الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شِدَّةُ الِاتِّصَالِ وَعَدَمُ الْمُفَارَقَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ لَوْ ظَنَّا بِهِ ظَنَّ التُّهْمَةِ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا بِمَكَانِهَا نَصِيحَةً لَهُمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ حُكِيَ لَنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم شَفَقَةً عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادة إِلَى إِعْلَامِهِمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَهْلِكَا
وَفِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَعَهَا لِيَتَبَلَّغَ مَنْزِلِهَا وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَفْسُدُ إِذَا خَرَجَ فِي وَاجِبٍ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُعْتَكِفَ مِنْ إِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
0 -
(بَاب الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ)
(يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مُعْتَكِفٌ) وَالْمَرِيضُ خَارِجٌ عَنِ الْمَسْجِدِ (فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَلَفْظُ هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَا أَيْ يَمُرُّ مُرُورًا مِثْلَ الْهَيْئَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَا يَمِيلُ إِلَى الْجَوَانِبِ وَلَا يَقِفُ (وَلَا يُعَرِّجُ) أَيْ لَا يَمْكُثُ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ لِأَنَّ التَّعْرِيجَ الْإِقَامَةُ وَالْمَيْلُ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى جَانِبٍ (يَسْأَلُ عَنْهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَعُودُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ (إِنْ كَانَ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَفِيهِ مَقَالٌ
(السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهَا السُّنَّةُ إِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ
بِذَلِكَ إِضَافَةَ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَفِعْلًا فَهِيَ نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ بِهِ الْفُتْيَا عَلَى مَعَانِي مَا عَقَلَتْ مِنَ السُّنَّةِ فَقَدْ خَالَفَهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالصَّحَابَةُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ سَبِيلُهَا النَّظَرَ عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَدْ ذَكَرَ عَلَى إِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهَا إِنَّهَا قَالَتِ السُّنَّةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَتْهُ فَتْوَى مِنْهَا وَلَيْسَ بِرِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا لَا يَعُودُ مَرِيضًا أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ قَاصِدًا عِيَادَتَهُ وَأَنَّهُ لَا يَضِيقُ عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَيَسْأَلُهُ غَيْرَ مُعَرِّجٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ (لَا يَمَسُّ امْرَأَةً) تُرِيدُ الْجِمَاعَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَقَدْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ قَالَهُ الخطابي وقد نقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ
(وَلَا يُبَاشِرُهَا) فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ لَمْ يَفْسُدِ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَفِي النَّيْلِ الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْجِمَاعُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْمَسِّ قَبْلَهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكفون في المساجد أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ امْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتِ انْتَهَى (إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَلَا يُتَصَوَّرُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ لِكُلِّ حَاجَةٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ قُرْبَةً أَوْ غَيْرَهُمَا إِلَّا الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا (وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ) وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا بِصَوْمٍ وَأَنَّهُ شَرْطٌ وَهُوَ قَوْلُ بن عباس وبن عمر من
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قُلْت عَبْد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أبو حاتم لا يحتج به وقال البخاري ليس ممن يعتمد على حفظه وقال الدارقطني ضَعِيفٌ يُرْمَى بِالْقَدَرِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَدِيث مُخْتَصَرٌ
وَسِيَاقه يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَجْزُومًا بِرَفْعِهِ وَقَالَ اللَّيْث حَدَّثَنِي عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان حَتَّى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده وَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُج إِلَّا لِحَاجَتِهِ الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا وَلَا يَعُود مَرِيضًا وَلَا يَمَسّ اِمْرَأَته وَلَا يُبَاشِرهَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ وَالسُّنَّة فِيمَنْ اِعْتَكَفَ أَنْ يَصُوم
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْله وَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره لَيْسَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ من
الصَّحَابَةِ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالُوا يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِلْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا كما قال الإمام الحافظ بن الْقَيِّمِ إِنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ (وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ لِمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا أَكْثَرَ مِنْ جُمْعَةٍ لِئَلَّا تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْجَامِعُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (جَعَلَهُ قَوْلَ عَائِشَةَ) وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلُهَا لَا يَخْرُجُ وَمَا عَدَاهُ مِمَّنْ دُونَهَا انْتَهَى وَكَذَلِكَ رجح ذلك البيهقي ذكره بن كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسِ بْنِ زَيْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ قَالَتِ السُّنَّةُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا ذَلِكَ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الْقُرَشِيُّ الْمَدِينِيُّ يُقَالُ لَهُ عَبَّادٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فيه بعضهم
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَوْل الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ وَلِهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم ذَكَر صَاحِبُ الصَّحِيح أَوَّله وَأَعْرَض عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَة وَقَدْ رَوَاهُ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة يَرْفَعهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصِيَامٍ وَسُوَيْد قَالَ فيه أحمد متروك وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيَّرَهُ ضَعِيفٌ وَسُفْيَان بْن حُسَيْنٍ فِي الزُّهْرِيّ ضَعِيفُ
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي اِشْتِرَاط الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف فَأَوْجَبَهُ أَكْثَر أَهْل العلم منهم عائشة أم المؤمنين وبن عباس وبن عُمَر وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنْهُ أَنَّ الصَّوْم فِيهِ مستحب غير واجب
قال بن المنذر وهو مروي عن علي وبن مَسْعُود
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَر أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَوْفِ بِنَذْرِك قَالُوا وَاللَّيْل لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصِّيَامِ وَقَدْ جَوَّزَ الِاعْتِكَاف فِيهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرِكِهِ مِنْ حديث ابى سهيل عن طاوس عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِف صِيَام إِلَّا أَنْ يَجْعَلهُ عَلَى نَفْسه وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَعْتَكِف صَلَّى الْفَجْر ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفه وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَاءٍ فَضُرِبَ وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّة الِاعْتِكَاف فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان فَأُمِرَتْ زَيْنَب بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأُمِرَ غَيْرهَا مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْفَجْر نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَة فَقَالَ آلْبِرِّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَك الِاعْتِكَاف فِي شَهْر رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَيَوْم الْعِيد دَاخِل فِي جُمْلَة الْعَشْر وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الِاعْتِكَاف عِبَادَة مُسْتَقِلَّة بِنَفْسِهَا فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْم شَرْطًا فِيهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَات مِنْ الْحَجّ وَالصَّلَاة وَالْجِهَاد وَالرِّبَاط وَبِأَنَّهُ لُزُوم مَكَانٍ مُعَيَّنٍ لِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْم شَرْطًا فِيهِ كَالرِّبَاطِ وَبِأَنَّهُ قُرْبَة بِنَفْسِهِ فَلَا يُشْتَرَط فِيهِ الصَّوْم كَالْحَجِّ
قَالَ الْمُوجِبُونَ الْكَلَام مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدهمَا ذِكْر ضَعْف أَدِلَّتكُمْ وَالثَّانِي ذِكْر الْأَدِلَّة عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم
فَأَمَّا الْمَقَام الْأَوَّل فَنَقُول لَا دَلَالَة فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ أَمَّا حَدِيث بن عُمَر عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى صِحَّته لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظه كَثِيرًا فَرَوَاهُ مُسَدَّد وَزُهَيْر وَيَعْقُوب الدَّوْرَقِيُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر فقالوا ليلة وكذلك رواه بن الْمُبَارَك وَسُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ عُبَيْد اللَّه وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عَنْ حَفْص بْن غِيَاث عَنْ عُبَيْد اللَّه وَرَوَاهُ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ حَفْص بْن غياث فأبهم النذر فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِف عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَة عَنْ عُبَيْد اللَّه مُبْهَمًا وَرَوَاهُ شُعْبَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِف يَوْمًا وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ فَرَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عنه عن نافع قال ذكر عند بن عُمَر عُمْرَة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجِعْرَانَة فَقَالَ لَمْ يَعْتَمِر مِنْهَا وَكَانَ عَلَى عُمَر نَذْر اِعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِد تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا السَّبْيُ يَسْعَوْنَ يَقُولُونَ أَعْتَقَنَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم متفق عليه وكذلك رواه بن عُيَيْنَة عَنْ أَيُّوب وَخَالَفَهُمَا مَعْمَر وَجَرِير فَقَالَا يَوْمًا وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ
قَالَ النُّفَاةُ يَجُوز أَنْ يَكُون عُمَر سَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اِعْتِكَاف لَيْلَة وَحْدهَا فَأَمَرَهُ بِهِ وَسَأَلَهُ مَرَّة أُخْرَى عَنْ اِعْتِكَاف يَوْم فَأَمَرَهُ بِهِ
قَالَ الْمُوجِبُونَ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ عَالِمٌ فِي بُطْلَانِهِ فَإِنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة وَعُمَر سَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَام الْفَتْح سُؤَالًا وَاحِدًا وَهَذِهِ الطَّرِيقَة يَسْلُكهَا كَثِير مِمَّنْ لَا تَحْقِيق عِنْده وَهِيَ اِحْتِمَال التَّكْرَار فِي كُلّ حَدِيث اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظه بِحَسْب اِخْتِلَافهَا وَهُوَ مِمَّا يُقْطَع بِبُطْلَانِهِ فِي أَكْثَر الْمَوَاضِع كَالْقَطْعِ بِبُطْلَانِ التَّعَدُّد فِي اِشْتِرَاء الْبَعِير مِنْ جَابِر مِرَارًا فِي أَسْفَار وَالْقَطْع بِبُطْلَانِ التَّعَدُّد فِي نِكَاح الْوَاهِبَة نَفْسهَا بِلَفْظِ الْإِنْكَاح مَرَّة وَالتَّزْوِيج مَرَّة وَالْإِمْلَاك مَرَّة وَالْقَطْع بِبُطْلَانِ الْإِسْرَاء مِرَارًا كُلّ مَرَّة يُفْرَض عليه فيها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
خَمْسُونَ صَلَاة ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مُوسَى فَيَرُدّهُ إِلَى رَبّه حَتَّى تَصِير خَمْسًا فَيَقُول تَعَالَى لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ هِيَ خَمْس وَهِيَ خَمْسُونَ فِي الْأَجْر ثُمَّ يَفْرِضهَا فِي الْإِسْرَاء الثَّانِي خَمْسِينَ فَهَذَا مِمَّا يُجْزَم بِبُطْلَانِهِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِ بَعْضهمْ فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حصين كان الله ولا شيء قبله وكان ولا شيء غيره وكان وَلَا شَيْءَ مَعَهُ إِنَّهُ يَجُوز أَنْ تَكُون وَقَائِع مُتَعَدِّدَة وَهَذَا الْقَائِل لَوْ تَأَمَّلَ سِيَاق الْحَدِيث لَاسْتَحْيَا مِنْ هَذَا الْقَوْل فَإِنَّ سِيَاقه أَنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَته بِبَابِ الْمَسْجِد ثُمَّ تَفَلَّتَتْ فَذَهَبَ يَطْلُبهَا وَرَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ بَعْد ذَلِكَ وَايْمُ اللَّه وَدِدْت لَوْ أَنِّي قَعَدْت وَتَرَكْتهَا فيا سبحان الله أفي كُلّ مَرَّة يُتَّفَق لَهُ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ طَرِيقَة مَنْ لَا تَحْقِيق لَهُ
وَإِذَا كَانَ عُمَر إِنَّمَا سَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرَّة وَاحِدَة فَإِنْ كَانَ يَوْمًا فَلَا دَلَالَة فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَيْلَة فَاللَّيَالِي قَدْ تُطْلَق وَيُرَاد بِهَا الْأَيَّام اِسْتِعْمَالًا فَاشِيًا فِي اللُّغَة لَا يُنْكَر كَيْف وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن بَشِير عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عن نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشِّرْك وَيَصُوم فَسَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك وَسَعِيد بْن بَشِير هذا وإن كان قد ضعفه بن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيّ فَقَدْ قَالَ فِيهِ شُعْبَة كَانَ صَدُوق اللِّسَان وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة كَانَ حَافِظًا وَقَالَ دُحَيْم هُوَ ثِقَة وَقَالَ كَانَ مَشْيَخَتُنَا يُوَثِّقُونَهُ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حِفْظه وَهُوَ يُحْتَمَل وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم سَمِعْت أَبِي يُنْكِر عَلَى مَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَاب الضُّعَفَاء وَقَالَ محله الصدق وقال بن عَدِيٍّ الْغَالِب عَلَى حَدِيثه الِاسْتِقَامَة
وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن يَزِيد عَنْ عَمْرو بْن دينار عن بن عُمَر عَنْ عُمَر هَذَا الْحَدِيث وَفِيهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْتَكِف ويصوم ولكن تفرد به بن بديل وضعفه الدارقطني وقال بن عَدِيٍّ لَهُ أَحَادِيث مِمَّا يُنْكَر عَلَيْهِ الزِّيَادَة فِي مَتْنه أَوْ إِسْنَاده وَقَالَ أَبُو بَكْر النَّيْسَابُورِيّ هَذَا حَدِيث مُنْكَر لِأَنَّ الثِّقَات مِنْ أَصْحَاب عَمْرو بْن دِينَار لَمْ يَذْكُرُوهُ مِنْهُمْ بن جريج وبن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بْن زَيْد وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وبن بُدَيْل ضَعِيف الْحَدِيث فَهَذَا مِمَّا لَا حَاجَة بِنَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ
وَحَدِيث سَعِيد بْن بشير أجود منه
وأما حديث بن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِم فَلَهُ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ حَتَّى يُقْبَل مِنْهُ تَفَرُّده بِمِثْلِ هَذَا
الْعِلَّة الثَّانِيَة أَنَّ الْحُمَيْدِيّ وَعَمْرو بْن زُرَارَة رَوَيَاهُ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ أَبَى سهيل عن طاووس عن بن عَبَّاس مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَهُوَ الثابت عن بن عَبَّاس
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة وَقِصَّة اِعْتِكَاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال فَهَذَا قَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ لَفْظ الصَّحِيح
وَفِيهِ ثَلَاثَة أَلْفَاظ أَحَدهَا عَشْرًا مِنْ شَوَّال وَالثَّانِي فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَالثَّالِث الْعَشْر الْأُوَل وَلَا رَيْب أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي اِعْتِكَاف يَوْم الْعِيد وَلَوْ كَانَ الثابت هو
غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَوْله الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَال اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَلَّ بِيَوْمٍ مِنْهُ كَمَا يُقَال قَامَ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَلَّ بِالْقِيَامِ فِي جُزْء مِنْ اللَّيْل
وَيُقَال قَامَ لَيْلَة الْقَدْر وَإِنْ أَخَلَّ بِقِيَامِهِ فِي بَعْضهَا
وَأَمَّا الْأَقْيِسَة الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فَمُعَارَضَة بِأَمْثَالِهَا أَوْ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسهَا فَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بِذِكْرِهَا
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم فَأُمُور أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْرَف مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ وَلَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه أَنَّهُمْ اِعْتَكَفُوا بِغَيْرِ صَوْم وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا عِنْدهمْ لَكَانَتْ شُهْرَته تغني عن تكلفكم الاستدلال باعتكافه صلى الله عليه وسلم الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال
الثَّانِي حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب وَقَوْلهَا السُّنَّة كَذَا وَكَذَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ
قَالَ النُّفَاةُ الْجَوَاب عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدهَا أَنَّ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق قَالَ فِيهِ أَبُو حاتم لا يحتج به وقال البخاري ليس مِمَّنْ يُعْتَمَد عَلَى حِفْظه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُرْمَى بِالْقَدَرِ
الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْكَلَام مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ لَا مِنْ قَوْل عَائِشَة كَمَا ذَكَره أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره قَالَ اللَّيْث عَنْ عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه ثُمَّ اِعْتَكَفَ أَزْوَاجه مِنْ بَعْده فَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره لَيْسَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قول الزهري ومن أدركه فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ
الثَّالِث أَنَّ غَايَته الدَّلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف فَإِنَّ قَوْله السُّنَّة إِنَّمَا يُفِيد الِاسْتِحْبَاب
وَقَوْله لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ نَفْيٌ لِلْكَمَالِ
قَالَ الْمُوجِبُونَ الْجَوَاب عَمًّا ذَكَرْتُمْ أَمَّا تَضْعِيف عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق
فَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فَقَدْ وَهِمَ فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّا لَوْ تَرَكْنَا هَذَا لَكَانَ مَا ذَكَرْتُمْ فَادِحًا وَلَكِنْ قَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ عَطَاء عَنْ عَائِشَة قَالَتْ مَنْ اِعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْم فَهَذَا يُقَوِّي حَدِيث الزهري
الثاني أنه ولو ثبت أَنَّهُ مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ فَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّنَّة الْمَعْرُوفَة الَّتِي اِسْتَمَرَّ عَلَيْهَا الْعَمَل أَنَّهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ فَهَلْ عَارَضَ هَذِهِ السُّنَّة سُنَّة غَيْرهَا حَتَّى تُقَابِل بِهِ
(أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَعَلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا) شَكَّ الرَّاوِي ()(فَقَالَ اعْتَكِفْ وَصُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ نَذْرَ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى وِفَاقِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ صَرِيحًا لَكِنَّ إِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ وَقَدْ زَادَ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ اعْتَكِفْ وَصُمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ وهو ضعيف
وذكر بن عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى يَوْمًا شَاذَّةٌ
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَذْرِهِ شَيْئًا وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا صَوْمَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى الاستحباب فليس المراد بالسنة ها هنا مُجَرَّد الِاسْتِحْبَاب وَإِنَّمَا الْمُرَاد طَرِيقَة الِاعْتِكَاف وَسُنَّة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَمِرَّة فِيهِ
وَقَوْله وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ يُبَيِّن ذَلِكَ
وَقَوْلكُمْ إِنَّهُ لِنَفْيِ الْكَمَال صَحِيح وَلَكِنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِب أَوْ الْمُسْتَحَبّ الْأَوَّل مُسَلَّم وَالثَّانِي
مَمْنُوع
وَالْحَمْل عَلَيْهِ بَعِيدٌ جِدًّا إِذَا لَا يَصْلُح النَّفْيُ الْمُطْلَق عِنْد نَفْي بَعْض الْمُسْتَحَبَّات وَإِلَّا صَحَّ النَّفْيُ عَنْ كُلّ عِبَادَةٍ تُرِكَ بَعْض مُسْتَحَبَّاتهَا وَلَا يَصِحّ ذَلِكَ لُغَة وَلَا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَلَا يُعْهَد فِي الشَّرِيعَة نَفْيُ الْعِبَادَة إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِب فِيهَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُقَال إِنَّ قَوْله وَالسُّنَّة عَلَى الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ فِيهِ
قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيث فِي سُنَنه عن نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشِّرْك وَيَصُوم فَسَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ بَعْد إِسْلَامه فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك قَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظ سَعِيد بْن بَشِير وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة تَرْفَعهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصِيَامٍ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيّ