الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فر من المجذوم) وَعَفَّان هُوَ ابْن مُسلم الصفار وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَلَكِن أَكثر مَا يخرج عَنهُ بِوَاسِطَة، وَهَذَا تَعْلِيق صَحِيح وَقد جزم أَبُو نعيم أَنه أخرجه عَنهُ بِلَا رِوَايَة، وعَلى طَريقَة ابْن الصّلاح يكون مَوْصُولا، وَوَصله أَبُو نعيم من طَرِيق أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو قُتَيْبَة مُسلم بن قُتَيْبَة كِلَاهُمَا عَن سليم بن حَيَّان شيخ عَفَّان فِيهِ، وسليم بِفَتْح السِّين المهلمة وَكسر اللَّام ابْن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَسَعِيد بن ميناء بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون بِالْمدِّ وَالْقصر.
والْحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان بِزِيَادَة: وَلَا نوء، وروى أَبُو نعيم من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: اتَّقوا المجذوم كَمَا يَتَّقِي الْأسد، وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي أوفى: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كلم المجذوم وَبَيْنك وَبَينه قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ) . فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ بيد مجذوم فَأدْخلهُ مَعَه فِي الْقَصعَة، ثمَّ قَالَ:(كل بِسم الله، وثقة بِاللَّه، وتوكلاً عَلَيْهِ) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: غَرِيب، فَكيف وَجه الْجمع بَين هَذَا وَبَين حَدِيث الْبَاب؟ قلت: أُجِيب بأجوبة: مِنْهَا: أَن هَذَا الحَدِيث لَا يُقَاوم حَدِيث الْبَاب، والمعارضة لَا تكون إلَاّ مَعَ التَّسَاوِي. الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَأْكُل مَعَه، وَإِنَّمَا أذن لَهُ بِالْأَكْلِ، ذكره الكلاباذي. وَالثَّالِث: على تَقْدِير أكله مَعَه أَن هَذِه الْأَمْرَاض لَا تعدِي بطبعها، وَلَكِن الله تَعَالَى جعل مُخَالطَة الْمَرِيض بهَا للصحيح سَببا لإعدائه مَرضه، ثمَّ قد يتَخَلَّف ذَلِك عَن سَببه كَمَا فِي سَائِر الْأَسْبَاب. فَفِي الحَدِيث الأول نفي مَا كَانَ يَعْتَقِدهُ الجاهلي من أَن ذَلِك يعدي بطبعه، وَلِهَذَا قَالَ: فَمن أعدى الأول؟ وَفِي قَوْله: (فر من المجذوم) أعلم أَن الله تَعَالَى جعل ذَلِك سَببا، فحذَّر من الضَّرَر الَّذِي يغلب وجوده عِنْد وجوده بِفعل الله عز وجل. الرَّابِع: مَا قَالَه عِيَاض: اخْتلفت الْآثَار فِي المجذوم، فجَاء عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أكل مَعَ مجذوم، وَقَالَ: ثِقَة بِاللَّه وتوكلاً عَلَيْهِ، قَالَ: فَذهب عمر رضي الله عنه وَجَمَاعَة من السّلف إِلَى الْأكل مَعَه، وَرَأَوا أَن الْأَمر باجتنابه مَنْسُوخ، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك عِيسَى بن دِينَار من الْمَالِكِيَّة. (الْخَامِس) مَا قَالَه الطَّبَرِيّ: اخْتلف السّلف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث، فَأنْكر بَعضهم أَن يكون صلى الله عليه وسلم أَمر بالبعد من ذِي عاهة جذاماً كَانَ أَو غَيره، قَالُوا: قد أكل مَعَ مجذوم وَأَقْعَدَهُ مَعَه، وَفعله أَصْحَابه المهديون، وَكَانَ ابْن عمر وسلمان يصنعان الطَّعَام للمجذومين ويأكلان مَعَهم، وَعَن عَائِشَة: أَن امْرَأَة سَأَلتهَا أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (فر من المجذوم فرارك من الْأسد؟ فَقَالَت عَائِشَة: كلا وَالله، وَلكنه قَالَ: لَا عدوى، وَقَالَ: فَمن أعدى الأول؟ وَكَانَ مولى لنا أَصَابَهُ ذَلِك الدَّاء فَكَانَ يَأْكُل فِي صحافي وَيشْرب فِي أقداحي وينام على فِرَاشِي) . قَالُوا: وَقد أبطل صلى الله عليه وسلم الْعَدْوى (السَّادِس) مَا قَالَه بَعضهم: إِن الْخَبَر صَحِيح، وَأمره بالفرار مِنْهُ لنَهْيه عَن النّظر إِلَيْهِ.
قَوْله: (لَا عدوى) هُوَ اسْم من الإعداء كالرعوى والبقوي من الإرعاء والإبقاء، يُقَال: أعداه الدَّاء يعديه إعداء وَهُوَ أَن يُصِيبهُ مثل مَا يصاحب الدَّاء، وَكَانُوا يظنون أَن الْمَرَض بِنَفسِهِ يعدي فأعلمهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الله عز وجل هُوَ الَّذِي يمرض وَينزل الدَّاء، وَلِهَذَا قَالَ: فَمن أعدى الأول؟ أَي: من أَيْن صَار فِيهِ الجرب. قَوْله: (وَلَا طيرة) بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْيَاء وَقد تسكن هِيَ التشاؤم بالشَّيْء، وَهُوَ مصدر تطير يُقَال: تطير طيرة وتحير حيرة، وَلم يَجِيء من المصادر هَكَذَا غَيرهمَا، وَأَصله فِيمَا يُقَال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وَغَيرهمَا، وَكَانَ ذَلِك يصدهم عَن مقاصدهم، فنفاه الشَّرْع وأبطله وَنهى عَنهُ، وَأخْبر أَنه لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي جلب نفع أَو دفع ضرّ. قَوْله:(وَلَا هَامة) الهامة الرَّأْس وَاسم طَائِر وَهُوَ المُرَاد فِي الحَدِيث، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يتشاءمون بهَا وَهِي من طير اللَّيْل، وَقيل: هِيَ البومة، وَقيل: كَانَت الْعَرَب تزْعم أَن روح الْقَتِيل الَّذِي لَا يدْرك بثأره يصير هَامة فَيَقُول: اسقوني اسقوني، فَإِذا أدْرك بثأره طارت، وَقيل: كَانُوا يَزْعمُونَ أَن عِظَام الْمَيِّت وَقيل: روحه تصير هَامة فتطير ويسمونه: الصدى، فنفاه الْإِسْلَام ونهاهم عَنهُ، وَذكره الْهَرَوِيّ فِي الْهَاء وَالْوَاو، وَذكره الْجَوْهَرِي فِي الْهَاء وَالْيَاء. قَوْله:(وَلَا صفر) كَانَت الْعَرَب تزْعم أَن فِي الْبَطن حَيَّة يُقَال لَهَا: الصفر، تصيب الْإِنْسَان إِذا جَاع وتؤذيه، وَإِنَّهَا تعدِي فَأبْطل الْإِسْلَام ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ بِهِ النسيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر ويجعلون صفر هُوَ الشَّهْر الْحَرَام، فأبطله الْإِسْلَام. قَوْله:(فر) من فر يفر من بَاب ضرب يضْرب، وَيجوز فِيهِ فتح الرَّاء وَكسرهَا، وَيجوز الفك أَيْضا على مَا عرف فِي علم الصّرْف. قَوْله:(كَمَا تَفِر) كلمة مَا مَصْدَرِيَّة أَي: كفرارك من الْأسد.
20 -
(بابٌ المنُّ شِفاءٌ لِلْعَيْنِ)