الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوهِمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ هِيَ الْقُفُولُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ وَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْبَدْأَةُ إِنَّمَا هِيَ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ وَإِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبْعُ وَتُشْرِكُهُمْ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَفَلُوا مِنَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَةً كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُثَ لِأَنَّ نُهُوضَهُمْ بَعْدَ الْقَفْلِ أَشَدُّ لِكَوْنِ الْعَدُوِّ عَلَى حَذَرٍ وَحَزْمٍ انْتَهَى
قَالَ فِي السُّبُلِ وَمَا قَالَهُ الخطابي هو الأقرب
وقال بن الْأَثِيرِ أَرَادَ بِالْبَدْأَةِ ابْتِدَاءَ الْغَزْوِ وَبِالرَّجْعَةِ الْقُفُولَ مِنْهُ وَالْمَعْنَى كَانَ إِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ الْمُقْبِلِ عَلَى الْعَدُوِّ فَأَوْقَعَتْ بِهِمْ نَفَّلَهَا الرُّبْعَ مِمَّا غَنِمَتْ وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ عِنْدَ عَوْدِ الْعَسْكَرِ نَفَّلَهَا الثُّلُثَ لِأَنَّ الْكَرَّةَ الثَّانِيَةَ أَشَقُّ عَلَيْهِمْ وَالْخَطَرُ فِيهَا أَعْظَمُ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الظَّهْرِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ وَهُمْ فِي الْأَوَّلِ أَنْشَطُ وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ أَضْعَفُ وَأَفْتَرُ وَأَشُهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ فَزَادَهُمْ لِذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ لِحَبِيبٍ هَذَا صُحْبَةٌ وَأَثْبَتَهَا لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يُسَمَّى حَبِيبَ الرُّومِ لِكَثْرَةِ مُجَاهَدَتِهِ الروم وأخرجه بن ماجه بمعناه
4
([2751]
باب في السرية ترد بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ)
أَيْ مَا تَغْنَمُهُ مِنَ الْأَمْوَالِ (عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ) الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ السَّرِيَّةُ فَتَكُونُ السَّرِيَّةُ وَأَهْلُ الْعَسْكَرِ فِي أَخْذِ الْغَنِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ سَوَاءً وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ
(تَتَكَافَأُ) بِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ أَيْ تَتَسَاوَى (دِمَاؤُهُمْ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا يُفَضَّلُ شَرِيفٌ عَلَى وَضِيعٍ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ) أَيْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ أَوْ مَنْزِلَةً
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُخْفَرُ ذِمَّتُهُ (وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْقُضَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ دَارٍ مِنَ الْمَعْقُودِ لَهُ (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْيَدِ الْمُظَاهَرَةُ وَالْمُعَاوَنَةُ إِذَا اسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيَهُمْ يَدًا وَاحِدَةً وَفِعْلَهُمْ فِعْلًا وَاحِدًا انْتَهَى
يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُشِدُّ الْمُقَوِّي الَّذِي دَوَابُّهُ شَدِيدَةٌ قَوِيَّةٌ وَالْمُضْعِفُ مَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ ضِعَافًا انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنَ الْغُزَاةِ يُسَاهِمُ الضَّعِيفَ فِيمَا يَكْسِبُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ انْتَهَى
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُضْعِفُ أَمِيرُ الرُّفْقَةِ أَيْ يَسِيرُونَ سَيْرَ الضَّعِيفِ لَا يَتَقَدَّمُونَهُ فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ وَيَبْقَى بِمَضْيَعَةٍ انْتَهَى
(وَمُتَسَرِّيهُمْ) بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ ثُمَّ الرَّاءُ ثُمَّ الْيَاءُ التَّحْتَانِيَّةُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُتَسَرِّعُهُمْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الرَّاءِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ غَلَطٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُتَسَرِّي هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَيْشُ فَيَنْحُوَا بِقُرْبِ دَارِ الْعَدُوِّ ثُمَّ يَنْفَصِلُ مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ فَيَغْنَمُوا فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ مَا غَنِمُوا عَلَى الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ رِدْءٌ لَهُمْ لَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ خُرُوجُ السَّرِيَّةِ مِنَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ عَلَى الْمُقِيمِينَ شَيْئًا فِي أَوْطَانِهِمْ (لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي بَابِ إِيقَادِ المسلم بالكافر (ولاذو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) أَيْ لَا يُقْتَلُ مَعَاهَدٌ مَا دَامَ فِي عَهْدِهِ (الْقَوَدَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْقِصَاصَ وَقَتْلَ الْقَاتِلِ بَدَلَ الْقَتِيلِ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
[2752]
(عَنْ أَبِيهِ) سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ (قَالَ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ) بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ (عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ إِنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرُونَ لِقْحَةً وَهِيَ ذَوَاتُ اللَّبَنِ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ تَرْعَى بِالْغَابَةِ تَارَةً وَتَرْعَى بِذِي قَرَدٍ تَارَةً (فَقَتَلَ رَاعِيَهَا) أَيِ الْإِبِلِ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ فِيهَا قَالَهُ في المواهب
وَفِي زَادِ الْمَعَادِ فِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي بِالْغَابَةِ فَاسْتَاقَهَا وَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ قال عبد المؤمن بن خلف وهو بن أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا انْتَهَى (وَخَرَجَ) عبد الرحمن (يطرد الْإِبِلَ وَيَسُوقُهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ) أَيْ فرسان
قال بن سَعْدٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فاستاقوها وقتلوا بن أَبِي ذَرٍّ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ (قِبَلَ الْمَدِينَةِ) بِكَسْرِ القاف وفتح الباء أي نحوها (ياصباحاه) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُسْتَغِيثُ وَأَصْلُهَا إِذَا صَاحُوا لِلْغَارَةِ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَا يُغِيرُونَ عِنْدَ الصَّبَاحِ فَكَانَ الْمُسْتَغِيثُ يَقُولُ قَدْ غَشِينَا الْعَدُوُّ
وَقِيلَ هُوَ نِدَاءُ الْمُقَاتِلِ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَعْنِي وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الصَّبَاحِ فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ بِالْأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهُ يَا صَبَاحَاهُ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابتي المدينة الحديث
فنودي ياخيل اللَّهِ ارْكَبِي وَكَانَ أَوَّلَ مَا نُودِيَ بِهَا
قاله بن سَعْدٍ وَرَكِبَ صلى الله عليه وسلم فِي خَمْسِمِائَةٍ وَقِيلَ سَبْعِمِائَةٍ وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَخَلَّفَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ قَدْ عَقَدَ لِمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ الدِّرْعُ وَالْمِغْفَرُ شَاهِرًا سَيْفَهُ فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً فِي رُمْحِهِ وَقَالَ لَهُ امْضِ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْخُيُولُ وَأَنَا عَلَى أَثَرِكَ فَأَدْرِكْ أُخْرَيَاتِ الْعَدُوِّ (ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ) الْعَدُوَّ وَذَلِكَ بَعْدَ صَرِيخِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَلْحَقَهُ فُرْسَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فعند بن إِسْحَاقَ صَرَخَ وَاصَبَاحَاهْ ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَكَانَ مِثْلَ السَّبُعِ حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ وَهُوَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَجَعَلَ يَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ (فَجَعَلْتُ أَرْمِي) بِالسِّهَامِ (وَأَعْقِرُهُمْ) أَيْ أَقْتُلُ مَرْكُوبُهُمْ وَأَجْعَلُهُمْ رَاجِلِينَ بِعُقْرِ دَوَابِّهِمْ (فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ) مِنَ الْعَدُوِّ (جَلَسْتُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ) أَيْ مُخْتَفِيًا عَنْهُ
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُهُمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ فَإِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي مَضَائِقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ الْحَدِيثُ
(مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ مِنْ إِبِلِهِ الَّتِي أَخَذُوهَا يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ إِبِلِهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذْتُهُ عَنْهُمْ وَتَرَكْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِنَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنْقَذَ جَمِيعَ اللِّقَاحِ وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
قَالَ الشَّامِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِصِحَّةِ سَنَدِهِ
وفي رواية محمد بن إسحاق وبن سَعْدٍ وَالْوَاقِدِيِّ فَاسْتَنْقَذُوا عَشْرَ لِقَاحٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لرواية الصحيحين
وقال بن الْقَيِّمِ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمُ اسْتَنْقَذُوا اللِّقَاحَ كُلَّهَا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلَمَةَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَأَسْلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً انْتَهَى (وَحَتَّى أَلْقَوْا) أَيْ طَرَحُوا (بُرْدَةً) كِسَاءٌ صَغِيرٌ مُرَبَّعٌ وَيُقَالُ كِسَاءٌ أَسْوَدٌ صَغِيرٌ (يَسْتَخِفُّونَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ يَطْلُبُونَ الْخِفَّةَ مِنْهَا لِيَكُونُوا أَسْرَعَ فِي الْفِرَارِ (ثُمَّ أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ) بْنُ حِصْنٍ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مَدَدًا) أَيْ مَنْ يَنْصُرُ لَهُمْ وَيُعِينُهُمْ مِنَ الْأَعْوَانِ وَالْأَنْصَارِ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَتَوْا مَضِيقًا فَأَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ مُمِدًّا لَهُمْ فَجَلَسُوا يَتَغَذَّوْنَ وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الشِّدَّةَ وَالْأَذَى مَا فَارَقَنَا السِّحْرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (فَقَالَ) عُيَيْنَةُ (لِيَقُمْ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ (فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمْ) أَيْ قَدَرْتُ عَلَى إِسْمَاعِهِمْ بِقُرْبِهِمْ مِنِّي (فَيَفُوتُنِي) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَظُنُّ فَرَجَعُوا (فَمَا بَرِحْتُ) أَيْ مَا زِلْتُ مَكَانِي (إِلَى فَوَارِسَ) جَمْعُ فَارِسٍ (يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ) أَيْ يَدْخُلُونَ مِنْ خَلَائِلِهَا أَيْ بَيْنَهَا (أَوَّلُهُمِ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَوَّلُ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ (فَيَلْحَقُ) أَيْ لَحِقَ وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ لِإِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ (فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ) فَاعِلُ عَقَرَ (عَبْدَ الرَّحْمَنِ) مَفْعُولُ عَقَرَ أَيْ قَتَلَ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ دَابَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَطَعَنَهُ) أَيِ الْأَخْرَمَ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) فَاعِلُ طَعَنَ (فَقَتَلَهُ) أَيْ قَتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ الْأَخْرَمَ الْأَسَدِيَّ (فَعَقَرَ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (بِأَبِي قَتَادَةَ) أَيْ قَتَلَ
دَابَّتَهُ (جَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ نَفَيْتُهُمْ وَأَبْعَدْتُهُمْ عَنْهُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَلَأْتُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ
وَفِي نُسْخَةِ الْخَطَّابِيِّ حَلَّيْتُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ مَكَانَ الْهَمْزَةِ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ طَرَدْتُهُمْ عَنْهُ وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ وَيُقَالُ حَلَأْتُ الرَّجُلَ عَنِ الْمَاءِ إِذَا مَنَعْتُهُ الْوُرُودَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ بِذِي قَرَدٍ هَكَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ فَقَلَبَ الْهَمْزَةَ يَاءً وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْيَاءَ لَا تُبْدَلُ مِنَ الْهَمْزَةِ إِلَّا أَنْ يكون ما قبلها مكسورا نحوه بِئْرِ وَائِلَافٍ وَقَدْ شَذَّ قَرَيْتُ فِي قَرَأْتُ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ انْتَهَى (ذُو قَرَدٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ آخِرَهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَحُكِيَ الضَّمُّ فِيهِمَا
قَالَ الْحَازِمِيُّ الْأَوَّلُ ضَبْطُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالضَّمُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَقَالَ الْبَلَاذُرِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَاءٌ عَلَى نَحْوِ بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي بِلَادَ غَطَفَانَ وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ
قَالَ السِّنْدِيُّ فَذُو قَرَدٍ اسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ (فَأَعْطَانِي سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فَجَعَلَهُمَا لِي جَمِيعًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ سَهْمَ الرَّاجِلِ حَسْبُ لِأَنَّ سَلَمَةَ كَانَ رَاجِلًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَعْطَاهُ الزِّيَادَةَ نَفْلًا لِمَا كَانَ مِنْ حُسْنِ بَلَائِهِ انْتَهَى
وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ تَرْجَمَةِ الْبَابِ لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ إِنَّمَا اسْتَنْقَذَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعْطِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ السَّرِيَّةِ كَأَبِي قَتَادَةَ وَسَلَمَةَ وَغَيْرِهِمَا بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا فَلَمْ تُرَدَّ تِلْكَ الْأَمْوَالُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ لِأَخِينَا أَبِي الطَّيِّبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَتَمَّ مِنْ هَذَا انْتَهَى
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجِهَادِ وَفِي الْمَغَازِي