الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
57 -
(بَاب فِي صَوْمِ شَوَّالٍ)
(إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) وَالصَّوْمُ يُضْعِفُ الْإِنْسَانَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الْأَهْلِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفَتِّرَ الْهِمَّةَ عَنِ القيام بحقوق الله وحقوق عباده فلذاكره (صُمْ رَمَضَانَ وَالَّذِي يَلِيهِ) قِيلَ أَرَادَ السِّتَّ مِنْ شَوَّالٍ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ شَعْبَانَ (وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ) بِالْمَدِّ وَعَدَمِ الِانْصِرَافِ (وَخَمِيسٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ (فَإِذًا) بِالتَّنْوِينِ (أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِنْ فَعَلْتَ مَا قُلْتُ لَكَ فَقَدْ صُمْتَ وَإِذًا جواب جيء لتأكيد الربط
قاله على القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ
8 -
(بَاب فِي صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ)
(قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ) وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَوْرَدَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه
وَضَعَّفَهُ غَيْره وَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد أَخِي يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه سَعْد بْن سَعِيد ضَعِيف كَذَلِكَ قَالَ
الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يُكْرَهُ صَوْمُهَا وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ وُجُوبَهَا وَهُوَ بَاطِلٌ فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ
وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِمَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ أَنَّهُ مَا رَأَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّاسَ إِذَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِسُنَّةٍ لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُمْ دَلِيلًا تُرَدُّ بِهِ السُّنَّةُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحْمَد بْن حَنْبَل يَحْيَى بْن سَعِيد
الثِّقَة الْمَأْمُون أَحَد الْأَئِمَّة وَعَبْد رَبّه بْن سَعِيد لَا بَأْس بِهِ وَسَعْد بْن سَعِيد ثَالِثهمْ ضَعِيف
وَذَكَر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر الْحُمَيْدِيّ هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْنَده وَقَالَ الصَّحِيح مَوْقُوفًا
وَقَدْ رَوَى الْإِخْوَة الثَّلَاثَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ عُمَر بْن ثَابِت
فَمُسْلِم أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثه مَرْفُوعًا وَمِنْ حَدِيث عَبْد رَبّه بْن سَعِيد مَوْقُوفًا
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد مَرْفُوعًا
وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا ثَوْبَان عَنْ النبي قَالَ صِيَام شَهْر رَمَضَان بِعَشْرَةِ أَشْهُر وَصِيَام سِتَّة أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَاكَ صِيَام سَنَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ رسول الله يَقُول جَعَلَ اللَّه الْحَسَنَة بِعَشْرَةٍ فَشَهْر بِعَشْرَةٍ أَشْهُر وَسِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر تَمَام السَّنَة قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَة وَثَوْبَان وَقَدْ أُعِلَّ حَدِيث أَبِي أَيُّوب مِنْ جِهَة طُرُقه كُلّهَا
أَمَّا رِوَايَة مُسْلِم فَعَنْ سَعْد بْن سَعِيد وَأَمَّا رِوَايَة أَخِيهِ عَبْد رَبّه فَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ عُتْبَة لَيْسَ بِالْقَوِيِّ يَعْنِي رَاوِيه عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَكْر عَنْ يَحْيَى
وَأَمَّا حَدِيث عَبْد رَبّه فَإِنَّمَا رَوَاهُ مَوْقُوفًا
وَهَذِهِ الْعِلَل وَإِنْ مَنَعَتْهُ أَنْ يَكُون فِي أَعْلَى دَرَجَات الصَّحِيح فَإِنَّهَا لَا تُوجِب وَهَنَهُ وَقَدْ تَابَعَ سَعْدًا وَيَحْيَى وَعَبْد رَبّه عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ عَنْ عُمَر لَكِنْ قَالَ عَنْ عُمَر عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب
وَرَوَاهُ أَيْضًا صَفْوَان بْن سليم عن عمر بن ثابت ذكره بن حِبَّان فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة يَحْيَى وَسَعِيد وَعَبْد رَبّه بَنُو سَعِيد وَصَفْوَان بْن سليم وَعُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ كُلّهمْ رَوَوْهُ عَنْ عَمْرو
فَالْحَدِيث صَحِيح
وَأَمَّا حديث ثوبان فقد رواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه
وَلَفْظه مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتًّا مِنْ شَوَّال فَقَدْ صَامَ السَّنَة وَرَوَاهُ بن مَاجَةَ
وَلَفْظه مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر كَانَ تَمَام السَّنَة مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا وَأَمَّا حَدِيث جَابِر فَرَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي عَبْد الرحمن المقرئ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب عَنْ عَمْرو بْن جَابِر الْحَضْرَمِيّ عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ وَعَمْرو بْن جَابِر ضَعِيف وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حاتم
الْفِطْرِ قَالَ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى آخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ
قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَرَمَضَانُ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن ماجه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الرَّازِيّ هُوَ صَالِح لَهُ نَحْو عِشْرِينَ حَدِيثًا
وَقَالَ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبِهَانِيّ رُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَمُجَاهِد عَنْ جَابِر مِثْله
وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ حَدِيث لَيْث بْن أَبِي سليم عَنْ مُجَاهِد عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد عن أبي هريرة عن النبي
قَالَ أَبُو نُعَيْم وَرَوَاهُ عَمْرو بْن دِينَار عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أَبِيهِ وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
وَهَذِهِ الطُّرُق تَصْلُح لِلِاعْتِبَارِ وَالِاعْتِضَاد
وَقَدْ اِحْتَجَّ أَصْحَاب السُّنَن الْأَرْبَعَة بِلَيْثٍ وَقَدْ رَوَى حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم فِي كِتَاب الْعِلَل سَمِعْت أَبِي وَذَكَر حَدِيثًا رَوَاهُ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ يَحْيَى بْن الْحَارِث عَنْ أَبِي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان مَرْفُوعًا مَنْ صَامَ رَمَضَان وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال قَالَ أَبِي هَذَا وَهْم مِنْ سُوَيْد قَدْ سَمِعَ يَحْيَى بْن الحرث هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَبِي أَسْمَاء إِنَّمَا أَرَادَ سُوَيْد مَا حَدَّثَنَا صَفْوَان بْن صَالِح أَخْبَرَنَا مَرْوَان الطَّاطِرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة عَنْ يحيى بن الحرث عَنْ أَبِي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَنْ شَدَّاد بْن أوس عن النبي قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَان الْحَدِيث وَهَذَا إِسْنَاد ثقات كلهم ثم قال بن أَبِي حَاتِم بَعْد ذَلِكَ سُئِلَ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ مَرْوَان الطَّاطِرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة وَذَكَر هَذَا الْحَدِيث حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ سَمِعْت أَبِي يَقُول النَّاس يَرْوُونَ عن يحيى بن الحرث عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان عَنْ النَّبِيّ
قُلْت لِأَبِي أَيّهمَا الصَّحِيح قَالَ جَمِيعًا صَحِيح
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الرَّقِّيّ أَخْبَرَنَا أَبُو هَمَّام أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَة عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه قَالَ حَدَّثَنِي سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عن البراء بن عازب عن النبي أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَامَ سِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر كُلّه وَيَحْيَى بْن حَمْزَة قَاضِي دِمَشْق صَدُوق وَأَبُو هَمَّام الْوَلِيد بْن شُجَاع السُّكُونِيّ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِم وَهَذَا غَرِيب لَعَلَّهُ اِشْتَبَهَ عَلَى بَعْض رُوَاته عُمَر بْن ثَابِت بِعَدِيِّ بْن ثَابِتٍ وَتَأَكَّدَ الْوَهْم فَجَعَلَهُ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب لِكَثْرَةِ رِوَايَة عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْهُ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْقَوْل بِمُوجِبِ هَذِهِ الْأَحَادِيث
فَذَهَبَ أَكْثَرهمْ إِلَى الْقَوْل بِاسْتِحْبَابِ صَوْمهَا
مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وأحمد وبن الْمُبَارَك وَغَيْرهمْ
وَكَرِهَهَا آخَرُونَ
مِنْهُمْ مَالِك
وَقَالَ مُطَرِّف كَانَ مَالِك يَصُومهَا فِي خَاصَّة نَفْسه
قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا لِئَلَّا يُلْحِق أَهْل الْجَاهِلِيَّة ذَلِكَ بِرَمَضَان
فَأَمَّا مَنْ يَرْغَب فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِيهِ فَلَمْ يَنْهَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض النَّاس عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث بِاعْتِرَاضَاتٍ نَذْكُرُهَا وَنَذْكُر الْجَوَاب عَنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
الِاعْتِرَاض الْأَوَّل تَضْعِيفهَا
قَالُوا وَأَشْهَرُهَا حَدِيث أَبِي أَيُّوب وَمَدَاره عَلَى سَعْد بْن سَعِيد وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا تَرَكَهُ مَالِك وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ قِبَل حِفْظه
وَقَالَ النسائي ليس بالقوي وقال بن حِبَّان لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِحَدِيثِ سَعْد بْن سَعِيد
وَجَوَاب هَذَا الِاعْتِرَاض أَنَّ الْحَدِيث قَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِم وَغَيْره
وَأَمَّا قَوْلكُمْ يَدُور عَلَى سَعْد بْن سَعِيد فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ رَوَاهُ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَيَحْيَى بْن سَعِيد أَخُو سَعْد الْمَذْكُور وَعَبْد رَبّه بْن سَعِيد وَعُثْمَان بْن عُمَر الْخُزَاعِيّ
أَمَّا حَدِيث صَفْوَان فأخرجه أبو داود والنسائي وبن حِبَّان
وَأَمَّا حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ صَدَقَة بْن خَالِد مُتَّفَق عَلَيْهِمَا عَنْ عُتْبَة بْن أبي حكيم
وثقة الرازيان وبن معين وبن حِبَّان عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَكْر بن عبد الرحمن بن الحرث بْن هِشَام وَعَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عَمْرو بْن حَزْم وَإِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ ثَلَاثَتهمْ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بِهِ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَاهُ حَفْص بْن غِيَاث وَهُوَ أَثْبَت مِمَّنْ ذَكَرْت عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَخِيهِ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عَمْرو بْن ثَابِت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْن سَعِيد لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُمَر بْن ثَابِت وَإِلَّا لَمَا رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ عَنْهُ وَرَوَاهُ إِسْحَاق بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ الْبَرَاء فَقَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ
قِيلَ رِوَايَة عَبْد الْمَلِك وَمَنْ مَعَهُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَرْجَح مِنْ رِوَايَة حَفْص بْن غِيَاث لِأَنَّهُمْ أَتْقَنَ وَأَكْثَر وَأَبْعَد عَنْ الْغَلَط وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون يَحْيَى سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ فَرَوَاهُ كَذَلِكَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ عُمَر وَلِهَذَا نَظَائِر كَثِيرَة وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ أَخِيهِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر فَإِنْ كَانَ يَحْيَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أخيه سعد فقذ اِتَّفَقَتْ فِيهِ رِوَايَة الْإِخْوَة الثَّلَاثَة لَهُ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض
وَأَمَّا حَدِيث عَبْد رَبّه بْن سَعِيد فَذَكَره البيهقي وَكَذَلِكَ حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو الخزاعي
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنْفَرِد بِهِ سَعْد سَلَّمْنَا اِنْفِرَاده لَكِنَّهُ ثِقَة صَدُوق رَوَى لَهُ مسلم وروى عنه شعبة وسفيان الثوري وبن عيينة وبن جُرَيْج وَسُلَيْمَان بْن بِلَال وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن
وَقَالَ أَحْمَد كَانَ شُعْبَة أُمَّة وَحْدَة فِي هَذَا الشَّأْن قَالَ عَبْد اللَّه يَعْنِي فِي الرِّجَال وَبَصَره بِالْحَدِيثِ وَتَثَبُّته وَتَنْقِيَته
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
لِلرِّجَالِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد شُعْبَة أَوَّل مَنْ فَتَّشَ عَنْ أَمْر الْمُحَدِّثِينَ وَجَانِب الضُّعَفَاء وَالْمَتْرُوكِينَ وَصَارَ عَلَمًا يُقْتَدَى بِهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ بَعْده أَهْل الْعِرَاق
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَضْعِيف أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَصَحِيح
وَأَمَّا مَا نقلتم عن بن حِبَّان فَإِنَّمَا قَالَهُ فِي سَعْد بْن سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ وَلَيْسَ فِي كِتَابه غَيْره وَأَمَّا سَعْد بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ الْمَدَنِيّ فَإِنَّمَا ذَكَره فِي كِتَاب الثِّقَات وَقَدْ قَالَ أبو حاتم الرازي عن بن مَعِين سَعْد بْن سَعِيد صَالِحٌ وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد ثقة قليل الحديث وقال بن أَبِي حَاتِم سَمِعْت أَبِي يَقُول كَانَ سَعْد بْن سَعِيد مُؤَدِّيًا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ ويؤدي ما سمع
وقال بن عَدِيّ لَهُ أَحَادِيث صَالِحَةٌ تَقْرُب مِنْ الِاسْتِقَامَة وَلَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا مِقْدَار مَا يَرْوِيه وَمِثْل هَذَا إِنَّمَا يَنْفِي مَا يَنْفَرِد بِهِ أَوْ يُخَالِف بِهِ الثِّقَات فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَنْفَرِد وَرَوَى مَا رَوَاهُ النَّاس فَلَا يَطْرَح حَدِيثه
سَلَّمْنَا ضَعْفه لَكِنَّ مُسْلِمٌ إِنَّمَا اِحْتَجَّ بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطىء فِيهِ بِقَرَائِن وَمُتَابَعَات وَلِشَوَاهِد دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ خَطَؤُهُ فِي غَيْره فكون الرجل يخطىء فِي شَيْءٍ لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا ظهر أنه لم يخطىء فِيهِ وَهَكَذَا حُكْم كَثِير مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي خَرَّجَاهَا وَفِي إِسْنَادهَا مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَة حِفْظه فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَاهَا إِلَّا وَقَدْ وَجَدَا لَهَا مُتَابَعًا
وَهَهُنَا دَقِيقَة يَنْبَغِي التَّفَطُّن لَهَا وَهِيَ أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رَوَيَاهُ أَوْ أَحَدهمَا وَاحْتَجَّا بِرِجَالِهِ أَقْوَى مِنْ حَدِيث اِحْتَجَّا بِرِجَالِهِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ فَتَصْحِيح الْحَدِيث أَقْوَى مِنْ تَصْحِيح السَّنَد
فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ قِيلَ هَذَا لَا يَلْزَم لِأَنَّهُ رحمه الله لَمْ يَسْتَوْعِب الصَّحِيح وَلَيْسَ سَعْد بْن سَعِيد مِنْ شَرْطه عَلَى أَنَّهُ قَدْ اِسْتَشْهَدَ بِهِ فِي صَحِيحه فَقَالَ فِي كِتَاب الزَّكَاة وَقَالَ سُلَيْمَان عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عمارة بن غزية عن بن عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
الِاعْتِرَاض الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عُمَر بْن ثَابِت فَرَوَاهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ عَنْ سَعِيد عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب مَوْقُوفًا ذَكَره النَّسَائِيّ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو بْن سَاج عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ طَرِيق سَعْد بْن سَعِيد غَيْر مُتَّصِلَة حَيْثُ لَمْ يَذْكُر مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر بَيْن عُمَر بْن ثَابِت وَأَبِي أَيُّوب وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِرِوَايَةِ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر لَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوب أَصْلًا
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ وَرْقَاء بْن عُمَر الْيَشْكُرِيّ عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب
وَهَذَا الِاخْتِلَاف يُوجِب ضَعْفه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا لَا يُسْقِط الِاحْتِجَاج بِهِ أَمَّا رِوَايَة عَبْد رَبّه بْن سَعِيد لَهُ مَوْقُوفًا فَإِمَّا أَنْ يُقَال الرَّفْع زِيَادَة
وَإِمَّا أَنْ يُقَال هُوَ مُخَالَفَة وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالتَّرْجِيح حَاصِل بِالْكَثْرَةِ وَالْحِفْظ فَإِنَّ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَيَحْيَى بْن سَعِيد وَهُمَا إِمَامَانِ جَلِيلَانِ وَسَعْد بْن سَعِيد وَهُوَ ثِقَة مُحْتَجّ بِهِ فِي الصَّحِيح اِتَّفَقُوا عَلَى رَفْعه وَهُمْ أَكْثَر وَأَحْفَظ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُرِيّ لَمْ يُتَّفَق عَنْهُ عَلَى وَقْفه
بَلْ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَد بْن يُوسُف السُّلَمِيّ شَيْخ مُسْلِم وَعُقَيْل بْن يَحْيَى جَمِيعًا عَنْهُ عَنْ شُعْبَة عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أيوب مرفوعا وذكره بن مِنْدَه وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مُوَافِق لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَة وَمُقَوٍّ لِحَدِيثِ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَسَعْد بْن سَعِيد
وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّد بْن جَعْفَر غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ وَرْقَاء عَنْ سَعْد بْن سَعِيد مَرْفُوعًا كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَة وَغُنْدَر أَصَحّ النَّاس حَدِيثًا فِي شُعْبَة حَتَّى قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ هُوَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ فِي شُعْبَة فَمَنْ يَكُون مُقَدَّمًا عَلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ فِي حَدِيث شُعْبَة يَكُون قَوْله أَوْلَى مِنْ الْمَقْبُرِيّ
وَأَمَّا حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو بْن سَاج فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه عَقِب رِوَايَتهَا هَذَا خَطَأ وَالصَّوَاب عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب مِنْ غَيْر ذِكْر مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عُثْمَان وَالْوَلِيد اِبْنَا عَمْرو بْن سَاج يُكْتَب حَدِيثهمَا وَلَا يُحْتَجّ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ رَأَيْت عِنْده كُتُبًا فِي غَيْر هَذَا
فَإِذَا أَحَادِيث شِبْه أَحَادِيث مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد فَلَا أَدْرِي أَكَانَ سَمَاعه مِنْ مُحَمَّد أَمْ مِنْ أُولَئِكَ الْمَشْيَخَة فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيث أَحَادِيثه عَنْ أُولَئِكَ الْمَشْيَخَة وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّد فَهُوَ ضَعِيف
وَأَمَّا رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش لَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد فَإِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش ضَعِيف فِي الْحِجَازِيِّينَ وَمُحَمَّد بْن حُمَيْد مُتَّفَق عَلَى ضَعْفه ونكارة حديثه وكأن بن سَاج سَرَقَ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَالْغَلَط فِي زِيَادَة مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر مِنْهُ
وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَمَّا رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فَمِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عِمْرَان الأصبهاني عنه قال بن حِبَّان كَانَ يُغْرِب وَخَالَفَهُ يُونُس بْن حَبِيب فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ وَرْقَاء بْن عُمَر عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت مُوَافَقَة لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَة
فَإِنْ قِيلَ فَالْحَدِيث بَعْد هَذَا كُلّه مَدَاره عَلَى عُمَر بْن ثَابِت الْأَنْصَارِيِّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوب غَيْره فَهُوَ شَاذٌّ فَلَا يُحْتَجّ بِهِ
قِيلَ لَيْسَ هَذَا مِنْ الشَّاذّ الَّذِي لَا يُحْتَجّ بِهِ وَكَثِير مِنْ أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَة كَحَدِيثِ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ تَفَرَّدَ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص بِهِ وَتَفَرَّدَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ بِهِ عَنْهُ وَتَفَرَّدَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَحْيَى بْن سَعِيد بِهِ عَنْ التَّيْمِيّ
وَقَالَ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَة مَا لَا يَرْوِي غَيْره إِنَّمَا الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَة حَدِيثًا يُخَالِف مَا رَوَى النَّاس
وَأَيْضًا فَلَيْسَ هَذَا الْأَصْل مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت لِرِوَايَةِ ثَوْبَان وَغَيْره لَهُ عَنْ النَّبِيّ وقد ترجم بن حِبَّان عَلَى ذَلِكَ فِي صَحِيحه فَقَالَ بَعْد إِخْرَاجه حَدِيث عُمَر بْن ثَابِت ذِكْر الْخَبَر الْمُدْحِض قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَر تَفَرَّدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب وَذِكْرُ حَدِيث ثَوْبَان مِنْ رِوَايَة هِشَام بْن عَمَّار عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ يحيى بن الحرث الذُّمَارِيّ عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحَبِيّ عَنْ ثَوْبَان ورواه بن مَاجَةَ
وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيث عِلَّة وَهِيَ أَنَّ أَسَد بْن مُوسَى رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ يَحْيَى بن الحرث بِهِ
وَالْوَلِيد مُدَلِّس وَقَدْ عَنْعَنَهُ فَلَعَلَّهُ وَصَلَهُ مَرَّة وَدَلَّسَهُ أُخْرَى
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن حَمْزَة وَمُحَمَّد بْن شُعَيْب بن سابور وكلاهما عن يحيى بن الحرث الذُّمَارِيّ بِهِ
وَرَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَد عَنْ أَبِي الْيَمَامَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ يحيى بن الحرث بِهِ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيث أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَإِسْمَاعِيل إِذَا رَوَى عَنْ الشَّامِيِّينَ فَحَدِيثه صَحِيح وَهَذَا إِسْنَاد شَامِيٌّ
الِاعْتِرَاض الثَّالِث أَنَّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم
قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه يَصُومهَا وَلَمْ يَبْلُغنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف وَإِنَّ أَهْل الْعِلْم يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَته وَأَنْ يُلْحِق بِرَمَضَان مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَة عَنْ أَهْل الْعِلْم وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ تَمَّ كَلَامُهُ قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ وَاَلَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِك قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَالنَّوَاقِيس وَشَعَائِر رَمَضَان إِلَى آخِر السِّتَّة الْأَيَّام فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِر الْعِيد
وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِد وَصَلَّى الْفَرْض ثُمَّ قَامَ يَتَنَفَّل فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر وَقَالَ لَهُ اِجْلِسْ حَتَّى تَفْصِل بَيْن فَرْضك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلنَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله أصاب الله بك ياابن الْخَطَّاب
قَالُوا فَمَقْصُود عُمَر أَنَّ اِتِّصَال الْفَرْض بِالنَّفْلِ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي وَطَالَ الزَّمَن ظَنَّ الْجُهَّال أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْض كَمَا قَدْ شَاعَ عِنْد كَثِير مِنْ الْعَامَّة أَنَّ صُبْح يَوْم الْجُمْعَة خَمْس سَجَدَات وَلَا بُدّ فإذا تركوا قراءة {الم تنزيل} قرؤوا غَيْرهَا مِنْ سُوَر السَّجَدَات بَلْ نَهَى عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان حِمَايَةً لِرَمَضَان أَنْ يُخْلَط بِهِ صَوْم غَيْره فَكَيْف بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ بَعْده فَيُقَال الْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدهمَا فِي صَوْم سِتَّةٍ مِنْ شَوَّال مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة
وَالثَّانِي فِي وَصْلهَا بِهِ
أَمَّا الْأَوَّل فَقَوْلكُمْ إِنَّ الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ فَبَاطِلٌ وَكَوْن أَهْل الْمَدِينَة فِي زَمَن مَالِك لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لَا يُوجِب تَرْك الْأُمَّة كُلّهمْ لَهُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وبن المبارك وغيرهم
قال بن عَبْد الْبَرّ لَمْ يَبْلُغ مَالِكًا حَدِيث أَبِي أَيُّوب عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ وَالْإِحَاطَة بِعِلْمِ الْخَاصَّة لَا سَبِيل إِلَيْهِ وَاَلَّذِي كَرِهَهُ مَالِك قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ خَشْيَة أَنْ يُضَاف إِلَى فَرْض رَمَضَان وَأَنْ يَسْبِق ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّة وَكَانَ مُتَحَفِّظًا كَثِير الِاحْتِيَاط لِلدِّينِ وَأَمَّا صَوْم السِّتَّة الْأَيَّام عَلَى طَلَب الْفَضْل وَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي جَاءَ بِهِ ثَوْبَان فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَكْرَه ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه لِأَنَّ الصَّوْم جُنَّة وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ يَدَع طَعَامه وَشَرَابه لِلَّهِ وَهُوَ عَمَل بِرّ وَخَيْر وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَمَالِك لَا يَجْهَل شَيْئًا مِنْ هَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَلَمْ يَكْرَه مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء إِذَا اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يُعَدَّ مِنْ فَرَائِض الصِّيَام مُضَافًا إِلَى رَمَضَان وَمَا أَظُنّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيث لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ اِنْفَرَدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت وَأَظُنّ عُمَر بْن ثَابِت لَمْ يَكُنْ عِنْده مِمَّنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَك مَالِك الِاحْتِجَاج بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن ثَابِت
وقيل إنه روى عنه ولولا عِلْمه بِهِ مَا أَنْكَرَ بَعْض شُيُوخه إِذْ لَمْ يَثِق بِحِفْظِهِ لِبَعْضِ مَا يَرْوِيه وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون جَهِلَ الْحَدِيث وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ هَذَا كَلَامه
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء
وَرُوِيَ عَنْ مَالِك وَغَيْره كَرَاهِيَة ذَلِكَ وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأ أَنْ يَعْتَقِد مَنْ يَصُومهُ أَنَّهُ فَرْض وأما على الوجه الذي أراده النبي فَجَائِز
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي فَلَا رَيْب أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي وَصْلِهَا بِرَمَضَان مِثْل هَذَا الْمَحْذُور كُرِهَ أَشَدّ الْكَرَاهَة وَحُمِيَ الْفَرْض أَنْ يُخْلَط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيَصُومهَا فِي وَسَط الشَّهْر أَوْ آخِره وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُور فَدَفْعه وَالتَّحَرُّز مِنْهُ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام
فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَة فِي الصَّوْم إِنَّمَا يُخَاف مِنْهَا لَوْ لَمْ يُفْصَل بَيْن ذَلِكَ بِفِطْرِ يَوْم الْعِيد فَأَمَّا وَقَدْ تَخَلَّلَ فِطْر يَوْم الْعِيد فَلَا مَحْذُور
وَهَذَا جَوَابُ أبي حامد الاسفرايني وَغَيْره
قِيلَ فِطْر الْعِيد لَا يُؤَثِّر عِنْد الْجَهَلَة فِي دَفْع هَذِهِ الْمَفْسَدَة
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ يَرَوْنَهُ كَفِطْرِ يَوْم الْحَيْض لَا يَقْطَع التَّتَابُع وَاتِّصَال الصَّوْم فَبِكُلِّ حَال يَنْبَغِي تَجَنُّب صَوْمهَا عَقِب رَمَضَان إِذَا لَمْ تُؤْمَن مَعَهُ هَذَا الْمَفْسَدَة
وَاَللَّه أَعْلَم
فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ سِتّ وَالْأَيَّام مُذَكَّرَة فَالْأَصْل أَنْ يُقَال سِتَّة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام} وَهَلْ لِشَوَّال بِخُصُوصِهِ مَزِيَّة عَلَى غَيْره فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ لِلسِّتِّ خُصُوصِيَّة عَلَى مَا دُونهَا وَأَكْثَر مِنْهَا أَمْ لَا وَكَيْف شَبَّهَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصِيَامِ الدَّهْر فَيَكُون الْعَمَل الْيَسِير مُشَبَّهًا بِالْعَمَلِ الْكَثِير وَمِنْ جِنْسه وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا وَعَمِلَ الْآخَر بِقَدْرِهِ مَرَّتَيْنِ لَا يَسْتَوِيَانِ فَكَيْف يَكُون بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات وَهَلْ فَرْقٌ بَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر وَبَيْن أَنْ يُقَال فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر وَهَلْ يَدُلّ الْحَدِيث عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر لِأَجْلِ هَذَا التَّشْبِيه أَمْ لَا فَالْجَوَاب أَمَّا قَوْله سِتّ وَلَمْ يَقُلْ سِتَّة فَالْعَرَب إِذَا عَدَّتْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّام فَإِنَّهَا تُغَلِّب اللَّيَالِي إِذَا لَمْ تُضِفْ الْعَدَد إِلَى الْأَيَّام فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّام عَدُّوا اللَّيَالِي وَمُرَادهمْ الْأَيَّام
قَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَوْ قِيلَ وَعَشْرَة لَكَانَ لَحْنًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ تَعَالَى {يَتَخَافَتُونَ بَيْنهمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} فَهَذِهِ أَيَّام بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى بَعْدهَا {إِذْ يَقُول أَمْثَلهمْ طَرِيقَة إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} فَدَلَّ الْكَلَام الْأَخِير عَلَى أَنَّ الْمَعْدُود الْأَوَّل أَيَّام وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام} فَلَا تَغْلِيب هُنَاكَ لِذِكْرِ النَّوْعَيْنِ وَإِضَافَة كُلّ عَدَد إِلَى نَوْعه
وَأَمَّا السُّؤَال الثَّانِي وَهُوَ اِخْتِصَاص شَوَّال فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الرِّفْق بِالْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ حَدِيث عَهْد بِالصَّوْمِ فَيَكُون أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَفِي ذِكْر شَوَّال تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ صَوْمهَا فِي غَيْره أَفْضَل هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيّ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَهُوَ غَرِيب عَجِيب
الطَّرِيق الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ الْمُبَادَرَة بِالْعَمَلِ وَانْتِهَاز الْفُرْصَة خَشْيَة الْفَوَات
قَالَ تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} وَقَالَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ} وَهَذَا تَعْلِيلُ طَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَغَيْرهمْ
قَالُوا وَلَا يَلْزَم أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْفَضْل لِمَنْ صَامَهَا فِي غَيْره لِفَوَاتِ مَصْلَحَة الْمُبَادَرَة وَالْمُسَارَعَة الْمَحْبُوبَة لِلَّهِ
قَالُوا وَظَاهِر الْحَدِيث مَعَ هَذَا الْقَوْل
وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَقَوْلُهُ أَوْلَى
وَلَا رَيْب أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلْغَاء خُصُوصِيَّة شَوَّال وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة
وَقَالَ آخَرُونَ لَمَّا كَانَ صَوْم رَمَضَان لَا بُدّ أَنْ يَقَع فِيهِ نَوْع تَقْصِير وَتَفْرِيط وَهَضْم مِنْ حَقِّهِ وَوَاجِبِهِ نَدَبَ إِلَى صَوْم سِتَّة أَيَّام مِنْ شَوَّال جَابِرَةٍ لَهُ وَمُسَدِّدَة لِخَلَلِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَقَع فِيهِ
فَجَرَتْ هَذِهِ الْأَيَّام مَجْرَى سُنَن الصَّلَوَات الَّتِي يُتَنَفَّل بِهَا بَعْدهَا جَابِرَة وَمُكَمِّلَة وَعَلَى هَذَا تَظْهَر فَائِدَة اِخْتِصَاصهَا بِشَوَّال وَاَللَّه أَعْلَم
فَهَذِهِ ثَلَاث مَآخِذ
وَسِوَى هَذَا جَوَاب السُّؤَال الثَّالِث وَهُوَ اِخْتِصَاصهَا بِهَذَا الْعَدَد دُون مَا هُوَ أَقَلّ وَأَكْثَر فَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيث إِلَى حِكْمَته فَقَالَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا فَثَلَاثِينَ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتَّة بِسِتِّينَ وَقَدْ صَامَ السَّنَة وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث ثَوْبَان وَلَفْظه مَنْ صَامَ سِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر كَانَ تَمَام السَّنَة مَنْ جَاءَ بالحسنة فله عشر أمثالها لفظ بن مَاجَةَ
وَأَخْرَجَهُ صَاحِب الْمُخْتَارَة
وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ صِيَام رَمَضَان بِعَشْرَةِ أَشْهُر وَصِيَام سِتَّة أَيَّام بِشَهْرَيْنِ
فَذَلِكَ صِيَام سَنَة يَعْنِي صِيَام رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بَعْده فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَة فِي كونها ستة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا مَا ذَكَره بَعْضهمْ مِنْ أَنَّ السِّتَّة عَدَدٌ تَامٌّ فَإِنَّهَا إِذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهَا قَامَ مِنْهَا عَدَد السَّنَة
فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْف وَالثُّلُث وَالسُّدُس وَيُكْمِل بِهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَة وَالِاثْنَيْ عَشْر وَغَيْرهمَا فَهَذَا لَا يَحْسُن وَلَا يَلِيق أَنْ يُذْكَر فِي أَحْكَام اللَّه وَرَسُوله
وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَان الدِّين عَنْ التَّعْلِيل بِأَمْثَالِهِ
وَأَمَّا السُّؤَال الرَّابِع وَهُوَ تَشْبِيه هَذَا الصِّيَام بِصِيَامِ الدَّهْر مَعَ كَوْنه بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات فَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى كَثِير مِنْ النَّاس
وَقِيلَ فِي جوابه أن من صام رمضان وَسِتَّة مِنْ شَوَّال مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فَهُوَ كمن صام السنة من الأمم المتقدمة
قالوا لِأَنَّ تَضْعِيف الْحَسَنَات إِلَى عَشْر أَمْثَالهَا مِنْ خَصَائِص هَذِهِ الْأُمَّة
وَأَحْسَن مِنْ هَذَا أَنْ يُقَال الْعَمَل لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَزَاء اِعْتِبَارَانِ اِعْتِبَار الْمُقَابَلَة وَالْمُسَاوَاة وَهُوَ الْوَاحِد بِمِثْلِهِ وَاعْتِبَار الزِّيَادَة وَالْفَضْل وَهُوَ الْمُضَاعَفَة إِلَى الْعَشْر فَالتَّشْبِيه وَقَعَ بَيْن الْعَمَل الْمُضَاعَف ثَوَابه وَبَيْن الْعَمَل الَّذِي يُسْتَحَقّ بِهِ مِثْله وَنَظِير هَذَا قَوْله مَنْ صَلَّى عِشَاء الْآخِرَة فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف لَيْلَة وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة
أَمَّا السُّؤَال الْخَامِس وَهُوَ الْفَرْق بَيْن أَنْ يَقُول فَكَأَنَّمَا قَدْ صَامَ الدَّهْر وَبَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر هُوَ أَنَّ الْمَقْصُود تَشْبِيه الصِّيَام بِالصِّيَامِ
وَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُود فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون تَشْبِيهًا لِلصَّائِمِ بِالصَّائِمِ
فَمَحَلّ التَّشْبِيه هُوَ الصَّوْم لَا الصَّائِم وَيَجِيء الْفَاعِل لُزُومًا وَلَوْ شَبَّهَ الصَّائِم لَكَانَ هُوَ مَحَلّ التَّشْبِيه وَيَكُون مَجِيء الصَّوْم لُزُومًا وَإِنَّمَا كَانَ قَصْد تَشْبِيه الصَّوْم أَبْلَغ وَأَحْسَن لِتَضَمُّنِهِ تَنْبِيه السَّامِع عَلَى قَدْر الْفِعْل وَعِظَمِهِ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَته فِيهِ
وَأَمَّا السُّؤَال السَّادِس وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر فَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ طَائِفَة مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ
قَالُوا وَلَوْ كَانَ صَوْم الدَّهْر مَكْرُوهًا لَمَا وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ بَلْ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل الصِّيَام وَهَذَا الِاسْتِدْلَال فَاسِد جِدًّا مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّ فِي الْحَدِيث نَفْسه أَنَّ وَجْه التَّشْبِيه هُوَ أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا فَسِتَّة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا بِسَنَةٍ كَامِلَةٍ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ صَوْم السَّنَة الْكَامِلَة حَرَام بِلَا رَيْب وَالتَّشْبِيه لَا يَتِمّ إِلَّا بِدُخُولِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي السَّنَة وَصَوْمهَا حَرَام فَعُلِمَ أَنَّ التَّشْبِيه الْمَذْكُور لَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز وُقُوع الْمُشَبَّه بِهِ فَضْلًا عَنْ اِسْتِحْبَابه فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون أَفْضَل مِنْ غيره
ونظير هذا قول النبي لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَاد فَقَالَ لَا تَسْتَطِيعهُ
هَلْ تَسْتَطِيع إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِد أَنْ تَقُوم فَلَا تَفْتُر وَتَصُوم فَلَا تُفْطِر قَالَ لَا
قَالَ فَذَلِكَ مِثْل الْمُجَاهِد وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الْمُشَبَّه بِهِ غَيْر مَقْدُور وَلَا مشروع