الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَزَلَ فَكُنْتُ أسْمَعُهُ يُكثِرُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحزَنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ وَضَلَعِ الدِّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، فَلَمْ أزَلْ أخْدُمُهُ حَتَّى أقْبَلْنا مِنْ خَيْبَرَ وَأقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي قَدْ حَازَها فَكُنْتُ أرَاهُ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أوْ بِكَسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُها وَرَاءَهُ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسا فِي نِطَعٍ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجالاً فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هاذا جَبَلٌ يُحبُّنا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْها مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صنع حَيْسًا) والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب هَل يُسَافر بالجارية قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْغفار بن دَاوُد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد، وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة أَيْضا. .
قَوْله: (لأبي طَلْحَة) ، اسْمه زيد بن سهل زوج أم أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(من الْهم والحزن)، قيل: هما بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: الْهم لما تصَوره الْعقل من الْمَكْرُوه الحالي، والحزن الْمَكْرُوه وَقع فِي الْمَاضِي. قَوْله:(والكسل) وَهُوَ التثاقل عَن الْأَمر ضد الخفة والجلادة. قَوْله: (وَالْبخل) ضد الْكَرم (والجبن) ضد الشجَاعَة. قَوْله: (وضلع الدّين) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام فَهُوَ ثقل الدّين وشدته. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَنْوَاع الْفَضَائِل ثَلَاثَة: نفسية وبدنية وخارجة. فالنفسانية ثَلَاثَة بِحَسب القوى الثَّلَاث الَّتِي للْإنْسَان الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية فالهم والحزن مِمَّا يتَعَلَّق بالعقلية، والجبن بالغضبية، وَالْبخل بالشهوية وَالْعجز والكسل بالبدنية. وَالثَّانِي: عِنْد سَلامَة الْأَعْضَاء وَتَمام الْآلَات. وَالْأول: عِنْد نُقْصَان الْعُضْو كَمَا فِي الْأَعْمَى والأشل والضلع وَالْغَلَبَة بالخارجية. وَالْأول مَالِي، وَالثَّانِي جاهي، فَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم لَهُ صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(بصفية) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بنت حييّ بن أَخطب النَّضْرِية أم الْمُؤمنِينَ من بَنَات هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى بن عمرَان، عليهما السلام، وَأمّهَا برة بنت سموأل، سباها النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَام خَيْبَر فِي شهر رَمَضَان سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقَالَ غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ. قَوْله:(قد حازها) بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي أَي: اخْتَارَهَا من الْغَنِيمَة، وكل من ضم إِلَى نَفسه شَيْئا فقد حازه. قَوْله:(فَكنت أرَاهُ) أَي: النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (يحوّي لَهَا)، بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو والمشددة أَي: يَجْعَل لَهَا حوية وَهُوَ كسَاء محشو يدار حول سَنَام الرَّاحِلَة يحفظ راكبها من السُّقُوط ويستريح بالاستناد إِلَيْهِ. قَوْله: (بالصهباء) بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْبَاء اسْم منزل بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة. قَوْله: (فِي نطع) فِيهِ أَربع لُغَات: نطع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الطَّاء ونطع بِفتْحَتَيْنِ، ونطع بِكَسْر النُّون وَسُكُون الطَّاء، ونطع بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، وَيجمع على نطوع وانطاع. قَوْله:(وَكَانَ ذَلِك بِنَاؤُه بهَا) أَي: دُخُوله بصفية. قَوْله: (بدا لَهُ)، أَي: ظهر لَهُ من بعيد. قَوْله: (يحبنا) الظَّاهِر أَنه مجَازًا أَو إِضْمَار أَي: يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة، وَيحْتَمل الْحَقِيقَة لشمُول قدرَة الله تَعَالَى. قَوْله:(مثل مَا حرم) المثلية بَين حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة فِي الْحُرْمَة فَقَط لَا فِي الْجَزَاء وَغَيره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لفظ: (بِهِ) زَائِد قلت: لَا بل مثل مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: أحرم مثل مَا حرم بِهِ. فَإِن قلت: مَا ذَاك؟ قلت: دعاؤه بِالتَّحْرِيمِ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: وَأحرم مَا بَين جبليها بِهَذَا اللَّفْظ، وَهُوَ أحرم مثل مَا حرم إِبْرَاهِيم، عليه الصلاة والسلام. قَوْله:(فِي مدهم) الْمَدّ رَطْل وَثلث رَطْل أَو رطلان، والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْمَقْصُود بَارك لَهُم فِيمَا يقدر بِالْمدِّ والصاع وَهُوَ الطَّعَام وَالْبركَة فِي الْمَوْزُون بِهِ يسْتَلْزم الْبركَة فِي الْمَوْزُون.
29 -
(بَابُ: {الأَكْلِ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُرْمَة الْأكل فِي إِنَّا مفضض، وَهُوَ المرصع بِالْفِضَّةِ يُقَال: لجام مفضض أَي: مرصع بِالْفِضَّةِ وَمَعْنَاهُ: إِنَاء مفضض وإناء متخذ من فضَّة وإناء مضبب بِفِضَّة وإناء مَطْلِي بِالْفِضَّةِ، أما الْإِنَاء المفضض فَيجوز الشّرْب فِيهِ عِنْد أبي
حنيفَة إِذا كَانَ يَتَّقِي مَوضِع الْفضة، وَهُوَ أَن يَتَّقِي مَوضِع الْفَم وَمَوْضِع الْيَد، وَكَذَلِكَ الْجُلُوس على السرير المفضض والكرسي المفضض بِهَذَا الشَّرْط وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكره ذَلِك وَبِه قَالَ مُحَمَّد فِي رِوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى مَعَ أبي حنيفَة وَأما الْإِنَاء الْمُتَّخذ من الْفضة فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله أصلا لَا بِالْأَكْلِ وَلَا بالشرب وَلَا بالإدهان وَنَحْو ذَلِك للرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الْإِنَاء المضبب بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب فعلى الْخلاف الْمَذْكُور، والمضبب هُوَ المشدد بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب وَمِنْه: ضبب أَسْنَانه بِالْفِضَّةِ إِذا شدها، وَأما الْإِنَاء المطلي بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب فَإِن كَانَ يخلص شَيْء مِنْهَا بالإذابة فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله، وَإِن كَانَ لَا يخلص شَيْء فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد أَصْحَابنَا.
5426 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سَيْفُ بنُ أبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجاهِدا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي لَيْلَى أنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجوسيٌّ فَلَمَّا وَضَعَ القَدَحَ فِي يَدِهِ رَماهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلا أنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ؟ كَأنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أفْعَلْ هاذا، وَلاكِنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيباجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَّةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صَحَافِها، فَإنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) مَا حَاصله: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة. لِأَن التَّرْجَمَة فِي إِنَاء مفضض، والْحَدِيث فِي إِنَاء الْمُتَّخذ من الْفضة إلَاّ إِن كَانَ الْإِنَاء الَّذِي سقِِي فِيهِ حُذَيْفَة كَانَ مضببا وَأَن الضبة مَوضِع الشّفة عِنْد الشّرْب فَلهُ وَجه على بعد، وَقَالَ بَعضهم: أجَاب الْكرْمَانِي بِأَن لفظ: مفضض، وَإِن كَانَ ظَاهرا فِيمَا فِيهِ فضَّة لكنه يَشْمَل مَا كَانَ متخذا كُله من فضَّة. قلت: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ بالشمول بِمَعْنى أَنه يُطلق على الْمَعْنيين بِحَسب اللُّغَة فَيحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَإِن كَانَ بِحَسب الِاصْطِلَاح بالفقهاء قد فرقوا بَين المفضض والمتخذ من الْفضة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: المفضض لَيْسَ بِإِنَاء ذهب وَلَا فضَّة وَلَيْسَ بِحرَام مَا لم يَقع النَّهْي عَنهُ، وَكَذَلِكَ المضبب، وَهُوَ وَجه لبَعض الشَّافِعِيَّة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَسيف بن أبي سُلَيْمَان، وَيُقَال ابْن سُلَيْمَان المَخْزُومِي، وَقَالَ يحيى الْقطَّان: كَانَ حَيا سنة خمسين وَمِائَة، وَكَانَ عندنَا ثِقَة مِمَّن يصدق ويحفظ، وروى لَهُ مُسلم أَيْضا، وَحُذَيْفَة هُوَ ابْن الْيَمَان الْعَبْسِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي مُوسَى وَفِي اللبَاس عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَفِي الْأَشْرِبَة أَيْضا عَن حَفْص بن عمر الحوضي، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي مُوسَى بِهِ وَعَن غَيرهم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن حَفْص بن عمر بِهِ وَعَن غَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد وَفِي الْوَلِيمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَفِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (فَسَقَاهُ مَجُوسِيّ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن حَكِيم، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَة بِالْمَدَائِنِ فاستسقي حُذَيْفَة فَجَاءَهُ دهقان بشراب فِي إِنَاء من فضَّة فَرَمَاهُ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن ابْن أبي ليلى يحدث أَن حُذيفة استقى فَأَتَاهُ إِنْسَان بِإِنَاء من فضَّة فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ إِنِّي كنت نهيته فَأبى أَن يَنْتَهِي الحَدِيث. قَوْله:(رَمَاه بِهِ) أَي: رمى الْقدح بِالشرابِ أَو رمى الشَّرَاب بالقدح، وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن قَوْله:(فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ) يدل عَلَيْهِ ويروى رمى بِهِ. قَوْله: (غير مرّة) أَي: لَوْلَا أَنِّي نهيته مرَارًا كَثِيرَة عَن اسْتِعْمَال آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لما رميت بِهِ وَلَا اكتفيت بالزجر اللساني، لَكِن لما تكَرر النَّهْي بِاللِّسَانِ فَلم ينزجر رميت بِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. قَوْله:(كَأَنَّهُ يَقُول) أَي: كَانَ حُذَيْفَة يَقُول: لم أفعل هَذَا أَي: الشّرْب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، ثمَّ استدرك فِي بَيَان ذَلِك بقوله وَلَكِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِره. قَوْله:(وَلَا الديباج) وَقَالَ ابْن الْأَثِير الديباج الثِّيَاب المتخذة من الإبريسم، فَارسي مُعرب، وَقد يفتح داله وَيجمع على: دبابج ودبايج، بِالْبَاء وَالْيَاء لِأَن أَصله دباج بتَشْديد الْيَاء. قَوْله:(فِي صحافها) جمع صَحْفَة وَهِي إِنَاء كالقصعة المبسوطة وَنَحْوهَا. وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْفضة وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: صحافهما، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا} (التَّوْبَة: 34)