الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَا قَالَه ابْن الْأَثِير. قلت: القس وتنيس والفرماء كلهَا كَانَت بلاداً على سَاحل الْبَحْر بِالْقربِ من دمياط، وَقد خربَتْ واندرست، وَقيل: أصل القسي القزي بالزاي مَنْسُوب إِلَى القز وَهُوَ ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزَّاي سين، وَقيل: مَنْسُوب إِلَى القس، وَهُوَ الصقيع لبياضه. قَوْله:(والديباج) قد مر تَفْسِيره، (والإستبرق) ضرب من الديباج غليظ، قيل: وَفِيه ذهب وَهُوَ فَارسي مُعرب أَصله: استبره، وَالْمَعْرُوف أَن الإستبرق غليظ الديباج، وَقَالَ الدَّاودِيّ: رَقِيقه.
29 -
(بابُ الشُّرْبِ فِي الأقْدَاح)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الشّرْب فِي الأقداح وَهُوَ جمع قدح، وَقَالَ فِي (الْمغرب) : الْقدح بِفتْحَتَيْنِ الَّذِي يشرب بِهِ، وَقَالَ بَعضهم: لَعَلَّه أَشَارَ إِلَى أَن الشّرْب فِيهَا وَإِن كَانَ من شعار الفسقه لَكِن ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى المشروب وَإِلَى الْهَيْئَة الْخَاصَّة. قلت: هَذَا كَلَام غير مُسْتَقِيم، وَكَيف يَقُول: إِن الشّرْب فِيهَا من شَعَائِر الفسقة وَقد وضع البُخَارِيّ عقيب هَذَا: بَاب الشّرْب من قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ وَذكر فِيهِ أَن للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، قدحاً كَانَ عِنْد أنس، على مَا يَأْتِي الْآن، وَذكروا أَيْضا أَنه كَانَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، قدح يُقَال لَهُ: الريان، وَآخر يُقَال لَهُ: المغيث، وَآخر مضبب بِثَلَاث ضبات من فضَّة، وَقيل: من حَدِيد، وَفِيه حَلقَة يعلق بهَا أَصْغَر من الْمَدّ وَأكْثر من نصف الْمَدّ. وَعَن عَاصِم قَالَ: رَأَيْت عِنْد أنس قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِيهِ ضبة من فضَّة، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ قد انصدع فسلسله من فضَّة، قَالَ: وَهُوَ قدح عريض من نضار، والقدح الَّذِي يشرب بِهِ الفسقة مَعْلُوم بَين النَّاس أَنه من زجاج وَمن بلور وَمن فضَّة وَنَحْوهَا، وَكَانَت أقداح النَّبِي صلى الله عليه وسلم كلهَا من جنس الْخشب، فَإِن قلت: روى الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْمُقَوْقس أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قدح قَوَارِير فَكَانَ يشرب مِنْهُ؟ قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَنَقُول: لم يكن شرب النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مثل شرب غَيره من المترفين، وَلَا شرابه مثل شرابهم.
5636 -
حدّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ حَدثنَا سفْيانُ عنْ سالِمٍ أبي النَّضْرِ عنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الفَضْلِ عنْ أُمِّ الفَضْلِ: أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَومَ عَرَفَة، فَبُعِثَ إليهِ بِقَدحٍ مِنْ لَبنٍ فَشَرِبَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فشربه) وَعمر وبفتح الْعين ابْن عَبَّاس بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ: والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب من شرب وَهُوَ وَاقِف على بعيره.
30 -
(بابُ الشُّرْبِ منْ قَدَحِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وآنِيَتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شرب جمَاعَة من قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وآنيته) أَي: وَالشرب من آنِية النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن الْآنِية أَعم من أَن تكون قدحاً أَو قَصْعَة أَو مخضباً أَو طشتاً أَو نَحْو ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة دفع توهم من يَقع فِي خياله أَن الشّرْب فِي قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد وَفَاته تصرف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذن، فَبين أَن السّلف كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُورث وَمَا تَركه فَهُوَ صَدَقَة، وَلَا يُقَال: إِن الْأَغْنِيَاء كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَالصَّدَََقَة لَا تحل للغني لِأَن الْجَواب: أَن الْمُمْتَنع على الْأَغْنِيَاء من الصَّدَقَة هُوَ الْمَفْرُوض مِنْهَا، وَهَذَا لَيْسَ من الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة. قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: إِنَّمَا كَانُوا يشربون من قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لأجل التَّبَرُّك بِهِ، أما فِي حَيَاته فَلَا نزاع فِيهِ، وَأما بعد مَوته فَكَذَلِك للتبرك بِهِ، وَلَا يُقَال: إِن من كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك أَنه استولى عَلَيْهِ بِغَيْر وَجه شَرْعِي، أَلا ترى أَنه كَانَ عِنْد أنس قدح، وَعند سهل قدح، وَعند عبد الله بن سَلام آخر؟ وَكَانَت جبته عِنْد أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَا يُقَال: إِنَّهُم حازوا هَذِه الْأَشْيَاء بِغَيْر وَجه شَرْعِي.
أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء هُوَ ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واسْمه عَامر، وَعبد الله بن سَلام بتَخْفِيف اللاّم صَحَابِيّ مَشْهُور، وَهُوَ طَرِيق من حَدِيث سَيَأْتِي مَوْصُولا فِي كتاب الِاعْتِصَام. قَوْله:(أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للعرض والحث، وَهَذَا يدل على أَن هَذَا الْقدح كَانَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن التَّرْجَمَة تدل عَلَيْهِ، ثمَّ حازه عبد الله بن سَلام بِوَجْه شَرْعِي، وَلَا يظنّ فِيهِ أَنه استولى عَلَيْهِ بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي.
5637 -
حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم امْرأةٌ منَ العَرَب، فأمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أنْ يُرْسِلَ إلَيْها، فأرْسلَ إلَيْها فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى جاءَها، فَدَخَلَ عَلَيْها فإذَا امْرَأةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَها، فَلمَّا كلَّمَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: أعوذُ بِاللَّه مِنْكَ. فَقَالَ: قَدْ أعَذْتُكِ مِنِّي. فقالُوا لَها: أتَدْرِينَ مَنْ هاذا؟ قالَتْ: لَا. قالُوا: هاذا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ لِيخْطُبَكِ. قالَتْ: كنْتُ أَنا أشْقَى مِنْ ذالِكَ. فأقْبَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حتَّى جلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ هُوَ وأصْحابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْقِنا يَا سَهْلُ. فَخَرجْتُ لَهُمْ بِهاذا القَدَحِ فأسْقَيْتُهُمْ فِيهِ، فأخْرَجَ لَنا سَهْلٌ ذالكَ القَدَحَ فَشَربْنا مِنْهُ قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بنُ عبْدِ العَزِيزِ بعْدَ ذالكَ فَوَهَبَهُ لهُ. (انْظُر الحَدِيث 5256) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَخرجت لَهُم بِهَذَا الْقدح فأسقيتهم فِيهِ) وَوجه الْمُطَابقَة أَن التَّرْجَمَة فِي شربهم من قدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَو لم يكن الْقدح فِي الأَصْل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، لم تُوجد الْمُطَابقَة، وَمِمَّا يدل عَلَيْهِ استيهاب عمر بن عبد الْعَزِيز هَذَا الْقدح من سهل لِأَنَّهُ إِنَّمَا استوهبه مِنْهُ لكَونه فِي الأَصْل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم، لأجل التَّبَرُّك بِهِ، وَهَذَا شَيْء ظَاهر لَا يخفى، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح وَلَا مِمَّن يعتني بِبَيَان التراجم ومطابقة الْأَحَادِيث لَهَا ذكر شَيْئا هُنَا.
بَيَان رِجَاله: سعيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم أَو الحكم بن مُحَمَّد بن أبي مَرْيَم، وَاسم أبي مَرْيَم سَالم الجُمَحِي مَوْلَاهُم الْمصْرِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالنون اسْمه مُحَمَّد بن مطرف على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التطريف وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو أسيد مصغر أَسد مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن سهل وَأبي بكر بن إِسْحَاق، كِلَاهُمَا عَن ابْن أبي مَرْيَم بِهِ.
قَوْله: (ذكر امْرَأَة) وَهِي الْجَوْنِية بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون، قيل: اسْمهَا أُمَيْمَة، بِضَم الْهمزَة وَقد تقدّمت قصَّة خطبتها فِي أول كتاب الطَّلَاق. قَوْله:(فِي أجم) بِضَم الْهمزَة وَالْجِيم، هُوَ بِنَاء يشبه الْقصر وَهُوَ من حصون الْمَدِينَة، وَالْجمع آجام مثل أَطَم وآطام. وَقَالَ الْخطابِيّ: الأجم والأطم بِمَعْنى، وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ: الآجام الْأَشْجَار والحوائط، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الأجم جمع أجمة وَهِي الغيضة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ حصن بناهُ أهل الْمَدِينَة من الْحِجَارَة وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (فَإِذا امْرَأَة) كَلمه: إِذا، للمفاجأة. قَوْله:(منكسة) قَالَ الْكرْمَانِي: على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإنكاس والتنكيس. قَوْله: (كنت أَشْقَى من ذَلِك) لَيْسَ أفعل التَّفْضِيل هُنَا على بَابه، وَإِنَّمَا مرادها إِثْبَات الشَّقَاء لَهَا لما فاتها من التَّزَوُّج برَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة) وَهِي ساباط كَانَت لبني سَاعِدَة الأنصاريين، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي وَقعت فِيهِ الْبيعَة لأبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(فَخرجت لَهُم بِهَذَا الْقدح) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة المستملى، وَفِي رِوَايَة غَيره: فأخرجت لَهُم هَذَا الْقدح. قَوْله: (فَأخْرج لنا سهل) قَائِل هَذَا أَبُو حَازِم الرَّاوِي، وَصرح بذلك مُسلم. قَوْله:(ثمَّ استوهبه عمر بن عبد الْعَزِيز)، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(كَانَ استيهابه لما كَانَ هُوَ مُتَوَلِّي إمرة الْمَدِينَة) .
وَفِيه: أَن الشّرْب من قدحه صلى الله عليه وسلم وآنيته من بَاب التَّبَرُّك بآثاره.
(لعَلي أَرَاهُم أَو أرى من يراهُمُ)
وَمن بَاب الْإِمْسَاك بفضله، كَمَا كَانَ ابْن عمر رضي الله عنهما، يُصَلِّي فِي الْمَوَاضِع