الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
263 -
(بَاب فِي الْإِقَامَةِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ)
[2787]
(سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ) بَدَلٌ مِنْ سُلَيْمَانَ فَسُلَيْمَانُ اسْمُهُ وَأَبُو دَاوُدَ كُنْيَتُهُ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ خُرَاسَانِيُّ الْأَصْلِ نَزَلَ الْكُوفَةَ ثُمَّ الدِّمَشْقَ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَالِحُ الْحَدِيثِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ وقال بن حَجَرٍ فِيهِ لِينٌ وَوَهِمَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأُمَوِيُّ الْأَشْدَقُ
قَالَ فِي الْكَاشِفِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَهُ مَنَاكِيرُ انْتَهَى
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الَّذِي وَقَعَ فِي سَنَدِهِ هُوَ أَبُو دَاوُدَ الزُّهْرِيُّ وَلَيْسَ هُوَ سُلَيْمَانَ الْأُمَوِيَّ الْأَشْدَقَ (سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ) بَدَلٌ مِنْ أَبِيهِ (مَنْ جَامَعَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَلَى وَزْنِ قَاتَلَ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
قَالَ أَصْحَابُ اللُّغَةِ جَامَعَهُ عَلَى كَذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ وَوَافَقَهُ انْتَهَى (الْمُشْرِكَ) بِاللَّهِ وَالْمُرَادُ الْكُفَّارُ وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِكِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ حِينَئِذٍ وَالْمَعْنَى مَنِ اجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِكِ وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ وَمَشَى مَعَهُ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ نَكَحَ الشَّخْصَ الْمُشْرِكَ يَعْنِي إِذَا أَسْلَمَ فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ زَوْجَتُهُ الْمُشْرِكَةُ حَتَّى بَانَتْ مِنْهُ فَحُذِّرَ مِنْ وَطْئِهِ إِيَّاهَا
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ منهم انتهى
وقد ضبط بعضهم هذا الْجُمْلَةَ بِلَفْظِ مَنْ جَاءَ مَعَ الْمُشْرِكِ أَيْ أَتَى مَعَهُ مُنَاصِرًا وَظَهِيرًا لَهُ فَجَاءَ فِعْلٌ مَاضٍ وَمَعَ الْمُشْرِكِ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ
قَالَهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ
قَالَ الشَّارِحُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ لَفْظُ مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ فَالْمُشْرِكُ هُوَ مَفْعُولُ جَامَعَ وَأَيْضًا مَعْنَاهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقَوِيُّ (وَسَكَنَ مَعَهُ) أَيْ فِي دِيَارِ الْكُفْرِ (فَإِنَّهُ مِثْلُهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ
الْوُجُوهِ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ وَمُوَالَاتَهُ تُوجِبُ إِعْرَاضَهُ عَنِ اللَّهِ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ وَنَقَلَهُ إِلَى الْكُفْرِ
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الْوَلِيِّ وَمُوَالَاةَ الْعَدُوِّ مُتَنَافِيَانِ وَفِيهِ إِبْرَامٌ وَإِلْزَامٌ بِالْقَلْبِ فِي مُجَانَبَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَمُبَاعَدَتِهِمْ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُعَاشَرَتِهِمْ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دون المؤمنين وَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِ وَإِذَا وَالَى الْكَافِرَ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى تَدَاعِي ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَزَجَرَ الشَّارِعُ عَنْ مُخَالَطَتِهِ بِهَذَا التَّغْلِيظِ الْعَظِيمِ حَسْمًا لمادة الفساد ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِ مَنْ لَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ وَلَا مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ سُكْنَى فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمُعَامَلَةِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَأَخْذٍ وَعَطَاءٍ لِيُوَالُوا فِي الدِّينِ أَهْلَ الدِّينِ وَلَا يَضُرُّهُمْ أَنْ يُبَارِزُوا مَنْ يُحَارِبُهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ
وَفِي الزُّهْدِ لأحمد عن بن دِينَارٍ (أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قُلْ لِقَوْمِكَ لَا تَدْخُلُوا مَدَاخِلَ أَعْدَائِي وَلَا تَلْبَسُوا مَلَابِسَ أَعْدَائِي وَلَا تَرْكَبُوا مَرَاكِبَ أَعْدَائِي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي) كذ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ
وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي الْكَوْكَبِ الْمُنِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَدِيثُ سَمُرَةَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَفِيهِ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ أَسِيرًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَقْهُورٌ مُهَانٌ بَيْنَهُمْ وَإِنِ انْكَفُّوا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُؤْذُوهُ أَوْ يَفْتِنُوهُ عَنْ دِينِهِ
وَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَظْهِرًا بِأَهْلِ دِينِهِ وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ وفي معناه أحاديث انتهى
قال الإمام بن تَيْمِيَةَ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَاكَلَةُ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ تُوجِبُ مُشَابَهَةً وَمُشَاكَلَةً فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي الْهُدْيِ الظَّاهِرِ تُوجِبُ مُنَاسَبَةً وَائْتِلَافًا وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فَمُرَافَقَتُهُمْ وَمُسَاكَنَتُهُمْ وَلَوْ قَلِيلًا سَبَبٌ لِنَوْعٍ مَا مِنَ انْتِسَابِ أَخْلَاقِهِمُ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَةٌ وَمَا كَانَ مَظِنَّةٌ لِفَسَادٍ خَفِيٍّ غَيْرِ مُنْضَبِطٍ عُلِّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ فَمُسَاكَنَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ بَلْ فِي نَفْسِ الِاعْتِقَادَاتِ فَيَصِيرُ مُسَاكِنُ الْكَافِرِ مِثْلَهُ وَأَيْضًا الْمُشَارَكَةُ فِي الظَّاهِرِ تُورِثُ نَوْعَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ وَمُوَالَاةٍ فِي الْبَاطِنِ كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْبَاطِنِ تُورِثُ الْمُشَابَهَةَ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا مما يشهد به الحسن فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَدٍ وَاجْتَمَعَا فِي دَارِ غُرْبَةٍ كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ أَمْرٌ عَظِيمٌ بِمُوجِبِ الطَّبْعِ
وَإِذَا كَانَتِ الْمُشَابَهَةُ فِي أُمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ تُورِثُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَالَاةَ فَكَيْفَ بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَالْمُوَالَاةُ لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَانَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ انتهى كلامه
وقال بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِقَامَةِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يارسول اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا وَقَالَ مَنْ جَامَعَ مَعَ الْمُشْرِكِ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَقَالَ لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقَالَ سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مَهَاجِرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا يَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تُقْذِرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَيَحْشُرُهُمُ اللَّهُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
انْتَهَى