المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ١

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة الكتاب

- ‌أولاً:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثاً:

- ‌رابعاً:

- ‌خامساً:

- ‌سادساً:

- ‌سابعاً:

- ‌ثامناً:

- ‌كتاب الطّهارة

- ‌باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب دخول الخلاء والاستطابة

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب السواك

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب المسح على الخُفّين

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌بابٌ في المذي وغيره

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الغسل من الجنابة

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب التّيمّم

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ،

‌الحديث السادس

6 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شَرِب الكلب في إناء أحدِكم فليغسله سبعاً. (1) ولمسلمٍ: أُوْلاهنّ بالتّراب. (2)

‌الحديث السابع

7 -

ولمسلم في حديث عبد الله بن مغفّلٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولَغَ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً ، وعفِّروه الثّامنة بالتّراب. (3)

قوله: (إذا شرب) كذا هو في الموطّأ أيضاً عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه " إذا ولغ "، وهو المعروف في اللّغة، يقال ولغ يلغ - بالفتح فيهما - إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحرّكه.

وقال ثعلب: هو أن يُدخل لسانه في الماء وغيره من كلّ مائع فيحرّكه، زاد ابن درستويه: شرب أو لَم يشرب.

وقال ابن مكّيٍّ: فإن كان غير مائع يقال لعقه.

وقال المطرّزيّ: فإن كان فارغاً يقال لحسه.

(1) أخرجه البخاري (170) عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم (279) عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

ولمسلم (279) عن أبي صالح وأبي رزين. وعن همام عن أبي هريرة. بلفظ: إذا ولغ ..

(2)

أخرجه مسلم (279) من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة به.

(3)

أخرجه مسلم (280) من طريق أبي التياح يزِيد بن حميد الضبعِي عن مطرف بن عبد الله عن ابن مغفل رضي الله عنه به.

ص: 70

وادّعى ابن عبد البرّ أنّ لفظ " شرب " لَم يروه إلَاّ مالك، وأنّ غيره رواه بلفظ " ولغ ".

وليس كما ادّعى. فقد رواه ابن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن هشام بن حسّان عن ابن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " إذا شرب " ، لكنّ المشهور عن هشام بن حسّان بلفظ " إذا ولغ " كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه، وقد رواه عن أبي الزّناد - شيخِ مالكٍ - بلفظ " إذا شرب " ورقاءُ بنُ عمر. أخرجه الجوزقيّ، وكذا المغيرة بن عبد الرّحمن. أخرجه أبو يعلى.

نعم. وروي عن مالك بلفظ " إذا ولغ ". أخرجه أبو عبيد في " كتاب الطّهور " له عن إسماعيل بن عمر عنه، ومن طريقه أورده الإسماعيليّ، وكذا أخرجه الدّارقطنيّ في " الموطّآت " له من طريق أبي عليّ الحنفيّ عن مالك، وهو في نسخة صحيحة من سنن ابن ماجه من رواية روح بن عُبادة عن مالك أيضاً.

وكأنّ أبا الزّناد حدّث به باللفظين لتقاربهما في المعنى؛ لكنّ الشّرب كما بيّنّا أخصّ من الولوغ فلا يقوم مقامه.

ومفهوم الشّرط في قوله " إذا ولغ " يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إنّ الأمر بالغسل للتّنجيس يتعدّى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلاً، ويكون ذكر الولوغ للغالب.

وأمّا إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله ، فالمذهب المنصوص أنّه كذلك ، لأنّ فَمَه أشرفها فيكون الباقي من باب الأولى، وخصّه في

ص: 71

القديم الأوّل.

وقال النّوويّ في " الرّوضة ": إنّه وجه شاذّ. وفي " شرح المهذّب ": إنّه القويّ من حيث الدّليل، والأولويّة المذكورة قد تمنع لكون فمِه محلّ استعمال النّجاسات.

قوله: (الكلب) الكلب معروف ، والأنثى كلبة ، والجمع أكلب وكلاب وكَليب بالفتح، كأعبدٍ وعباد وعبيد. وفي الكلب بَهيميّة وسَبعيّة كأنّه مركّب. وفيه منافع للحراسة والصّيد. وفيه من اقتفاء الأثر وشمّ الرّائحة والحراسة وخفّة النّوم والتّودّد وقبول التّعليم ما ليس لغيره.

وقيل: إنّ أوّل من اتّخذه للحراسة نوح عليه السلام.

قوله: (في إناء أحدكم) ظاهره العموم في الآنية، ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلاً، وبه قال الأوزاعيّ مطلقاً.

لكن إذا قلنا بأنّ الغسل للتّنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير، والإضافة التي في إناء أحدكم يُلغى اعتبارها هنا ، لأنّ الطّهارة لا تتوقّف على ملكه، وكذا قوله " فليغسله " لا يتوقّف على أن يكون هو الغاسل.

وزاد مسلم والنّسائيّ من طريق عليّ بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث " فليرقه " وهو يقوّي القول بأنّ الغسل للتّنجيس، إذ الْمُراق أعمّ من أن يكون ماء أو طعاماً، فلو كان طاهراً لَم يؤمر بإراقته للنّهي عن إضاعة المال.

ص: 72

لكن قال النّسائيّ: لا أعلم أحداً تابع عليَّ بنَ مسهر على زيادة فليرقه.

وقال حمزة الكنانيّ: إنّها غير محفوظة.

وقال ابن عبد البرّ: لَم يذكرها الحفّاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة.

وقال ابن منده: لا تعرف عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ من الوجوه إلَاّ عن عليّ بن مسهر بهذا الإسناد.

قلت: قد ورد الأمر بالإراقة أيضاً من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً. أخرجه ابن عديّ، لكن في رفعه نظر، والصّحيح أنّه موقوف.

وكذا ذكَرَ الإراقةَ حمّادُ بن زيد عن أيّوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفاً ، وإسناده صحيح أخرجه الدّارقطنيّ وغيره.

قوله: (فليغسله) يقتضي الفور، لكن حمله الجمهور على الاستحباب ، إلَاّ لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء.

قوله: (سبعاً) أي: سبع مرار.

قوله: (أُولاهنّ بالتراب) لَم يقع في رواية مالك (1) التّتريب ، ولَم يثبت في شيء من الرّوايات عن أبي هريرة إلَاّ عن ابن سيرين، على أنّ بعض أصحابه لَم يذكره. وروي أيضاً عن الحسن وأبي رافع عند

(1) رواية مالك أخرجها الشيخان من طريقه كما تقدّم.

ص: 73

الدّارقطنيّ ، وعبد الرّحمن والد السّدّيّ عند البزّار.

واختلف الرّواة عن ابن سيرين في محلّ غسلة التّتريب.

فلمسلمٍ وغيره من طريق هشام بن حسّان عنه " أولاهنّ " وهي رواية الأكثر عن ابن سيرين ، وكذا في رواية أبي رافع المذكورة.

واختلف عن قتادة عن ابن سيرين ، فقال سعيد بن بشير عنه " أولاهنّ " أيضاً أخرجه الدّارقطنيّ، وقال أبان عن قتادة " السّابعة " أخرجه أبو داود.

وللشّافعيّ عن سفيان عن أيّوب عن ابن سيرين " أولاهنّ أو إحداهنّ ".

وفي رواية السّدّيّ عن البزّار " إحداهنّ " وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزّناد عنه.

فطريق الجمع بين هذه الرّوايات أن يقال: إحداهنّ مبهمة وأولاهنّ والسّابعة معيّنة.

و" أو " إن كانت في نفس الخبر فهي للتّخيير ، فمقتضى حمل المطلق على المقيّد أن يحمل على أحدهما ، لأنّ فيه زيادة على الرّواية المعيّنة، وهو الذي نصّ عليه الشّافعيّ في الأمّ والبويطيّ ، وصرّح به المرعشيّ وغيره من الأصحاب. وذكره ابن دقيق العيد والسّبكيّ بحثاً، وهو منصوص كما ذكرنا.

وإن كانت " أو " شكّاً من الرّاوي ، فرواية من عيّن ولَم يشكّ أولى من رواية من أبهم أو شكّ.

ص: 74

فيبقى النّظر في التّرجيح بين رواية " أولاهنّ " ورواية " السّابعة ".

ورواية " أولاهنّ " أرجح من حيث الأكثريّة والأحفظيّة ومن حيث المعنى أيضاً؛ لأنّ تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نصّ الشّافعيّ في حرملة على أنّ الأولى أولى. والله أعلم.

وفي الحديث دليل على أنّ حكم النّجاسة يتعدّى عن محلّها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعاً، وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة، وعلى تنجيس الإناء الذي يتّصل بالمائع، وعلى أنّ الماء القليل ينجس بوقوع النّجاسة فيه وإن لَم يتغيّر؛ لأنّ ولوغ الكلب لا يغيّر الماء الذي في الإناء غالباً.

وعلى أنّ ورود الماء على النّجاسة يخالف ورودها عليه ، لأنّه أمر بإراقة الماء لَمّا وردت عليه النّجاسة، وهو حقيقة في إراقة جميعه وأمر بغسله، وحقيقته تتأدّى بما يسمّى غسلاً ولو كان ما يغسل به أقلّ ممّا أريق.

فائدة: خالف ظاهرَ هذا الحديث المالكيّة والحنفيّة.

فأمّا المالكيّة. فلم يقولوا بالتّتريب أصلاً مع إيجابهم التّسبيع على المشهور عندهم؛ لأنّ التّتريب لَم يقع في رواية مالك.

قال القرافيّ منهم: قد صحّت فيه الأحاديث، فالعجب منهم كيف لَم يقولوا بها؟!.

وعن مالك رواية أنّ الأمر بالتّسبيع للنّدب، والمعروف عند

ص: 75

أصحابه أنّه للوجوب لكنّه للتّعبّد لكون الكلب طاهراً عندهم، وأبدى بعض متأخّريهم له حكمة غير التّنجيس كما سيأتي.

وعن مالك رواية بأنّه نجس؛ لكنّ قاعدته أنّ الماء لا ينجس إلَاّ بالتّغيّر، فلا يجب التّسبيع للنّجاسة بل للتّعبّد.

لكن يرِدُ عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أوّل هذا الحديث ، فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمّد بن سيرين وهمّام بن منبّه عن أبي هريرة " طهور إناء أحدكم " ، لأنّ الطّهارة تستعمل إمّا عن حدث أو خبث، ولا حدث على الإناء فتعيّن الخبث.

وأجيب: بمنع الحصر ، لأنّ التّيمّم لا يرفع الحدث ، وقد قيل له طهور المسلم؛ ولأنّ الطّهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم) وقوله صلى الله عليه وسلم: السّواك مطهرة للفم. (1)

والجواب عن الأوّل: بأنّ التّيمّم ناشئ عن حدث ، فلمّا قام مقام ما يطهّر الحدث سُمِّي طهوراً. ومن يقول بأنّه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله (2).

(1) أخرجه الإمام أحمد (6/ 124) والنسائي (1/ 10) والشافعي في " المسند "(1/ 27) والبيهقي في " الكبرى "(1/ 34) وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. وتمامه " ومرضاة للرب " وصحَّحه ابن حبان (1067) وعلَّقه البخاري في صحيحه.

(2)

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وهو الصواب لظاهر الكتاب والسنة ، وليس مع مَن منع ذلك حجة يحسن الاعتماد عليها.

ص: 76

والجواب عن الثّاني: أنّ ألفاظ الشّرع إذا دارت بين الحقيقة اللّغويّة والشّرعيّة حملت على الشّرعيّة إلَاّ إذا قام دليل.

ودعوى بعض المالكيّة: أنّ المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهيّ عن اتّخاذه دون المأذون فيه ، يحتاج إلى ثبوت تقدّم النّهي عن الاتّخاذ عن الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدلّ على أنّ المراد ما لَم يؤذن في اتّخاذه؛ لأنّ الظّاهر من اللام في قوله " الكلب " أنّها للجنس أو لتعريف الماهيّة فيحتاج المدّعي أنّها للعهد إلى دليل.

ومِثلُه تفرقةُ بعضِهم بين البدويّ والحضريّ، ودعوى بعضهم أنّ ذلك مخصوص بالكلب الكَلِب، وأنّ الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطّبّ ، لأنّ الشّارع اعتبر السّبع في مواضع منه كقوله " صبّوا عليّ من سبع قرب "، قوله " من تصبّح بسبع تمرات عجوة ".

وتعقّب: بأنّ الكلب الكَلِب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه؟

وأجاب حفيدُ ابنِ رشد: بأنّه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه، أمّا في ابتدائه فلا يمتنع.

وهذا التّعليل - وإن كان فيه مناسبة - لكنّه يستلزم التّخصيص بلا دليل ، والتّعليل بالتّنجيس أقوى ، لأنّه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عبّاس التّصريح بأنّ الغسل من ولوغ الكلب بأنّه رجس. رواه محمّد بن نصر المروزيّ بإسنادٍ صحيح. ولَم يصحّ عن أحد من الصّحابة خلافه.

ص: 77

والمشهور عن المالكيّة أيضاً التّفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل ، وبين إناء الطّعام فيؤكل ثمّ يغسل الإناء تعبّداً ، لأنّ الأمر بالإراقة عامّ فيخصّ الطّعام منه بالنّهي عن إضاعة المال.

وعورض: بأنّ النّهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة.

ويترجّح هذا الثّاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النّجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه، فثبت أنّ عموم النّهي عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة، وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعمّ من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسةٍ طارئة كأكل الميتة مثلاً.

لكنّ الأوّل أرجح إذ هو الأصل.

ولأنّه يلزم على الثّاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرّة مثلاً، وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لَم يدلّ على نجاسة باقيه إلَاّ بطريق القياس كأن يقال: لعابه نجس ففمه نجس ، لأنّه متحلب منه واللّعاب عرَق فمه ، وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجساً ، وإذا كان عرقه نجساً كان بدنه نجساً ، لأنّ العرق مُتحلِّب من البدن.

ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السّبع والتّتريب أم لا؟. تقدّمت الإشارة إلى ذلك من كلام النّوويّ.

وأمّا الحنفيّة: فلم يقولوا بوجوب السّبع ولا التّتريب.

واعتذر الطّحاويّ وغيره عنهم بأمورٍ.

الأول: كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات ، فثبت بذلك نسخ السّبع.

ص: 78

وتعقّب: بأنّه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبيّة السّبع لا وجوبها ، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النّسخ.

وأيضاً فقد ثبت أنّه أفتى بالغسل سبعاً ، ورواية من روى عنه موافقةَ فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النّظر.

أمّا النّظر فظاهر.

وأمّا الإسناد. فالموافقة وردتْ من رواية حمّاد بن زيد عن أيّوب عن ابن سيرين عنه ، وهذا من أصحّ الأسانيد.

وأمّا المخالفة. فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه. وهو دون الأوّل في القوّة بكثيرٍ.

الثاني: دعوى أنّ الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلمّا نهي عن قتلها نسخ الأمر بالغسل.

وتعقّب: بأنّ الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة ، والأمر بالغسل متأخّر جدّاً ، لأنّه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفّل، وقد ذكر ابن مغفّل ، أنّه سمع صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل ، وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة، بل سياق مسلم ظاهر في أنّ الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب.

الثالث: إلزام الشّافعيّة بإيجاب ثمان غسلات عملاً بظاهر حديث عبد الله بن مغفّل الذي أخرجه مسلم. ولفظه: فاغسلوه سبع مرّات وعفّروه الثّامنة في التّراب. وفي رواية أحمد: بالتّراب.

ص: 79

وأجيب: بأنّه لا يلزم من كون الشّافعيّة لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفّل أنْ يتركوا هم العمل بالحديث أصلاً ورأساً؛ لأنّ اعتذار الشّافعيّة عن ذلك - إن كان متّجهاً فذاك - وإلَّا فكلّ من الفريقين ملومٌ في ترك العمل به، قاله ابن دقيق العيد.

واعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه.

وفيه نظر ، لأنّه ثبت القول بذلك عن الحسن البصريّ، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرمانيّ عنه.

ونُقل عن الشّافعيّ أنّه قال: هو حديث لَم أقف على صحّته؛ ولكنّ هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحّته.

وجنح بعضهم إلى التّرجيح. لحديث أبي هريرة على حديث ابن مغفّل.

والتّرجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفّل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزّيادة من الثّقة مقبولة. ولو سلكنا التّرجيح في هذا الباب لَم نقل بالتّتريب أصلاً ، لأنّ رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك فقلنا به أخذاً بزيادة الثّقة.

وجمع بعضهم بين الحديثين بضربٍ من المجاز ، فقال: لَمّا كان التّراب جنساً غير الماء جعل اجتماعهما في المرّة الواحدة معدوداً باثنتين.

وتعقّبه ابن دقيق العيد: بأنّ قوله " وعفّروه الثّامنة بالتّراب " ظاهر

ص: 80

في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التّعفير في أوّله قبل ورود الغسلات السّبع كانت الغسلات ثمانية ، ويكون إطلاق الغسلة على التّتريب مجازاً.

وهذا الجمع من مرجّحات تعيّن التّراب في الأولى.

قوله: (وله في حديث عبد الله بن مغفّلٍ) الغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني. وزن مُحمَّد. (1).

وتقدم الكلام عليه ضمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الماضي.

فائدة: روى الوليد بن مسلم في " مصنفه " عن الأوزاعي وغيره عنه: سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلبٌ فلم يجدوا ماء غيره، قال: يتوضأ به " وأخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " من طريقه بسند صحيح.

قال الوليد بن مسلم: فذكرتُ ذلك لسفيان الثوري فقال: والله

(1) ابن عبد غنم، وقيل: عبد نهم بن عفيف المزني أبو سعيد، وأبو زياد. ونقل البخاريّ عن يحيى بن معين: أنه كان يكنى أبا زياد، وعن بعض ولده أنه كان يُكنى بهما، وأنه كان له عدّة أولاد، منهم: سعيد، وزياد. من مشاهير الصحابة.

قال البخاريّ: له صحبة، سكن البصرة، وهو أحد البكَّاءين في غزوة تبوك، وشهد بيعة الشجرة، ثبت ذلك في الصحيح. وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقّهوا الناس بالبصرة، وهو أول من دخل من باب مدينة تستر. ومات بالبصرة سنة 59 قاله مسدّد. وقيل: سنة 60 فأوصى أن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، فصلّى عليه. قاله في الإصابة.

ص: 81

هذا الفقه بعينه. يقول الله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: 43] وهذا ماء، وفي النفس منه شيء فأرى أن يتوضأ به ويتيمم. (1)

فسمَّى الثوريُّ الأخذَ بدلالة العموم فقهاً، وهي التي تضمنها قوله تعالى (فلم تجدوا ماءً) لكونها نكرة في سياق النفي فتعمّ ولا تخص إلا بدليل، وتنجيس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم. وزاد من رأيه التيمم احتياطاً.

وتعقبه الإسماعيلي: بأن اشتراطه جواز التوضؤ به إذا لم يجد غيره يدلُّ على تنجيسه عنده؛ لأن الظاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره.

وأجيب: بأن المراد أن استعمال غيره مما لم يختلف فيه أولى، فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه - وهو يعتقد طهارته - إلى التيمم.

وأمَّا فتيا سفيان بالتيمم بعد الوضوء به فلأنه رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعبادة.

وقد تعقِّب: بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده طاهراً بلا شك فيصير باستعماله مشكوكاً في طهارته، ولهذا قال بعض الأئمة: الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم، والله أعلم.

(1) قول الزهري وسفيان علَّقه البخاري في " صحيحه " في كتاب الوضوء. باب الماء الذي يغتسل به شعر الإنسان.

ص: 82