الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا الحَدِيث أَحْكَام
الأول: أَن حق نفس الرجل يقدم على حق غَيره. الثَّانِي: أَن نَفَقَة الْوَلَد وَالزَّوْجَة فرض بِلَا خلاف. الثَّالِث: أَن نَفَقَة الخدم وَاجِبَة أَيْضا. الرَّابِع: اسْتدلَّ بقوله: (إِمَّا أَن تطعمني وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي) من قَالَ: يفرق بَين الرجل وَامْرَأَته إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ واختارت فِرَاقه. قَالَ بَعضهم: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يلْزمهَا الصَّبْر وتتعلق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ وَاسْتدلَّ الْجُمْهُور بقوله تَعَالَى: {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} (الْبَقَرَة: 231) وَأجَاب الْمُخَالف بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْفِرَاق وَاجِبا لما جَازَ الْإِبْقَاء إِذا رضيت، ورد عَلَيْهِ بِأَن الِاجْتِمَاع دلّ على جَوَاز الْإِبْقَاء إِذا رضيت فَبَقيَ مَا عداهُ على عُمُوم النَّهْي، وبالقياس على الرَّقِيق وَالْحَيَوَان فَإِن من أعْسر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أجبر على بَيْعه. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه الْكُوفِيُّونَ هُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة وَأبي سلمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ المحكي عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ عَن عبد الْوَارِث عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ: كتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى أُمَرَاء الأجناد: ادعوا فلَانا وَفُلَانًا، أُنَاسًا قد انْقَطَعُوا عَن الْمَدِينَة ورحلوا عَنْهَا، إِمَّا أَن يرجِعوا إِلَى نِسَائِهِم وَإِمَّا أَن يبعثوا بِنَفَقَة إلَيْهِنَّ وَإِمَّا أَن يطلقوا ويبعثوا بِنَفَقَة مَا مضى، وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء غير ذَلِك. وَقَول هَذَا الْقَائِل: وَأجَاب الْمُخَالف: هَل أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة أم غَيره؟ فَإِن أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة فَمَا وَجه تَخْصِيصه من بَين هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ ذَلِك إلاّ من أريحة التعصب، وَإِن أَرَادَ بِهِ غَيره مُطلقًا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَأجَاب المخالفون، وَلَا يتم استدلالهم بقوله تَعَالَى:{وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} لِأَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد ومسروقاً وَالْحسن رَاجعهَا ضِرَارًا لِئَلَّا تذْهب إِلَى غَيره ثمَّ يطلقهَا فتعتذ فَإِذا شارفت على انْقِضَاء الْعدة يُطلق ليطول عَلَيْهَا الْعدة فنهاهم الله عَن ذَلِك وتوعدهم عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه} أَي: بمخالفة أَمر الله عز وجل، فَبَطل استدلالهم بِهَذَا وَعُمُوم النَّهْي لَيْسَ فِيمَا قَالُوا: وَإِنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي ذكر: عَن ابْن عَبَّاس وَمن مَعَه، وَالْقِيَاس على الرَّقِيق وَالْحَيَوَان قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَلَا يَصح بَيَانه أَن الرَّقِيق وَالْحَيَوَان أَن لَا يملكَانِ شَيْئا وَلَا يجد الرَّقِيق من يسلفه وَلَا يصبران على عدم النَّفَقَة، بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا تصبر وتستدين على ذمَّة زَوجهَا، وَلِأَن التَّفْرِيق يبطل حَقّهَا وإبقاء النِّكَاح يُؤَخر حَقّهَا إِلَى زمن الْيَسَار عِنْد فقره وَإِلَى زمن الْإِحْضَار عِنْد غيبته، وَالتَّأْخِير أَهْون من الْإِبْطَال.
5356 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خَالِدٍ ابنِ مُسافِرٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غَنًى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَا كَانَ عَن ظهر غنى)، أَي: مَا كَانَ عفوا قد فشل عَن غنى، وَقيل: أَرَادَ مَا فضل عَن الْعِيَال وَالظّهْر قد يُزَاد فِي مثل هَذَا اتساعا للْكَلَام وتمكينا، كَأَن صدقته مستندة إِلَى ظهر قوي من المَال.
3 -
(بَابٌ: {حَبْسٍ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ العِيَالِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز حبس الرجل قوت سنة، يَعْنِي إدخاره الْقُوت لأجل أَهله يَكْفِيهِ سنة، وَكَيف شَأْن نفقات الْعِيَال والكيفية رَاجِعَة إِلَى صفة النَّفَقَات من حَيْثُ الْفَرِيضَة وَالْوُجُوب وعدمهما.
5357 -
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرنا وَكيعٌ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرِنِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثا حَدَّثَناهُ ابنُ شهابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكٍ بنِ أوْسٍ عَنْ عُمَرَ، رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قَوتَ سَنَتِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَالثَّوْري هُوَ سُفْيَان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد فَاتَ ابْن عُيَيْنَة سَماع هَذَا الحَدِيث من الزُّهْرِيّ فَرَوَاهُ عَنهُ بِوَاسِطَة معمر، وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ بأتم من سِيَاق معمر، وَتقدم فِي سُورَة الْحَشْر. وَأخرجه أَحْمد والْحميدِي فِي (مسنديهما) عَن سُفْيَان عَن معمر وَعَمْرو بن دِينَار جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج مُسلم رِوَايَة معمر وَحدهَا عَن يحيى بن يحيى عَن سُفْيَان عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، لَكِن لم يسق لَفظه، وَأخرج إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) رِوَايَة معمر مُنْفَرِدَة عَن سُفْيَان عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: كَانَ ينْفق على أَهله نَفَقَة سنة من مَال بني النَّضِير، وَيحمل مَا بَقِي فِي الكراع وَالسِّلَاح.
قَوْله: (بني النَّضِير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء، وهم حَيّ من يهود خَيْبَر، وَقد دخلُوا فِي الْعَرَب وهم على نسبتهم إِلَى هَارُون أخي مُوسَى، عليهما السلام.
قَالَ الْمُهلب: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز إدخار الْقُوت للأهل والعيال وَأَنه لَيْسَ بحكرة، وَإِن مَا ضمه الْإِنْسَان من زرعه أَو جد من نخله وثمره وحبسه لقُوته لَا يُسمى حكرة، وَلَا خلاف فِي هَذَا بَين الْفُقَهَاء. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: فِيهِ دَلِيل الرَّد على الصُّوفِيَّة حَيْثُ قَالُوا: الإدخار من يَوْم لغد يسيء فَاعله إِذْ لم يتوكل على ربه حق توكله، وَلَا خَفَاء بِفساد هَذَا القَوْل.
5358 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدَّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخْبَرنِي مَالِكُ بنُ أوْسٍ بنِ الحَدَثَانٍ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ بنِ مِطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بنِ أوْسٍ فَسَألْتُهُ. فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، رضي الله عنه، إذْ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمانِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ {فَأذِنَ لَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا. ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلاً فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأذِنَ لَهُمَا. فَلَمَّا دَخَلا سَلَّما وَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ} اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هاذا. فَقَالَ: الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأصْحَابُهُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا. وَأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكنا فَهُوَ صدقه يُرِيد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَفسه قَالَ الرَّهْط قد قَالَ ذَلِك فَأقبل عمر على عليّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُما بِالله هَلْ تَعُلَمانِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ ذالِكَ؟ قَالا: قَدْ قَالَ ذالِكَ. قَالَ عُمَرُ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هاذا الأمْرِ: إنَّ الله كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ، صلى الله عليه وسلم، فِي هاذا المَالِ بِشَيْء لَمْ يُعْطِهِ أحَدا غَيْرَهُ. قَالَ الله:{مَا أفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هاذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ وَلا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أعْطاكُمُوها وَبَثَّها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْها هاذا المَالُ: فَكانَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هاذا المَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجَعَلَهُ مَجْعَلَ مَالِ الله فَعَمِلَ بِذالِكَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، حَيَاتَهُ. أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ تَعْلَمُونَ ذالِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ تَعْلَمَانِ ذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. ثُمَّ تَوَفَّى الله نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَهَا أبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمَلَ بِهِ فِيها رَسُولُ الله، صلى الله عليه وسلم، وَأنْتُمَا حِينئذٍ. وأقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ كَذا وَكَذا، وَالله