الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدْخُلَ رَمَضَانُ مِنْ قَابِلٍ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ قَالَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهَا شَعْبَانَ وَحَصْرِهَا مَوْضِعَ الْقَضَاءِ فِيهِ فَائِدَةٌ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الشُّهُورِ
وَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقْضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ يُطْعِمُ وَلَا يَقْضِي
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
1 -
(بَاب فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ)
(مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا فِيمَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الصَّوْمِ إِمَّا نَذْرًا وَإِمَّا قَضَاءً عَنْ فَائِتٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَيَقْدُمُ وَأَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ فَفَرَّطَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَبْرَأَ وَلَا يَقْضِي
وَإِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا يصوم عنه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعن بن عَبَّاس قَالَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُل فِي رَمَضَان ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصِحّ أُطْعِم عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاء
وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وليه وفي الصحيحين عن بن عَبَّاس قَالَ جَاءَتْ اِمْرَأَة إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أُمِّيّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم نَذْر أَفَأَصُوم عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمّك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ
قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمّك هَذَا لَفْظ مُسْلِم
وَلَفْظ الْبُخَارِيّ نَحْوه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ أَمْرَأَة جَاءَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ وَذَكَر الْحَدِيث بِنَحْوِهِ وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَتْهُ اِمْرَأَة فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ وَجَبَ أَجْرك وَرَدَّهَا عَلَيْك الْمِيرَاث
قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شَهْر
أَفَأَصُوم عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا
قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا لَمْ تَحُجّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم قَدْ وَرَدَ فِي الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت شَيْء فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا صِيمَ عَنْهُ كَمَا يُحَجّ عَنْهُ
وَقَالَ فِي الْجَدِيد فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ رُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أَحَدًا أَنْ يَصُوم عَنْ أَحَد قِيلَ نَعَمْ روي عن بن عَبَّاس
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا تَأْخُذ بِهِ قِيلَ حَدِيث الزُّهْرِيّ
وَلِيُّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَإِذَا فَعَلَ عَنْهُ فَقَدْ صَامَ عَنْهُ وَسُمِّيَ الْإِطْعَامُ صِيَامًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ قَدْ يَنُوبُ عَنْهُ وَمِنْهُ قَوْلُ الله سبحانه أو عدل ذلك صياما فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَتَنَاوَبَانِ فِي الْحُكْمِ
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صِيَامُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَاسُوهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَظَائِرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهَا
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثُمَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَنْهُ غَيْرَ قَتَادَةَ فَإِنَّهُ قَالَ يطعم عنه وحكي ذلك أيضا عن طاووس
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) فِي النَّيْلِ وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّذْرِ دُونَ غَيْرِهِ بأن
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عن عبيد الله عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ مَعَ حِفْظ الزُّهْرِيّ وَطُول مُجَالَسَة عُبَيْد اللَّه لِابْنِ عَبَّاس فَلَمًّا جاء غيره عن رجل عن بن عَبَّاس بِغَيْرِ مَا فِي حَدِيث عُبَيْد اللَّه أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُون مَحْفُوظًا
وَأَرَادَ الشَّافِعِيّ ما روى مالك عن بن شِهَاب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه أَنَّ سَعْد بْن عُبَادَة اِسْتَفْتَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْر فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اِقْضِهِ عَنْهَا وَهَذَا حَدِيث مُتَّفَق عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث مَالِك وَغَيْره عَنْ الزُّهْرِيّ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عن بن عَبَّاس أَنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَكَمُ بْن عُتَيْبَة وَسَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ مُجَاهِد عن بن عَبَّاس وَفِي رِوَايَة عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء وَسَعِيد بن جبير عن بن عَبَّاس أَنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْ وَرَوَاهُ عِكْرِمَة عَنْ بن عَبَّاس
ثُمَّ رَوَاهُ بُرَيْدَةَ بْن حَصِيب عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
فَالْأَشْبَه أَنْ تكون هذه القصة التي وقع فِيهَا السُّؤَال نَصًّا غَيْر قِصَّة سَعْد بْن عُبَادَة الَّتِي وَقَعَ السُّؤَال فِيهَا عَنْ النَّذْر مُطْلَقًا كَيْف وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ صَحِيح النَّصّ عَلَى جَوَاز الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت قَالَ وقد رأيت بعض أصحابنا يضعف حديث بن عَبَّاس
لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَا يَصُوم أَحَد
حديث عائشة مطلق وحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا الَّذِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصِّيَامِ صِيَامَ النَّذْرِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ حتى يجمع فحديث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَسْأَلُ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عَنْ أَحَد وَيُطْعِم عَنْهُ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْإِطْعَام عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام شَهْر رَمَضَان وَصِيَام شَهْر النَّذْر
وَضُعِّفَ حَدِيث عَائِشَة بِمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي اِمْرَأَة مَاتَتْ وَعَلَيْهَا الصَّوْم
قَالَتْ يُطْعِم عَنْهَا وَفِي رِوَايَة عَنْهَا لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِد لِلْحَدِيثِ ضَعْفًا فَمَنْ يُجَوِّز الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت يُجَوِّز الْإِطْعَام عَنْهُ
وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت نَظَرٌ وَالْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة أَصَحّ إِسْنَادًا وَأَشْهَر رِجَالًا وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيح كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَمِيع طُرُقهَا وَتَظَاهُرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه
وَمِمَّنْ رأى جواز الصيام عن الميت طاووس وَالْحَسَن الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة
آخِر كَلَام الْبَيْهَقِيّ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم هَلْ يُقْضَى عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدُهَا لَا يُقْضَى عَنْهُ بِحَالٍ لَا فِي النَّذْر وَلَا فِي الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ
وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه
الثَّانِي أَنَّهُ يُصَام عَنْهُ فِيهِمَا وَهَذَا قَوْل أَبِي ثَوْر وَأَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ
الثَّالِث أَنَّهُ يُصَام عَنْهُ النَّذْر دُون الْفَرْض الْأَصْلِيِّ
وَهَذَا مَذْهَب أَحْمَد الْمَنْصُوص عَنْهُ وَقَوْل أَبِي عُبَيْد والليث بن سعد وهو المنصوص عن بن عَبَّاس
رَوَى الْأَثْرَم عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْر صَوْم شَهْر وَعَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان قَالَ أَمَّا رَمَضَان فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ وَأَمَّا النَّذْر فَيُصَام وَهَذَا أَعْدَل الْأَقْوَال
وَعَلَيْهِ يَدُلّ كَلَام الصَّحَابَة وَبِهَذَا يَزُول الْإِشْكَال
وَتَعْلِيل حديث بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَا يَصُوم أَحَد عَنْ أَحَد وَيُطْعِم عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض الْأَصْلِيّ وَأَمَّا النَّذْر فَيُصَام عَنْهُ كما صرح به بن عَبَّاس وَلَا مُعَارَضَة بَيْن فَتْوَاه وَرِوَايَته
وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَنْهُ فِي قِصَّة مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان وَصَوْم النَّذْر فَرَّقَ بَيْنهمَا فَأَفْتَى بِالْإِطْعَامِ فِي رَمَضَان وَبِالصَّوْمِ عَنْهُ فِي النَّذْر فَأَيّ شَيْء فِي هَذَا مِمَّا يُوجِب تَعْلِيل حَدِيثه وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة مِنْ إِفْتَائِهَا فِي الَّتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا الصَّوْم أَنَّهُ يُطْعِم عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض لَا فِي النَّذْر لِأَنَّ الثَّابِت عَنْ عَائِشَة فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام رَمَضَان أَنَّهُ يُطْعِم عَنْهُ فِي قَضَاء رَمَضَان وَلَا يُصَام فَالْمَنْقُول عَنْهَا
عامة وقد وقعت الإشارة في حديث بن عَبَّاسٍ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى انتهى
وإنما قال إن حديث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَعْنِي أَنَّهُ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِهِ وَلَا لِتَقْيِيدِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهُ كَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
كالمنقول عن بن عَبَّاس سَوَاء فَلَا تَعَارُض بَيْن رَأْيهَا وَرِوَايَتهَا
وَبِهَذَا يَظْهَر اِتِّفَاق الرِّوَايَات فِي هَذَا الْبَاب وَمُوَافَقَة فَتَاوِي الصَّحَابَة لَهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيل وَالْقِيَاس لِأَنَّ النَّذْر لَيْسَ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْع وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْعَبْد عَلَى نَفْسه فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْن الَّذِي اِسْتَدَانَهُ وَلِهَذَا شَبَّهَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالدين في حديث بن عباس
والمسؤول عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ صَوْم نَذْر وَالدَّيْن تَدْخُلهُ النِّيَابَة
وَأَمَّا الصَّوْم الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ اِبْتِدَاء فَهُوَ أَحَد أَرْكَان الْإِسْلَام
فَلَا يَدْخُلهُ النِّيَابَة بِحَالٍ كَمَا لَا يَدْخُل الصَّلَاة وَالشَّهَادَتَيْنِ
فَإِنَّ الْمَقْصُود مِنْهَا طَاعَة الْعَبْد بِنَفْسِهِ وَقِيَامه بِحَقِّ الْعُبُودِيَّة الَّتِي خُلِقَ لَهَا وَأُمِرَ بِهَا
وَهَذَا أَمْر لَا يُؤَدِّيه عَنْهُ غَيْره كَمَا لَا يُسْلِم عَنْهُ غَيْره وَلَا يُصَلِّي عَنْهُ غَيْره
وَهَكَذَا مَنْ تَرَك الْحَجّ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ تَرَك الزَّكَاة فَلَمْ يُخْرِجهَا حَتَّى مَاتَ
فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيل وَقَوَاعِد الشَّرْع أَنَّ فِعْلَهُمَا عَنْهُ بَعْد الموت لا يبرىء ذِمَّتَهُ
وَلَا يُقْبَل مِنْهُ
وَالْحَقّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَع
وَسِرّ الْفَرْق أَنَّ النَّذْر اِلْتِزَام الْمُكَلَّف لِمَا شَغَلَ بِهِ ذِمَّته لَا أَنَّ الشَّارِع أَلْزَمهُ بِهِ اِبْتِدَاء فَهُوَ أَخَفّ حُكْمًا مِمَّا جَعَلَهُ الشَّارِع حَقًّا لَهُ عَلَيْهِ شَاءَ أَمْ أَبَى وَالذِّمَّة تَسَعُ الْمَقْدُور عَلَيْهِ وَالْمَعْجُوز عَنْهُ وَلِهَذَا تَقْبَل أَنْ يَشْغَلهَا الْمُكَلَّف بِمَا لَا قُدْرَة لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَاجِبَات الشَّرْع
فَإِنَّهَا عَلَى قَدْر طَاقَة الْبَدَن لَا تَجِبُ عَلَى عاجز
فواجب الذمة أَوْسَعَ مِنْ وَاجِب الشَّرْع الْأَصْلِيّ لِأَنَّ الْمُكَلَّف مُتِمّكُنَّ مِنْ إِيجَاب وَاجِبَات وَاسِعَة وَطَرِيق أَدَاء وَاجِبهَا أَوْسَعَ مِنْ طَرِيق أَدَاء وَاجِب الشَّرْع
فَلَا يَلْزَم مِنْ دُخُول النِّيَابَة فِي وَاجِبهَا بَعْد الْمَوْت دُخُولهَا فِي وَاجِب الشَّرْع
وَهَذَا يُبَيِّن أَنَّ الصَّحَابَة أَفْقَهُ الْخَلْق وَأَعْمَقهمْ عِلْمًا وَأُعْرَفُهُمْ بِأَسْرَارِ الشَّرْع وَمَقَاصِده وَحِكَمِهِ
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق