الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَزَمْنَى وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ نَتْنَى إِمَّا لِرِجْسِهِمُ الْحَاصِلِ مِنْ كُفْرِهِمْ عَلَى التَّمْثِيلِ أَوْ لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ أَبْدَانُهُمْ وَجِيَفُهُمُ الْمُلْقَاةُ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ
قاله القارىء (لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ) أَيْ لَتَرَكْتُهُمْ لِأَجْلِهِ يَعْنِي بِغَيْرِ فِدَاءٍ
وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِلْمُطْعِمِ عِنْدَهُ يَدٌ وَهِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ فِي جِوَارِهِ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَذَبَّ الْمُشْرِكِينَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَحَبَّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَيًّا فَكَافَأَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ
وَالْمُطْعِمُ الْمَذْكُورُ هُوَ وَالِدُ جُبَيْرٍ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْأَسِيرِ وَالْمَنُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
12 -
(بَاب فِي فِدَاءِ الْأَسِيرِ بِالْمَالِ)
[2690]
(أَنْزَلَ اللَّهُ) جَوَابُ لَمَّا (أَسْرَى) جَمْعُ أَسِيرٍ (حتى يثخن في الأرض) أَيْ يُبَالِغَ فِي قَتْلِ الْكُفَّارِ وَتَمَامُ الْآيَةِ (تريدون) أي أيها المؤمنون عرض الدنيا أَيْ حُطَامَهَا بِأَخْذِ الْفِدَاءِ (وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أَيْ ثَوَابَهَا بِقَتْلِهِمْ (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
لَوْلَا كتاب من الله سبق) أَيْ بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى لَكُمْ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتم) أي من الفداء عذاب عظيم (مِنَ الْفِدَاءِ) لَيْسَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَيْشِ تَصْنَعُ بِاسْمِهِ) أَيْ مَا تَفْعَلُ بِاسْمِهِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيُّ شيء مكان أيش
[2691]
(جعل فداء أهل الْجَاهِلِيَّةِ إِلَخْ) أَيْ جَعَلَ فَدَاءَ كُلِّ رَجُلٍ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِدَاءُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى
قُلْتُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَبَا عَنْبَسٍ وَهُوَ مَقْبُولٌ
[2692]
(لَمَّا بَعَثَ أَهْلَ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ) جَمْعُ أَسِيرٍ وَذَلِكَ حِينَ غَلَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَسَرَ بَعْضَهُمْ وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ (بَعَثَتْ زَيْنَبُ) أَيْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (في فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ) أَيْ زَوْجِهَا (بِقِلَادَةٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ هِيَ مَا يُجْعَلُ فِي الْعُنُقِ (كَانَتْ) أَيِ الْقِلَادَةُ (أَدْخَلَتْهَا) أَيْ أَدْخَلَتْ خَدِيجَةُ الْقِلَادَةَ (بِهَا) أَيْ مَعَ زَيْنَبَ (عَلَى أَبِي الْعَاصِ) وَالْمَعْنَى دَفَعَتْهَا إِلَيْهَا حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو الْعَاصِ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ (فَلَمَّا رَآهَا) أَيِ الْقِلَادَةَ (رَقَّ لَهَا) أَيْ لِزَيْنَبَ يَعْنِي لِغُرْبَتِهَا وَوَحْدَتِهَا وَتَذَكَّرَ عَهْدَ خَدِيجَةَ وَصُحْبَتَهَا فَإِنَّ الْقِلَادَةَ كَانَتْ لَهَا وَفِي عُنُقِهَا (قَالَ) أَيْ لِأَصْحَابِهِ (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا) أَيْ لِزَيْنَبَ (أَسِيرَهَا) يَعْنِي زَوْجَهَا (الَّذِي لَهَا) أَيْ مَا أَرْسَلَتْ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِرَأَيْتُمْ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفَانِ أَيْ إِنْ رَأَيْتُمُ الْإِطْلَاقَ وَالرَّدَّ حَسَنًا فَافْعَلُوهُمَا (قَالُوا نَعَمْ) أَيْ رَأَيْنَا ذَلِكَ (أَخَذَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي الْعَاصِ عَهْدًا (أَنْ يُخَلِّي سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ) أَيْ يُرْسِلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَأْذَنَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ الْقَاضِي وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ زَوْجِهَا مِنْهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ (كُونَا) أَيْ قِفَا (بِبَطْنِ يَأْجِجَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ التَّنْعِيمِ وَقِيلَ مَوْضِعٌ أَمَامَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ
وَقَالَ الْقَاضِي بَطْنُ يَأْجِجَ مِنْ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ الَّتِي حَوْلَ الْحَرَمِ
وَالْبَطْنُ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ) أَيْ مَعَ مَنْ يَصْحَبُهَا (حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا) أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ الْبَالِغَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ لَا سَبِيلَ لَهَا إِلَّا إِلَى ذَلِكَ
كَذَا فِي الشَّرْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[2693]
(قَالَ وَذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الشُّرُوطِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ (أَنَّ مَرْوَانَ) بْنَ الْحَكَمِ (وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ صَحَّ سَمَاعُ مِسْوَرٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ) الْوَفْدُ الرَّسُولُ يَجِيءُ مِنْ قَوْمٍ عَلَى عَظِيمٍ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَهَوَازِنُ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانُوا فِي حُنَيْنٍ وَهُوَ وَادٍ وَرَاءَ عَرَفَةَ دُونَ الطَّائِفِ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيَالٍ
وَغَزْوَةُ هَوَازِنَ تُسَمَّى غَزْوَةَ حُنَيْنٍ وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ فِيهَا مِنَ السَّبْيِ وَالْأَمْوَالِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى (مُسْلِمِينَ) حَالٌ (أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ (مَعِي مَنْ تَرَوْنَ) مِنَ السَّبَايَا غَيْرَ الَّتِي قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ
وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نصيبي لكم وعند بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ الله وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَابَهُمْ بِرَدِّ مَا عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم فِي مِلْكِهِ (وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ) كَلَامٌ إِضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُوَ قَوْلُهُ (أَصْدَقُهُ) أَيْ أَصْدَقُ الْحَدِيثِ
فَالْكَلَامُ الصَّادِقُ وَالْوَعْدُ الصَّادِقُ أَحَبُّ إِلَيَّ فَمَا قُلْتُ لَكُمْ هُوَ كَلَامٌ صَادِقٌ وَمَا وَعَدْتُ بِكُمْ فَعَلَيَّ إِيفَاؤُهُ
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَقَالَ إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ الْحَدِيثُ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ أَيْ أخرت قسم السبي ليحضروا وفد هوازن فأبطأوا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَرَكَ السَّبْيَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ وَتَوَجَّهَ إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى الْجِعِرَّانَةِ ثُمَّ قَسَمَ الْغَنَائِمَ
هُنَاكَ فَجَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُلَخَّصًا (فَاخْتَارُوا) أَمْرٌ مِنَ الاختيار (فقام) أي خطيبا (جاؤوا تَائِبِينَ) أَيْ مِنَ الشِّرْكِ رَاجِعِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ مُسْلِمِينَ مُنْقَادِينَ (قَدْ رَأَيْتُ) مِنَ الرَّأْيِ (أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ) أَيِ السَّبْيَ يَعْنِي رَدَّهُ
وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ يُعْطِيهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ (عَلَى حَظِّهِ) أَيْ نَصِيبِهِ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ بِأَنْ يَرُدَّ السَّبْيَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطَى عِوَضَهَ (حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ) أَيْ عِوَضَهُ (مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ الله) من الإفاءة
والفيء ماأخذ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ الْحَرْبِ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ (قَدْ طَيَّبْنَا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ (ذَلِكَ) أَيِ الرَّدَّ (مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ لَا نَدْرِي بِطَرِيقِ الِاسْتِغْرَاقِ مَنْ رَضِيَ ذَلِكَ الرَّدَّ مِمَّنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَنَا مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ (عُرَفَاؤُكُمْ) أَيْ رُؤَسَاؤُكُمْ وَنُقَبَاؤُكُمْ (أَنَّهُمْ) أَيِ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَالَهُ القارىء (وَأَذِنُوا) أَيْ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرُدَّ السَّبْيَ إِلَيْهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[2694]
(فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ) أَيِ السَّابِقَةِ (رُدُّوا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى وَفْدِ هَوَازِنَ (فَمَنْ مَسَكَ بِشَيْءٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ مَنْ أَمْسَكَ يُقَالُ مَسَكْتُ الشَّيْءَ وَأَمْسَكْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَفِيهِ إِضْمَارٌ وَهُوَ الرَّدُّ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ رَدَّهُ (سِتَّ فَرَائِضَ) جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَهِيَ الْبَعِيرُ الْمَأْخُوذُ فِي الزَّكَاةِ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ الْبَعِيرُ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُفِيئُهُ اللَّهُ عَلَيْنَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ الْخُمْسَ مِنَ الْفَيْءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ
وَيَجْعَلُ الْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الدِّينِ وَمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا الْخُمْسُ وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ (ثُمَّ دَنَا) أَيْ قَرُبَ (وَبَرَةً) بِفَتَحَاتٍ أَيْ شَعْرَةً (وَلَا هَذَا) يُشِيرُ إِلَى مَا أَخَذَ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا هَذَا تَأْكِيدٌ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَبَرَةِ عَلَى تَأْوِيلِ شَيْءٍ (وَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ) أَيْ وَقَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ أَخَذَ بِهِمَا الْوَبَرَةَ (إِلَّا الْخُمْسَ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ مَصْرُوفٌ فِي مَصَالِحِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَأَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيِ الْخَيْطَ أَوْ جَمْعَهُ (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ هُوَ الْإِبْرَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ مَا يُغْنَمُ وَكَثِيرَهُ مَقْسُومٌ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي قَدْ وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (فِي يَدِهِ كُبَّةٌ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مكبكبة من غزل شعر (برذعة) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ وَفِي الْقَامُوسِ إِهْمَالُ الدَّالِ أَكْثَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ هِيَ الحلس الذي تحت رحل البعير
قاله القارىء (أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ) أَيْ أَمَّا مَا كَانَ نَصِيبِي وَنَصِيبَهُمْ فَأَحْلَلْنَاهُ لَكَ وَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْغَانِمِينَ فَاسْتِحْلَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (أَمَّا إِذَا بَلَغَتْ) أَيْ وَصَلَتِ الْكُبَّةُ (مَا أَرَى) أَيْ إِلَى مَا أَرَى مِنَ التَّبِعَةِ وَالْمُضَايَقَةِ أَوْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ (فَلَا أَرَبَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا حَاجَةَ (وَنَبَذَهَا) أَيْ أَلْقَاهَا
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا مُحَصِّلُهُ إِنَّ فِي حَدِيثِ جبير وحديث بن عباس وحديث بن مَسْعُودٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُسَارَى الْبَالِغِينَ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْفَظُ لِلْإِسْلَامِ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِ الدِّينِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ فَيُطْلِقُهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَنَّ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ غَيْرِهِ
قَالَ وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ