الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما دخل رجال من بني هاشم على أسماء بنت عميس رضي الله عنها [زوجة أبي بكر] ودخل أبو بكر فكره ذلك وقال: لم أر إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد برأها من ذلك" ثم قام على المنبر فقال: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان"(1).
فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى السوء عن أسماء وأحسن الظن بها ولكن مع هذا منع دخول الرجال حتى لا يدع مجالًا للشيطان للوسوسة والتشكيك.
16 -
أن يعدل بينها وبين ضرتها في الطعام والشراب واللباس والمبيت: وسيأتي قريبًا.
(جـ) الحقوق المشتركة بين الزوجين:
1 -
حل الاستمتاع: وهذا إذا تم العقد وتوفرت الشروط من تسليم الزوجة لزوجها وتأمين المسكن والنفقة، وانتفت الموانع كالإحرام ونحوه، فيباح لكل منهما الاستمتاع بالآخر على الوجه الشرعي الذي تقدم.
2 -
ثبوت التوارث بينهما: بمجرد العقد إذا مات أحدهما -كما سيأتي في المواريث.
3 -
المعاشرة بالمعروف: وقد تقدمت صورها.
4 -
ثبوت حرمة المصاهرة بينهما: وقد بينا فيما مضى المحرمات بسبب المصاهرة.
تعدد الزوجات
(2)
* مشروعية تعدد الزوجات:
قال الله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} (3).
فإن الله سبحانه وتعالى يخاطب أولياء اليتامى فيقول: إذا كانت اليتيمة في حجر أحدكم تحت ولايته، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل عنها إلى غيرها من النساء، فإنهن كثيرات، ولم يُضيق الله عليه فأحل له من واحدة إلى أربع.
فإن خاف أن يجور إذا تزوج أكثر من واحدة فوجب عليه أن يقتصر على واحدة، أو ما ملكت يمينه من الإماء (1).
وقد تقدم جملة أدلة على الحث على الزواج من أجل إكثار النسل.
وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: "فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء"(2).
فهذه الأدلة وغيرها تدل على استحباب التعدد بشروط وضوابط تأتي:
* شروط تعدد الزوجات (3):
1 -
أن يكون قادرًا على العدل بينهن: لقوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} .
2 -
أن يأمن على نفسه الافتتان بهن وتضييع حقوق الله بسببهن:
فقد قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم فاحذروهم} (4).
3 -
أن يكون عنده القدرة على إعفافهن وتحصينهن:
حتى لا يجلب إليهن الشر والفساد، فالله لا يحب الفساد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"(5).
4 -
أن يكون بوسعه الإنفاق عليهن:
فقد قال الله سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله} (6).
* حكمة مشروعية التعدد (7):
لا شك أن الطريق التي هي أقوم وأعدل هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء، ومنها:
1 -
أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة
(1) بنحو هذا فسرت عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري (4576).
(2)
البخاري (5069).
(3)
«أحكام النكاح والزفاف» (ص 145).
(4)
سورة التغابن: 14.
(5)
متفق عليه وقد تقدم.
(6)
سورة النور: 33.
(7)
«أضواء البيان» للشنقيطي (3/ 377).
من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأمة، فلو حُبس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلًا في غير ذنب.
2 -
أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عددًا من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضًا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قصر الرجل على واحدة لبقي عدد ضخم من النساء محرومًا من الأزواج فيضطرون إلى ركوب الفاحشة.
قلت: وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: "
…
ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيِّم الواحد" (1).
3 -
أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء.
4 -
أنه قد يوجد عند بعض الرجال -بحكم طبيعتهم النفسية والبدنية- رغبة جنسية جامحة بحيث لا تشبعه امرأة واحدة، فأبيح له أن يشبع غريزته عن طريق مشروع بدلًا من أن يتخذ خليلة تفسد عليه أخلاقه (2).
5 -
قد يكون التعدد تكريمًا لإحدى القريبات أو ذوات الرحم التي مات زوجها أو طلقها، وليس لها من يعولها غير شخص متزوج (3).
قلت: رغم أن هذا الأمر مستحب -كما رأيت- وأنه من حكم الشريعة السمحة، إلا أن سوء تطبيقه من بعض الناس، جعله في نظر الكثيرين جريمة ودناءة ونكرانًا للجميل وخسة، إلى غير ذلك من التهم الباطلة (4).
* بعض الفوائد الفقهية المتعلقة بالتعدد (5):
1 -
يجوز تفاوت مهور الزوجات وكذلك تفاوت الولائم:
فقد تقدم أن النجاشي زوَّج أم حبيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف، وقد كان مهور أزواجه صلى الله عليه وسلم أربعمائة (6).
(1) البخاري (5231)، ومسلم (2671).
(2)
، (5)«هذه هي زوجتي» لعصام الشريف بتصرف يسير (ص 126).
(3)
انظر للرد على بعض هذه التهم والشبهات «عمدة التفسير» (3/ 102) للعلامة أحمد شاكر - رحمه الله تعالى.
(4)
مستفاد من «فقه تعدد الزوجات» لشيخنا مصطفى العدوي، رفع الله قدره.
(5)
(6)
تقدم الحديث قريبًا.
وقال أنس في تزويج زينب بنت جحش: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَم على أحد من نسائه ما أولم عليها"(1).
2 -
لا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من زوجة في بيت واحد إلا برضاهما:
فالأصل أن يجعل لكل زوجة بيتًا كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (2).
فذكر الله -سبحانه- أنها بيوت ولم تكن بيتًا واحدًا، وقد تقدم هذا قريبًا.
3 -
القَسْم بين الزوجات:
ذهب جمهور العلماء إلى أن الزوج إذا تزوَّج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، ثم يقسم لكل امرأة منهن ليلتها.
وإذا تزوَّج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا ثم قَسَم (3).
لحديث أنس قال: "من السُّنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعًا ثم قسم، وإذا تزوَّج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا ثم قسم"(4).
* تنبيه: يسئ بعض الناس فهم هذا الحديث فيظن أنه يباح للزوج إذا تزوج البكر أن يُحبس في البيت سبعًا فلا يخرج حتى لصلاة الجماعة وهذا قول باطل لا دليل عليه، فإن التخلف عن الجماعة لا ينبغي له كسائر الناس ولا فرق.
4 -
هل يجب على الرجل أن يساوي بين نسائه في المحبة والجماع؟
المحبة محلها القلب، وقد قال تعالى:{ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} (5). فالمراد الاستطاعة في المحبة والجماع والشهوة.
وفي حديث ابن عباس: "أن عمر دخل على حفصة فقال: با بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها -يريد عائشة- فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسَّم"(6).
(1) تقدم الحديث قريبًا.
(2)
سورة الأحزاب: 53.
(3)
«زاد المعاد» (5/ 151).
(4)
البخاري (5214)، ومسلم (1461).
(5)
سورة النساء: 129.
(6)
البخاري (3/ 49)، ومسلم (1479).