الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِلْم المواريث (الفرائض)
تعريفه: هو علم بأصول - من فقه وحساب - تتعلق بالمواريث ومستحقيها، لإيصال كل ذي حق إلى حقِّه من التركة (1).
وقد سمَّي النبي صلى الله عليه وسلم -المواريث: الفرائض، فقال:«ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلأولى رجل ذكر» (2).
والفرائض: جمع فريضة، من الفرض بمعنى التقدير، كما قال تعالى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (3) أي: قدَّرتم، فالفرائض: الأنصبة المقدَّرة للورثة.
ويطلق على المال الموروث: «الإرث» و «الميراث» و «التركة» .
شرفه وأهميته:
وعلم المواريث من أرفع العلوم قدرًا، وأجلِّها أثرًا، ويكفي في شرفه أن الله تبارك وتعالى قد فصَّلها وأوضح معالمها في كتابه، فحدَّد أنصبتها، ووزَّع فرائضها بنفسه سبحانه، تأكيدًا على ضرورة أن ينال كل وارث نصيبه المقدَّر على وفق حكمته سبحانه، فهو - وحده - العالم بما يصلح العبد وبما يفسده، وهو الخبير بالمستحق للمال من غيره {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} (4) وفي هذا منع للتنازع والخصومة، لأن الذي فصَّل هذه الأنصبة وبيَّنها هو من لا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه وأمره.
ومن هنا جاءت أهمية دراسة هذا العلم الشريف، وقد رُوي من فضل هذا العلم وأهميته جملة أحاديث، لكنها لا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما تقدم غُنية عنها، ولا بأس أن أذكر بعضها تنبيهًا على ضعفها، فمن ذلك:
1 -
ما رُوى عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة» (5).
(1) هذا التعريف صغته من مجموع تعاريف أهل العلم، وانظر:«ابن عابدين» (5/ 499)، و «الدسوقي» (4/ 456)، و «نهاية المحتاج» (6/ 2)، و «العذب الفائض» (1/ 62).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (6735)، ومسلم (1615) عن ابن عباس.
(3)
سورة البقرة: 237.
(4)
سورة الملك: 14.
(5)
ضعيف: أخرجه أبو داود (2885)، وابن ماجة (54) وغيرهما بسند ضعيف.
2 -
ما رُوي مرفوعًا: «يا أبا هريرة، تعلموا الفرائض، وعلِّموه، فإنه نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيء يُنتزع من أمتي» (1).
3 -
ما رُوي عن ابن مسعود مرفوعًا: «تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلَّموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وسيقبض هذا العلم من بعدي حتى يتنازع الرجلان في فريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما» (2).
وهذه الأحاديث وغيرها على ضعفها- مع تعدد مخارجها - تُشعر بأن لها أصلًا.
الحقوق المتعلقة بالتركة:
إذا مات الإنسان وترك مالًا، فإن هذا المال (التركة) يتعلق به خمسة حقوق يقدَّم بعضها على بعض، مرتبة - عند ضيق التركة - على هذا الترتيب:
1 -
تكاليف تجهيز الميت (3): من تغسيل وتكفين ودفن، ونحو ذلك، من غير إسراف ولا تقتير، وإنما قدمت على الدَّيْن وغيره، لأنها بمثابة الكسوة الشخصية للحي، فلا تنزع عنه لوفاء الدَّيْن.
2 -
الديون المتعلقة بعين من أعيان التركة: كدَيْن برَهْنٍ - من التركة - ونحو ذلك.
3 -
الديون المرسلة في الذمة: أي التي لا تتعلق برهَن عين من أعيان التركة، سواء كانت حقًّا لله تعالى كزكاة أو كفارة أو صيام، أو حقًّا لآدمي كالقرض والأجرة ونحو ذلك.
4 -
تنفيذ الوصية- في حدود الثلث- من الباقي: لأن ما تقدم من تكاليف التجهيز والديون قد صار مصروفًا في ضروراته التي لا بد منها، فالباقي هو ماله الذي كان له أن يتصرف في ثلثه.
وقد اتفق الفقهاء على أن الدين مُقدَّم على الوصية، لحديث عليٍّ رضي الله عنه قال:«قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية» (4).
(1) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (2719)، والدارقطني (4/ 67)، والحاكم (4/ 332)، والبيهقي (6/ 209)، وانظر «الإرواء» (6/ 104).
(2)
ضعيف: أخرجه الترمذي (2091)، والحاكم (4/ 333)، والبيهقي (6/ 208)، وانظر «الإرواء» (1664).
(3)
هذا هو ترتيب الحنابلة وقول عند الحفية، وأما الجمهور فيرون البدء بقضاء الديون.
(4)
حسنه الألباني: أخرجه الترمذي (2094)، وابن ماجه (2715)، وأحمد (1/ 79)، وانظر «الإرواء» (1667).
ولأن الوصية - وهي تبرُّع - فعند ضيق التركة فلا شك أن أداء الدين مقدَّم عليها، لأنه فرض وهو أولى من التبرع.
وإنما قدِّمت الوصية في الذكر على الدين في قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) لأنها تشبهُ الميراث لكونها مأخوذة بلا عوض، فيشق إخراجها على الورثة، فكانت لذلك مظنة في التفريط فيها بخلاف الدين، فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فقدم ذكرها حثًّا على أدائها، وتنبيهًا على أنها مثله في وجوب الأداء أو المسارعة إليه (2).
5 -
تقسم باقي التركة على الورثة المستحقين: حسب الأنصبة المقدَّرة في كتاب الله، وهذا هو موضوع بحثنا.
ولما كان في مسائل المواريث من التشعُّب والتداخل وصعوبة الاستنباط - على غير الراسخين - واحتياجها إلى قد من المعرفة بعلوم الحساب، رأيت أن أسلك في بحثه مسلك الاختصار والتبسيط، دون التوسُّع والاستطراد في ذكر تفريعاته، مكتفيًا من القلادة بما أحاط بالعنق، محاولًا تركيز المعلومة في صورة جدول لبيان أنصبة المستحقين في الحالات المختلفة، مع إيراد القواعد الهامة التي ينبنى عليها توزيع التركة على الورثة، والتمثيل ببعض المسائل - أحيانًا - إعانة على فهمها.
أركان الإرث:
تقدم أن «الإرث» يطلق على المال الموروث، ويطلق كذلك على استحقاق الميراث وانتقاله إلى صاحبه، وعلى هذا فأركان الإرث ثلاثة، إن وجدت كلها تحققت الوراثة، وإن فقد ركن منها فلا إرث:
1 -
المورِّث: وهو الميت أو الملحق به كالمفقود.
2 -
الوارث: وهو الحي بعد المورِّث، أو الملحق بالأحياء كالجنين.
3 -
الموروث (التركة): وهو ما تركه الميت من مال وغيره.
شروط الإرث (3): يُشترط لحصول التوريث ثلاثة شروط تتعلق بالمورِّث والوارث وهذه الشروط هي:
(1) سورة النساء: 11.
(2)
«شرح السراجية» (ص 4، 5).
(3)
«حاشية ابن عابدين» (5/ 483)، و «العذب الفائض» (1/ 17 - 18) ط. الحلبي.
1 -
تحقق موت المورِّث: أو إلحاقه بالموتى حكمًا، كما في المفقود إذا حكم القاضي بموته، أو تقديرًا كما في الجنين الذي انفصل بجناية على أمه توجب غُرَّة (1).
2 -
تحقق حياة الوارث بعد موت المورِّث: أو إلحاقه بالأحياء تقديرًا، كحمل انفصل حيًّا حياة مستقرة لوقت يظهر منه وجوده عند الموت.
3 -
العلم بالجهة المقتضية للإرث: من زوجية أو قرابة وولاء، وتعين جهة القرابة من بنوة أو أبوَّة أو أمومة أو أخوة أو عمومة، والعلم بالدرجة التي اجتمع الميت والوارث فيها.
أسباب الإرث (2):
السبب لغةً: ما يتوصلَّ به إلى غيره، واصطلاحًا: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدم العدم لذاته.
وأسباب الإرث أربعة: ثلاثة متفق عليها وواحد مختلف فيه، فإذا وجب أحد هذه الأسباب، فإنه يفيد الإرث على انفراده، وأسباب الإرث المتفق عليها هي:
1 -
النكاح: فإن أحد الزوجين يستحق الإرث من الآخر بمجرد عقد الزواج الصحيح ولو من غير دخول أو خلوة، وقد تقدم في «كتاب الفرق بين الزوجين» قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه واثق - لما توفي عنها زوجها ولم يدخل بها - أن لها الميراث (3).
وأما النكاح الفاسد فلا توارث فيه، والطلاق الرجعي لا يمنع التوارث ما دامت في العدة.
2 -
النسب (القرابة): وهو الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة، وينقسم النسب إلى ثلاثة أقسام:
(أ) الأصول: وهم الآباء وآباؤهم وإن علوا.
(ب) الفروع: وهم الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا.
(1) الغُرَّة: عبد أو أمة تقدَّر بخمس من الإبل، يأخذها ورثة الجنين.
(2)
«ابن عابدين» (5/ 486)، و «شرح الرحبية» للمارديني (ص18)، و «العذب الفائض» (1/ 18).
(3)
صحيح: أخرجه أبو داود (2114)، والترمذي (1145)، والنسائي (6/ 121)، وابن ماجه (1891).
(جـ) الحواشي: هم الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم.
قال تعالى {وأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (1).
3 -
الولاء:
وهم عُصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فمن أعتق عبدًا فمات العبد كان ماله لسيده الذي أعتقه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الولاء لمن أعتق» (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «الولاء لُحمة كلحمة النسب» (3).
وهو إرث من جهة واحدة، فيرث الولي عبده الذي أعتقه، لكن العبد المعتَق لا يرث من سيِّده ولو لم يكن له ورثة.
وهناك سبب رابع مختلف فيه وهو:
4 -
جهة الإسلام: والذي يرث بهذا السبب عند من يقول به - وهم المالكية والشافعية - هو بيت المال على تفصيل فيه.
موانع الإرث (4).
المانع: ما يلزم من وجوده العدم، فلو وجد أحد موانع الإرث لزم منه عدم الإرث، وإن وجدت الأركان والشروط المتقدمة، وقد اتفق الأئمة الأربعة على ثلاثة موانع وهي:
1 -
الرِّق (العبودية): فالعبد لا يورَّث، لأن جميع ما في يده من المال فهو لمولاه، فلو ورَّثناه من أقربائه لوقع الملك لسيده، فيكون توريثًا للأجنبي بلا سبب، وذلك باطل إجماعًا، وكما لا يرث العبد، فإنه لا يرثه أقرباؤه لأنه لا ملك له.
فعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: «من باع عبدًا له مال، فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع» (5) فالبائع هو سيده، وهو يملك العبد وماله.
2 -
القتل:
فإن القاتل لا يرث مَن قتله إذا قتله على وجه يتعلق به القصاص بالاتفاق،
(1) سورة الأحزاب: 6.
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504).
(3)
صححه الألباني: أخرجه الحاكم (4/ 341)، والبيهقي (10/ 292)، وانظر «الإرواء» (1668).
(4)
«شرح الرجبية» (ص 23)، و «الدسوقي» (4/ 485)، و «العذب الفائض» (1/ 23).
(5)
صحيح: أخرجه البخاري (2204)، ومسلم (1543).