الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخمر بطلوا الشَّرَاب وأراقوا مَا بَقِي مِنْهُ.
وَبَيَان الْوَجْه الثَّانِي من ذَلِك هُوَ قَوْله: وَعَن الثَّانِيَة يَعْنِي: الْجَواب عَن الْحجَّة الثَّانِيَة مَا تقدم من أَن اخْتِلَاف المشتركين فِي الحكم فِي الغلظ لَا يلْزم مِنْهُ افتراقهما فِي التَّسْمِيَة كَالزِّنَا مثلا، فَإِنَّهُ يصدق على من وطىء أَجْنَبِيَّة، وعَلى من وطىء امْرَأَة جَاره. وَالثَّانِي أغْلظ من الأول، وعَلى من وطىء محرما لَهُ وَهُوَ أغْلظ، وَاسم الزِّنَا مَعَ ذَلِك شَامِل للثَّلَاثَة. اهـ. قُلْنَا: سُبْحَانَ الله مَا أبعد هَذَا الْجَواب بِشَيْء وَنحن قَائِلُونَ بِهِ، وَذَلِكَ أَن الِاشْتِرَاك فِي الحكم فِي الغلظ لَا يسْتَلْزم افتراقهما فِي التَّسْمِيَة عِنْد وجود السكر فِي الْعصير الْمُتَّخذ من غير الْعِنَب، فَمن قَالَ: إِن الْعصير الْمُتَّخذ من غير الْعِنَب قيل السكر مُشْتَرك مَعَ عصير الْعِنَب المشتد فِي الحكم وَكَيف يكون ذَلِك والعصير الْمُتَّخذ من غير الْعِنَب قبل السكر لَا يُسمى حَرَامًا فضلا عَن أَن يُسمى خمرًا، بِخِلَاف الْعصير من الْعِنَب المشتد فَإِنَّهُ حرَام أسكر أَو لم يسكر؟ فأنِّي يَشْتَرِكَانِ فِي الحكم، وَالزِّنَا حرَام فِي كل حَالَة مُطلقًا من غير تَفْصِيل.
وَبَيَان الْوَجْه الثَّالِث من ذَلِك هُوَ قَوْله وَعَن الثَّالِثَة: أَي الْجَواب عَن الْحجَّة الثَّالِثَة ثُبُوت النَّقْل عَن أعلم النَّاس بِلِسَان الْعَرَب بِمَا نَفَاهُ هُوَ، كَيفَ؟ وَهُوَ يستجيز أَن يَقُول: لَا لمخامرة الْعقل مَعَ قَول عمر رضي الله عنه بِمحضر الصَّحَابَة: الْخمر مَا خامر الْعقل، وَكَانَ مُسْتَنده مَا ادَّعَاهُ من اتِّفَاق أهل اللُّغَة فَيحمل قَول عمر على الْمجَاز. اهـ. قُلْنَا: قَول صَاحب (الْهِدَايَة) فَإِنَّمَا سمى خمرًا لتخمره لَا لمخامرته الْعقل غير معَارض لكَلَام عمر رضي الله عنه فَإِن مُرَاده من حَيْثُ الِاشْتِقَاق لِأَن الْخمر ثلاثي فَكيف يشتق من المخامرة الَّذِي هُوَ مزِيد الثلاثي؟ وإنكاره من هَذِه الْجِهَة على أَنه قَالَ بعد ذَلِك: على أَن مَا ذكرْتُمْ لَا يُنَافِي كَون اسْم الْخمر خَاصّا فِي النيء من مَاء الْعِنَب إِذا أسكر، فَإِن النَّجْم مُشْتَقّ من الظُّهُور وَهُوَ اسْم خَاص للنجم الْمَعْرُوف وَهُوَ الثريا، وَلَيْسَ هُوَ باسم لكل مَا ظهر، وَهَذَا كثير النَّظَائِر نَحْو: القارورة فَإِنَّهَا مُشْتَقَّة من الْقَرار وَلَيْسَت اسْما لكل مَا يُقرر فِيهِ شَيْء وَلم أر أحدا من شرَّاح (الْهِدَايَة) حرر هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة وَللَّه الْحَمد.
وَمُلَخَّص الْكَلَام بِمَا فِيهِ الرَّد على كل من رد على أَصْحَابنَا فِيمَا قَالُوهُ من إِطْلَاق الْخمر حَقِيقَة على النيء من مَاء الْعِنَب المشتد وعَلى غَيره مجَازًا وتشبيهاً، مِنْهُم: أَبُو عمر والقرطبي والخطابي وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد صَحِيح، قَالَ: حرمت الْخمْرَة بِعَينهَا والمسكر من كل شراب، وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن شهَاب عَن ابْن أبي ليلى عَن عِيسَى: أَن أَبَاهُ بَعثه إِلَى أنس رضي الله عنه فِي حَاجَة فأبصر عِنْده طلاء شَدِيدا، والطلاء مِمَّا يسكر كَثِيره. فَلم يكن عِنْد أنس ذَلِك خمرًا وَإِن كَثِيره يسكر فَثَبت بذلك أَن الْخمر لم يكن عِنْد أنس من كل شراب يسكر، وَلكنهَا من خَاص من الْأَشْرِبَة، وَهَذَا يدل على أَن أنسا كَانَ يشرب الطلاء، وَمَعَ هَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ: ذهب أَكثر الشَّافِعِيَّة إِلَى أَن الْخمر حَقِيقَة فِيمَا يتَّخذ من الْعِنَب مجَاز فِي غَيره، وَقَالَ بَعضهم: وَخَالفهُ ابْن الرّفْعَة فَنقل عَن الْمُزنِيّ وَابْن أبي هُرَيْرَة وَأكْثر الْأَصْحَاب أَن الْجَمِيع يُسمى خمرًا حَقِيقَة. قلت: هَذَا الْقَائِل لم يدر الْفرق بَين الرَّافِعِيّ وَابْن الرّفْعَة، وَالله سُبْحَانَهُ وَأعلم.
6 -
(بابُ مَا جاءَ فِيمَن يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ ويُسَمِّيه بِغَيْرِ اسْمِه)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي حق من يرى الْخمر حَلَالا. قَوْله: (ويسميه) أَي: يُسَمِّي الْخمر أَي: وَفِي بَيَان من يُسمى الْخمر بِغَيْر اسْمه، وَإِنَّمَا ذكر ضمير الْخمر بالتذكير مَعَ أَن الْخمر مؤنث سَمَاعي بِاعْتِبَار الشَّرَاب. قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى يسميها بِغَيْر اسْمهَا يَعْنِي: بتأنيث الضَّمِير على الأَصْل.
5590 -
وَقَالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدثنَا صَدَقَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا عبدُ الرَّحْمانِ بنُ يَزِيدَ بنِ جابِرٍ حَدثنَا عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ الكِلَابِيُّ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ غَنْمٍ الأشْعَرِيُّ قَالَ: حدّثني أبُو عامِرٍ. أوْ أبُو مالِكٍ الأشْعَرِيُّ. وَالله مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: لِيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَليْهِمْ بِسارِحَةٍ لَهُمْ يأْتِيهِمْ يَعْني: الفَقِيرَ لحاجَةٍ، فَيَقُولُون: ارْجِعْ إلَيْنا غَداً فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَعُ العَلَمَ، ويَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وخنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
مُطَابقَة الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق الْجُزْء الثَّانِي قيل: أَشَارَ بقوله (ويسميه) بِغَيْر اسْمه إِلَى حَدِيث رُوِيَ فِي ذَلِك، وَلكنه لم يُخرجهُ لكَونه على غير شَرطه، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق مَالك بن أبي مَرْيَم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ليشربنَّ ناسٌ الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا يضْرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأَرْض، وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير.
قَوْله: وَقَالَ هِشَام بن عمار بن نصير بن ميسرَة أَبُو الْوَلِيد السّلمِيّ الدِّمَشْقِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وروى عَنهُ فِي فضل أبي بكر رضي الله عنه وَفِي الْبيُوع أسْند عَنهُ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي ثَلَاث مَوَاضِع يَقُول: قَالَ هِشَام بن عمار فِي الْأَشْرِبَة هَذَا، وَفِي الْمَغَازِي: إِن النَّاس كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة تفَرقُوا فِي ظلال شجر، وَفِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة لَا يَقُول: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَالظَّاهِر أَنه أَخذ هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام هَذَا مذاكرة.
والْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَت صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَقد تقرر عِنْد الْحفاظ أَن الَّذِي يَأْتِي بِهِ البُخَارِيّ من التَّعَالِيق كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم يكون صَحِيحا إِلَى من علقه عَنهُ، وَلَو لم يكن من شبوخه. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد والمنقطع لَا تقوم بِهِ حجَّة. قلت: وهم ابْن حزم فِي هَذَا، فَالْبُخَارِي إِنَّمَا قَالَ: قَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا صَدَقَة وَلم يقل: قَالَ صَدَقَة بن خَالِد. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وليته أعله بِصَدقَة فَإِن يحيى قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء، رَوَاهُ ابْن الْجُنَيْد عَنهُ، وروى الْمروزِي عَن أَحْمد: لَيْسَ بِمُسْتَقِيم وَلم يرضه. قلت: هَذَا تمنٍ غير مرجو فِيهِ، المُرَاد فَإِن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ عَن أَبِيه، فَقِيه ثِقَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، أثبت من الْوَلِيد بن مُسلم صَالح الحَدِيث. وَقَالَ دُحَيْم وَالْعجلِي وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وروى عَن يحيى أَيْضا، وَذهل صَاحب (التَّوْضِيح) وَظن أَنه الْمَنْقُول عَن أَحْمد وَيحيى فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي صَدَقَة بن عبد السمين وَهُوَ أقدم من صَدَقَة بن خَالِد، وَقد شَاركهُ فِي كَونه دمشقياً، وَفِي رِوَايَة عَن بعض شُيُوخه كزيد بن وَاقد وَهُوَ صَدَقَة بن خَالِد الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى أم الْبَنِينَ أُخْت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَالَه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَقيل: مولى أم الْبَنِينَ أُخْت عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه قَالَه هِشَام بن عمار الرَّاوِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَآخر تقدم فِي مَنَاقِب أبي بكر، وَصدقَة هَذَا يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن جَابر الْأَزْدِيّ مر فِي الصَّوْم وَهُوَ يروي عَن عطيةِ بن قيس الْكلابِي الشَّامي التَّابِعِيّ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: ابْن كريب بن هانىء مُخْتَلف فِي صحبته، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ أَبوهُ مِمَّن قدم على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَذكر ابْن يُونُس أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ مَعَ أَبِيه حِين وَفد، وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَغَيره من حفاظ الشَّام: إِنَّه أدْرك النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَلم يلقه. وَقَالَ أَبُو عمر عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ جاهلي: كَانَ مُسلما على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلم يره، وَلم يفد عَلَيْهِ، ولازم معَاذ بن جبل رضي الله عنه مُنْذُ بَعثه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيمن إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة عمر رضي الله عنه وَسمع من عمر بن الْخطاب، وَكَانَ أفقه أهل الشَّام، وَهُوَ الَّذِي فقه عَامَّة التَّابِعين بِالشَّام، وَمَات بِالشَّام سنة ثَمَان وَسبعين.
قَوْله: (قَالَ حَدثنِي أَبُو عَامر، أَو أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ) هَكَذَا رَوَاهُ أَكثر الْحفاظ عَن هِشَام بن عمار بِالشَّكِّ، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة بشر بن بكر، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من رِوَايَة بشر بن بكر حَدثنِي أَبُو مَالك بِغَيْر شكّ، وَالرَّاجِح أَنه عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور، قيل: اسْمه كَعْب، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبيد يعد فِي الشاميين، وَأما أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ الْمزي: اخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: عبيد الله بن هانىء وَقيل: عبد الله بن وهب، وَقيل: عبيد بن وهب، سكن الشَّام وَلَيْسَ بعم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ذَاك قتل أَيَّام حنين فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، واسْمه عبيد بن حضار، وَهَذَا بَقِي إِلَى زمن عبد الْملك بن مَرْوَان. فَإِن قلت: قَالَ الْمُهلب: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لِأَن البُخَارِيّ لم يسْندهُ من أجل شكّ الْمُحدث فِي (الصاحب) فَقَالَ أَبُو عَامر أَو أَبُو مَالك: قلت:
هَذَا لَيْسَ بِشَيْء إِذْ الترديد فِي الصَّحَابِيّ لَا يضر إِذْ كلهم عدُول. قَوْله (وَالله مَا كَذبَنِي) هَذَا تَأْكِيد ومبالغة فِي صدق الصَّحَابِيّ لِأَن عَدَالَة الصَّحَابَة مَعْلُومَة، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْجَمَاعَة أَنه عَن وَاحِد لَا عَن اثْنَيْنِ قيل: هَذَا كَلَام سَاقِط لِأَنَّهُ من قَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث من اثْنَيْنِ حَتَّى يُؤَيّد بِهَذَا اللَّفْظ أَنه من وَاحِد. قلت: لَا بل هُوَ كَلَام موجه لِأَن ابْن حبَان روى عَن الْحُسَيْن بن عبد الله عَن هِشَام بِهَذَا السَّنَد إِلَى عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه سمع أَبَا عَامر وَأَبا مَالك الْأَشْعَرِيين يَقُولَانِ فَذكر الحَدِيث، كَذَا قَالَ، وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة الْجَمَاعَة بِالشَّكِّ. قَوْله (من أمتِي) قَالَ ابْن التِّين. قَوْله (من أمتِي) يحْتَمل أَن يُرِيد من تسمى بهم ويستحل مَا لَا يحل فَهُوَ كَافِر إِن أظهر ذَلِك، ومنافق إِن أسره أَو يكون مرتكب الْمَحَارِم تهاوناً واستخفافاً فَهُوَ يُقَارب الْكفْر، وَالَّذِي يُوضح فِي النّظر أَن هَذَا لَا يكون إلَاّ مِمَّن يعْتَقد الْكفْر ويتسمَّ بِالْإِسْلَامِ، لِأَن الله عز وجل لَا يخسف من تعود عَلَيْهِ رَحمته فِي الْمعَاد، وَقيل: كَونهم من الْأمة يبعد مَعَه أَن يستحلوها بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف، فَإِن ذَلِك مجاهرة بِالْخرُوجِ عَن الْأمة إِذْ تَحْرِيم الْخمر مَعْلُوم ضَرُورَة. قَوْله:(يسْتَحلُّونَ الْحر) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: الْفرج، وَأَصله: الْجرْح، فحذفت إِحْدَى الحائين مِنْهُ، كَذَا ضَبطه ابْن نَاصِر، وَكَذَا هُوَ فِي مُعظم الرِّوَايَات من (صَحِيح البُخَارِيّ) وَقَالَ ابْن التِّين: هُوَ بالمعجمتين يَعْنِي: الْخَزّ وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ تَصْحِيف، وَإِنَّمَا روينَاهُ بالمهملتين وَهُوَ الْفرج، وَالْمعْنَى: يسْتَحلُّونَ الزِّنَا، وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: إِن فِي كتاب أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ مَا يَقْتَضِي أَنه الْخَزّ بالزاي وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ الْفرج وَلَيْسَ كَمَا أَوله من صحفه، فَقَالَ: الْخَزّ من أجل مقارنته الْحَرِير فَاسْتعْمل التَّصْحِيف بالمقارنة، وَحكى عِيَاض فِيهِ تَشْدِيد الرَّاء، وَقَالَ ابْن قرقول: مخفف الرَّاء، فرج الْمَرْأَة وَهُوَ الأصوب، وَقيل: أَصله بِالتَّاءِ بعد الرَّاء فحذفت، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَحسب أَن قَوْله: (من الْخَزّ) لَيْسَ بِمَحْفُوظ لِأَن كثيرا من الصَّحَابَة لبسوه، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: أورد أَبُو دَاوُد هَذَا الْخَبَر فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَزّ، كَذَا الرِّوَايَة فَدلَّ أَنه عِنْده كَذَلِك وَكَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ، وَهِي ثِيَاب مَعْرُوفَة لبسهَا غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، فَيكون النَّهْي عَنهُ لأجل التَّشَبُّه. قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه ابْن بطال، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث يرويهِ أَبُو ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يسْتَحل الْخَزّ وَالْحَرِير، يُرَاد بِهِ استحلال الْحَرَام من الْفرج. قَوْله:(وَالْحَرِير) قَالَ ابْن بطال: واستحلالهم الْحَرِير أَي: يسْتَحلُّونَ النَّهْي عَنهُ، وَالنَّهْي عَنهُ فِي كتاب الله تَعَالَى:{فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور: 63) . قَوْله وَالْمَعَازِف الملاهي جمع معزفة، يُقَال: هِيَ آلَات الملاهي، وَنقل الْقُرْطُبِيّ عَن الْجَوْهَرِي: إِن المعازف القيان، وَالَّذِي ذكره فِي (الصِّحَاح) أَنَّهَا آلَات اللَّهْو، وَقيل: أصوات الملاهي، وَفِي (حَوَاشِي الدمياطي) : المعازف الدفوف وَغَيرهَا مِمَّا يضْرب بِهِ، وَيُطلق على الْغناء عزف، وعَلى كل لعب عزف، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك بن أبي مَرْيَم تَغْدُو عَلَيْهِم القيان وَتَروح عَلَيْهِم المعازف. قَوْله (علم) بِفتْحَتَيْنِ الْجَبَل وَالْجمع أَعْلَام، وَقيل: الْعلم رَأس الْجَبَل. قَوْله: (يروح عَلَيْهِم) فَاعل يروح مَحْذُوف أَي: يروح عَلَيْهِم الرَّاعِي بِقَرِينَة السارحة لِأَن السارحة هِيَ الْغنم الَّتِي تسرح لَا بُد لَهَا من الرَّاعِي، ويروى: تروح عَلَيْهِم سارحة، بِدُونِ حرف الْبَاء، فعلى هَذَا سارحة مَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعل يروح أَي: تروح سارحة كائنة لَهُم، الْمَعْنى: أَن الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى رعيها، وَتَروح أَي: ترجع بالْعَشي إِلَى مألفها. قَوْله (يَأْتِيهم) فَاعله (الْفَقِير) وَلِهَذَا قَالَ: يَعْنِي الْفَقِير، وَفِي رِوَايَة يَأْتِيهم فَقَط فَاعله مَحْذُوف، وَهُوَ الْفَقِير يدل عَلَيْهِ قَوْله (لحَاجَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض المخرجات: يَأْتِيهم رجل لحَاجَة، تَصْرِيحًا بِلَفْظ: رجل، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فيأتيهم طَالب حَاجَة. قَوْله: (فيبيتهم الله) أَي: يُهْلِكهُمْ بِاللَّيْلِ، والبيات هجوم الْعَدو لَيْلًا. قَوْله:(وَيَضَع الْعلم) أَي: يضع الْجَبَل بِأَن يدكدكه عَلَيْهِم ويوقعه على رؤوسهم، ويروى: وَيَضَع الْعلم عَلَيْهِم بِزِيَادَة لفظ: عَلَيْهِم. قَوْله: (ويمسخ آخَرين) أَي: يمسخ جمَاعَة آخَرين مِمَّن لم يُهْلِكهُمْ البيات، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يحْتَمل الْحَقِيقَة كَمَا وَقع فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة، وَيحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن تبدل أَخْلَاقهم، وَقَالَ ابْن بطال: المسخ فِي حكم الْجَوَاز فِي هَذِه الْأمة إِن لم يأتِ خبر يُهْلِكهُمْ يرفع جَوَازه، وَقد وَردت أَحَادِيث بَيِّنَة الْأَسَانِيد أَنه يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث أَن الْقُرْآن يرفع من الصُّدُور، وَأَن الْخُشُوع وَالْأَمَانَة ينزعان مِنْهُم، وَلَا مسخ أَكثر من هَذَا، وَقد يكون الحَدِيث على ظَاهره فيمسخ الله من أَرَادَ تَعْجِيل عُقُوبَته، كَمَا أهلك قوما بالخسف، وَقد رَأينَا ذَلِك عيَانًا، فَكَذَلِك المسخ يكون، وَزعم