الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْلَمُ أنَّهُ فِيها صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَأبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُها سَنَتَيْنٍ أعَمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَأبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتِمَانِي وَكَلِمَتُمَانِي وَاحِدَةٌ وَأمْرُكُما جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلَنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابنِ أخِيكَ وَأتَى هاذا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأتِهِ مِنْ أبِيهَا فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ الله وَمِيثاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَبِما عَمِلَ بِهِ فِيها أبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيها مُنْذُ وُلِّيتُها وَإلَاّ فَلا تُكَلِّمانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا ادْفَعْها إلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْهِمَا بِذالِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْكُمَا بِذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَالَ: أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ؟ وَالَّذِي بِإذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ لَا أقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَإنْ عَجَزْتُمَا عَنْها فَادْفَعَاها فَأنا أكْفِيكُمَاها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتها) الحَدِيث قد مضى فِي: بَاب فرض الْخمس زِيَادَة بعض الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (يرفأ)، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزا وَغير مَهْمُوز. قَوْله:(اتئدوا)، أَمر من الاتئاد وَهُوَ التأني وَعدم العجلة. قَوْله:(أنْشدكُمْ)، بِضَم الشين أَي: أَسأَلكُم بِاللَّه. قَوْله: (لم يُعْطه غَيره)، لِأَن الْفَيْء كُله على اخْتِلَاف فِيهِ كَانَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله:(وَمَا احتازها)، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَي: اجمعها لنَفسِهِ دونكم. قَوْله: (وَلَا اسْتَأْثر) أَي: لَا اسْتقْبل بهَا وَلَا تفرد بهَا. يُقَال: اسْتَأْثر فلَان بِهِ إِذا أَخذه لنَفسِهِ. قَوْله: (وبثها)، أَي: فرقها. قَوْله: (هَذَا المَال) أَي: فدك وَنَحْوهَا. قَوْله: (نجْعَل مَال الله) أَي: مَوضِع جعل مَال الله فِيهِ، يَعْنِي: بَيت المَال. قَوْله: (وأنتما)، مُبْتَدأ وَقَوله:(تزعمان) خَبره. قَوْله: (وَأَقْبل على عَليّ وعباس) جملَة حَالية مُعْتَرضَة. (كَذَا وَكَذَا) أَي: لَا يُعْطي ميراثنا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وَالله يعلم أَنه)، أَي: أَن أَبَا بكر. قَوْله: (صَادِق)، أَي: فِي القَوْل. قَوْله: (بار)، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء أَي: فِي الْعَمَل. قَوْله: (رَاشد)، أَي: فِي الِاقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (وأمركما جَمِيع)، أَي: مُجْتَمع أَي: لم يكن بَيْنكُمَا مُنَازعَة. قَوْله: (من ابْن أَخِيك)، أَي: لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (امْرَأَته) أَي: فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله:(من أَبِيهَا) أَي: نصِيبهَا الْكَائِن من أَبِيهَا وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (فَقَالَ الرَّهْط)، وهم: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن وَالزُّبَيْر وَسعد. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (فَأقبل) أَي: عمر على عَليّ وعباس قَوْله: (أفتلتمسان مني) ؟ أَي: أفتطلبان مني قَضَاء أَي حكما غير ذَلِك؟ أَي: غير مَا حكمت بِهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ هَذِه الْقِصَّة مشكلة فَإِنَّهُمَا أخذاها من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الشريطة واعترفا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: مَا تركنَا صَدَقَة فَمَا الَّذِي بدا لَهما بعد ذَلِك حَتَّى تخاصما؟ وَالْمعْنَى فِيهَا: أَنه كَانَ يشق عَلَيْهِمَا الشّركَة فطلبا أَن يقسم بَينهمَا كل مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّف فِيمَا يصير إِلَيْهِ فمنعهما عمر الْقسم لِئَلَّا يجْرِي عَلَيْهَا اسْم الْملك لِأَن الْقِسْمَة تقع فِي الْأَمْلَاك، ويتطاول الزَّمَان فيظن بِهِ الملكية.
4 -
(بَابٌ وَقَالَ الله تعَالَى: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنٍ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أرَادَ أنْ يَتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الْبَقَرَة:
233)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وجل: {والوالدات} إِلَى قَوْله: (بَصِير) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين) إِلَى قَوْله: (بَصِير) وَهَذِه التَّرْجَمَة وَقعت فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ قَوْله: (والوالدات يرضعن) خبر وَمَعْنَاهُ أَمر لما فِيهِ من الْإِلْزَام أَي: لترضع الوالدات أَوْلَادهنَّ يَعْنِي: الْأَوْلَاد من أَزوَاجهنَّ
وَهُوَ أَحَق وَلَيْسَ ذَلِك بِإِيجَاب إِذا كَانَ الْمَوْلُود لَهُ حَيا مُوسِرًا لقَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (الطَّلَاق: 6) على مايأتي، وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد بالوالدات هُنَا المبتوتات فَقَط وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن أجر الرَّضَاع على الزَّوْج إِذا خرجت الْمُطلقَة من الْعدة. وَاخْتلفُوا فِي ذَات الزَّوْج هَل تجبر على رضَاع وَلَدهَا؟ قَالَ ابْن أبي ليلى: نعم مَا كَانَت امْرَأَته، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمهَا رضاعه وَهُوَ على الزَّوْج على كل حَال، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تجبر على رضاعه إلَاّ أَن يكون مثلهَا لَا يرضع فَذَلِك على الزَّوْج. قَوْله: (حَوْلَيْنِ) مُدَّة الرَّضَاع. وَقَوله: (كَامِلين) مثل قَوْله: (تِلْكَ عشرَة كَامِلَة)(الْبَقَرَة: 96) .
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا} (الْأَحْقَاف: 15)
ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِشَارَة إِلَى قدر الْمدَّة الَّتِي يجب فِيهَا الرَّضَاع. قَوْله: (وَحمله وفصاله)، أَي: فطامه (ثَلَاثُونَ شهرا) وَهَذَا دَلِيل على أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر لِأَن مُدَّة الرَّضَاع حولان كاملان لقَوْله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلين} (الْبَقَرَة: 233) فَيبقى للْحَمْل سِتَّة أشهر رُوِيَ عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِيّ، قَالَ تزوج رجل منا امْرَأَة فَولدت لسِتَّة أشهر فَأتى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأمر برجمها فَأَتَاهُ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن الله عز وجل يَقُول: {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} قَالَ: {وفصاله فِي عَاميْنِ} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا ذهبت رضاعته فَإِنَّمَا الْحمل سِتَّة أشهر.
وَقَالَ: {وَإنْ تَعَاسَرْ تُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا} .
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى مِقْدَار الْإِنْفَاق وَأَنه بِالنّظرِ لحَال الْمُنفق. قَوْله: (وَإِن تعاسرتم)، أَي: فِي الْإِرْضَاع، فَأبى الزَّوْج أَن يُعْطي الْمَرْأَة أُجْرَة رضاعها وأبت الْأُم أَن ترْضِعه فَلَيْسَ لَهُ إكراهها على إرضاعه فسترضع لَهُ أُخْرَى فستوجد وَلَا تتعذر مُرْضِعَة غير الْأُم ترْضِعه، وَفِيه معاتبة الْأُم على المعاسرة أَي: سيجد الْأَب غير معاسرة ترْضع لَهُ وَلَده إِن عاسرته أمه. قَوْله: (لينفق ذُو سَعَة)، أَي: ذُو مَوْجُود من سعته على قدر موجوده (وَمن قدر) أَي: وَمن ضيق عَلَيْهِ رزقه (فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله) أَي: فلينفق من ذَلِك الَّذِي أعطَاهُ الله، وَإِن كَانَ قَلِيلا (لَا يُكَلف بِاللَّه نفسا إِلَّا مَا أَتَاهَا) أَي: أَعْطَاهَا من المَال (سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا) أَي: بعد ضيق فِي الْمَعيشَة.
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: نَهَى الله أنْ تُضارَّ وَالِدَةٌ بِوَالِدِها وَذالِكَ أنْ تَقُولَ الوَالِدَةُ لَسْتُ مِرْضِعَتَهُ وَهِيَ أمْثَلُ لَهُ غِذَاءً وَأشْفَقُ عَلَيْهِ وَأرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِها، فَلَيْسَ لَهَا أنْ تَأبَى بَعْدَ أنْ يُعْطِيهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ الله عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أنْ يُضارَّ بِوَالِدَتَهُ فَيَمْنَعَها أنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارا لَهَا إلَى غَيْرِها فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا أنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيْبِ نَفْسِ الوَالِدِ وَالوَالِدَةِ فَإنْ أرَادَ فِصالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أنْ يَكُونَ ذالِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشاوُرٍ: فِصالُهُ فِطامُهُ.
أَي: قَالَ يُونُس بن يزِيد الْقرشِي الأبلي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الله بن وهب فِي (جَامعه) عَن يُونُس. قَالَ: قَالَ ابْن شهَاب فَذكره إِلَى قَوْله: (وتشاور) قَوْله: (نهى الله أَن تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا)، وَذَلِكَ فِي قَوْله عز وجل:{لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا} قَالَ فِي التَّفْسِير لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا أَي بِأَن تَدْفَعهُ عَنْهَا لتضر أَبَاهُ بتربيته وَلَكِن لَيْسَ لَهَا دَفعه، إِذا وَلدته حَتَّى تسقيه اللباء الَّذِي لَا يعِيش بِدُونِ تنَاوله غَالِبا، ثمَّ بعد هذالها دَفعه عَنْهَا إِن شَاءَت، وَلَكِن إِن كَانَت مضارة لِأَبِيهِ فَلَا يحل لَهَا ذَلِك كَمَا لَا يحل لَهُ انْتِزَاعه مِنْهَا لمُجَرّد الضرار لَهَا. قَوْله:(وَهِي أمثل لَهُ) أَي: الوالدة أفضل للصَّغِير غذَاء أَي: من حَيْثُ الْغذَاء وأشفق عَلَيْهِ من غَيرهَا وأرفق بِهِ أَي: الصَّغِير من غَيرهَا. قَوْله: (فَلَيْسَ لَهَا أَن تأبى) أَي: لَيْسَ للوالدة أَن تمْتَنع بعد أَن يُعْطِيهَا الزَّوْج من نَفسه مَا جعل الله عَلَيْهِ من النَّفَقَة. قَوْله: (ضِرَارًا لَهَا) وَفِي بعض النّسخ ضِرَارًا بهَا. وَهُوَ