الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم َ - بِالْخرُوجِ وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة والْحَدِيث قد مر فِي الْمَغَازِي عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد أَيْضا فِي بَاب قصَّة عكل وعرينة وَفِي الْجِهَاد عَن مُعلى بن أَسد فِي بَاب إِذا حرق الْمُشرك الْمُسلم هَل يحرق وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى وعكل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف وباللام وعرينة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالنون قبيلتان قَوْله أهل ضرع أَي أهل مواشي وَأهل ريف بِكَسْر الرَّاء أَي أهل أَرض فِيهَا زرع قَوْله واستوخموا من قَوْلهم بَلْدَة وخيمة إِذا لم توَافق ساكنها قَوْله " بذود " بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة قَوْله " وَأَبْوَالهَا " وَجه شربهَا إِمَّا أَنه كَانَ قبل التَّحْرِيم وَإِمَّا أَنه كَانَ للمداواة قَوْله " الْحرَّة " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالراء الْمُشَدّدَة أَرض ذَات حِجَارَة سود قَوْله فَبعث الطّلب بِفتْحَتَيْنِ جمع طَالب قَوْله فسمروا أَعينهم أَي كحلوا أَعينهم بالمسامير المحماة بالنَّار -
30 -
(بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي أَمر الطَّاعُون وَهُوَ على وزن فاعول من الطعْن وضعوه على هَذَا الْوَزْن ليدل على الْمَوْت الْعَام. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الطَّاعُون الْمَرَض الْعَام الَّذِي يفْسد لَهُ الْهَوَاء وتفسد بِهِ الأمزجة والأبدان. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الطَّاعُون الْمَوْت الْعَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الطَّاعُون بثر مؤلم جدا يخرج غَالِبا فِي الآباط مَعَ لهيب واسوداد حواليه وخفقان الْقلب والقيء. قلت: هَذَا من كَلَام النَّوَوِيّ، فنقله عَنهُ، يُقَال: طعن الرجل فَهُوَ مطعون وطعين إِذا أَصَابَهُ الطَّاعُون. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الطَّاعُون الوجع الْغَالِب الَّذِي يطعن الرّوح كالذبحة، سمي بذلك لعُمُوم مصابه وَسُرْعَة قَتله، وَقَالَ الْبَاجِيّ: وَهُوَ مرض يعم الْكثير من النَّاس فِي جِهَة من الْجِهَات بِخِلَاف الْمُعْتَاد من أمراض النَّاس، وَيكون مرضهم وَاحِدًا بِخِلَاف بَقِيَّة الْأَوْقَات فَتكون الْأَمْرَاض مُخْتَلفَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الطَّاعُون حَبَّة تخرج فِي الأرفاغ وَفِي كل طي من الْجَسَد، وَالصَّحِيح أَنه الوباء، وَقَالَ عِيَاض: أصل الطَّاعُون القروح الْخَارِجَة فِي الْجَسَد، والوباء عُمُوم الْأَمْرَاض فسميت طاعوناً لشبهها بهَا فِي الْهَلَاك، وإلَاّ فَكل طاعون وباء وَلَيْسَ كل وباء طاعوناً، قَالَ: وَيدل على ذَلِك أَن وباء الشَّام الَّذِي وَقع فِي عمواس إِنَّمَا كَانَ طاعوناً.
وَمَا ورد فِي الحَدِيث: أَن الطَّاعُون وخز الْجِنّ. قلت: طاعون عمواس كَانَ فِي سنة ثَمَان عشرَة، وعمواس قَرْيَة بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس، وطاعون عمواس هُوَ أول طاعون وَقع فِي الْإِسْلَام وَمَات فِي الشَّام فِي هَذَا الطَّاعُون ثَلَاثُونَ ألفا. وَأما الحَدِيث الْمَذْكُور فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فنَاء أمتِي بالطعن والطاعون. قَالُوا: يَا رَسُول الله! هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُون؟ قَالَ: وخز إخْوَانكُمْ من الْجِنّ، وَفِي كل شَهَادَة. وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي (كتاب الطواعين) وَقَالَ فِيهِ: وخز أعدائكم من الْجِنّ، وَلَا تنَافِي بَين اللَّفْظَيْنِ لِأَن الْأُخوة فِي الدّين لَا تنَافِي الْعَدَاوَة لِأَن عَدَاوَة الْإِنْس وَالْجِنّ بالطبع، وَإِن كَانُوا مُؤمنين فالعداوة مَوْجُودَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الوخز طعن لَيْسَ بنافذ، وَقَالَ بَعضهم: لم أر لفظ: إخْوَانكُمْ، بعد التتبع الطَّوِيل الْبَالِغ فِي شَيْء من طرق الحَدِيث. قلت: هَذِه اللَّفْظَة ذكرهَا هُنَا ابْن الْأَثِير وَذكرهَا أَيْضا نَاقِلا من (مُسْند أَحْمد) قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله أبي الْبَقَاء الشبلي الْحَنَفِيّ، وَكفى بهما الِاعْتِمَاد على صِحَّتهَا، وَعدم اطلَاع هَذَا الْقَائِل لَا يدل على الْعَدَم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الطَّاعُون غُدَّة تخرج فِي المراق والآباط، وَقد تخرج فِي الْأَيْدِي والأصابع وَحَيْثُ شَاءَ الله تَعَالَى، وَقيل: الطَّاعُون انصباب الدَّم إِلَى عُضْو، وَقيل: هيجان الدَّم وانتفاخه، وَقَالَ الْمُتَوَلِي: وَهُوَ قريب من الجذام من أَصَابَهُ تآكلت أعضاؤه وتساقط لَحْمه. وَقَالَ الْغَزالِيّ: هُوَ انتفاخ جَمِيع الْبدن من الدَّم مَعَ الْحمى، أَو انصباب الدَّم إِلَى بعض الْأَطْرَاف، فينتفخ ويحمر وَقد يذهب ذَلِك الْعُضْو. وَقَالَ ابْن سينا: الطَّاعُون مَادَّة سميَّة تحدث ورماً قتالاً لَا يحدث إلَاّ فِي الْمَوَاضِع الرخوة والمغاير من الْبدن، وأغلب مَا يكون تَحت الْإِبِط أَو خلف الْأذن أَو عِنْد الأرنبة، قَالَ: وَسَببه دم رَدِيء مائل إِلَى العفونة وَالْفساد يَسْتَحِيل إِلَى جَوْهَر سمي يفْسد الْعُضْو ويغير مَا يَلِيهِ وَيُؤَدِّي إِلَى الْقلب كَيْفيَّة ردية فَيحدث الْقَيْء والغثيان والغشي والخفقان، وَهُوَ لرداءته لَا يقبل من الْأَعْضَاء إلَاّ مَا كَانَ أَضْعَف بالطبع، وأردؤه مَا يَقع فِي الْأَعْضَاء الرئيسة، وَالْأسود مِنْهُ قل من يسلم مِنْهُ، وأسلمه الْأَحْمَر ثمَّ الْأَصْفَر، فَإِن قلت إِن
الشَّارِع أخبر بِأَن الطَّاعُون من وخزالجن فبينه وَبَين مَا ذكر من الْأَقْوَال فِي تَفْسِير الطَّاعُون مُنَافَاة ظَاهرا أقلت: الْحق مَا قَالَه الشَّارِع، والأطباء تكلمُوا فِي ذَلِك على مَا افتضته قواعدهم، وَطعن الْجِنّ أَمر لَا يدْرك بِالْعقلِ فَلم يذكروه على أَنه يحْتَمل أَن تحدث هَذِه الْأَشْيَاء فِيمَن يطعن عِنْد وخز الْجِنّ، وَمِمَّا يُؤَيّد أَن الطَّاعُون من وخز الْجِنّ وُقُوعه غَالِبا فِي أعدل الْفُصُول وَفِي أصح الْبِلَاد هَوَاء وأطيبها مَاء، وَلَو كَانَ من فَسَاد الْهَوَاء لعم النَّاس الَّذين يَقع فيهم الطَّاعُون ولطعنت الْحَيَوَانَات أَيْضا.
5728 -
حدّثنا حَفْصُ بن عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبرنِي حَبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْرَاهيمَ بنَ سعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْداً عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قَالَ: إِذا سَمَعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأرْضٍ فَلا تَدْخُلُوها وَإِذا وَقَعَ بأرْض وأنْتُمْ بِها فَلا تَخرُجُوا مِنْها، فَقُلْتُ: أنْتَ سَمِعْتَهُ يحدِّثُ سَعْداً وَلَا يُنْكِرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. (انْظُر الحَدِيث: 3473 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مِمَّا ذكر فِي الطَّاعُون، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن وهب بن بَقِيَّة.
قَوْله (يحدث سعد) أَي: وَالِد إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن ابراهيم بن سعد عَن أُسَامَة بن زيد، وَسعد أخرجه مُسلم.
قَوْله: (بِأَرْض) أَي: وَقع بِأَرْض. قَوْله: (وَأَنْتُم بهَا) جملَة حَالية قَوْله: (فَقلت) الْقَائِل هُوَ حبيب بن أبي ثَابت يُخَاطب إِبْرَاهِيم بن سعد. بقوله: (أَنْت سمعته) يَعْنِي أُسَامَة بن زيد يحدث سَعْدا وَلَا يُنكر ذَلِك، (قَالَ: نعم) .
5729 -
حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عبْدِ الحَميدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بن زَيْدِ بنُ الخَطَّابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عبْد الله بنِ الحارِث بنِ نَوْفَلٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حتَّى إِذا كَانَ بِسرْغَ لَقِيَهُ أُمَراءُ الأجنادِ: أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأصْحابُهُ، فأخْبرُوهُ أنَّ الوَباءَ قَدْ وقَعَ بأرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ عبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي المُهاجِرين الأوَّلِينَ، فَدَعاهُمْ فاسْتَشارَهُم وأخْبرَهُمْ أنَّ الْوَباءَ قَدْ وقَعَ بالشَّأْم فاختَلفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لإمْرٍ وَلَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُم: مَعَك بَقِيَّةُ النَّاسِ وأصْحابُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ عَلى هاذَا الْوَباءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الأنْصارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فاسْتَشارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهاجِرِينَ واخْتَلَفُوا كاخْتِلافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كانَ هاهُنا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشِ منْ مُهاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَليهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلى هاذا الْوَباءِ، فَنادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إنِّي مُصبِّحٌ عَلى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عَليْهِ. قَالَ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِراراً مِنْ قَدَرِ الله؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غيْرُكَ قالَها يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ الله إِلَى قَدَرِ الله، أرأيْتَ لَوْ كانَ لَكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِياً لهُ عُدْوَتانِ إحْدَاهُما خَصِبةٌ والأُخْرى جَدْبَة، ألَيْسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصِبَةَ رَعَيْتَها بِقَدَرِ الله؟ وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَها بِقَدرِ الله؟ قَالَ: فجاءَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّباً فِي بَعْض حاجَتهِ، فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي فِي هاذَا عِلْماً، سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْض فَلا تَقْدَمُوا عَليْهِ، وَإِذا وَقَعَ
بأرْضٍ وأنْتُمْ بِها فَلا تَخْرُجُوا فِراراً مِنْهُ، قَالَ: فَحَمِدَ الله عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. (
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ) إِلَى آخِره. وَعبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى الْقرشِي الْعَدوي، كَانَ والياً لعمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه على الْكُوفَة، وَعبد الله بن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب لجد أَبِيه نَوْفَل ابْن عَم النَّبِي صلى الله عليه وسلم صُحْبَة وَكَذَا لوَلَده الْحَارِث، وَولد عبد الله بن الْحَارِث فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فعد لذَلِك فِي الصَّحَابَة فهم ثَلَاثَة من الصَّحَابَة فِي نسق، وَكَانَ عبد الله بن الْحَارِث يلقب ببّه، بباءين موحدتين الثَّانِيَة مُشَدّدَة، وَمَعْنَاهُ: الممتلىء الْبدن من النِّعْمَة، ويكنى أَبَا مُحَمَّد، مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ، وَأما وَلَده رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ مِمَّن وَافق اسْمه اسْم أَبِيه، وَكَانَ يكنى أَبَا يحيى، وَمَات سنة تسع وَتِسْعين وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.
وَفِي هَذَا السَّنَد: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد، وصحابيان فِي نسق، وَكلهمْ مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن القعْنبِي عَن مَالك مُخْتَصرا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن هَارُون بن عبد الله وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين مُخْتَصرا.
قَوْله: (خرج إِلَى الشَّام) كَانَ ذَلِك فِي ربيع الآخر سنة ثَمَان عشرَة، وَذكر خَليفَة بن خياط: أَن خُرُوج عمر إِلَى الشَّام هَذِه الْمرة كَانَ سنة سبع عشرَة يتفقد فِيهَا أَحْوَال الرّعية وأمرائهم، وَكَانَ قد خرج قبل ذَلِك سنة سِتّ عشرَة لما حاصر أَبُو عُبَيْدَة بَيت الْمُقَدّس، فَقَالَ أَهله: يكون الصُّلْح على يَدي عمر رضي الله عنه فَخرج لذَلِك. قَوْله: (بسرغ) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة منصرفاً وَغير منصرف، قَرْيَة فِي طَرِيق الشَّام مِمَّا يَلِي الْحجاز، وَيُقَال: هِيَ مَدِينَة افتتحها أَبُو عُبَيْدَة هِيَ واليرموك والجابية متصلات، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَلَاث عشرَة مرحلة. وَقَالَ أَبُو عمر: قيل: إِنَّه وَادي تَبُوك، وَقيل: بِقرب تَبُوك، وَقَالَ الْحَازِمِي: هِيَ أول الْحجاز وَهِي من منَازِل حَاج الشَّام. قَوْله: (أُمَرَاء الأجناد أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَأَصْحَابه) هم خَالِد بن الْوَلِيد وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وشرحبيل بن حَسَنَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَكَانَ أَبُو بكر رضي الله عنه قد قسم الْبِلَاد بَينهم وَجعل أَمر الْقِتَال إِلَى خَالِد، ثمَّ رده عمر رضي الله عنه إِلَى أبي عُبَيْدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لأجناد. قيل: المُرَاد بهم أُمَرَاء مدن الشَّام الْخمس، وَهِي: فلسطين والأردن وحمص وقنسرين ودمشق. قَوْله: (فأخبروه) أَي: أخبروا عمر رضي الله عنه أَن الوباء قد وَقع، وَفِي رِوَايَة يُونُس: أَن الوجع قد وَقع بِأَرْض الشَّام، والوباء بِالْمدِّ وَالْقصر، وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ الطَّاعُون، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمَرَض الْعَام، فَكل طاعون وباء دون الْعَكْس، وَهَذَا الوباء الْمَذْكُور هُنَا كَانَ طاعوناً، وَهُوَ طاعون عمواس. قَوْله:(قَالَ عمر: ادْع لي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين) وهم الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة يُونُس: إجمع لي الْمُهَاجِرين. قَوْله: (بَقِيَّة النَّاس) أَي: بَقِيَّة الصَّحَابَة وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِك تَعْظِيمًا لَهُم، أَي: كَانَ النَّاس لم يَكُونُوا إلَاّ الصَّحَابَة قَالَ الشَّاعِر.
(هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد)
قَوْله: (وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عطف تفسيري قَوْله: (أَن تقدمهم) بِضَم التَّاء من الْإِقْدَام بِمَعْنى التَّقْدِيم وَالْمعْنَى: لَا نرى أَن تجعلهم قادمين عَلَيْهِ. قَوْله: (فَقَالَ: ارتفعوا عني) أَي: فَقَالَ عمر: أخرجُوا عني، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَأَمرهمْ فَخَرجُوا عَنهُ. قَوْله: (فسلكوا سَبِيل الْمُهَاجِرين) أَي: مَشوا على طريقتهم فِيمَا قَالُوا. قَوْله: (من مشيخة قُرَيْش) ضَبطه بَعضهم بِوَجْهَيْنِ الأول بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَالثَّانِي بِفَتْح الْمِيم وَكسر الشين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع شيخ. قلت: الَّذِي قَالَه أهل اللُّغَة هُوَ الْوَجْه الثَّانِي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جمع الشَّيْخ شُيُوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، وَالْمَرْأَة شيخة. قَوْله:(من مهاجرة الْفَتْح) أَي: الَّذين هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة عَام الْفَتْح، أَو المُرَاد: مسلمة الْفَتْح أَو أطلق على من تحول إِلَى الْمَدِينَة بعد فتح مَكَّة مُهَاجرا صُورَة وَإِن كَانَت الْهِجْرَة بعد الْفَتْح حكما قد ارْتَفَعت وَأطلق ذَلِك عَلَيْهِم احْتِرَازًا عَن غَيرهم من مشيخة قُرَيْش مِمَّن أَقَامَ بِمَكَّة وَلم يُهَاجر أصلا. قَوْله: (إِنِّي مصبح) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مُسَافر فِي الصَّباح رَاكِبًا على ظهر الرَّاحِلَة رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة، فَأَصْبحُوا راكبين متأهبين للرُّجُوع إِلَيْهَا. قَوْله:(عَلَيْهِ) أَي على الظّهْر وَهُوَ الْإِبِل الَّذِي يحمل عَلَيْهِ ويركب. يُقَال: عِنْد فلَان ظهر أَي: إبل. قَوْله: (فِرَارًا من قدر الله؟) أَي: أترجع فِرَارًا من قدر الله تَعَالَى؟ وَفِي رِوَايَة هِشَام بن سعد: فَقَالَت طَائِفَة، مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة: أَمن الْمَوْت نفر؟ إِنَّمَا نَحن نقدر {قل لن يصيبنا إلَاّ مَا كتب الله لنا} (التَّوْبَة: 51) فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين الْقَضَاء وَالْقدر؟ قلت: الْقَضَاء عبارَة عَن الْأَمر الْكُلِّي الإجمالي الَّذِي حكم الله بِهِ فِي الْأَزَل، وَالْقدر
عبارَة عَن جزئيات ذَلِك الْكُلِّي ومفصلات ذَلِك الْمُجْمل الَّتِي حكم الله بوقوعها وَاحِدًا بعد وَاحِد فِي الْإِنْزَال، قَالُوا: وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إلَاّ عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إلَاّ بِقدر مَعْلُوم} (الْحجر: 21) . قَوْله: (لَو غَيْرك قَالَهَا) جَزَاء: لَو، مَحْذُوف أَي: لَو قَالَ غَيْرك لأدبته، وَذَلِكَ لاعتراضه على مَسْأَلَة اجتهادية وَافقه عَلَيْهَا أَكثر النَّاس من أهل الْحل وَالْعقد، أَو لم أتعجب مِنْهُ، وَلَكِنِّي أتعجب مِنْك مَعَ علمك وفضلك كَيفَ تَقول هَذَا، أَو كلمة: لَو هُنَا لِلتَّمَنِّي. فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَالْمعْنَى: أَن غَيْرك مِمَّن لَا فهم لَهُ إِذا قَالَ ذَلِك يعْذر. قَوْله: (نعم نفر من قدر الله إِلَى قدر الله) وَفِي رِوَايَة هِشَام بن سعد: إِن تقدمنا فبقدر الله وَإِن تأخرنا فبقدر الله، أطلق عَلَيْهِ فِرَارًا لشبهه فِي الصُّورَة، وَإِن كَانَ لَيْسَ فِرَارًا شرعا، وَالْمرَاد أَن هجوم الْمَرْء على مَا يهلكه مَنْهِيّ عَنهُ، وَلَو فعل لَكَانَ من قدر الله وتجنبه مَا يُؤْذِيه مَشْرُوع، وَقد يقدر الله وُقُوعه فِيمَا فر مِنْهُ، فَلَو كَانَ فعله أَو تَركه لَكَانَ من قدر الله، وَحَاصِل الْكَلَام أَن شَيْئا مَا لَا يخرج عَن الْقدر. قَوْله:(أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي قَوْله: (لَهُ عدوتان) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا يَعْنِي طرفان والعدوة هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع من الْوَادي وَهُوَ شاطئه. قَوْله: (خصبة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة، كَذَا ضبط فِي كتب اللُّغَة، وَفِي (الْمطَالع) : خصبة بِكَسْر الْخَاء وَسُكُون الصَّاد وَالْخصب بِالْكَسْرِ نقيض الجدب، وَقَالَ بَعضهم: خصيبة على وزن عَظِيمَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، والخصبة بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون الصَّاد وَاحِدَة الخصاب، وَهُوَ النّخل الْكثير الْحمل. قَوْله:(جدبة) بِسُكُون الدَّال وَكسرهَا يَعْنِي: الْكل بِتَقْدِير الله سَوَاء ندخل أَو نرْجِع، فرجوعنا أَيْضا بِقدر الله تَعَالَى، فعمر رضي الله عنه اسْتعْمل الحذر وَأثبت الْقدر مَعًا فَعمل بالدليلين اللَّذين كل متمسك بِهِ من التَّسْلِيم للْقَضَاء والاحتراز عَن الْإِلْقَاء فِي التَّهْلُكَة. قَوْله:(فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف) مَوْصُول عَن ابْن عَبَّاس بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (وَكَانَ متغيباً) من بَاب التفعل مَعْنَاهُ: لم يكن حَاضرا فِي الْمُشَاورَة. قَوْله: (علما) وَفِي رِوَايَة مُسلم: لعلما، بلام التَّأْكِيد. قَوْله:(إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ) أَي: بالطاعون. قَوْله: (فَلَا تقدمُوا) بِفَتْح الدَّال. قَوْله: (فِرَارًا) أَي: لأجل الْفِرَار، وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الْخُرُوج لغَرَض آخر لَا بِقصد الْفِرَار مِنْهُ. قَوْله: (فَحَمدَ الله عمر رضي الله عنه يَعْنِي: على مُوَافقَة اجْتِهَاده واجتهاد مُعظم أَصْحَابه حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْن بطال: فَإِن قيل: لَا يَمُوت أحد إلَاّ بأجله فَلَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر، فَمَا وَجه النَّهْي عَن الدُّخُول وَالْخُرُوج؟ قُلْنَا: لم ينْه عَن ذَلِك إلَاّ حذرا من أَن يظنّ أَن هَلَاكه كَانَ من أجل قدومه عَلَيْهِ وَأَن سَلَامَته كَانَت من أجل خُرُوجه، فَنهى عَن الدنو كَمَا نهى عَن الدنو من المجذوم مَعَ علمه بِأَنَّهُ لَا عدوى، وَقيل: إِذْنه صلى الله عليه وسلم للَّذين استوخموا الْمَدِينَة بِالْخرُوجِ حجَّة لمن أجَاز الْفِرَار. وَأجِيب بِأَنَّهُ: لم يكن ذَلِك فِرَارًا من الوباء إِذْ هم كَانُوا مستوخمين خَاصَّة دون سَائِر النَّاس، بل للاحتياج إِلَى الضَّرع ولاعتيادهم المعاش فِي الصَّحَارِي.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد: خُرُوج الإِمَام بِنَفسِهِ لمشاهدة أَحْوَال رَعيته، وَإِزَالَة ظلم الْمَظْلُوم وكشف الكرب، وتخويف أهل الْفساد وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام، وتلقي الْأُمَرَاء والمشاورة مَعَهم، والاجتماع بالعلماء، وتنزيل النَّاس مَنَازِلهمْ، واجتهاد فِي الحروب، وَقبُول خبر الْوَاحِد، وَصِحَّة الْقيَاس، وَاجْتنَاب أَسبَاب الْهَلَاك.
5730 -
حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عبْدِ الله بنِ عامِرٍ: أنَّ عمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأمِ، فَلَمَّا كانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أنَّ الْوَباءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ، فأخْبرَهُ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْض فَلا تَقْدَمُوا عَليْهِ، وَإِذا وَقَعَ بأرْضٍ وأنْتُمْ بِها فَلا تَخْرُجُوا فِراراً مِنْهُ. (انْظُر الحَدِيث: 5729 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف: وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة الْأَصْغَر ولد على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قيل: سنة سِتّ من الْهِجْرَة، وَحفظ عَنهُ وَهُوَ صَغِير، وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين، وَمَات سنة خمس وَثَمَانِينَ، وَأَبُو عَامر ابْن ربيعَة من كبار الصَّحَابَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا.
5731 -
حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ المدِينَةَ المَسِيحُ وَلَا الطَّاعُونُ. (انْظُر الحَدِيث: 1880 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا الطَّاعُون) ونعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْقرشِي الْمدنِي مولى عمر ابْن الْخطاب رضي الله عنه والمجمر بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وبالراء على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإجمار من أجمرت الثَّوْب إِذا بخرته بالبخور وَالطّيب، وَالَّذِي يتَوَلَّى ذَلِك مجمر ومجمر بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا نعيم هَذَا وَكَانَ يجمر مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسُمي المجمر.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب لَا يدْخل الدَّجَّال الْمَدِينَة، أخرجه عَن اسماعيل عَن مَالك عَن نعيم بن عبد الله المجمر عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: على انقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة لَا يدخلهَا الطَّاعُون وَلَا الدَّجَّال، وَأخرجه هُنَا مُخْتَصرا، وَذكر هُنَاكَ الدَّجَّال وَهنا الْمَسِيح، والمسيح هُوَ الدَّجَّال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
فَإِن قلت: الطَّاعُون شَهَادَة، وَكَيف منعت من الْمَدِينَة وَمَا وَجه ذكر الْمَسِيح مُقَارنًا بالطاعون؟ قلت: قد تكلمُوا فِي الْجَواب بِكَلَام كثير، وَالْحَاصِل أَن المُرَاد بالطاعون هُوَ وخز الْجِنّ وكفار الْجِنّ وشياطينهم ممنوعون من دُخُول الْمَدِينَة، وَمن اتّفق دُخُوله إِلَيْهَا لَا يتَمَكَّن من طعن أحد مِنْهُم. فَإِن قلت: طعن الْجِنّ لَا يخْتَص بكفارهم بل قد يَقع من مؤمنيهم قلت: دُخُول كفار الْإِنْس الْمَدِينَة مَمْنُوع وَلَا يسكنهَا إِلَّا الْمُسلمُونَ، وَإِن كَانَ فيهم من لَيْسَ بخالص الْإِسْلَام فَيحصل الْأَمْن من وُصُول الْجِنّ إِلَى طعنهم فَلذَلِك لَا يحصل فِيهَا الطَّاعُون أصلا، وَقد روى أَحْمد من رِوَايَة أبي عسيب قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَانِي جِبْرَائِيل عليه السلام بالحمى والطاعون، فَأَمْسَكت الْحمى بِالْمَدِينَةِ وَأرْسلت الطَّاعُون إِلَى الشَّام، وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما دخل الْمَدِينَة كَانَ فِي قلَّة من أَصْحَابه عددا ومدداً، وَكَانَت الْمَدِينَة وبئة، ثمَّ خير النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أَمريْن يحصل بِكُل مِنْهُمَا الْأجر الجزيل فَاخْتَارَ الْحمى حينئذٍ لقلَّة الْمَوْت بهَا غَالِبا، بِخِلَاف الطَّاعُون، ثمَّ لما احْتَاجَ إِلَى جِهَاد الْكفَّار وَأذن لَهُ فِي الْقِتَال كَانَت قَضِيَّة اسْتِمْرَار الْحمى بِالْمَدِينَةِ أَن تضعف أجساد الَّذين يَحْتَاجُونَ إِلَى التقوية لأجل الْجِهَاد، فَدَعَا بِنَقْل الْحمى من الْمَدِينَة إِلَى الْجحْفَة، فَعَادَت الْمَدِينَة أصح بِلَاد الله بعد أَن كَانَت بِخِلَاف ذَلِك وَأَبُو عسيب، بِفَتْح الْعين وَكسر السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة، وَقَالَ أَبُو عمر: أَبُو عسيب مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة، أسْند عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حديثين أَحدهمَا فِي الْحمى والطاعون، قيل: اسْم أبي عسيب: أَحْمَر.
5732 -
حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدَّثنا عبدُ الوَاحِد حَدثنَا عاصِمٌ حدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قالَتْ: قَالَ لي أنَسُ بنُ مالِكٍ رضي الله عنه: يَحْياى بِما ماتَ؟ قُلْتُ مِنَ الطَّاعُونِ. قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الطَّاعُونُ شَهادَةٌ لِكلِّ مُسْلِمٍ. (انْظُر الحَدِيث: 2830) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.
والأسناد كُله بصريون، وَلَيْسَ لحفصة بنت سِيرِين عَن أنس فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَمضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد عَن بشر بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن الْمُبَارك. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطِّبّ.
قَوْله: (يحيى بِمَا مَاتَ؟) يحيى هُوَ ابْن سِيرِين أَخُو حَفْصَة الْمَذْكُورَة، سَأَلَهَا أنس: بِمَا مَاتَ يحيى؟ فَقَالَت. مَاتَ من الطَّاعُون، ويروى: بِمَ مَاتَ؟ بِحَذْف الْألف من رُبمَا يَعْنِي: من أَي شَيْء؟ وَهُوَ الْأَشْهر، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: يحيى بن أبي عمْرَة، وَهُوَ ابْن سِيرِين لِأَنَّهَا كنية سِيرِين، وَكَانَت وَفَاة يحيى فِي حُدُود التسعين من الْهِجْرَة. قَوْله:(شَهَادَة لكل مُسلم) يَعْنِي: إِذا مَاتَ مطعوناً صَار كالشهيد فِي سَبِيل الله لمشاركته إِيَّاه فِيمَا كابده من الشدَّة.
5733 -
حدّثنا أبُو عاصِمٍ عَنْ مالِكٍ عَنْ سُميٍّ عَنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: المَبْطُونُ شَهيدٌ، والمَطْعُونُ شَهِيدٌ.