّته:
(أ) إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر: فإنه يفرَّق بينهما لعدم جواز بقاء المسلمة تحت الكافر، قال الله تعالى:{فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (4).
واختلف أهل العلم في نوع هذه الفرقة وفي أثرها إذا أسلم زوجها بعد ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: تبيُن منه بمجرد إسلامها، فإن أسلم بعدها - ولو بلحظة - لزمه إن رضيت عقدَ جديد: وهو مذهب ابن عباس وعطاء وطاووس وفقهاء الكوفة (5) وأبي ثور واختاره ابن المنذر وابن حزم وهو رواية عن أحمد وحجتهم:
1 -
قوله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (6). فالإسلام سبب الفرقة، وما كان سببًا للفرقة تعقبه فرقة كالرضاع والخلع والطلاق.
(1) المراجع السابقة.
(2)
إسناده صحيح: تقدم قريبًا.
(3)
«المغني» (7/ 492 - 493).
(4)
سورة الممتحنة: 10.
(5)
وشرط أهل الكوفة أن يُعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع، إن كانا معًا في دار الإسلام.
(6)
سورة الممتحنة: 10.
2 -
عن ابن عباس قال: «إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه» (1).
وفي رواية: «يفرِّق بينهما الإسلام، لأنه يعلو ولا يعلى عليه» (2).
3 -
وسئل عطاء عن امرأة من أهل العهد أسلمت، ثم أسلم زوجها في العدة، أهي امرأته؟ قال:«لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق» (3).
الثاني: تعتدُّ منه، فإن أسلم في عدتها فهي امرأته، وإلا لزمه إن رضيت عقد جديد:
وهذا مذهب الجمهور، منهم: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وحجتهم:
1 -
ما رُوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد» (4) وهو حديث ضعيف.
2 -
وقال مجاهد: «إذا أسلم في العدة يتزوَّجها» (5).
3 -
وقد ادَّعى ابن عبد البر الإجماع على عدم جواز تقرير بقاء المسلمة تحت الكافر إذا تأخَّر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها، وهو منقوض بالمنقول عن على والنخعي.
الثالث: النكاح موقوف: فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها، فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح: وهو مذهب عمر وعليّ رضي الله عنهما واختاره ابن القيم والصنعاني والشوكاني، وحجتهم:
1 -
حديث ابن عباس قال: «وكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تُخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلَّ لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح رُدَّت إليه
…
» الحديث (6).
(1) علَّقه البخاري (9/ 330) بصيغة الجزم ووصله ابن أبي شيبة.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي.
(3)
علَّقه البخاري بصيغة الجزم (9/ 330) ووصله ابن أبي شيبة.
(4)
ضعيف: أخرجه الترمذي (1142)، وابن ماجه (2010)، وأحمد (6938) وضعَّفه وكذلك الترمذي.
(5)
علَّقه البخاري (9/ 330) ووصله الطبري.
(6)
أخرجه البخاري (5286) وهو مما انتُقد عليه، انظر «مقدمة الفتح» (ص 375).
2 -
حديث ابن عباس قال: «ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم -ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحًا» (1). وفيه ضعف، وله شواهد مرسلة.
قال ابن القيم: «وهو [أي: أبو العاص] إنما أسلم زمن الحديبية، وهي أسلمت من أول البعثة فبين إسلامهما أكثر من ثماني عشرة سنة، وأما قوله في الحديث: «كان بين إسلامها وإسلامه ست سنين» فوهم، إنما أراد: بين هجرتها وإسلامه» اهـ.
3 -
عن عبد الله بن يزيد الخطمي: «أن نصرانيًّا أسلمت امرأته، فخَّيرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن شاءت فارقته، وإن شاءت أقامت عليه» (2).
ومعلوم بالضرورة أنه إنما خيَّرها بين انتظاره إلى أن يُسلم فتكون زوجته كما هي، أو تفارقه.
4 -
قال ابن القيم: «ولم يزل الصحابة يُسلم الرجل قبل امرأته، وامرأته قبله
…
ولا نعلم أحدًا جدد للإسلام نكاحه البتة، بل كان الواقع أحد أمرين: إما افتراقهما ونكاحها غيره، وإما بقاؤها عليه وإن تأخرَّ إسلامها أو إسلامه، وأما تنجيز الفُرقة أو مراعاة العدة، فلا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قضى بواحدة منهما مع كثرة من أسلم في عهده من الرجال وأزواجهم، وقرب إسلام أحد الزوجين وبُعده منه، ولولا إقراره صلى الله عليه وسلم -الزوجين على نكاحهما، وإن تأخرَّ إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح، لقلنا بتعجيل الفُرقة بالإسلام من غير اعتبار العدة، لقوله تعالى:{لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (3). وقوله: {ولا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} (4).
قال الشوكاني: «وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة» اهـ. قلت: نعم، وهذا ما تقضيه الأدلة، وإن خالف الأكثرين، لكن هنا تنبيه ينبغي الإشارة إليه:
(1) إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2009) وغيرهم، وله شواهد مرسلة صحيحة عند ابن سعد في «الطبقات» ، وعبد الرازق (12647)، والطحاوي (2/ 149)، فربما يتقوَّى بها.
(2)
إسناده صحيح: أخرجه ابن حزم في «المحلي» (7/ 313).
(3)
سورة الممتحنة: 10.
(4)
سورة الممتحنة: 10.