الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الذَّبَائِح وَأَحْكَام الصَّيْد وَبَيَان التَّسْمِيَة عِنْد إرْسَال الْكَلْب على الصَّيْد، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة وَأبي ذَر فِي رِوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ، وَلأبي الْوَقْت: بَاب بدل كتاب وَسقط للنسفي أصلا، والذبائح جمع ذَبِيحَة بِمَعْنى المذبوحة. قَوْله:(وَالتَّسْمِيَة على الصَّيْد) أَي: وَفِي بَيَان وجوب التَّسْمِيَة على الصَّيْد.
1 -
(بَابُ: {التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب التَّسْمِيَة على الصَّيْد، وَلَفظ: بَاب لم يثبت فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَلَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر، وَثَبت للباقين. وَالصَّيْد مصدر من صَاد يصيد صيدا فَهُوَ صائد وَذَاكَ مصيد وَقد يَقع الصَّيْد على المصيد نَفسه تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ كَمَا فِي قَوْله عز وجل:{لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} (الْمَائِدَة: 95) قيل: لَا يُقَال للشَّيْء صيد حَتَّى يكون مُمْتَنعا حَلَالا لَا مَالك لَهُ.
وقَوْلَهُ تَعَالَى: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ الله بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} إلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ ألِيمٌ} (الْمَائِدَة: 94) وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (الْمَائِدَة: 1) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيِّتَةُ وَالدَّمُ} إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (الْمَائِدَة: 3) .
فِي كثير من النّسخ ذكر هَذِه الْآيَات الثَّلَاث وَهِي فِي الْمَائِدَة الأولى: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} الثَّانِيَة: قَوْله تَعَالَى: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلى الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن الله يحكم مَا يُرِيد} الثَّالِثَة: قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب وَأَن تستقيموا بالأزلام ذَلِكُم فسق الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون} (الْمَائِدَة: 3) وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} إِلَى قَوْله: {فَلَا تخشوهم واخشون} وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد} قَالَ بعض الشُّرَّاح. كَذَا لأبي ذَر، وَقدم وَأخر فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَزَاد بعدقوله:{تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} الْآيَة. إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} وَعند النَّسَفِيّ فِي قَوْله: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} . الْآيَتَيْنِ وَكَذَا لأبي الْوَقْت لَكِن قَالَ إِلَى قَوْله: {فَلَا تخشوهم واخشون} وفرقهما فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي. قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم} الْآيَة. نزلت فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فَكَانَت الْوَحْش وَالطير تغشاهم فِي رحالهم فيتمكنون من صيدها أخذا بِالْأَيْدِي وطعنا بِالرِّمَاحِ جَهرا أَو سرا لتظهر طَاعَة من يُطِيع مِنْهُم فِي سره وجهره، وَقَالَ الْوَالِبِي عَن ابْن عَبَّاس: ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم. قَالَ: هُوَ الضَّعِيف من الصَّيْد وصغيره يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فِي إحرامهم حَتَّى لَو شاؤوا لتناولوه بِأَيْدِيهِم فنهاهم الله أَن يقربوه، قَالَ مُجَاهِد: تناله أَيْدِيكُم، يَعْنِي: صغَار الصَّيْد وفراخه، ورماحكم كباره. قَوْله:(فَمن اعْتدى بعد ذَلِك)، أَي: بعد هَذَا الْإِعْلَام والإنذار {فَلهُ عَذَاب أَلِيم} أَي: لمُخَالفَة أَمر الله وشرعه. قَوْله: (أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام)، هِيَ: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. قَالَه الْحسن وَقَتَادَة. قَوْله: (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم)، اسْتثِْنَاء من قَوْله:(أحلّت لكم) قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي بذلك الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ، والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع، فَإِن هَذِه وَإِن كَانَت من الْأَنْعَام إِلَّا أَنَّهَا تحرم بِهَذِهِ الْعَوَارِض، وَلِهَذَا قَالَ:{إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب} مِنْهَا فَإِنَّهُ حرَام لَا يُمكن استدراكه. قَوْله: (غير محلى الصَّيْد) نصب على الْحَال، وَالْمرَاد بالأنعام مَا يعم الْإِنْسِي من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَمَا يعم الوحشي كالظباء وَنَحْوه، فاستثنى من الْإِنْس مَا تقدم، واستثني من الوحشي الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام، وَالْحرم جمع حرَام. قَوْله:(إِن الله يحكم مَا يُرِيد) يَعْنِي: أَن الله حَكِيم فِي جَمِيع مَا يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ. قَوْله: (حرمت عَلَيْكُم الْميتَة) اسْتثْنى مِنْهَا السّمك وَالْجَرَاد. قَوْله: (وَالدَّم) يَعْنِي: المسفوح. قَوْله: (وَلحم الْخِنْزِير)، سَوَاء كَانَ إنسيا أَو وحشيا. وَقَوله:(وَاللَّحم يعم جَمِيع أَجْزَائِهِ. قَوْله: (وَمَا أهل لغير الله بِهِ) أَي: مَا ذبح
على اسْم غير الله من صنم أَو وثن أَو طاغوت، أَو غير ذَلِك، من سَائِر الْمَخْلُوقَات فَإِنَّهُ حرَام بِالْإِجْمَاع. قَوْله:(والمنخنقة)، هِيَ الَّتِي تَمُوت بالخنق إِمَّا قصدا أَو اتِّفَاقًا بِأَن تتخبل فِي وثاقها فتموت فَهِيَ حرَام. قَوْله:(والموقوذة) هِيَ الَّتِي تضرب بِشَيْء ثقيل غير مَحْدُود حَتَّى تَمُوت، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يضربونها بالعصا حَتَّى إِذا مَاتَت أكلوها. قَوْله: (والمتردية) ، هِيَ الَّتِي تقع من شَاهِق فتموت بذلك فَتحرم، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا الَّتِي تسْقط من جبل، وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ الَّتِي تتردى فِي بِئْر. قَوْله: (النطيحة)، هِيَ الَّتِي تَمُوت بِسَبَب نطح غَيرهَا لَهَا وَإِن جرحها الْقرن وسال مِنْهَا الدَّم وَلَو من مذبحها. قَوْله:(وَمَا أكل السَّبع)، أَي: مَا عدا عَلَيْهَا أَسد أَو فَهد، أَو نمر، أَو ذِئْب أَو كلب فَأكل بَعضهم فَمَاتَتْ بذلك فَهِيَ حرَام وَإِن كَانَ قد سَالَ مِنْهَا الدَّم وَلَو من مذبحها فَهِيَ حرَام بِالْإِجْمَاع. قَوْله:(إِلَّا مَا ذكيتم) ، عَائِد على مَا يُمكن عوده عَلَيْهِ مِمَّا اتّفق سَبَب مَوته وَأمكن تَدَارُكه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة. وَعَن ابْن عَبَّاس إِلَّا مَا ذبحتم من هَذِه الْأَشْيَاء وَفِيه روح فكلوه فَهُوَ ذكي، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالسُّديّ، وَرُوِيَ عَن طَاوُوس وَالْحسن وَقَتَادَة وَعبيد بن عُمَيْر وَالضَّحَّاك وَغير وَاحِد، أَن المذكاة مَتى تحركت حَرَكَة تدل على بَقَاء الرّوح فِيهَا بعد الذّبْح فَهِيَ حَلَال وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَبِه يَقُول أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، رحمهم الله. قَوْله:(وَمَا ذبح على النصب)، قَالَ مُجَاهِد وَابْن جريج: كَانَت النصب حِجَارَة حول الْكَعْبَة قَالَ ابْن جريج: وَهِي ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ نصبا كَانَت الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا يذبحون عِنْدهَا ويلطخون مَا أقبل مِنْهَا إِلَى الْبَيْت بدماء تِلْكَ الذَّبَائِح ويشرحون اللَّحْم ويضعونه على النصب. قَوْله: (وَأَن تستقسموا بالأزلام)، أَي: وَحرم عَلَيْكُم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ الاستقسام بالأزلام، وَهُوَ جمع زلم بِفَتْح الزَّاي، وَهِي عبارَة عَن أقداح ثَلَاثَة على أَحدهَا مَكْتُوب افْعَل، وعَلى الآخر: لَا تفعل، وَالثَّالِث: غفل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. وَقيل: مَكْتُوب على الْوَاحِد أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي، وَالثَّالِث غفل لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء، فَإِذا جَاءَ السهْم الْآمِر فعله، أَو الناهي تَركه وَإِن طلع الفارغ أعَاد الاستقسام. قَوْله:(ذَلِكُم فسق)، أَي: تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك. قَوْله: (الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا)، يَعْنِي: يئسوا أَن يراجعوا دينهم. وَقيل: يئسوا من مشابهة الْمُسلمين بِمَا تميز بِهِ الْمُسلمُونَ من هَذِه الصِّفَات الْمُخَالفَة للشرك وَأَهله وَلِهَذَا أَمر الله عباده الْمُؤمنِينَ أَن يصيروا ويثبتوا فِي مُخَالفَة الْكفَّار وَلَا يخَافُوا أحدا إلَاّ الله تَعَالَى. فَقَالَ: {فَلَا تخشوهم واخشون} . حَتَّى: أَنْصُركُمْ عَلَيْهِم وأظفركم بهم وأشف صدوركم مِنْهُم وأجعلكم فَوْقهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) وَفسّر الْعُقُود بالعهود، وَحكى ابْن جرير الْإِجْمَاع على ذَلِك. وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: الْعُقُود يَعْنِي: مَا أحل الله وَمَا حرمه وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن كُله. وَلَا تغدروا وَلَا تنكثوا قَوْله: (إلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُم) . قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي: الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.
{يَجْرِمَنَّكُمْ: يَحْمِلَنَّكُمْ شَنآنُ: عَدَاوَةُ} )
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم إِن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام} (الْمَائِدَة: 2) أَي: لَا يحملنكم بغض قوم على الْعدوان، وَقَرَأَ الْأَعْمَش بِضَم الْيَاء فِي: لَا يجرمنكم وَفسّر قَوْله: شنآن بقوله: عَدَاوَة وقرىء بِسُكُون النُّون أَيْضا، وَأنكر السّكُون من قَالَ: لَا يكون الْمصدر على فعلان.
قد مر تَفْسِير هَذِه الْأَشْيَاء عَن قريب قَوْله: يوقذها من أَو قذ والموقودة من وقذ يُقَال: وقذه وأوقذه، والوقذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فِي الأَصْل: الضَّرْب المثخن، وَالْكَسْر الْمُؤَدِّي للْمَوْت. قَوْله:(فَمَا أَدْرَكته)، بِفَتْح التَّاء على خطاب الْحَاضِر. قَوْله:(يَتَحَرَّك) فِي مَوضِع الْحَال أَي: فَمَا أَدْرَكته حَالَة كَونه متحركا بِذَنبِهِ قَوْله: (فاذبح) أَمر من ذبح (وكل) أَمر من أكل.
5475 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زَكَريَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رضي الله عنه، قَالَ: سألْتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ صَيْدِ المِعْرَاضِ؟ قَالَ: مَا أصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ وَسَألْتُهُ عَنْ صَيْدِ الكَلْبِ؟ فَقَالَ: مَا أمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإنَّ أخْذَ الكَلْبِ ذَكَاةٌ وَإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلَبِكَ أوْ كِلابِكَ كَلَبا غَيْرَهُ فَخَشِيتَ أنْ يَكُونَ أخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة على تَقْدِير وجود قَوْله: بَاب التَّسْمِيَة على الصَّيْد وإلَاّ فَلقَوْله: كتاب الصَّيْد والذبائح وَالتَّسْمِيَة على الصَّيْد أظهر لِأَن فِي الحَدِيث ثَلَاثَة أَشْيَاء مَشْرُوعِيَّة الصَّيْد، وَوُجُوب ذَكَاته حَقِيقَة أَو حكما وَوُجُوب التَّسْمِيَة وللترجمة ثَلَاثَة أَجزَاء يُطَابق كل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وكل وَاحِد من أَجزَاء التَّرْجَمَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن؟ وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وعدي بن حَاتِم بن عبد الله بن سعد الطَّائِي الْجواد بن الْجواد، وَكَانَ إِسْلَامه سنة الْفَتْح، وَثَبت هُوَ وَقَومه على الْإِسْلَام نزل الْكُوفَة وَشهد الْفتُوح بالعراق، ثمَّ كَانَ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات بِالْكُوفَةِ زمن الْمُخْتَار سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة، وَيُقَال: مَاتَ بقرقيسيا، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي (كتاب المعمرين) . قَالُوا: عَاشَ عدي بن حَاتِم مائَة وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ أَعور.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان، من غير ذكر قصَّة المعراض، وَمضى أَيْضا فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير المشبهات بِتَمَامِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَغَيره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن عِيسَى وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَآخَرين. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَمْرو بن عبد الله الْأَزْدِيّ وَغَيره.
قَوْله: {عَن عدي بن حَاتِم} وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا عَامر حَدثنَا عدي بن حَاتِم، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن زَكَرِيَّاء مُدَلّس وَقد عنعن. قلت: عَن قريب يَأْتِي عَن الشّعبِيّ: سَمِعت عدي بن حَاتِم. قَوْله: (المعراض) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة. قَالَ الْخَلِيل وَآخَرُونَ: هُوَ سهم لَا ريش لَهُ وَلَا نصل. وَقَالَ ابْن دُرَيْد وَابْن سَيّده: سهم طَوِيل لَهُ أَربع قذذ رقاق فَإِذا رمى بِهِ اعْترض، وَقَالَ الْخطابِيّ: المعراض نصل عريض لَهُ ثقل ورزانة. وَقيل: عود رَقِيق الطَّرفَيْنِ غليظ الْوسط وَهُوَ الْمُسَمّى بالحذافة، وَقيل: خَشَبَة ثَقيلَة آخرهَا عَصا محدد رَأسهَا وَقد لَا يحدد. وَقَالَ ابْن التِّين: المعراض عَصا فِي طرفها حَدِيدَة يَرْمِي الصَّائِد بهَا الصَّيْد فَمَا أصَاب بحده فَهُوَ ذكي فيؤكل، وَمَا أصَاب بِغَيْر حَده فَهُوَ وقيذ، وَهُوَ معنى قَوْله:(فَهُوَ وقيذ) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف وبالذال الْمُعْجَمَة على وزن فعيل، بِمَعْنى مفعول، وَقد مر تَفْسِير الموقوذة عَن قريب. قَوْله:(فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاة) أَي: حكمه حكم التذكية فَيحل أكله كَمَا يحل أكل المذكاة. قَوْله: (أَو كلابك)، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:(كَلْبا غَيره) أَرَادَ بِهِ كَلْبا لم يُرْسِلهُ من هُوَ أَهله.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى من الْأَبْوَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء من ذَلِك لبعد الْمسَافَة فَنَقُول.
الأول من الْأَحْكَام: مَشْرُوعِيَّة الصَّيْد بِهِ وَبِالْقُرْآنِ أَيْضا. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِذا حللتم فاصطادوا} وَقَالَ عِيَاض: الِاصْطِيَاد يُبَاح لمن اصطاده للاكتساب وَالْحَاجة وَالِانْتِفَاع بِالْأَكْلِ وَالثمن، وَاخْتلفُوا فِيمَن اصطاد للهو، وَلَكِن يقْصد التذكية وَالْإِبَاحَة وَالِانْتِفَاع فكرهه مَالك وَأَجَازَهُ اللَّيْث وَابْن عبد الحكم فَإِن فعله بِغَيْر نِيَّة التذكية فَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ فَسَاد فِي الأَرْض وَإِتْلَاف نفس عَبَثا وَقد نهى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، عَن قتل الْحَيَوَان إلَاّ لمأكلة وَنهى أَيْضا عَن الْإِكْثَار من الصَّيْد، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا: من سكن الْبَادِيَة فقد جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد فقد غفل، وَمن لزم السُّلْطَان افْتتن وَقَالَ: حسن غَرِيب وَأعله الْكَرَابِيسِي بِأبي مُوسَى أحد رُوَاته، وَقَالَ حَدِيثه لَيْسَ بالقائم، وروى أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بأسناد ضَعِيف، وَأَيْضًا من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ شريك.
الثَّانِي: أَن سيد