الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اشترط فقهاء الحنفية لوقوع الطلاق بالكتابة أن تكون: (مستبينة ومرسومة) ومعنى كونها مستبينة: أن تكتب على الصحيفة أو الحائط أو نحو ذلك بحيث يمكن فهمها وقراءتها ومعنى كونها مرسومة عندهم أن يكون الطلاق مصدرًا ومعنونًا، أي مرسلًا باسمها.
فائدة: إذا أرسل إليها الطلاق عن طريق الوسائل الحديثة: كالفاكس أو الحاسب الآلي (الكمبيوتر) المرتبط بشبكة الإنترنت (البريد الإلكتروني) ونحو ذلك، فإن كان المرسل إليها صورة من خطِّه فيلحق بما تقدم تحريره.
وإن كان بخط الآلة، فالذي يظهر أنه لا يقع حتى تتأكد من أن زوجها هو الذي أرسله وتأمن التزوير؛ لأنه يُبنى على ذلك اعتدادها واحتساب العدة من وقت صدور الطلاق، والله أعلم.
فائدة: اشترط بعض أهل العلم إثبات الكتاب بشاهدي عدل أن هذا كتابه: فقد نقله ابن قدامة في «المغني» (7/ 239): «عن أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطِّه وخاتمه بالطلاق: لا تتزوَّج حتى يشهد عندها شهود عدول، قيل له: فإن شهد حامل الكتاب؟ قال: لا، إلا شاهدان، فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره، لأن الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت إلا بشاهدين ككتاب القاضي
…
» اهـ.
(جـ) الطلاق بالإشارة (1):
من كان قادرًا على الكلام لا يصح طلاقه بالإشارة عند الجمهور - خلافًا للمالكية - وأما الأخرس، فالجمهور على وقوع الطلاق بإشارته، وقيَّده الحنفية - وهو قول عند الشافعية - بأن يكون
عاجزًا عن الكتابة وإلا لم تجز إشارته؛ لأن الكتابة أدلُّ على المقصود، فلا يعدل عنها إلى الإشارة إلا لضرورة العجز عنها.
الإشهاد على الطلاق
استحب جماهير العلماء من السلف والخلف منهم الأئمة الأربعة وغيرهم أن يُشهد الرجلُ على طلاقه، لما فيه من حفظ الحقوق، ومنع التجاحد بين الزوجين، قال تعالى:{فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله} (2).
(1)«ابن عابدين» (3/ 241)، و «الدسوقي» (2/ 384)، و «مغني المحتاج» (3/ 284)، و «المغني» 07/ 423).
(2)
سورة الطلاق: 2.
وقد حملوا الأمر بالإشهاد في هذه الآية على أنه أمر ندب لا إيجاب، وقد يؤيد هذا الحمل:
1 -
حديث ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها
…
» الحديث (1).
وليس فيه الأمر بالإشهاد على الطلاق ولا على الرجعة.
2 -
وعن ابن عمر «أنه طلق امرأته صفية بنت أبي عبيد تطليقة أو تطليقتين فكان لا يدخل عليها إلا بإذن، فلما راجعها أشهد على رجعتها ودخل عليها» (2).
3 -
أن الطلاق ورد في عدة آيات غير مقرون بالإشهاد، وكذلك في السنة.
4 -
أن الطلاق من حقوق الزوج، فلا يحتاج إلى بيِّنة كي يباشر حقه.
5 -
أنه كسائر الإشهاد.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن الإشهاد على الطلاق مستحب غير واجب، إلا أن هذه دعوى غير مسلَّمة، فقد رُوي القول بوجوب الإشهاد عن علي بن أبي طالب (!!) وعمران بن حصين رضي الله عنهما، وعطاء وابن جريج وابن سيرين، وهو القول القديم للشافعي - ثم استقر مذهبه على الاستحباب - وبه قال أبو محمد بن حزم، وهو مذهب أهل البيت رضي الله عنهم، ويُستدل لهم بما يلي:
1 -
ظاهر الأمر في قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (3). وهو يقتضي الوجوب.
2 -
أن الله تعالى قد قرن في الآية بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، فكل من طلَّق ولم يشهد ذوي عدل أو راجع ولم يشهد ذوي عدل متعدٍّ لحدود الله تعالى (4).
3 -
عن مطرف بن عبد الله: أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يُشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال:«طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أُشْهِدْ على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تعد» (5).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
(2)
إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (7/ 373).
(3)
سورة الطلاق: 2.
(4)
«المحلي» (10).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (2186).
فدلَّ على أن السنة الإشهاد، لكن لا يخفى أنه لا يدل على الوجوب، لتردد كونه من سنته صلى الله عليه وسلم بين الإيجاب والندب.
قلت: لو قيل بوجوب الإشهاد على الطلاق وتوثيقه لم يكن هذا بعيدًا، بل ربما يتعيَّن ذلك لاسيما في هذا الزمان الذي خربت فيه الذمم، ورقَّ منه الدين، منعًا للتجاحد، وحسمًا لمادة الخلاف والنزاع، وما نسمع به ونراه مما تعج به محاكم الأحوال الشخصية من القضايا والحوادث الناجمة عن عدم توثيق الطلاق والإشهاد عليه، ليحملنا على القول بوجوبه وإثم تاركه. على أنه ينبغي التنبيه على أن هذا الإشهاد ليست شرطًا في صحة الطلاق وإنما قد يأثم تاركه، والله تعالى أعلم بالصواب.
فائدة: إذا ادَّعت المرأة الطلاق على زوجها وأنكر الزوج (1): ههنا حالات:
1 -
إذا لم يكن معها شاهد، لم تقبل دعواها، ولا يحلَّف الرجل بدعواها.
2 -
إذا أقامت شاهدي عدل على طلاقها، قضي لها بذلك.
3 -
إذا أقامت على الطلاق شاهدًا واحدًا، لم يكفها، ولا يؤخذ بيمينها مع الشاهد؛ لأن الشاهد واليمين إنما يكون في الأموال خاصة، فلا يثبت الطلاق بذلك، وهل يُحلَّف الزوج؟ فيه قولان:
فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد إلى أنه يُحلَّف، فإنه حلف برئ من دعواها.
وإن نَكَل (رفض الحلف) فهل يُقضى عليه بطلاق زوجته زوجته بالنكول مع شاهدها؟ فيه روايتان عن مالك، أصحهما أنه يُحكم في الطلاق بشاهد ونكول المدَّعى عليه، ويؤيده حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ادَّعت المرأة طلاق زوجها، فجاءت
على ذلك بشاهد واحد عدل، استُحلف زوجُها، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد، وإن نَكَل فنُكُوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه» (2).
فدلَّ على أن النكول بمنزلة البيِّنة، فلما أقامت شاهدًا واحدًا - وهو شطر البيِّنة - كان النكول قائمًا مقام تمامها، والله أعلم.
(1)«زاد المعاد» لابن القيم (5/ 282 - 285) باختصار.
(2)
أخرجه ابن ماجة (2038).