الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ التعييب من جِهَة الْخلقَة فَهُوَ لَا يجوز لِأَن خلقَة الله لَا تعاب، وَإِن كَانَ من جِهَة صَنْعَة الْآدَمِيّين لم يكره. قَالَ النَّوَوِيّ: من آدَاب الطَّعَام أَن لَا يعاب كَقَوْلِه: مالح قَلِيل الْملح حامض غليظ رَقِيق غير ناضج وَنَحْو ذَلِك.
5409 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طَعاما قَطّ إِن اشْتَهَاهُ أكَلَهُ وَإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره.
22 -
(بَابُ: {النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مُبَاشرَة النفخ فِي الشّعير بعد طحنه ليطير مِنْهُ قشوره وَلَا ينخل بالمنخل، وَقَالَ بَعضهم: فَكَأَنَّهُ نبه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة على أَن النَّهْي عَن النفخ فِي الطَّعَام خَاص بالمطبوخ. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل المُرَاد أَن الشّعير إِذا طحن ينْفخ فِيهِ حَتَّى يذهب عَنهُ القشور ثمَّ يسْتَعْمل خبْزًا أَو طَعَاما أَو سويقا أَو غير ذَلِك. وَلَا ينخل بالمنخل، وَنَفس معنى الحَدِيث يدل على ذَلِك وَالَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل بمعزل من ذَلِك صادر عَن عدم التَّأَمُّل.
5410 -
حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدَّثَنِي أبُو حَازِمٍ أنَّهُ سَألَ سَهْلاً هَلْ رَأيْتُمْ فِي زَمَانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم النّقِيَّ؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: هَلْ كُنْتُمْ تَنْخُلونَ الشَعِيرَ؟ قَالَ: لَا وَلاكِنْ كُنّا نَنْفُخُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كُنَّا ننفخه) وَأَبُو غَسَّان هُوَ مُحَمَّد بن مطرف اللَّيْثِيّ، وَأَبُو حَازِم هَذَا هُوَ سَلمَة بن دِينَار لَا سلمَان الْأَشْجَعِيّ، وَكِلَاهُمَا تابعيان، وَسَهل هُوَ ابْن سعد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (النقي) بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ: الْخبز الْحوَاري الْأَبْيَض، وَهُوَ الَّذِي ينخل دقيقه بعد الطَّحْن. قَوْله:(هَل كُنْتُم تنخلون الشّعير) أَي: بعد طحنه. وَقَالَ بَعضهم: فِي زمن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَظن أَنه احْتَرز عَمَّا قبل الْبعْثَة لكَونه، عليه السلام، كَانَ مُسَافِرًا فِي تِلْكَ الْمدَّة إِلَى الشَّام تَاجِرًا وَكَانَت الشَّام إِذْ ذَاك مَعَ الرّوم وَالْخبْز النقي عِنْدهم كثير، وَكَذَا المناخل وَغَيرهَا من آلَات الترفه. فَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك عِنْدهم فَأَما بعد الْبعْثَة فَلم يكن إلَاّ بِمَكَّة والطائف وَالْمَدينَة، وَوصل إِلَى تَبُوك وَهِي من أَطْرَاف الشَّام، وَلكنه لم يفتحها وَلَا طَالَتْ إِقَامَته بهَا انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: فِي قَوْله: كَانَ مُسَافِرًا فِي تِلْكَ الْمدَّة تَاجِرًا، وَلم يكن تَاجِرًا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خرج أَولا إِلَى نَاحيَة الشَّام مَعَ عَمه أبي طَالب وَكَانَ لَهُ من الْعُمر اثْنَتَيْ عشرَة سنة شَهْرَان وَعشرَة أَيَّام. قَالَه الْوَاقِدِيّ: وَقَالَ الطَّبَرِيّ: كَانَ لَهُ تسع سِنِين، وَالْأول أصح، وَفِيه وَقعت قصَّة بحيرى الراهب، وَخرج فِي الْمرة الثَّانِيَة فِي سنة خمس وَعشْرين من مولده مَعَ غُلَام خَدِيجَة بنت خويلد، استأجرته خَدِيجَة على أَربع بكرات وَخرج فِي مَالهَا وَلم يكن لَهُ شَيْء، وَفِي الْمَرَّتَيْنِ لم يَتَعَدَّ بَصرِي وَلم يمْكث إلَاّ قَلِيلا. الثَّانِي: أَن قَوْله: فَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك عِنْدهم، غير مُسلم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يخالط الرّوم هُنَاكَ وَلَا جالسهم وَلَا واكلهم فَمن أَيْن أَنه وقف على الأخباز النقية الْبَيْضَاء؟ وَمن أَيْن رأى المناخل وَنَحْوهَا حَتَّى يجْزم بذلك بقوله: وَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك؟ الثَّالِث: أَن قَوْله فَأَما بعد الْبعْثَة إِلَى آخِره يسْتَلْزم عدم رُؤْيَته المنخل نفي سَمَاعه بالمنخل، إِذْ المنخل كَانَ مَوْجُودا عِنْدهم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول أبي حَازِم لسهل بن سعد هَل كُنْتُم تنخلون الشّعير؟ غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه صلى الله عليه وسلم لم يكن رأى المنخل لعدم طلبه إِيَّاه لأجل اكتفائه بِمُجَرَّد النفخ بعد الطَّحْن سَوَاء كَانَ شَعِيرًا أَو قمحا، وَلَكِن لما كَانَ غَالب قوتهم شَعِيرًا سَأَلَ أَبُو حَازِم عَن نخل الشّعير.
23 -
(بَابٌ: {مَا كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي زَمَانه وَأَصْحَابه يَأْكُلُون.
5411 -
حدَّثنا أبُو النِّعمانِ حدَّثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ عَنْ أبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْما بَيْنَ أصْحَابِهِ تَمْرا فَأَعْطَى كلَّ إنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ، فَأعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ إحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إشعارا لبَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه، يَأْكُلُون وَأَنه فِي غَالب الْأَوْقَات التَّمْر، ويقنعون باليسير من ذَلِك.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل الَّذِي يُقَال لَهُ عَارِم السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وعباس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة ابْن فروج بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء المضمومة وبالجيم الْجريرِي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى الْبَصْرِيّ، وَهُوَ نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي الْحَارِث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون نِسْبَة إِلَى نهد بن زيد بن لَيْث بن سودين ألحاف بن قضاعة.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (حَشَفَة) ، وَهُوَ أردأ التَّمْر، وَهُوَ الَّذِي لم يطب فِي النَّخْلَة وَلم يتناهى طيبه فييبس. قَوْله:(مِنْهَا)، أَي: من الْحَشَفَة. قَوْله: (شدت)، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْحَشَفَة. قَوْله:(فِي مضاغى)، بِفَتْح الْمِيم عِنْد الْأصيلِيّ وَكسرهَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المضاغ بِالْفَتْح الطَّعَام يمضغ وَهُوَ المضغ نَفسه، يُقَال: لقْمَة لينَة المضاغ وشديدة المضاغ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَت قَوِيَّة عِنْد مضغها. وَطَالَ مضغه لَهَا كالعلك فَلذَلِك قَالَ: (فَلم يكن فِيهِنَّ تَمْرَة أعجب إليّ مِنْهَا) .
5412 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَالَنا طعامٌ إلَاّ وَرَقُ الْحَبْلَةِ، أوْ الْحَبُلَةِ، حَتَّى يَضَعَ أحَدُنا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أصْبَحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإسْلامِ، خَسِرْتُ إِذا وَضَلَّ سَعْيِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إشعارا لبَيَان مَا كَانَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فِي قلَّة من الْعَيْش مَعَ القناعة وَالرِّضَا بِمَا قسم الله عز وجل.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) عَن قيس بن سعد عَن أَبِيه. كَأَنَّهُ توهمه أَنه قيس بن سعد ابْن عبَادَة، وَهُوَ غلط فَاحش، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن قيس سَمِعت سعد بن أبي وَقاص.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب سعد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد عَن عبد الله عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس. قَالَ: سَمِعت سَعْدا إِلَى آخِره، وَفِي آخِره، وَكَانُوا وشوابه إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالُوا: لَا يحسن يُصَلِّي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رَأَيْتنِي)، أَي: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: (سَابِع سَبْعَة مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، أَرَادَ بِهِ أَنه كَانَ قديم الْإِسْلَام، وَأَنه سَابِع من أسلم أَولا، وَوَقع عِنْد أبي خَيْثَمَة، هَؤُلَاءِ السَّبْعَة. وهم أَبُو بكر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن حَارِثَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: (مَا لنا طَعَام إلَاّ ورق الحبلة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنهم كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت فِي قلَّة وضيق معيشة وَلم يكن طعامهم إلَاّ من ورق الحبلة، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ ثَمَر السمر يشبه اللوبيا، وَقيل: ثَمَر العضاء وَهُوَ شجر لَهُ شوك كالطلح والعوسج. قَوْله: (أَو الحبلة) ، شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَالْبَاء مَعًا، وَلم يَقع عِنْد الْأصيلِيّ إلَاّ الأول، والحبلة بِفتْحَتَيْنِ ورق الْكَرم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَرُبمَا سكن الْبَاء. قَوْله: (ثمَّ أَصبَحت بَنو أَسد)، قيل: أَرَادَ بِهِ قَبيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذْ هُوَ من بني أَسد، كَذَا نَقله الْكرْمَانِي وَهُوَ غير صَحِيح، وَلكنه مَعْذُور لِأَنَّهُ نَقله من كَلَام ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: وَعمر بن الْخطاب من بني أَسد، وَهَذَا خلاف الْإِجْمَاع على أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من رَهْط عدي بن كَعْب وَلَيْسوا من بني أَسد. قَوْله:(تعزرني)، ويروى: يعزروني من التَّعْزِير بِمَعْنى التَّأْدِيب أَي: يؤدبونني على (الْإِسْلَام) ويعلمونني أَحْكَامه، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا وشوا بِهِ إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى قَالُوا: لَا يحسن يُصَلِّي، وأصل التَّعْزِير التَّأْدِيب، وَلِهَذَا يُسمى الضَّرْب دون الْحَد التَّعْزِير. قَوْله:(خسرت إِذا)، جَوَاب وَجَزَاء أَي: إِن كنت كَمَا قَالُوا: مُحْتَاجا إِلَى تأديبهم وتعليمهم خسرت حِينَئِذٍ
وضل سعيي فِيمَا تقدم.
فَإِن قلت: مَا وَجه قَول سعد: مَا لنا طَعَام إلَاّ ورق الحبلة، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يرفع مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من النَّضِير وفدك قوته وقوته عِيَاله لسنة؟ وَأَنه كَانَ يُعْطي الأعطية الَّتِي لَا يذكر مثلهَا عَمَّن تقدم من الْمُلُوك مَعَ كَونه بَين أَرْبَاب الْأَمْوَال الْعِظَام كَأبي بكر وَعُثْمَان وشبههما؟ وَكَذَلِكَ قَول عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد مُنْذُ قدم الْمَدِينَة. من طَعَام الْبر ثَلَاث لَيَال حَتَّى قبض وَشبهه مِمَّا جَاءَ مثل ذَلِك؟ قلت: وَقَالَ الطَّبَرِيّ، رحمه الله كَانَ ذَلِك حينا بعد حِين لِأَن من كَانَ مِنْهُم ذَا مَال كَانَ مُسْتَغْرقا فِي نَوَائِب الْحُقُوق ومواساة الضيفان حَتَّى يقل كَثِيره أَو يذهب جَمِيعه، فَغير مستنكر لَهُم ضيق الْحَال الَّتِي يَحْتَاجُونَ مَعهَا إِلَى الاستسلاف وأكلهم الحبلة كَمَا قَالَ سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قَول عَائِشَة فوجهه أَن الْبر كَانَ قَلِيلا عِنْدهم فَغير نَكِير أَن يُؤثر صلى الله عليه وسلم أهل بَلَده من الشّعير وَالتَّمْر، وَيكرهُ أَن يخص نَفسه بِمَا لَا سَبِيل للْمُسلمين إِلَيْهِ من الْغذَاء، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم. وَأما مَا رُوِيَ من أَنه لم يشْبع من خبز الشّعير، فَإِن ذَلِك لم يكن لعوز وَلَا لضيق فِي غَالب أَحْوَاله. لِأَن الله تَعَالَى أَفَاء عَلَيْهِ قبل وَفَاته بِلَاد الْعَرَب كلهَا وَنقل إِلَيْهِ الْخراج من أَكثر بِلَاد الْعَجم، وَلَكِن بعضه لَا يثار نَوَائِب الْحق، وَبَعضه كَرَاهِيَة مِنْهُ للشبع وَكَثْرَة الْأكل. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ لسعد أَن يمدح نَفسه، وَمن شَأْن الْمُؤمن التَّوَاضُع؟ قلت: إِذا اضْطر الْمَرْء إِلَى التَّعْرِيف بِنَفسِهِ حسن، قَالَ الله عز وجل حاكيا عَن يُوسُف عليه السلام {إِنِّي حفيظ عليم} (يُوسُف: 55) .
5413 -
حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ عَنْ أبِي حَازِمٍ قَالَ: سَألْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنْخُلاً مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِير غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْناهُ فَأكَلْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن فِيهِ بَيَان مَا كَانَ يَأْكُلُونَهُ. وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي، من القارة، حَلِيف بني زهرَة وَأَبُو حَازِم، وَهُوَ سَلمَة بن دِينَار رَاوِي رِوَايَة سهل، كَمَا أَن سُلَيْمَان رَاوِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب.
قَوْله: (مناخل)، جمع منخل. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الغربال. قلت: المنخل غير الغربال. لِأَن الغربال يغربل بِهِ الْقَمْح وَالشعِير وَنَحْوهمَا، والمنخل مَا ينخل بِهِ الدَّقِيق، وَهُوَ أحد مَا جَاءَ من الأدوات على مفعل بِضَم الْمِيم. قَوْله:(ثريناه) ، بتَشْديد الرَّاء من ثريت السويق إِذا بللته بِالْمَاءِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى عجنه وخبزه، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَهُوَ خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا العجن وَلَا الْخبز، وَإِنَّمَا المُرَاد أَنهم كَانُوا إِذا طحنوا الشّعير يَأْخُذُونَ دقيقه وينفخونه فيطير مِنْهُ القشور وَمَا بَقِي يرشون عَلَيْهِ المَاء ثمَّ يَأْكُلُونَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير فِي قَوْله:(فَأتى بالسويق فَأمر بِهِ فثرى) أَي: بل بِالْمَاءِ من ثرى التُّرَاب يثريه تثرية إِذا رش عَلَيْهِ المَاء. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثريت السويق بللته، وثريت الْموضع تثرية إِذا رششته، وَقَالَ أَيْضا: الثرى التُّرَاب الندي.
5414 -
حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرَنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَغِيرِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَةٌ. فَدَعَوْهُ فَأبَى أنْ يَأْكُلَ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الخُبْزِ الشَّعِيرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة استحضر حِينَئِذٍ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فِي ضيق من الْعَيْش، فَلذَلِك ترك من الْأكل من تِلْكَ الشَّاة الَّتِي كَانَت بَين يَدي الْقَوْم، وَالْحَال أَنهم دَعوه، وَلَيْسَ هَذَا بترك الْإِجَابَة لِأَنَّهُ فِي طَعَام الْوَلِيمَة لَا فِي كل طَعَام.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَابْن أبي ذِئْب وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد وَاسم أَبِيه أبي سعيد كيسَان الْمدنِي مولى بني لَيْث، وَإِنَّمَا سمى بالمقبري لِأَنَّهُ كَانَ يسكن بِالْقربِ من