الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأسود عَن عَائِشَة الْكل فِي الْحَج، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قو لَهُ:(أَن تقلد) على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّقْلِيد وَهُوَ أَن يعلق فِي عُنُقهَا شَيْء ليعلم أَنَّهَا هدي قَوْله: (بدنته) هِيَ نَاقَة تنحر بِمَكَّة. قَوْله: (قَالَ: فَسمِعت) أَي: قَالَ مَسْرُوق: فَسمِعت (تصفيقها) أى: تصفيق عَائِشَة وَهُوَ ضرب إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى ليسمع لَهَا صَوت، وَإِنَّمَا صفقت عَائِشَة إِمَّا تَعَجبا من ذَلِك، وَأما تأسفا على وُقُوع ذَلِك.
وَفِي هَذَا الحَدِيث رد على من قَالَ: إِن من بعث بهدية إِلَى الْحرم لزمَه الْإِحْرَام إِذا قَلّدهُ ويجتنب مَا يجتنبه الْحَاج حَتَّى ينْحَر هَدْيه، وَرُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو بِهِ قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وأئمة الْفَتْوَى على خِلَافه. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث يرد مَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: من رأى مِنْكُم هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فَلَا يَأْخُذ من شعره وأظفاره حَتَّى يُضحي رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) مَرْفُوعا، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ اللَّيْث: قد جَاءَ هَذَا الحَدِيث وَأكْثر النَّاس على خِلَافه، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدِيث عَائِشَة أحسن مجيئا من حَدِيث أم سَلمَة لِأَنَّهُ قد جَاءَ مجيئا متواترا وَحَدِيث أم سَلمَة قد طعن فِي إِسْنَاده، فَقيل: إِنَّه مَوْقُوف على أم سَلمَة وَلم يرفعهُ وَفِي (التَّوْضِيح) ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، فَمن دخل عَلَيْهِ عشر ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فَلَا يمس من شعره وَلَا من أَظْفَاره شَيْئا. وَنقل ابْن الْمُنْذر عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ أَنَّهُمَا كَانَا يرخصان فِي أَخذ الشّعْر والأظفار لمن أَرَادَ أَن يُضحي مَا لم يحرم غير أَنَّهُمَا يستحبان الْوُقُوف عَن ذَلِك عِنْد دُخُول الْعشْر إِذا أَرَادَ أَن يُضحي، وَرَأى الشَّافِعِي أَن أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَمر اخْتِيَار.
16 -
(بَابُ: {مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأضَاحِي وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْها} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز أكله من لُحُوم الْأَضَاحِي من غير تَقْيِيد بِثلث أَو نصف كَذَا، قَالَه بَعضهم: قلت: يتَنَاوَل أَيْضا جَوَاز أكلهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَأكْثر، فعلى كل حَال هُوَ مُبْهَم توضح إبهامه أَحَادِيث الْبَاب، فَحَدِيث جَابر يدل على جَوَاز التزود مِنْهَا للْمُسَافِر فَيدل على جَوَاز الْأكل فِي أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، وَحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع يدل أَولا على عدم الْجَوَاز بعد الثَّلَاث وآخرا يدل على الْجَوَاز أَكثر من ذَلِك لعِلَّة ذكرهَا. وَحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها يدل على الرُّخْصَة فِي ذَلِك أَكثر من ذَلِك وَأثر عَليّ بن أبي طَالب يدل على عدم الْجَوَاز فِي أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، وَيَأْتِي الْجَواب عَنهُ.
قَوْله: (وَمَا يتزود مِنْهَا) أَي: وَفِي بَيَان جَوَاز مَا يتزود مِنْهَا للسَّفر.
5567 -
ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ: عَمْرٌ و: أخْبَرَنِي عَطاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأضَاحِي عَلَى عَهْدِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إلَى المَدِينَةِ. وَقَالَ غَيْر مَرَّةٍ لُحُومَ الهَدْي.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله أَيْضا.
قَوْله: (على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي: على زَمَانه، وَقد علم أَن قَول الصَّحَابِيّ: كُنَّا نَفْعل على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِي حكم الْمَرْفُوع. قَوْله: (وَقَالَ غير مرّة) أَي: قَالَ سُفْيَان غير مرّة، وَابْن الْمَدِينِيّ كَانَ يَقُول: قَالَ سُفْيَان مرّة لُحُوم الْأَضَاحِي، ومرارا يَقُول: لحم الْهَدْي، وَوَقع هُنَا عَن الْكشميهني وَقَالَ غَيره يَعْنِي: غير سُفْيَان وَهُوَ غير صَحِيح، وَالصَّحِيح أَن قَائِله هُوَ سُفْيَان يَحْكِي عَنهُ عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ.
5568 -
ح دَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنِ القَاسِمِ أنَّ ابنَ خَبَّابٍ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أنَّهُ كَانَ غَائِبا، فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إلَيْهِ لَحْمٌ قَالُوا: هاذا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانا، فَقَالَ: أخْروه لَا أذُوقُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ أخِي أبَا قَتَادَةَ وَكَانَ أخَاهُ لأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيا فَذَكَرْتُ ذالِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أمْرٌ.
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ وَالقَاسِم هوابن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَابْن خباب هُوَ عبد الله بن خباب الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وخباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الأرث الصَّحَابِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والأسناد كُله مدنيون. وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق: يحيى وَالقَاسِم وَشَيْخه، وَفِيه صحابيان أَبُو سعيد وَقَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأحمد والطَّحَاوِي، وَلَفظه أَن أَبَا سعيد أَتَى أَهله فَوجدَ عِنْدهم قَصْعَة ثريد وَلحم من لحم الْأَضْحَى، فَأبى أَن يَأْكُلهُ، فَأتى قَتَادَة بن النُّعْمَان أَخَاهُ فحدثه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، عَام الْحَج قَالَ:(إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ أَن لَا تَأْكُلُوا لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَإِنِّي أحله لكم، فَكُلُوا مِنْهُ مَا شِئْتُم) .
قَوْله: (فَقدم)، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الدَّال أَي: فَقدم من سَفَره. قَوْله: (فَقدم)، بِضَم الْقَاف وَكسر الدَّال الْمُشَدّدَة من التَّقْدِيم. قَوْله:(حَتَّى آتِي أخي أَبَا قَتَادَة)، قَالَ أَبُو عَليّ: كَذَا وَقع فِي نُسْخَة أبي مُحَمَّد والقابسي من رِوَايَة أبي زيد وَأبي أَحْمد، وَالصَّوَاب: حَتَّى آتِي أخي قَتَادَة. وَفِي رِوَايَة اللَّيْث: فَانْطَلق إِلَى أَخِيه لأمه قَتَادَة بن النُّعْمَان، وَأم أبي سعيد وَقَتَادَة أنيسَة بنت أبي خَارِجَة عَمْرو بن قيس بن مَالك من بني عدي بن النجار. قَوْله:(وَكَانَ بَدْرِيًّا)، أَي: مِمَّن حضر غَزْوَة بدر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(فَقَالَ أبي قَتَادَة: إِنَّه حدث بعْدك أَمر)، أَي: أَمر نَاقض لما كَانُوا ينهون من أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاثَة أَيَّام، وَقد أخرجه أَحْمد من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي أبي وَمُحَمّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن عبد الله بن خباب مطولا وَلَفظه: عَن أبي سعيد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قد نَهَانَا أَن نَأْكُل لُحُوم نسكنا فَوق ثَلَاث قَالَ: فَخرجت فِي سفر ثمَّ قدمت على أَهلِي، وَذَلِكَ بعد الْأَضْحَى بأيام فأتتني صَاحِبَتي بسلق قد جعلت فِيهِ قديدا. فَقَالَت: هَذَا من ضحايانا. فَقلت لَهَا: أَو لم ينهنا؟ قَالَت: إِنَّه قد رخص للنَّاس بعد ذَلِك، فَلم أصدقهَا حَتَّى بعثت إِلَى أخي قَتَادَة بن النُّعْمَان فَذكره، وَفِيه: قد أرخص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، للْمُسلمين فِي ذَلِك، وَمثله مَا ذَكرْنَاهُ عَن النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب فَذهب قوم إِلَى تَحْرِيم لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، وهم: عبد الله بن وَاقد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَجَمَاعَة من الظَّاهِرِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: لَا يَأْكُل أحدكُم من لحم أضحيته فَوق ثَلَاثَة أَيَّام، وبأحاديث أخر وَردت فِيهِ، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَلم يرَوا بأكلها وادخارها بَأْسا وهم جَمَاهِير الْعلمَاء وفقهاء الْأَمْصَار مِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وأصحابهم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وبأحاديث أخر، وَقَالَ ابْن التِّين: اخْتلف فِي النَّهْي الْوَارِد فِيهِ، فَقيل: على التَّحْرِيم ثمَّ طَرَأَ النّسخ بإباحته، وَقيل: للكراهة، فَيحْتَمل نسخهَا وَعَدَمه، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَنْع من الإدخار ثَبت لعِلَّة وارتفع لعدمها، يُوضحهُ قَوْله: وَكَانَ بِالنَّاسِ ذَلِك الْعَام جهد.
5569 -
حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلا يُصْبِحنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ الله: نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنا العامَ المَاضِي؟ قَالَ: كُلُوا وَأطْعِمُوا وَادْخِرُوا فَإنَّ ذَلِكَ العامَ كانَ بالناسِ جَهْدٌ فَأرَدْتُ أنْ تُعِينُوا فِيها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك الملقب بالنبيل بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد.
وَهَذَا هُوَ الثَّامِن عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ.
قَوْله: (فَلَا يصبحن من الإصباح)، قَوْله:(بعد ثَالِثَة)، أَي: لَيْلَة ثَالِثَة من وَقت التَّضْحِيَة. قَوْله: (وَفِي بَيته)، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(وَادخرُوا) بِالدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة لِأَن أَصْلهَا اذتخروا من ذخر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة اجْتمع مَعَ تَاء الافتعال وقلبت التَّاء دَالا فَصَارَ إِذْ دخروا. ثمَّ قلبت الذَّال دَالا وأدغمت الدَّال فِي الذَّال فَصَارَ: ادخروا. قَوْله: (جهد)، أَي: مُشْتَقَّة يُقَال: جهد عيشهم أَي: نكد وَاشْتَدَّ وَبلغ غَايَة الْمَشَقَّة فَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَن تَحْرِيم ادخار لحم الْأَضَاحِي كَانَ لعِلَّة، فَلَمَّا زَالَت الْعلَّة زَالَ التَّحْرِيم. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَهَل يجب الْأكل من لَحمهَا لظَاهِر الْأَمر وَهُوَ قَوْله: كلوا قلت:
ظَاهره حَقِيقَة فِي الْوُجُوب إِذا لم تكن قرينَة صارفة عَنهُ، وَكَانَ ثمَّة قرينَة على أَنه لرفع الْحُرْمَة أَي: للْإِبَاحَة ثمَّ إِن الْأُصُولِيِّينَ اخْتلفُوا فِي الْأَمر الْوَارِد بعد الْحَظْر. أهوَ للْوُجُوب أم للْإِبَاحَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه الْوُجُوب حَقِيقَة فالإجماع هُنَا مَانع من الْحمل عَلَيْهَا. قَوْله:(فَأَرَدْت أَن تعينُوا فِيهَا) ، من الْإِعَانَة وَفِي رِوَايَة مُسلم، فَأَرَدْت أَن تفشوا فيهم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأَرَدْت أَن تقسموا فيهم. كلوا واطعموا وَادخرُوا. قَالَ عِيَاض الضَّمِير فِي تعينُوا فِيهَا للْمَشَقَّة المفهومة من الْجهد أَو من الشدَّة. أَو من السّنة لِأَنَّهَا سَبَب الْجهد وَفِي تفشوا فيهم أَي: فِي النَّاس المحتاجين إِلَيْهَا قَالَ فِي (الْمَشَارِق) وَرِوَايَة البُخَارِيّ أوجه وَقَالَ فِي (شرح مُسلم) رِوَايَة مُسلم أشبه، وَقَالَ بَعضهم: قد عرفت أَن مخرج الحَدِيث وَاحِد ومداره على أبي عَاصِم، وَأَنه قَالَ: تَارَة هَذَا وَتارَة قَالَ: هَذَا، وَالْمعْنَى: فِي الْكل صَحِيح فَلَا وَجه للترجيح. قلت: لَا وَجه لنفي التَّرْجِيح فَكل من لَهُ أدنى ذوق يفهم أَن رِوَايَة مُسلم أرجح فَمن دقق النّظر عرف ذَلِك.
5570 -
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدَّثني أخِي عَنْ سُلَيْمَان عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ عمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهَا فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بِالمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إلَاّ ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلاكِنْ أرَادَ أنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَالله أعْلَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَيْسَت بعريمة) إِلَى آخِره، وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو أويس اسْمه عبد الله وَأَخُوهُ أَبُو بكر عبد الحميد، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (الضحية)، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء. قَوْله:(مِنْهَا) ، رَوَاهُ الْكشميهني، أَي: من الضحية. وَفِي رِوَايَة غَيره. مِنْهُ أَي: من لحم الضحية. قَوْله: (فنقدم) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْقَاف من الْقدوم، وَفِي رِوَايَة: فنقدم، بِضَم النُّون وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الدَّال من التَّقْدِيم، أَي نضع بَين يَدَيْهِ قيل هَذَا أوجه. قَوْله:(لَا تَأْكُلُوا) أَي: مِنْهُ، هَذَا صَرِيح فِي النَّهْي عَنهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَابس بن ربيعَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عَن لُحُوم الْأَضَاحِي؟ فَقَالَت: لَا وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة. قلت: لَا مُنَافَاة لِأَنَّهَا نفت نهي التَّحْرِيم لَا مُطلق النَّهْي، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة:(وَلَيْسَت بعزيمة وَلَكِن أَرَادَ أَن نطعم مِنْهُ) بِضَم النُّون وَسُكُون الطَّاء أَي: نطعم مِنْهُ غَيرنَا وَمعنى قَوْله: (لَيست بعزيمة) أَي: لَيْسَ النَّهْي للتَّحْرِيم وَلَا ترك الْأكل بعد الثَّلَاثَة وَاجِبا، بل كَانَ غَرَضه أَن يصرف مِنْهُ إِلَى النَّاس.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا النَّهْي، فَقَالَ قوم: هُوَ مَنْسُوخ من بَاب نسخ السّنة بِالسنةِ، وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ النَّهْي للكراهة لَا للتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة بَاقِيَة إِلَى الْيَوْم، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ التَّحْرِيم لعِلَّة فَلَمَّا زَالَت تِلْكَ الْعلَّة زَالَ الحكم وَجَاء فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن وَاقد. قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، عَن أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، إِلَى أَن قَالُوا: نهيت أَن تُؤْكَل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث. فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدأفة الَّتِي دفت فَكُلُوا وَادخرُوا وتصدقوا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الدُّف بِالدَّال الْمُهْملَة وبالفاء الثَّقِيلَة السّير السَّرِيع، والدافة من يطْرَأ من المحتاجين. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الدافة قوم من الْأَعْرَاب يُرِيدُونَ الْمصر يُرِيد أَنهم قوم قدمُوا الْمَدِينَة عيد الْأَضْحَى فنهاهم عَن إدخار لُحُوم الْأَضَاحِي ليفرقوها ويتصدقوا بهَا فينتفع هَؤُلَاءِ القادمون بهَا. فَإِن قلت: قَوْله، عليه الصلاة والسلام: كلوا يدل على إِيجَاب الْأكل مِنْهَا. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ، رحمه الله. هُوَ أَمر بِمَعْنى الْإِطْلَاق وَالْإِذْن للآكل لَا بِمَعْنى الايجاب، وَلَا خلاف بَين سلف الْأَئِمَّة وَخَلفهَا فِي عدم الْحَرج على المضحي بترك الْأكل من أضحيته، وَلَا إِثْم، فَدلَّ ذَلِك على أَن الْأَمر بِمَعْنى الْإِذْن وَالْإِطْلَاق، وَقَالَ ابْن التِّين: لم يخْتَلف الْمَذْهَب أَن الْأكل غير وَاجِب، خلاف مَا ذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَن بعض النَّاس أَنه وَاجِب، وَقَالَ ابْن حزم: فرض على كل مضح أَن يَأْكُل من أضحيته وَلَو لقْمَة فَصَاعِدا.
5571 -
حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنا عَبْدُ الله. قَالَ: أخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدَّثني
أبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزْهَرَ: أنَّهُ شَهِدَ العِيدَ يَوْمَ الأضْحَى مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابَ رضي الله عنه فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ. فَقَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ {إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هاذَيْنِ العِيدَيْنِ أمَّا أحَدْهُما فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ.
5572 -
حدَّثنا قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذالِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ} إنَّ هاذا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أحَبَّ أنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أهْلِ العَوَالِي فَلْيَنْظِرْ وَمَنْ أحَبَّ أنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أذِنْتُ لَهُ. قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النًّاسَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، نَهَاكُمْ أنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكَكُمْ فَوْقَ ثلاثٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ لِأَن التَّرْجَمَة قَوْله: بَاب مَا يُؤْكَل من لُحُوم الْأَضَاحِي، وَهُوَ يَشْمَل مَا يُؤْكَل مِنْهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَمَا يُؤْكَل فِي أَكثر من ذَلِك وَلَكِن فِي أثر على بَين أَنه لَا يجوز فَوق ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا ذكرنَا فِي أول الْبَاب.
وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو عبيد بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه سعد بن عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عَوْف بن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وينسب أَيْضا إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ يحيى بن بكير: مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
قَوْله: (نسككم) بِضَمَّتَيْنِ. أَي: أُضْحِيَتكُم.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبيد)، هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله:(ثمَّ شهِدت مَعَ عُثْمَان)، أَي: ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عُثْمَان، وَكَذَا فِي بعض النّسخ: لفظ الْعِيد مَذْكُور، وَلكنه لم يبين أَي: عيد. قَالَ بَعضهم: وَالظَّاهِر أَنه عيد الْأَضْحَى الَّذِي قدمه فِي حَدِيثه عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَتكون اللَاّم فِيهِ للْعهد. قلت: يحْتَمل أحد الْعِيدَيْنِ وَلَا سِيمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ الْعِيد. قَوْله: (فَكَانَ ذَلِك)، أَي: فَكَانَ يَوْم الْعِيد ذَاك يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (فِيهِ عيدَان)، يَعْنِي: عيد الْجُمُعَة وَيَوْم الْعِيد حَقِيقَة وسمى يَوْم الْجُمُعَة عيدا لِأَنَّهُ زمَان اجْتِمَاع الْمُسلمين فِي يَوْم عَظِيم لإِظْهَار شَعَائِر الشَّرِيعَة كَيَوْم الْعِيد وَالْإِطْلَاق على سَبِيل التَّشْبِيه. قَوْله: (من أهل العوالي) وَهُوَ جمع الْعَالِيَة وَهِي قرى بِقرب الْمَدِينَة من جِهَة الشرق، وأقربها من الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال أَو ثَلَاثَة، وأبعدها ثَمَانِيَة. قَوْله:(فلينتظر) أَي: فليتأخر إِلَى أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة. قَوْله: (أَن يرجع)، أَي: إِلَى منزله (فقد أَذِنت لَهُ) بِالرُّجُوعِ، وَبِه اسْتدلَّ أَحْمد على سُقُوط الْجُمُعَة على من صلى الْعِيد إِذا وَافق الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة، وَبِه قَالَ مَالك مرّة: وَأجِيب بِأَنَّهُم إِنَّمَا كَانُوا يأْتونَ الْعِيد وَالْجُمُعَة من مَوَاضِع لَا يجب عَلَيْهِم الْمَجِيء فَأخْبر بِمَا لَهُم فِي ذَلِك.
قَوْله: (ثمَّ شهِدت مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) أَي: ثمَّ شهِدت الْعِيد مَعَ عَليّ، وَالْمرَاد بِهِ عيد الْأَضْحَى لدلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي عبيد أَنه سمع عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: يَوْم الْأَضْحَى. قَوْله: (فَوق ثَلَاث) ، زَاد عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَته، فَلَا تَأْكُلُوهَا بعْدهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف فِي أول الثَّلَاث الَّتِي كَانَ الإدخار فِيهَا جَائِزا فَقيل: أَولهَا يَوْم النَّحْر فَمن ضحى فِيهِ جَازَ لَهُ أَن يمسك يَوْمَيْنِ بعده وَمن ضحى بعده أمسك مَا بَقِي لَهُ من الثَّلَاثَة، وَقيل: أَولهَا يَوْم يُضحي فِيهِ فَلَو ضحى فِي آخر أَيَّام النَّحْر جَازَ لَهُ أَن يمسك ثَلَاثًا بعْدهَا وَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ من قَوْله فَوق ثَلَاث أَن لَا يحْسب الْيَوْم الَّذِي يَقع فِيهِ النَّحْر من الثَّلَاث وَتعْتَبر اللَّيْلَة الَّتِي تليه وَمَا بعْدهَا.
وَالْجَوَاب عَن أثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مَحْمُول على أَن السّنة الَّتِي خطب فِيهَا عَليّ كَانَ بِالنَّاسِ فِيهَا جهد كَمَا وَقع فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَبِذَلِك أجَاب ابْن حزم فَقَالَ: إِنَّمَا خطب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ عُثْمَان حوصر فِيهِ وَكَانَ أهل الْبَوَادِي قد ألجأتهم الْفِتْنَة إِلَى الْمَدِينَة فَأَصَابَهُمْ الْجهد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ مَا قَالَ، وَيُؤَيّد صِحَة هَذَا أَن الطَّحَاوِيّ أخرج من طَرِيق اللَّيْث