الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ اعْتِذَارًا لَهُ وَإِعْلَامًا بِحَالِهِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِالْحُضُورِ سَقَطَ عَنْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ وَطَالَبَهُ بِالْحُضُورِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لَكِنْ إِذَا حَضَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَيَكُونُ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ
وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلصَّائِمِ فَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ اسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا فَلَا
هَذَا إِذَا كَانَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا حَرُمَ الْفِطْرُ
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا كَانَ دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ إِخْفَاؤُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَحُسْنِ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ سَبَبِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
7 -
(بَاب الِاعْتِكَافِ)
قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ وَفِي الشَّرْعِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَمِنْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي أَوَائِلِ الِاعْتِكَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسِهِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَفِيهَا اسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ وَتَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعَلَى أَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمُفْطِرِ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مُكْثٌ يَزِيدُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
فَيَنْبَغِي لِكُلِّ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ مِنْ آخِرَةٍ أَوْ دُنْيَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَيُحْسَبُ لَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ
جَدَّدَ نِيَّةً أُخْرَى وَلَيْسَ لِلِاعْتِكَافِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَا فِعْلٌ آخَرُ سِوَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ دُنْيَا أَوْ عَمِلَ صَنْعَةً مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مُفْطِرٍ
(كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ) قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ وَأَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ خُصُوصًا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ كَانَ عليه السلام أَذِنَ لبعضهن وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد اذن كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلِمَعْنًى آخَرَ فَقِيلَ خَوْفَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِكَوْنِهِنَّ مَعَهُ فِي الْمُعْتَكَفِ أَوْ لِتَضْيِيقِهِنَّ الْمَسْجِدِ بِأَبْنِيَتِهِمْ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ فِي بَيْتِهَا لِصَلَاتِهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ لَيْلَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُعْتَادَةَ تُقْضَى إِذَا فَاتَتْ كَمَا تُقْضَى الْفَرَائِضُ
وَمِنْ هَذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنه عَنْ أُبَيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِف فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَة
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الِاحْتِمَال الْمَذْكُور
وَقَالَ بَعْضهمْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون هَذَانِ الْعَشْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي حَدِيث أَبِي دَاوُدَ هِيَ الْعَشْر الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفهُ وَالْعَشْر الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجه ثُمَّ اِعْتَكَفَ مِنْ شَوَّال عِشْرِينَ لَيْلَة وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْحَدِيث حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِسَفَرِهِ
وَبِاَللَّهِ التوفيق
بعدالعصر الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ لِقُدُومِ الْوَفْدِ وَاشْتِغَالِهِ بِهِمْ
وَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ أَجَازَ الِاعْتِكَافَ بِغَيْرِ صَوْمٍ يُنْشِئُهُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ صَوْمَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا كَانَ لِلشَّهْرِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِنِ اعْتَكَفَ مِنْ غَيْرِ صِيَامٍ أَجْزَأَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وروي عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَدْخُلُ فِيِ مُعْتَكَفِهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا كَانَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ
قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَعَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اعْتِكَافِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ لَا يَرَى الصَّوْم شَرْطًا فِي الِاعْتِكَاف لِدُخُولِ يَوْم الْعِيد فِي اِعْتِكَافه وَهَذَا لَا يَدُلّ فَإِنَّ الْحَدِيث رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَتَّى اِعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّال لَمْ يَذْكُر غَيْره
وَفِي صَحِيح مُسْلِم اِعْتَكَفَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُول يَوْم الْعِيد فِيهِ كَمَا يَصِحّ أَنْ يُقَال صَامَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَفِي لَفْظ لَهُ حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي آخِر الْعَشْر مِنْ شَوَّال وَعَدَم الدَّلَالَة فِي هذا ظَاهِرَة
وَقَوْلهَا اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال لَيْسَ بِنَصٍّ فِي دُخُول يَوْم الْعِيد فِي اِعْتِكَافه بَلْ الظَّاهِر أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلهُ فِي اِعْتِكَافه لِاشْتِغَالِهِ فِيهِ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاة الْعِيد وَخُطْبَته
وَرُجُوعه إِلَى مَنْزِله لِفِطْرِهِ وَفِي ذَلِكَ ذَهَاب بَعْض الْيَوْم فَلَا يَقُوم بَقِيَّة الْيَوْم مَقَام جَمِيعِهِ
الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا جَائِزٌ وَقَدْ حُكِيَ جَوَازُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اعْتِكَافَهُ فِي بَيْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يُعْتَكَفُ إِلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ إِلَّا فِي الْجَامِعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالنَّخَعِيُّ يَعْتَكِفُ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ يَبْدَأُ الِاعْتِكَافَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَدْخُلُ فِيهِ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ وَأَوَّلُوا عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ
(فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلُ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ فِيهِ مُدَّةَ اعْتِكَافِهِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ وَإِذَا أَخَذَهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ (فَقَالَ مَا هَذِهِ) الْأَخْبِيَةُ الَّتِي أَرَاهَا (آلْبِرَّ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَمْدُودَةً عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (تُرِدْنَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ أَيْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ (فَقُوِّضَ) بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ أُزِيلَ وَقُلِعَ (ثُمَّ أَخَّرَ الِاعْتِكَافَ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ أَيْ قَضَاءً عَمَّا تَرَكَهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ لَاعْتَكَفَ مَعَهُ نِسَاؤُهُ أَيْضًا فِي شَوَّالٍ وَلَمْ يُنْقَلْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن ماجه