الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا شكّ أَن المَاء مبارك فِيهِ: فَلذَلِك قَالَ جَابر فِي حَدِيث الْبَاب: فَعلمت أَنه بركَة، وَمِنْه قَول أَيُّوب، عليه السلام: لَا غنى لي عَن بركتك، فَسمى الذَّهَب بركَة، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: بَيْنَمَا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا خر عَلَيْهِ جَراد من ذهب، فَجعل أَيُّوب يحثي فِي ثَوْبه، فناداه ربه عز وجل: يَا أَيُّوب {ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى؟ قَالَ: بلَى يَا رب، وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك.
5639 -
حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عَن الأعْمَشِ قَالَ: حدّثني سالِمُ بنُ أبي الجَعْدِ عنْ جابِرِ بن عبْدِ الله، رضي الله عنهما، هاذَا الحَدِيثَ قَالَ: قَدْ رَأيْتُنِي مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ حَضَرَتِ العَصْرُ ولَيْسَ مَعَنا ماءٌ غَيْر فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إناءٍ فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بِهِ فأدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وفَرَّجَ أصابِعَهُ ثُمَّ قَالَ: حيَّ عَلى أهْلِ الوَضُوءِ} البَرَكَةُ مِنَ الله، فَلَقَدْ رأيْتُ الماءَ يتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أصابِعهِ فَتَوَضَّأ النَّاسُ وشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لَا آلُوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أنَّهُ بَرَكَةٌ.
قُلْتُ لِجابِرٍ: كمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألْفاً وأرْبَعَمِائَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَعلمت أَنه بركَة) وَيُمكن أَن يجل قَوْله: (الْبركَة من الله) مطابقاً للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله:(وَالْمَاء الْمُبَارك) .
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد مر فِي عَلَامَات النُّبُوَّة من رِوَايَة حُصَيْن عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر.
قَوْله: (هَذَا الحَدِيث) أَشَارَ بِهِ إِلَى الَّذِي بعده. قَوْله: (قد رَأَيْتنِي) أَي: قد رَأَيْت نَفسِي، وَهَذَا يعد من بَاب التَّجْرِيد. قَوْله:(وَقد حضرت الْعَصْر) أَي: صَلَاة الْعَصْر، وَكَانَ ذَلِك فِي الْحُدَيْبِيَة. قَوْله:(غير فضلَة)، الفضلة مَا فضل من الشَّيْء. قَوْله:(فَأتي) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (حَيّ على أهل الْوضُوء) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَيّ على الْوضُوء، بِإِسْقَاط لفظ: أهل، وَهَذِه أصوب، وَوجه الأول أَن: حَيّ، مَعْنَاهُ: أَسْرعُوا، وَأهل الْوضُوء مَنْصُوب على النداء، وَحذف مِنْهُ حرف النداء. وَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ قَالَ: حَيّ على الْوضُوء الْمُبَارك يَا أهل الْوضُوء. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل تَقْدِيره: حَيّ عَليّ، بتَشْديد الْيَاء يَعْنِي: أَسْرعُوا إِلَيّ يَا أهل الْوضُوء، وَهُوَ بِفَتْح الْوَاو اسْم لما يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله:(يتفجر) من التفجر، وَهُوَ التفتح بِالسَّعَةِ وَالْكَثْرَة. قَوْله:(من بَين أَصَابِعه) يحْتَمل أَن يكون الانفجار من نفس الْأَصَابِع يَنْبع مِنْهَا وَأَن يخرج من بَين الْأَصَابِع لَا من نَفسهَا، وعَلى كل تَقْدِير فَالْكل معْجزَة عَظِيمَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَالْأول أقوى لِأَنَّهُ من اللَّحْم. قَوْله:(لَا آلو) أَي: لَا أقصر فِي الاستكثار من شربه، وَلَا أفتر فِيمَا أقدر أَن أجعله فِي بَطْني من ذَلِك المَاء.
وَفِيه: من الْفِقْه: أَن الْإِسْرَاف فِي الطَّعَام وَالشرَاب مَكْرُوه إِلَّا الْأَشْيَاء الَّتِي أرى الله فِيهَا بركَة غير معهودة، وَأَنه لَا بَأْس بالاستكثار مِنْهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِك سرف وَلَا استكثار وَلَا كَرَاهِيَة.
قَوْله: (قلت لجَابِر) الْقَائِل هُوَ سَالم بن أبي الْجَعْد. قَوْله: (ألفا وَأَرْبَعمِائَة) بِالنّصب على أَنه خبر: كَانَ، وَالتَّقْدِير: كُنَّا ألفا وَأَرْبَعمِائَة، وَعند الْأَكْثَرين: ألف وَأَرْبَعمِائَة، بِالرَّفْع تَقْدِيره: نَحن يومئذٍ ألف وَأَرْبَعمِائَة، فَيكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَقد مر الْكَلَام على الِاخْتِلَاف على جَابر فِي عَددهمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة.
75 -
(كتابُ المَرْضَى)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْوَال المرضى، وَهُوَ جمع مَرِيض، وَالْمَرَض خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي، ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ حَالَة أَو ملكة تصدر بهَا الْأَفْعَال عَن الْمَوْضُوع لَهَا غير سليمَة، وَقدم ابْن بطال عَلَيْهِ: كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَذكره بعد كتاب الْأَدَب.
1 -
(بابُ مَا جاءَ فِي كَفَّارةِ المَرَض)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي كَفَّارَة الْمَرَض، وَالْكَفَّارَة صِيغَة الْمُبَالغَة من الْكفْر، وَهُوَ التغطية قيل: الْمَرَض لَيْسَ لَهُ كَفَّارَة بل هُوَ كَفَّارَة للْغَيْر. وَأجِيب بِأَن الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، نَحْو: شجر الْأَرَاك، أَي: كَفَّارَة هِيَ مرض أَو الْإِضَافَة بِمَعْنى: فِي، فَكَانَ
الْمَرَض ظرف لِلْكَفَّارَةِ، أَو هُوَ من بَاب إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، ثمَّ إعلم بِأَنَّهُ قد جرت الْعَادة بَين المؤلفين على أَنهم إِذا ذكرُوا لفظ: الْكتاب، فِي أَي شَيْء كَانَ يذكرُونَ عَقِيبه لفظ: الْبَاب بَابا بعد بَاب إِلَى أَن تَنْتَهِي الْإِشَارَة بالأبواب إِلَى الْأَنْوَاع الَّتِي تَتَضَمَّن الْكتاب وَالْبَاب بِمَعْنى النَّوْع، يَأْتِي: وَهَكَذَا وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عقيب التَّرْجَمَة بِكِتَاب المرضى عِنْد الْأَكْثَرين وَخَالفهُم النَّسَفِيّ فَلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطِّبّ، بل صدر بِكِتَاب الطِّبّ ثمَّ ذكر التَّسْمِيَة، ثمَّ قَالَ: مَا جَاءَ. . إِلَى آخِره، وَلِهَذَا وَقع فِي بعض النّسخ هُنَا مَوضِع كتاب المرضى كتاب الطِّبّ.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} (النِّسَاء: 123) .
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَا جَاءَ، لِأَنَّهُ مجرور محلا بِالْإِضَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بِالْكتاب هُوَ أَن الْآيَة أَعم من يَوْم الْقِيَامَة، فَيتَنَاوَل الْجَزَاء فِي الدُّنْيَا بِأَن يكون مَرضه عُقُوبَة لتِلْك الْمعْصِيَة، فَيغْفر لَهُ بِسَبَب ذَلِك الْمَرَض. وَقيل: الْحَاصِل أَن الْمَرَض كَمَا جَازَ أَن يكون مكفراً للخطايا كَذَلِك يكون جُزْءا لَهَا. وَقَالَ ابْن بطال: ذهب أَكثر أهل التَّأْوِيل إِلَى أَن معنى الْآيَة أَن الْمُسلم يجازى على خطاياه فِي الدُّنْيَا بالمصائب الَّتِي تقع لَهُ فِيهَا، فَتكون كَفَّارَة لَهَا. وَقَالَ اللَّيْث: عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لما نزل قَوْله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يُجز بِهِ} خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لقد أنزلت عَليّ آيَة هِيَ خير لأمتي من الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا، ثمَّ قَرَأَهَا، ثمَّ قَالَ: إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا فتصيبه شدَّة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فَإِن الله تَعَالَى أكْرم من أَن يعذبه ثَانِيًا.
5640 -
حدّثنا أبُو اليَمانِ الحَكَمُ بنُ نافِعٍ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْر أنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها، زَوُجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المسْلِمَ إلَاّ كَفَّرَ الله بِها عنْهُ حتَّى الشَّوْكَةُ يُشاكُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا جَاءَ فِي كَفَّارَة الْمَرَض. وَحَدِيث عَائِشَة مِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق مَالك بن أنس وَيُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا من مُصِيبَة يصاب بهَا الْمُسلم إلَاّ كفر بهَا عَنهُ، حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها
…
وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة فَمَا فَوْقهَا إلَاّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة.
قَوْله: (مَا من مُصِيبَة) أصل الْمُصِيبَة الرَّمية بِالسَّهْمِ ثمَّ اسْتعْملت فِي كل نازلة، وَقَالَ الرَّاغِب: أصَاب يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر، قَالَ الله عز وجل:{إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبك مُصِيبَة} (التَّوْبَة: 50)
الْآيَة قَالَ: وَقيل: الْإِصَابَة فِي الْخَيْر مَأْخُوذَة من الصوب، وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي ينزل بِقدر الْحَاجة من غير ضَرَر، وَفِي الشَّرّ مَأْخُوذَة من أصابة السهْم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُصِيبَة فِي اللُّغَة مَا ينزل بالإنسان مُطلقًا، وَفِي الْعرف: مَا نزل بِهِ من مَكْرُوه خَاصَّة، وَهُوَ المُرَاد هُنَا. قَوْله:(حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الشَّوْكَة مُبْتَدأ، أَو يشاكها خَبره، وَرِوَايَة الْجَرّ ظَاهِرَة، وَالضَّمِير فِي: يشاكها، مَفْعُوله الثَّانِي، وَالْمَفْعُول الأول مُضْمر. أَي: يشاك الْمُسلم تِلْكَ الشَّوْكَة. قيل: وَيجوز النصب بِتَقْدِير عَامل أَي: حَتَّى وجد الشَّوْكَة يشاكها. قَوْله: (يشاكها) بِالضَّمِّ، قَالَ الْكسَائي: شكت الرجل الشَّوْكَة أَي: أدخلت فِي جسده شَوْكَة، وشيك، هُوَ مَا لم يسم فَاعله، يشاك شوكاً، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: شاكتني الشَّوْكَة إِذا دخلت فِي جَسَدِي، وَيُقَال: أشكت فلَانا أَي: آذيته بِالشَّوْكَةِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ متعدٍ إِلَى مفعول وَاحِد، فَمَا هَذَا الضَّمِير؟ قلت: هُوَ من بَاب وصل الْفِعْل أَي: يشاك بهَا، فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل. وَقَالَ ابْن التِّين: حَقِيقَة قَوْله: (يشاكها) أَي: يدخلهَا غَيره. قلت: يردهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة، بِإِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهَا، وَهُوَ الْحَقِيقَة، وَلَكِن لَا يمْنَع: إِرَادَة الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَهُوَ أَن تدخل هِيَ بِغَيْر فعل أحد، أَو تدخل بِفعل أحد. فَإِن قلت: على هَذَا يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز. قلت: هَذَا لَا يمْنَع عِنْد من يجوز الْجمع بَين إِرَادَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما عِنْد من يمْنَع ذَلِك فَيكون من بَاب عُمُوم الْمجَاز.
5641 -
حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا عبْدُ المَلِكِ بنُ عَمرٍ وَحدثنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَة عنْ عطاءِ بنِ يَسار عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. وعنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَا يُ صِيبُ المُسْلمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ ولَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذَى ولَا غَمٍّ حتَّى الشوْكَةِ يُشاكها، إلَاّ كَفَّرَ الله بِها مِنْ خَطَاياهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الْملك بن عَمْرو هُوَ أَبُو عَامر الْعَقدي مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه، وَزُهَيْر مصغر الزهر هُوَ ابْن مُحَمَّد أَبُو الْمُنْذر التَّمِيمِي، وَتَكَلَّمُوا فِي حفظه لَكِن قَالَ البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) : مَا روى عَنهُ أهل الشَّام فَإِنَّهُ مَنَاكِير، وَمَا روى عَنهُ أهل الْبَصْرَة فَإِنَّهُ صَحِيح. وَقَالَ فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : زُهَيْر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الْعَنْبَري الْخُرَاسَانِي الْمروزِي روى عَنهُ أَبُو عَامر الْعَقدي عِنْد البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، وَقيل: لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر فِي الاسْتِئْذَان وَمُحَمّد بن عَمْرو بن حلحلة بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون اللَّام الأولى وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي بكر وَأبي كريب، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن سُفْيَان بن وَكِيع.
قَوْله: (من نصب) أَي: من تَعب وَزنه وَمَعْنَاهُ. قَوْله: (وَلَا وصب) وَهُوَ الْمَرَض وَزنه وَمَعْنَاهُ. قَوْله: (وَلَا هم) وَهُوَ الْمَكْرُوه يلْحق الْإِنْسَان بِحَسب مَا يَقْصِدهُ، والحزن مَا يلْحقهُ بِسَبَب حُصُول مَكْرُوه فِي الْمَاضِي وهما من أمراض الْبَاطِن، والأذى مَا يلْحقهُ من تعدِي الْغَيْر عَلَيْهِ، وَالْغَم بالغين الْمُعْجَمَة مَا يضيق على الْقلب، وَقيل: فِي هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَهِي الْهم وَالْغَم والحزن: إِن الْهم ينشأ عَن الْفِكر فِيمَا يتَوَقَّع حُصُوله مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ، وَالْغَم كرب يحدث للقلب بِسَبَب مَا حصل، والحزن يحدث لفقد مَا يشق على الْمَرْء فَقده، وَقيل: الْغم والحزن بِمَعْنى وَاحِد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْغم يَشْمَل جَمِيع المكروهات لِأَنَّهُ إِمَّا بِسَبَب مَا يعرض للبدن أَو للنَّفس، وَالْأول إِمَّا بِحَيْثُ يخرج عَن المجرى الطبيعي أَو لَا، وَالثَّانِي إِمَّا أَن يُلَاحظ فِيهِ الْغَيْر أَو لَا ثمَّ ذَلِك إِمَّا أَن يظْهر فِيهِ الانقباض والاغتمام أَو لَا ثمَّ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى الْمَاضِي أَو لَا.
5643 -
حدّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيى عنْ سُفْيانَ عنْ سَعْدٍ عنْ عبْدِ الله بنِ كَعْبٍ عنْ أبِيهِ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَثَل المُؤْمِنِ كالخامةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفيِّئُها الرِّيحُ مَرَّةً وتعْدِلُها مَرَّةً، ومَثَلُ المُنافق كالأرْزَةِ لَا تَزَالُ حتَّى يَكُونَ انْجِعافُها مَرَّةً واحِدَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مثل الْمُؤمن كالخامة من الزَّرْع) لِأَن المُرَاد من تَشْبِيه الْمُؤمن بالخامة فِي كَونه تَارَة يَصح وَتارَة يضعف، كالخامة تحمر ثمَّ تصفر فَلَا تبقى على حَالَة وَاحِدَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبد الله بن كَعْب يروي عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك أَبُو عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تيب عَلَيْهِم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ.
قَوْله: (كالخامة) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم هِيَ الْفضة الرّطبَة من النَّبَات أول مَا ينب، وَفِي (الْمُحكم) هِيَ أول مَا ينْبت على سَاق وَاحِد، وَقيل: هِيَ الطَّاعَة الغضة مِنْهُ. وَقيل: هِيَ الشَّجَرَة الغضة الرّطبَة، وَقَالَ الْقَزاز، وَرُوِيَ الخافة بِالْفَاءِ وَهِي الطَّاقَة، وَقَالَ الْخَلِيل: الخامة الزَّرْع أول مَا ينْبت على سَاق وَاحِد، وَالْألف فِيهَا منقلبة عَن وَاو، وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) فِي حَدِيث جَابر: مثل الْمُؤمن مثل السنبلة تستقيم مرّة وتخر مرّة، وَله فِي حَدِيث أبي بن كَعْب: مثل الْمُؤمن مثل الخامة تحمر مرّة وَتَصْفَر أُخْرَى. قَوْله: (تفيئها الرّيح) أَي: تميلها، وَعَن أبي عبد الْملك أَي: ترقدها، ومادته: فَاء وياء وهمزة، وَأَصله من فَاء إِذا رَجَعَ، وأفاءه غَيره إِذا رجعه. وَقَالَ ابْن قرقول: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: تفيأها، بِفَتْح التَّاء وَالْفَاء. قَوْله:(وتعدلها أُخْرَى) بِفَتْح التَّاء وَكسر الدَّال، أَي: ترفعها، ويروى بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَالتَّشْدِيد، وَفِي رِوَايَة مُسلم: تفيئها الرّيح تصرعها مرّة وتعدلها أُخْرَى، وَمثل الْمُنَافِق كالأرزة
…
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور بعده: وَمثل الْفَاجِر، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمثل الْكَافِر. قَوْله: (كالأرزة) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وبالزاي، قَالَ ابْن قرقول: كَذَا الرِّوَايَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا هُوَ الآرزة على وزن فاعلة وَمَعْنَاهَا الثَّابِتَة فِي الأَرْض، وَأنكر هَذَا أَبُو عبيد بِأَن الروَاة اتَّفقُوا على عدم الْمَدّ وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي سُكُون الرَّاء وتحريكه وَالْأَكْثَر
على السّكُون وَقَالَ أَبُو حنيفَة: راؤه سَاكِنة وَلَيْسَ هُوَ نَبَات أَرض الْعَرَب وَلَا السباخ بل يطول طولا شَدِيدا ويغلظ. قلت: شاهدته فِي بِلَاد الرّوم فِي أَرَاضِي بَين جبال طرسوس والأرندة وتكيده، أما طوله فَإِن شَجَرَة مِنْهُ قلعهَا هبوب الرِّيَاح الشَّدِيدَة من جبل وَوصل طرفه إِلَى جبل آخر وَبَينهمَا وَاد عَظِيم فَصَارَ كالجسر من جبل إِلَى جبل، وَأما غلظه فَإِن عشْرين نفسا وَأكْثر مسك بَعضهم بأيادي بعض وَلم يقدروا على أَن يحضنوها. قيل: وَلَا يحمل شَيْئا وَإِنَّمَا يسْتَخْرج من أغصانه الزفت، وَقَالَ قوم: الأرزة على وزن فعلة محركة الْعين أَي الرَّاء، قَالُوا: هُوَ ضرب من الشّجر يُقَال لَهُ: الأرزن، لَهُ صلابة. وَقَالُوا: الْأرز مَعْرُوف واحدته أرزة وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: الصنوبر، وَإِنَّمَا الصنوبر ثَمَر الْأرز. وَقَالَ الْخطابِيّ: الأرزة مَفْتُوحَة الرَّاء الصنوبر، وَقَالَ ابْن فَارس: هِيَ شَجَرَة بالعراق تسمى الصنوبر. قَوْله: (انجعافها) أَي: انقلاعها، قَالَه ابْن سَيّده، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد كسرهَا من وَسطهَا، ومادته جِيم وَعين مُهْملَة وَفَاء، يُقَال: جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع، وَقَالَ الْمُهلب: معنى هَذَا الحَدِيث أَن الْمُؤمن من حَيْثُ جَاءَهُ أَمر الله انطاع لَهُ ولان لَهُ وَرَضي بِهِ، وَإِن جَاءَ مَكْرُوه رجا فِيهِ الْخَيْر، وَإِذا سكن الْبلَاء اعتدل قَائِما بالشكر لرَبه على الْبلَاء، بِخِلَاف الْكَافِر فَإِن الله عز وجل لَا يتفقده باختبار بل يعافيه فِي دُنْيَاهُ وييسر عَلَيْهِ أُمُوره ليعسر عَلَيْهِ فِي معاده حَتَّى إِذا أَرَادَ الله إهلاكه قصمه قَصم الأرزة الصماء ليَكُون مَوته أَشد عذَابا عَلَيْهِ وألماً.
زَكَرِيَّاء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، وَابْن كَعْب هُوَ عبد الله بن كَعْب بن مَالك، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن نمير وَمُحَمّد بن بشر كِلَاهُمَا عَنهُ، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: فِيهِ اسْم ابْن كَعْب مُبْهَم، وَالْآخر: تصريحه بِالتَّحْدِيثِ عَن سعد.
5644 -
حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ: حدّثني مُحَمَّدُ بنُ فُليْحٍ قَالَ: حَدثنِي أبي عنْ هِلَالِ بنِ عَلِيٍّ منْ بَنِي عامِرِ بنِ لَؤَيٍّ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسار عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المُؤْمِن كَمَثَلِ الْخامَةِ مِنَ الزَّرْعِ منْ حَيْثُ أتَتْها الرِّيحُ كَفَأتْها، فَإِذا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بالبَلاءِ، والفاجِرُ كالأرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدَلَةً حَتَّى يَقْصِمَها الله إذَا شاءَ (الحَدِيث 5644 طرفه فِي: 7466) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الله أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن فليح مصغر الفلح بِالْفَاءِ وَاللَّام والحاء الْمُهْملَة، يروي عَن أَبِيه فليح بن سُلَيْمَان، وهلال بن عَليّ من بني عَامر بن لؤَي بِضَم اللَّام وَفتح الْوَاو والهمزة على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَتَشْديد الْيَاء، وَلَيْسَ هِلَال هَذَا من أنفسهم وَإِنَّمَا هُوَ من مواليهم، وَاسم جده أُسَامَة، وَقد ينتسب إِلَى جده وَيُقَال لَهُ أَيْضا: هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، وهلال بن أبي هِلَال تَابِعِيّ صَغِير مدنِي موثق، وَفِي الروَاة: هِلَال بن أبي هِلَال الفِهري تَابِعِيّ مدنِي أَيْضا يروي عَن ابْن عمر، روى عَنهُ أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ وَحده، وَوهم من خلط فيهمَا، وَفِيهِمْ أَيْضا: هِلَال بن أبي هِلَال، مذحجي تَابِعِيّ أَيْضا يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وهلال بن أبي هِلَال أَبُو ظلال بَصرِي تَابِعِيّ أَيْضا يَأْتِي ذكره قَرِيبا فِي: بَاب من ذهب بَصَره، وهلال بن أبي هِلَال شيخ يروي عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَطَاء بن يسَار بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة المخففة وبالراء. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كفأتها) بِفَتْح الْكَاف وَالْفَاء والهمزة أَي: أمالتها، وَنقل ابْن التِّين أَن مِنْهُم من رَوَاهُ بِغَيْر همزَة كَأَنَّهُ سهلها. قَوْله:(فَإِذا اعتدلت تكفأ بالبلاء) قَالَ عِيَاض: وَصَوَابه فَإِذا انقلبت، ثمَّ يكون قَوْله:(تكفأ) رُجُوعا إِلَى وصف الْمُسلم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْبلَاء إِنَّمَا يسْتَعْمل فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمُؤمنِ، فَالْمُنَاسِب أَن يُقَال بِالرِّيحِ، وَأجَاب بِأَن الرّيح أَيْضا بلَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الخامة أَو أَرَادَ بالبلاء مَا يضر بالخامة، أَو لما شبه الْمُؤمن بالخامة أثبت للمشبه بِهِ مَا هُوَ من خَواص الْمُشبه. قَوْله:(صماء) أَي: الصلبة المكتنزة الشَّدِيدَة لَيست بجوفاء وَلَا خوارة ضَعِيفَة. قَوْله: (حَتَّى يقصمها الله) من القصم بِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ الْكسر عَن إبانة بِخِلَاف القصم بِالْفَاءِ.