الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
17 -
عن أبي قتادة الحارث بن رِبْعيٍّ الأنصاريّ رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يُمسكنّ أحدُكم ذكرَه بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسَّح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفّس في الإناء. (1)
قوله: (عن أبي قتادة) الحارث ، وقيل: عمرو ، وقيل: النّعمان الأنصاريّ، والأول أشهر. فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّل مشاهده أُحدٌ ، ومات سنة أربع وخمسين على الصّحيح فيهما. وربعي - بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة - اسمٌ بلفظ النسب.
قوله: (لا يُمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول) النّهي المطلق عن مسّ الذّكر باليمين كما في الرواية الأخرى " إذا أتى الخلاء فلا يمسّ ذكره بيمينه ".
ولمسلم " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفّس في الإناء، وأن يمسّ ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه " محمولٌ على المقيّد بحالة البول ، فيكون ما عداه مباحاً.
وقال بعض العلماء: يكون ممنوعاً أيضاً من باب الأولى ، لأنّه نهي عن ذلك مع مظنّة الحاجة في تلك الحالة.
(1) أخرجه البخاري (152 ، 153 ، 5307) ومسلم (267) من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه به.
وتعقّبه أبو محمّد بن أبي جمرة: بأنّ مظنّة الحاجة لا تختصّ بحالة الاستنجاء، وإنّما خصّ النّهي بحالة البول من جهة أنّ مجاور الشّيء يعطى حكمه، فلمّا منع الاستنجاء باليمين منع مسّ آلته حسماً للمادّة.
ثمّ استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن عليّ حين سأله عن مسّ ذكره: إنّما هو بضعة منك. فدلَّ على الجواز في كلّ حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصّحيح ، وبقي ما عداها على الإباحة. انتهى.
والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن (1) ، وقد يقال حمل المطلق على المقيّد غير متّفق عليه بين العلماء، ومَن قال به يشترط فيه شروطاً.
لكن نبّه ابن دقيق العيد على أنّ محلّ الاختلاف إنّما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعدّ حديثين مختلفين، فأمّا إذا اتّحد المخرج - وكان الاختلاف فيه من بعض الرّواة - فينبغي حمل المطلق على المقيّد بلا خلاف؛ لأنّ التّقييد حينئذٍ يكون زيادة من عدل فتقبل.
واستنبط منه بعضهم. منع الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النّهي عن ذلك لتشريف اليمين فيكون ذلك من باب الأولى.
(1) أي: حديث طلق رضي الله عنه. أخرجه أبو داود (182) والترمذي (85) والنسائي (1/ 101) وابن ماجه (483) وأحمد (4/ 22) وغيرهم. وصحَّحه ابن حبان (1119).
وما وقع في العتبيّة عن مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذّاق أصحابه.
وقيل: الحكمة في النّهي لكون اليمين معدّة للأكل بها ، فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكّره عند الأكل فيتأذّى بذلك. والله أعلم.
قوله: (ولا يتمسّح) أي: لا يستنج
قوله: (من الخلاء بيمينه) أي: باليد اليمنى.
وهل النهي للتّحريم أو للتّنزيه للقرينة الصّارفة للنّهي عن التّحريم. وهي أنّ ذلك أدب من الآداب؟.
القول الأول: للتّنزيه ، قاله الجمهور.
القول الثاني: ذهب أهل الظّاهر: إلى أنّه للتّحريم، وفي كلام جماعة من الشّافعيّة ما يشعر به، لكن قال النّوويّ: مراد مَن قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين. أي: لا يكون مباحاً يستوي طرفاه، بل هو مكروه راجح التّرك.
ومع القول بالتّحريم فمن فعله أساء وأجزأه.
وقال أهل الظّاهر وبعض الحنابلة: لا يجزئ.
ومحلّ هذا الاختلاف ، حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلةٍ غيرها كالماء وغيره، أمّا بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى. والله أعلم.
وقد أثار الخطّابيّ هنا بحثاً ، وبالغ في التّبجّح به ، وحكى عن أبي عليّ بن أبي هريرة ، أنّه ناظر رجلاً من الفقهاء الخراسانيّين. فسأله عن
هذه المسألة فأعياه جوابها.
ثمّ أجاب الخطّابيّ عنه بجوابٍ فيه نظر.
ومحصّل الإيراد. أنّ المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مسّ ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النّهي.
ومحصّل الجواب: أنّه يقصد الأشياء الضّخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره، فإن لَم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه ويستجمر بيساره ، فلا يكون متصرّفاً في شيء من ذلك بيمينه. انتهى
وهذه هيئة منكرة بل يتعذّر فعلها في غالب الأوقات.
وقد تعقّبه الطّيبيّ: بأنّ النّهي عن الاستجمار باليمين مختصّ بالدّبر، والنّهي عن المسّ مختصّ بالذّكر فبطل الإيراد من أصله.
كذا قال. وما ادّعاه من تخصيص الاستنجاء بالدّبر مردود، والمسّ وإن كان مختصّاً بالذّكر لكن يلحق به الدّبر قياساً، والتّنصيص على الذّكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك، وإنّما خصّ الذّكر بالذّكر لكون الرّجال في الغالب هم المخاطبون والنّساء شقائق الرّجال في الأحكام إلَاّ ما خصّ.
والصّواب في الصّورة التي أوردها الخطّابيّ ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزاليّ في الوسيط والبغويّ في التّهذيب ، أنّه يمرّ العضو
بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارّة غير متحرّكة فلا يعدّ مستجمراً باليمين ولا ماسّاً بها.
ومن ادّعى أنّه في هذه الحالة يكون مستجمراً بيمينه فقد غلط، وإنّما هو كمن صبّ بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء.
قوله: (ولا يتنفّس) بالجزم ، و " لا " ناهية في الثّلاثة، وروي بالضّمّ فيها على أنّ " لا " نافية.
قوله: (في الإناء) أي داخله، وأمّا إذا أبانه وتنفّس فهي السّنّة كما في الصحيحين عن أنس ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفّس في الإناء ثلاثاً.
وظاهرهما التّعارض، إذ الأوّل صريح في النّهي عن التّنفّس في الإناء ، والثّاني يثبت التّنفّس، فيُحمل على حالتين:
الحالة الأولى: حالة النّهي على التّنفّس داخل الإناء.
الحالة الثانية: حالة الفعل على من تنفّس خارجه.
فالأوّل: على ظاهره من النّهي، والثّاني: تقديره كان يتنفّس في حالة الشّرب من الإناء.
وهذا النّهي للتّأدّب لإرادة المبالغة في النّظافة، إذ قد يخرج مع النّفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقذّر بها هو أو غيره عن شربه.
وقوله " ولا يتنفّس في الإناء " جملة خبريّة مستقلة إن كانت لا نافية، وإن كانت ناهية فمعطوفة، لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه
مقيّداً بقيدٍ أن يكون المعطوف مقيّداً به؛ لأنّ التّنفّس لا يتعلق بحالة البول وإنّما هو حكم مستقلّ.
ويحتمل: أن تكون الحكمة في ذكرها هنا أنّ الغالب من أخلاق المؤمنين التّأسّي بأفعال النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد كان إذا بال توضّأ، وثبت أنّه شُرب فضل وضوئه، فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك، فعلمه أدب الشّرب مطلقاً لاستحضاره، والتّنفّس في الإناء مختصّ بحالة الشّرب كما دلَّ عليه سياق الرّواية التي قبله.
وللحاكم من حديث أبي هريرة: لا يتنفّس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه. والله أعلم.
تكميل: زاد ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: النّهي عن النّفخ في الإناء. وله شاهد من حديث ابن عبّاس عند أبي داود والتّرمذيّ ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفّس في الإناء، وأن ينفخ فيه.
وجاء في النّهي عن النّفخ في الإناء عدّة أحاديث، وكذا النّهي عن التّنفّس في الإناء ، لأنّه ربّما حصل له تغيّر من النّفس.
إمّا لكون المتنفّس كان متغيّر الفم بمأكولٍ مثلاً.
أو لبعد عهده بالسّواك والمضمضة. أو لأنّ النّفس يصعد ببخار المعدة.
والنّفخ في هذه الأحوال كلّها أشدّ من التّنفّس.