الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والثلاثون
37 -
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: كنت أغسل الجنابةَ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصّلاة ، وإنّ بُقع الماء في ثوبه. (1)
وفي لفظٍ لمسلمٍ: لقد كنت أفرُكُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً ، فيُصلِّي فيه. (2)
قوله: (عن عائشة) للبخاري عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة عن المني يصيب الثوب. فذكرت الحديث ، ولَم يخرّج البخاريّ حديثَ الفرك ، بل اكتفى بالإشارة إليه في التّرجمة (3) على عادته ، لأنّه ورد من حديث عائشة أيضاً كما سنذكره.
وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض؛ لأنّ الجمع بينهما واضحٌ على القول بطهارة المنيّ ، بأن يُحمل الغسل على الاستحباب للتّنظيف لا على الوجوب ، وهذه طريقة الشّافعيّ وأحمد وأصحاب الحديث.
وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته ، بأن يُحمل الغسل على ما
(1) أخرجه البخاري (227 ، 228 ، 229 ، 230) ومسلم (289) من طرق عن عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة به.
(2)
أخرجه مسلم (288) عن علقمة والأسود، أنَّ رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله ، ولقد رأيتني أفركه. فذكرتْه.
(3)
بقوله " باب غسل المنيّ وفركه "
كان رطباً ، والفرك على ما كان يابساً ، وهذه طريقة الحنفيّة.
والطّريقة الأولى أرجح؛ لأنّ فيها العمل بالخبر والقياس معاً؛ لأنّه لو كان نجساً لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدّم وغيره ، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدّم بالفرك.
ويردّ الطّريقة الثّانية أيضاً ما في رواية ابن خزيمة من طريقٍ أخرى عن عائشة ، كانت تسلت المنيّ من ثوبه بعرق الإذخر ، ثمّ يُصلِّي فيه ، وتحكّه من ثوبه يابساً ، ثمّ يُصلِّي فيه. فإنّه يتضمّن ترك الغسل في الحالتين.
وأمّا مالكٌ. فلم يعرف الفرك ، وقال: إنّ العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النّجاسات. وحديث الفرك حجّة عليهم.
حمل بعض أصحابه الفرك على الدّلك بالماء ، وهو مردودٌ بما في إحدى روايات مسلمٍ عن عائشة: لقد رأيتني وإنّي لأحكّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري. وبما صحَّحه التّرمذيّ من حديث همّام بن الحارث ، أنّ عائشة أنكرتْ على ضيفها غسله الثّوب ، فقالت: لِمَ أفسد علينا ثوبنا؟ إنّما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه ، فربّما فركْتُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي.
وقال بعضهم: الثّوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النّوم ، والثّوب الذي غسلته ثوب الصّلاة.
وهو مردودٌ أيضاً بما في إحدى روايات مسلمٍ من حديثها أيضاً: لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيُصلِّي فيه. وهذا
التّعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلّل الغسل بين الفرك والصّلاة.
وأصرح منه رواية ابن خزيمة " أنّها كانت تحكّه من ثوبه صلى الله عليه وسلم ، وهو يُصلِّي ".
وعلى تقدير عدم ورود شيءٍ من ذلك ، فليس في حديث الباب ما يدلّ على نجاسة المنيّ؛ لأنّ غسلها فعلٌ ، وهو لا يدلّ على الوجوب بمجرّده. والله أعلم.
وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المنيّ ، بأنّ منيّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته.
والجواب: على تقدير صحّة كونه من الخصائص ، أنّ منيّه كان عن جماعٍ ، فيخالط منيّ المرأة ، فلو كان منيّها نجساً لَم يكتف فيه بالفرك.
وبهذا احتجّ الشّيخ الموفّق وغيره على طهارة رطوبة فرجها ، قال: ومَن قال إنّ المنيّ لا يسلم من المذي فيتنجّس به لَم يُصب؛ لأنّ الشّهوة إذا اشتدّت خرج المنيّ دون المذي ، والبول كحالة الاحتلام. والله أعلم.
قوله: (أغسل الجنابة) أي: أثر الجنابة ، فيكون على حذف مضافٍ أو أطلق اسم الجنابة على المنيّ مجازاً.
قوله: (بقع) بضمّ الموحّدة وفتح القاف جمع بقعة ، قال أهل اللّغة: البقع اختلاف اللونين.
وفي الحديث جواز سؤال النّساء عمّا يستحى منه لمصلحة تعلّم الأحكام ، وفيه خدمة الزّوجات للأزواج.
واستدل به البخاري على أنّ بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النّجاسة وغيرها لا يضرّ ، فلهذا ترجم " باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره " ، وأعاد الضّمير مذكّراً على المعنى ، أي: فلم يذهب أثر الشّيء المغسول.
ومراده أنّ ذلك لا يضرّ. وذكر في الباب حديث الجنابة ، وأَلْحَقَ غيرها بها قياساً.
أو أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ، أنّ خولة بنت يسار قالت: يا رسولَ الله ليس لي إلَاّ ثوب واحد ، وأنا أحيض فيه. فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرتِ فاغسليه ، ثمّ صلّي فيه ، قالت: فإن لَم يخرج الدّم؟ قال: يكفيك الماء ، ولا يضرّك أثره.
وفي إسناده ضعفٌ ، وله شاهدٌ مرسلٌ ذكره البيهقيّ.
والمراد بالأثر ما تعسّر إزالته جمعاً بين هذا وبين حديث أمّ قيس: حكّيه بضلعٍ واغسليه بماء وسدر. أخرجه أبو داود أيضاً وإسناده حسن.
ولَمَّا لَم يكن هذا الحديث على شرط البخاري ، استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدلّ على ذلك المعنى كعادته.