الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشربه مَا كَانَ طرياً قَالَ: إِنِّي طبخت شرابًا، وَفِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء، قَالَ: أَكنت شَاربه قبل أَن تطبخه؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِن النَّار لَا تحل شَيْئا قد حرم.
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه إِلَى آخِره، وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن عمر رضي الله عنه وَوَصله مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد أَنه أخبرهُ أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه خرج عَلَيْهِم فَقَالَ: إِنِّي وجدت من فلَان ريح شراب فَزعم أَنه شرب الطلاء، وَإِنِّي سَائل عَمَّا يشرب فَإِن كَانَ يسكر جلدته، فجلده عمر الْحَد تَاما، وَسَنَده صَحِيح وَفِيه حذف تَقْدِيره: فَسَأَلَ عَنهُ فَوَجَدَهُ يسكر فجلده، وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ: سمع السَّائِب بن يزِيد يَقُول: قَامَ عمر رضي الله عنه على الْمِنْبَر فَقَالَ: ذكر لي أَن عبيد الله بن عمر وَأَصْحَابه شربوا شرابًا، وَأَنا سَائل عَنهُ، فَإِن كَانَ يسكر جلدته، قَالَ ابْن عُيَيْنَة: فَأَخْبرنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب قَالَ: رَأَيْت عمر يجلدهم. وَاخْتلف فِي جَوَاز الْحَد بِمُجَرَّد وجدان الرّيح، وَالأَصَح لَا، وَاخْتلف فِي السَّكْرَان فَقيل: من اخْتَلَط كَلَامه المنظوم وانكشف ستره المكتوم، وَقيل: من لَا يعرف السَّمَاء من الأَرْض وَلَا الطول من الْعرض.
5598 -
حدّثنامُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرَنا سُفْيانُ عنْ أبي الجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ الباذَقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الباذَقَ، فَما أسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ. قَالَ: الشَّرَابُ الحَلَالُ الطَّيِّبُ؟ قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الحَلَالِ الطَّيِّبِ إلَاّ الحَرَامُ الخَبِيثُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو الجويرية بِالْجِيم مصغر واسْمه حطَّان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء وبالنون ابْن خفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء الأولى الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء.
قَوْله: (سبق مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَي: سبق حكمه بِتَحْرِيمِهِ حَيْثُ قَالَ: كل مَا أسكر فَهُوَ حرَام. وَقَالَ ابْن بطال: أَي سبق مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالتَّحْرِيمِ للخمر قبل تسميتهم لَهَا بالباذق وَهُوَ من شراب الْعَسَل، وَلَيْسَ تسميتهم لَهَا بِغَيْر اسْمهَا بِنَافِع إِذا أسكرت، وَرَأى ابْن عَبَّاس أَن سائله أَرَادَ استحلال الشَّرَاب الْمحرم بِهَذَا الِاسْم فَمَنعه بقوله: (فَمَا أسكر فَهُوَ حرَام) وَأما معنى: (لَيْسَ بعد الْحَلَال الطّيب إِلَّا الْحَرَام الْخَبيث) فَهُوَ أَن الشُّبُهَات تقع فِي حيّز الْحَرَام وَهِي الْخَبَائِث، وَقيل: قَوْله: (الشَّرَاب الطّيب) إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ الْمَشْهُورَة بَين النَّاس وَلم يعين الْقَائِل هَل هُوَ قَول ابْن عَبَّاس أَو قَول غَيره من بعده، وَالظَّاهِر أَنه من قَول ابْن عَبَّاس، وَبِذَلِك جزم القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي أَحْكَامه فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق.
5599 -
حدّثنا عبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والعَسَلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذِي يحل من الْمَطْبُوخ هُوَ مَا كَانَ فِي معنى الْحَلْوَاء، وَالَّذِي يجوز شربه من عصير الْعِنَب بِغَيْر طبخ فَهُوَ مَا كَانَ فِي معنى الْعَسَل، والْحَدِيث قد تقدم فِي الْأَطْعِمَة فِي: بَاب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل.
11 -
(بابُ مَنْ رَأى أنْ لَا يَخْلِطَ البُسْرَ والتَّمْرَ إذَا كانَ مُسْكِراً وأنْ لَا يَجْعَلَ إدَامَيْنِ فِي إدَامٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَن لَا يخلط الْبُسْر وَالتَّمْر إِذا كَانَ أَي: خلطهما مُسكرا فَقَالَ ابْن بطال. قَوْله: إِذا كَانَ مُسكرا خطأ، لِأَن النَّهْي عَن الخليطين عَام وَإِن لم يسكر كثيرهما لسرعة سريان الْإِسْكَار إِلَيْهِمَا من حَيْثُ لَا يشْعر صَاحبه، وَلَيْسَ النَّهْي عَن الخليطين لِأَنَّهُمَا يسكران حَالا، بل لِأَنَّهُمَا يسكران مَآلًا، فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا مسكرين فِي الْحَال لَا خلاف فِي النَّهْي عَنْهُمَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ خطأ بل غَايَته أَنه أطلق مجَازًا مَشْهُورا، وَقيل: لَا يلْزم البُخَارِيّ ذَلِك، إِمَّا لِأَنَّهُ يرى جَوَاز الخليطين قبل
الْإِسْكَار، وَإِمَّا لِأَنَّهُ ترْجم على مَا يُطَابق الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَهُوَ حَدِيث أنس، لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن الَّذِي كَانَ يسْقِيه حينئذٍ للْقَوْم مُسكرا، وَلِهَذَا دخل عِنْدهم فِي عُمُوم تَحْرِيم الْخمر. وَقد قَالَ أنس: وَإِنَّا لنعدها يومئذٍ الْخمر، دلّ على أَنه مُسكر. قلت: وَمِمَّنْ يرى جَوَاز الخليطين قبل الْإِسْكَار أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رضي الله عنه قَالَا: وكل مَا طبخ على الِانْفِرَاد حل، كَذَلِك إِذا طبخ مَعَ غَيره، ويروى مثل ذَلِك عَن ابْن عمر وَالنَّخَعِيّ. قَوْله:(وَأَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام) أَي: وَمِمَّنْ رأى أَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام، نَحْو أَن يخلط التَّمْر وَالزَّبِيب فيصيران كإدام وَاحِد لوُرُود الحَدِيث الصَّحِيح بِالنَّهْي عَن الخليطين، رَوَاهُ أَبُو سعيد. وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة: نهى أَن يجمع بَين التَّمْر وَالزَّبِيب، وَفِي حَدِيث جَابر: بَين الزَّبِيب وَالتَّمْر، والبسر وَالرّطب، وَالْعلَّة فِيهِ إِمَّا توقع الْإِسْكَار بالاختلاط، وَإِمَّا تحقق الْإِسْكَار بالكثير، وَإِمَّا الْإِسْرَاف والشره، وَالتَّعْلِيل بالإسراف مُبين فِي حَدِيث النَّهْي عَن الْقُرْآن فِي التَّمْر، هَذَا وَالتَّمْرَتَانِ نوع وَاحِد فَكيف بالتعدد؟
5600 -
حدّثنامُسْلِمٌ حَدثنَا هشامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إنِّي لأسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبا دُجانَةَ وسُهَيْلَ بنَ البَيْضاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وتَمْرٍ إذْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ فَقَذَفْتُها وَأَنا ساقِيهِمْ وأصْغَرُهُمْ، وإنَّا نَعُدُّها يَوْمَئِذٍ الخَمْرَ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ الحارِثِ: حَدثنَا قَتادَةُ سَمِعَ أنَساً
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (خليط بسر وتمر) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا كَانَا خليطين وَقت شرب هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث، فَلَمَّا بَلغهُمْ تَحْرِيم الْخمر قَذَفُوهُ وتركوه فصاروا مِمَّن رأى أَن لَا يخلط الْبُسْر وَالتَّمْر.
وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.
والْحَدِيث عَن أنس قد تقدم فِي أَوَائِل الْكتاب فِي: بَاب نزل تَحْرِيم الْخمر وَهِي من الْبُسْر وَالتَّمْر بِوُجُوه مُخْتَلفَة فِي الْمَتْن والإسناد، وَهُنَاكَ قَالَ أنس: أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة وَأبي بن كَعْب، وَهنا ذكر أَبَا دُجَانَة وسهيلاً، وَلَا يضر ذَلِك على مَا لَا يخفى، وَأَبُو دُجَانَة سماك بن خَرشَة.
قَوْله: (وَقَالَ عَمْرو بن الْحَارِث) إِلَى آخِره، تَعْلِيق أَرَادَ بِهِ بَيَان سَماع قَتَادَة لِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة بالعنعنة، وَوَصله أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر حَدثنَا بن وهب أخبرنَا عَمْرو فَذكره.
5601 -
حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ أخْبرني عَطاءٌ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً رضي الله عنه يَقُولُ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، عَن الزَّبِيبِ والتَّمْرِ والبُسْرِ والرُّطَبِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد الْبَصْرِيّ يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَلِيمَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. قَوْله: (عَن الزَّبِيب) إِلَى آخِره لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْخَلْط صَرِيحًا، وَقد بَينه مُسلم بِلَفْظ:(لَا تجمعُوا بَين الرطب والبسر وَبَين الزَّبِيب وَالتَّمْر)، وَحِكْمَة النَّهْي خوف إسراع الشدَّة إِلَيْهِ مَعَ الْخَلْط. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لِأَن أَحدهمَا لَا يصير نبيذاً حلواً حَتَّى يشْتَد الآخر فيسرع إِلَى الشدَّة فَيصير خمرًا، وهم لَا يظنون.
وَاخْتلف هَل ترك ذَلِك وَاجِب أَو مُسْتَحبّ؟ فَقَالَ مُحَمَّد يُعَاقب عَلَيْهِ، وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: أَسَاءَ فِي تخليطه، فَإِن لم تحدث الشدَّة المطربة جَازَ شربه، وَعَن بعض الْعلمَاء أَنه كره أَن يخلط للْمَرِيض شرابان مثل شراب ورد وَغَيره، وَأنكر ذَلِك غَيره، وَسُئِلَ الشَّافِعِي عَن رجل شرب خليطين مُسكرا فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَة رجل أكل لحم خِنْزِير ميت، فَهُوَ حرَام من جِهَتَيْنِ: الْخِنْزِير حرَام، وَالْميتَة حرَام، وَالسكر حرَام.
قلت: فِي هَذَا الْبَاب أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يحرم، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي مُوسَى الْأنْصَارِيّ وَأنس وَجَابِر وَأبي سعيد رضي الله عنهم وَمن التَّابِعين عَطاء وطاووس، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر. وَالثَّانِي: يحرم خليط كل نَوْعَيْنِ مِمَّا ينتبذ فِي الانتباذ، وَبعد الانتباذ لَا يخص شَيْء من شَيْء، وَهُوَ قَول بعض الْمَالِكِيَّة. وَالثَّالِث: أَن النَّهْي مَحْمُول على التَّنْزِيه وَأَنه لَيْسَ بِحرَام مَا لم يصر مُسكرا، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: حَكَاهُ النَّوَوِيّ عَن مَذْهَبنَا، وَأَنه قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَالرَّابِع: رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: لَا بَأْس أَن يخلط نَبِيذ الزَّبِيب ونبيذ التَّمْر ثمَّ يشربان جَمِيعًا، وَإِنَّمَا
جَاءَ النَّهْي عَن أَن ينتبذا جَمِيعًا، لِأَن أَحدهمَا يشد صَاحبه. وَالْخَامِس: أَنه لَا كَرَاهَة فِي شَيْء من ذَلِك، وَلَا بَأْس بِهِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف: قَالَ النَّوَوِيّ: أنكر عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَقَالُوا: هَذِه منابذة لصَاحب الشَّرْع، فقد ثبتَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي النَّهْي عَنهُ، فَإِن لم يكن حَرَامًا كَانَ مَكْرُوها. قلت: هَذِه جرْأَة شنيعة على إِمَام أجل من ذَلِك، وَأَبُو حنيفَة لم يكن قَالَ ذَلِك بِرَأْيهِ، وَإِنَّمَا مُسْتَنده فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الله الْحَرْبِيّ عَن مسعر عَن مُوسَى بن عبد الله عَن امْرَأَة من بني أَسد عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، كَانَ ينْبذ لَهُ زبيب فيلقي فِيهِ تمر، أَو تمر فَيلقى فِيهِ زبيب، وروى أَيْضا عَن زِيَاد الحساني: حَدثنَا أَبُو بَحر حَدثنَا عتاب بن عبد الْعَزِيز حَدَّثتنِي صَفِيَّة بنت عَطِيَّة قَالَت: دخلت مَعَ نسْوَة من عبد الْقَيْس على عَائِشَة، رضي الله عنها، فسألنا عَن التَّمْر وَالزَّبِيب، فَقَالَت: كنت أَخذ قَبْضَة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه فِي الْإِنَاء فأمرسه ثمَّ أسقيه النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وروى مُحَمَّد بن الْحسن فِي (كتاب الْآثَار) أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن ابْني إِسْحَاق وَسليمَان الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن زِيَاد: أَنه أفطر عِنْد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فَسَقَاهُ شرابًا فَكَأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ، فَلَمَّا أصبح غَدا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الشَّرَاب؟ مَا كدت أهتدي إِلَى منزلي. فَقَالَ ابْن عمر: مَا زدناك على عَجْوَة وزبيب. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: فِي الحَدِيث الأول لأبي دَاوُد امْرَأَة لم تسم، وَفِي الثَّانِي أَبُو بَحر لَا يدْرِي من هُوَ عَن عتاب، وَهُوَ مَجْهُول عَن صَفِيَّة وَلَا يدْرِي من هِيَ؟ قلت: هَذِه ثَلَاثَة أَحَادِيث بشد بَعْضهَا بَعْضًا على أَن ابْن عدي قَالَ: أَبُو بَحر مَشْهُور مَعْرُوف وَله أَحَادِيث غرائب عَن شُعْبَة وَغَيره من الْبَصرِيين، وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه، وَفِي (كتاب السَّاجِي) : قَالَ يحيى بن سعيد: هُوَ صَدُوق صَاحب حَدِيث، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أُميَّة بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة البكراوي، وَذكره ابْن شاهين وَابْن حبَان فِي كتاب الثِّقَات، وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يستبن لي طَرحه. وَقَالَ أَبُو عمر وَأحمد بن صَالح الْعجلِيّ: هُوَ ثِقَة بَصرِي، وَفِي (كتاب الصريفيين) ذكره ابْن حبَان فِي كتاب (الثِّقَات) وَخرج حَدِيثه فِي (صَحِيحه) كَذَلِك الْحَاكِم وعتاب بن عبد الْعَزِيز، روى عَنهُ يزِيد بن هَارُون وَأحمد بن سعيد الدَّارمِيّ وَآخَرُونَ، وَذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) .
5602 -
حدّثنامُسْلِمٌ حَدثنَا هِشامٌ أخبرنَا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ عنْ عبْدِ الله بن أبي قَتادةَ عنْ أبِيهِ، قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ والزَّهْوِ والتَّمْرِ والزَّبِيبِ ولْيُنْبَذْ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما عَلى حِدَةٍ.
مُطَابقَة الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث يدل على منع الْجمع بَين الإدامين، أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة بقوله: وَأَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام.
وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة أَيْضا عَن يحيى بن أَيُّوب وَعَن آخَرين. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن يحيى بن درست. وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْأَشْرِبَة عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: (والزهو) بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَهُوَ الملون من الْبُسْر. قَوْله: (ولينبذ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَا تنتبذوا الزهو وَالرّطب جَمِيعًا، وَلَا تنتبذوا الزَّبِيب وَالتَّمْر جَمِيعًا وانتبذوا كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدته. قَوْله:(مِنْهُمَا) إِنَّمَا ثنى الضَّمِير وَلم يقل: مِنْهَا بِاعْتِبَار أَن الْجمع بَين الِاثْنَيْنِ لَا بَين الثَّلَاثَة أَو الْأَرْبَعَة أَي من كل اثْنَيْنِ مِنْهَا، فَيكون الْجمع بَين أَكثر بطرِيق الأولى. قَوْله:(على حِدة) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الدَّال أَي على انْفِرَاده. وَقَالَ بَعضهم: بعْدهَا هَاء تَأْنِيث. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هَذِه التَّاء عوض عَن الْوَاو الَّتِي فِي أَوله، لِأَن أَصله: وحد، فَلَمَّا حذفت الْوَاو عوضت عَنْهَا التَّاء كَمَا فِي: عدَّة أَصْلهَا: وعد، فَلَمَّا حذفت الْوَاو تبعا لفعله عوضت عَنْهَا التَّاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على حِدته، بِالْهَاءِ بعد التَّاء.
وَفِيه: كَرَاهَة الْجمع بَين الإدامين وَلَكِن كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم. وَاخْتلف فِي وَجه النَّهْي، فَقيل: لضيق الْعَيْش، وَقيل: للسرف، وَقَالَ الْمُهلب: لَا يَصح عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم النَّهْي عَن خلط الْأدم، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِك عَن عمر رضي الله عنه من أجل السَّرف لِأَنَّهُ كَانَ يُمكن أَن يأتدم بِأَحَدِهِمَا وَيرْفَع الآخر إِلَى مرّة أُخرى.