الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقع إرخاء العذبة من بَين الْيَدَيْنِ كَمَا يَفْعَله طَائِفَة الصُّوفِيَّة وَجَمَاعَة من أهل الْعلم فَهَل الْمَشْرُوع فِيهِ إرخاؤها من الْجَانِب الْأَيْسَر كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد أَو إرسالها من الْجَانِب الْأَيْمن لشرفه؟ وَلم أر مَا يدل على تعْيين الْجَانِب الْأَيْمن إلَاّ فِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَلكنه ضَعِيف، وَحَدِيث أبي أُمَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة جَمِيع بن ثوب عَن أبي سُفْيَان الرعيني عَن أبي أُمَامَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يولي والياً حَتَّى يعممه ويرخي لَهَا من الْجَانِب الْأَيْمن نَحْو الْأذن وَجَمِيع بن ثوب ضَعِيف، وَقَالَ شَيخنَا: وعَلى تَقْدِير ثُبُوته فَلَعَلَّهُ كَانَ يرخيها من الْجَانِب الْأَيْمن ثمَّ يردهَا من الْجَانِب الْأَيْسَر، كَمَا يَفْعَله بَعضهم، إلَاّ أَنه شعار الإمامية، وَقَالَ: مَا المُرَاد بسدل عمَامَته بَين كَتفيهِ؟ هَل المُرَاد سدل الطّرف الْأَسْفَل حَتَّى تكون عذبة؟ أَو المُرَاد سدل الطّرف الْأَعْلَى بِحَيْثُ يغرزها وَيُرْسل مِنْهَا شَيْئا خَلفه؟ يحْتَمل كلا من الْأَمريْنِ، وَلم أر التَّصْرِيح بِكَوْن المرخي من الْعِمَامَة عذبة إلَاّ فِي حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن عدي، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (معرفَة الصَّحَابَة) من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عبد الله بن بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن عدي البهراني عَن أَخِيه عبد الْأَعْلَى بن عدي: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دَعَا عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه يَوْم غَد يرخم فعممه وأرخى عذبة الْعِمَامَة من خَلفه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا فاعتموا، فَإِن العمائم سيماء الْإِسْلَام، وَهِي الحاجز بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين، وَقَالَ الشَّيْخ: مَعَ أَن العذبة الطّرف كعذبة السَّوْط وكعذبة اللِّسَان أَي: طرفه فالطرف الْأَعْلَى يُسمى عذبة من حَيْثُ اللُّغَة، وَإِن كَانَ مُخَالفا للإصطلاح الْعرفِيّ الْآن، وَفِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر مَا يَقْتَضِي أَن الَّذِي كَانَ يُرْسِلهُ بَين كَتفيهِ من الطّرف الْأَعْلَى رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ وَغَيره من رِوَايَة أبي عبد السَّلَام عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يعتم؟ قَالَ: كَانَ يُدِير كور الْعِمَامَة على رَأسه ويغرزها من وَرَائه ويرخي لَهُ ذؤابة بَين كَتفيهِ.
5806 -
حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْد الله حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمٌ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ وَلَا العِمامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا البُرْنُسَ وَلَا ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ وَلَا الخُفَّيْنِ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فإِنْ لَمْ يَجِدْهُما فَلْيقْطَعْهُما أسفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا الْعِمَامَة) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب رضي الله عنهم.
والْحَدِيث قد مضى فِيمَا قبل: بَاب السَّرَاوِيل، غير أَنه أخرجه هُنَا من غير الطَّرِيق الَّذِي أخرجه هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
16 -
(بابُ التقَنُّعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التقنع بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْقَاف وَضم النُّون الْمُشَدّدَة وبالعين الْمُهْملَة وَهُوَ: تَغْطِيَة الرَّأْس، وَأكْثر الْوَجْه برداء أَو غَيره.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعَليْهِ عِصابَةٌ دَسْماءُ
هَذَا طرف من حَدِيث أخرجه مُسْندًا فِي مَوَاضِع مِنْهَا: فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: اقْبَلُوا من محسنهم وتجاوزوا عَن مسيئهم: حَدثنَا أَحْمد بن يَعْقُوب حَدثنَا ابْن الغسيل سَمِعت عِكْرِمَة يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة متعطفاً بهَا على مَنْكِبَيْه وَعَلِيهِ عِصَابَة دسماء
…
الحَدِيث، والدسماء بمهملتين وَالْمدّ ضد النظيفة، قلت: هَذَا تَفْسِير فِيهِ بشاعة، فَلَا يَنْبَغِي أَن يُفَسر عِصَابَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بضد النَّظَافَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ودسماء، قيل: المُرَاد بهَا سَوْدَاء، وَيُقَال: ثوب دسم أَي: وسخ، وَجزم ابْن الْأَثِير أَن دسماء سَوْدَاء. وَفِي (التَّوْضِيح) : والتقنع للرجل عِنْد الْحَاجة مُبَاح، وَقَالَ ابْن وهب: سَأَلت مَالِكًا عَن التقنع بِالثَّوْبِ، فَقَالَ: أما الرجل الَّذِي يجد الْحر وَالْبرد أَو الْأَمر الَّذِي لَهُ فِيهِ عذر فَلَا بَأْس بِهِ، وَأما لغير ذَلِك فَلَا. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: إِذا تقنع لدفع مضرَّة فمباح وَلغيره فمكروه،
فَإِنَّهُ من فعل أهل الريب، وَيكرهُ أَن يفعل شَيْئا يظنّ بِهِ الرِّيبَة.
وَقَالَ أنَسٌ: عَصَّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلى رَأسِهِ حاشِيَةَ بُرْدٍ.
هَذَا أَيْضا طرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبَاب الْمَذْكُور فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار من طَرِيق هِشَام بن زيد بن أنس: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: فَخرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد عصب على رَأسه حَاشِيَة برد. قَوْله: (عصب) بتَشْديد الصَّاد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حَاشِيَة الْبرد جَانِبه، وَقَالَ الْقَزاز: حَاشِيَة الثَّوْب ناحيتاه اللَّتَان فِي طرفهما المهدب، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ بِأَن مَا ذكره من الْعِصَابَة لَا يدْخل فِي التقنع لِأَن التقنع تَغْطِيَة الرَّأْس والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، وَأجَاب بَعضهم بقوله: الْجَامِع بَينهمَا وضع شَيْء زَائِد على الرَّأْس فَوق الْعِمَامَة، قلت: فِي كل من الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب نظر، أما فِي الِاعْتِرَاض فَلِأَن قَوْله: والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، لَيْسَ كَذَلِك، بل الْعِصَابَة شدّ الرَّأْس بِخرقَة مُطلقًا، وَأما فِي الْجَواب فَلِأَن قَوْله: زَائِد، لَا فَائِدَة فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: فَوق الْعِمَامَة لِأَنَّهُ يلْزم من أَنه إِذا كَانَت تَحت الْعِمَامَة لَا تسمى عِصَابَة.
5807 -
حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوساى أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: هاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ رجالٌ مِنَ المُسْلِمِين وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرةٍ مُهاجِراً فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: عَلى رِسْلِكَ! فإِنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أوْ تَرْجُوهُ بِأبِي أنْتَ وأُُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبُو بَكْرٍ: نَفْسَهُ عَلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليَصْحَبَهُ، وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدِه ورَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: فَبَيْنا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِنا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قائِلٌ لأبي بَكْرٍ: هاذا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُقْبِلاً مُتَقَنِّعاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأتِينا فِيها، قَالَ أبُو بَكْرٍ: فِداً لهُ بِأبي وأُمِّي، وَالله إنْ جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلَاّ لِأمْرٍ، فَجاءَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاسْتَأذَنَ فأذِنَ لِهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لِأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَ إنَّما هُمْ أهْلُكَ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله، قَالَ: فإِنِّي قَدْ أذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ. قَالَ: فالصُّحْبةُ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَخُذْ بِأبِي أنْت يَا رسولَ الله إحْدَى راحلَتَيَّ هاتَيْنِ، قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: بالثَّمَنِ. قالَتْ: فَجهَّزْناهُما أحَثَّ الجهَازِ ووضَعْنا لَهُما سُفْرَةٍ فِي جِرابٍ. فَقَطَعَتْ أسْماءُ بِنْتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةٍ مِنْ نِطاقِها فأوْكَتْ بِهِ الجِرَابَ ولِذالِكَ كانَتْ تسمَّى: ذاتَ النِّطاقَينِ ثُمَّ لَحقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بَكْرٍ بِغارٍ فِي جَبَلٍ يُقالُ لهُ: ثَوْرٌ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيال يَبِيتُ عِنْدَهُما عبْدُ الله بنُ أبي بَكْرٍ وهْو غُلامٌ شابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِما سَحَراً فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَةَ كبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أمْراً يُكادانِ بِهِ إلَاّ وَعاهُ حتَّى يَأتِيَهُما بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظلامُ، ويَرْعَى عَليْهِما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُها عَليْهِما حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العشاءِ فَيَبِيتانِ فِي رِسْلِها حَتَّى يَنْعِقَ بهَا عامرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ من تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُقبلا متقنعاً) .
وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف، وَمعمر بن رَاشد.
والْحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مضى فِي الْإِجَارَة مُخْتَصرا فِي: بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة، وَمضى أَيْضا فِي: بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مطولا جدا أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل، قَالَ ابْن شهَاب: فاخبرني عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رضي الله عنها إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (هَاجر إِلَى الْحَبَشَة رجال من الْمُسلمين)، ويروى: هَاجر إِلَى الْحَبَشَة