الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السواك
هو بكسر السين على الأفصح ، ويطلق على الآلة ، وعلى الفعل وهو المراد هنا.
الحديث التاسع عشر
19 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتُهم بالسّواك عند كل صلاةٍ. (1)
قوله: (لولا أن أشقّ على أمتي) وللبخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك " على أمّتي. أو على النّاس " هو شكّ من الرّاوي، ولَم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الرّوايات عن مالك ولا عن غيره.
ورواه أكثرهم بلفظ " المؤمنين " بدل " أمّتي " ورواه يحيى بن يحيى الليثيّ بلفظ " على أمّتي " دون الشّكّ.
قوله: (لأمرتهم بالسّواك) أي: باستعمال السّواك، لأنّ السّواك هو الآلة، وقد قيل: إنّه يطلق على الفعل أيضاً فعلى هذا لا تقدير.
(1) أخرجه البخاري (847) من طريق مالك. ومسلم (252) من طريق سفيان كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.
وللبخاري (6813) من طريق جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج به.
والسّواك مذكّر على الصّحيح، وحكى في الحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهريّ
قوله: (عند كلّ صلاة) وللبخاري " مع كل صلاة " لَم أرها (1) أيضاً في شيء من روايات الموطّأ ، إلَاّ عن معن بن عيسى ، لكن بلفظ " عند كلّ صلاة " وكذا النّسائيّ عن قتيبة عن مالك، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزّناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال " مع الوضوء " بدل الصّلاة. أخرجه أحمد من طريقه.
قال القاضي البيضاويّ (2): " لولا " كلمة تدلّ على انتفاء الشّيء
(1) أي: أن رواة الموطأ اقتصروا على رواية الحديث (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) فقط.
وأورده البخاري في كتاب التمني برقم (6813) عن يحيى بن بكير عن الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن عن أبي هريرة بهذا اللفظ المختصر.
قال الشارح (13/ 281): هكذا ذكره مختصرا من رواية جعفر بن ربيعة - وهو المصري -عن عبد الرحمن وهو الأعرج ، ونسبه الإسماعيلي في رواية شعيب بن الليث عن أبيه. ولم يزد على ما هناك. فدلَّ على أن هذا القدر هو الذي وقع في هذه الطريق.
وقد أورده المزي في " الأطراف " فزاد فيه " عند كل صلاة " ولم أر هذه الزيادة في هذه الطريق عند أحد ممن أخرجها ، وإنما ثبتت عند البخاري في رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج. أورده في كتاب الجمعة ، ونسبه المزي إلى الصلاة بغير قيد الجمعة ، وهو مما يتعقب عليه أيضاً ، وعنده فيه مع بدل عند ، وثبت عند مسلم بلفظ عند من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد. انتهى.
(2)
عبد الله بن عمر بن محمد. الإمام العالم العلامة المحقق شيخ الإسلام ناصر الدين أبو الخير الشيرازي الشافعي. قاضي شيراز. صاحب التفسير المسمى بـ " أنوار التنزيل " الذي اشتهر وبَهَرَ ، وتلقاه الناس بالقبول. وشرح المصابيح. وغيرها. توفي سنة 685. أو سنة 691 هـ. ديوان الإسلام للذهبي (1/ 257).
لثبوت غيره، والحقّ أنّها مركّبة من " لو " الدّالة على انتفاء الشّيء لانتفاء غيره. و " لا " النّافية، فدلَّ الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقّة ، لأنّ انتفاء النّفي ثبوت ، فيكون الأمر منفيّاً لثبوت المشقّة.
وفيه دليل على أنّ الأمر للوجوب من وجهين:
أحدهما: أنّه نفي الأمر مع ثبوت النّدبيّة، ولو كان للنّدب لَمَا جاز النّفي.
ثانيهما: أنّه جعل الأمر مشقّة عليهم. وذلك إنّما يتحقّق إذا كان الأمر للوجوب، إذ النّدب لا مشقّة فيه لأنّه جائز التّرك.
وقال الشّيخ أبو إسحاق في " اللّمع ": في هذا الحديث دليل على أنّ الاستدعاء على جهة النّدب ليس بأمرٍ حقيقةً ، لأنّ السّواك عند كلّ صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشّارع أنّه لَم يأمر به. انتهى
ويؤكّده قوله في رواية سعيد المقبريّ عن أبي هريرة عند النّسائيّ بلفظ " لفرضت عليهم " بدل لأمرتهم.
وقال الشّافعيّ: فيه دليل على أنّ السّواك ليس بواجبٍ ، لأنّه لو كان واجباً لأمرهم شقّ عليهم به أو لَم يشقّ. انتهى.
وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم، بل ادّعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشّيخ أبو حامد وتبعه الماورديّ عن إسحاق
بن راهويه ، قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامداً بطلت صلاته. وعن داود. أنّه قال: وهو واجب ، لكن ليس شرطاً.
واحتجّ مَن قال بوجوبه: بورود الأمر به، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعاً: تسوّكوا. ولأحمد نحوه من حديث العبّاسٍ، وفي الموطّأ في أثناء حديث: عليكم بالسّواك. ولا يثبت شيء منها.
وعلى تقدير الصّحّة ، فالمنفيّ في مفهوم حديث الباب ، الأمر به مقيّداً بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيّد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التّكرار.
واستدل بقوله " كلّ صلاة " على استحبابه للفرائض والنّوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصّلوات المكتوبة وما ضاهاها من النّوافل التي ليست تبعاً لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختاره أبو شامة.
ويتأيّد بقوله في حديث أمّ حبيبة عند أحمد بلفظ " لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة كما يتوضّئون " ، وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم عند كلّ صلاة بوضوءٍ، ومع كلّ وضوء بسواكٍ " فسوّى بينهما. وكما أنّ الوضوء لا يندب للرّاتبة التي بعد الفريضة إلَاّ إن طال الفصل مثلاً، فكذلك السّواك.
ويمكن أن يفرّق بينهما ، بأنّ الوضوء أشقّ من السّواك.
ويتأيّد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عبّاسٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي ركعتين، ثمّ ينصرف فيستاك. وإسناده صحيح، لكنّه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبيّن فيه أنّه تخلل بين
الانصراف والسّواك نوم. وأصل الحديث في مسلم مبيّناً أيضاً. (1)
واستدل به على أنّ الأمر يقتضي التّكرار، لأنّ الحديث دلَّ على كون المشقّة هي المانعة من الأمر بالسّواك، ولا مشقّة في وجوبه مرّة، وإنّما المشقّة في وجوب التّكرار.
وفي هذا البحث نظرٌ، لأنّ التّكرار لَم يؤخذ هنا من مجرّد الأمر، وإنّما أخذ من تقييده بكل صلاة.
وقال المُهلَّب: فيه أنّ المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج. وفيه ما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه من الشّفقة على أمّته. وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لَم ينزل عليه فيه نصّ، لكونه جعل المشقّة سبباً لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقّفاً على النّصّ لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النّصّ لا وجود المشقّة.
قال ابن دقيق العيد: وفيه بحثٌ، وهو كما قال، ووجهه أنّه يجوز أن يكون إخباراً منه صلى الله عليه وسلم بأنّ سبب عدم ورود النّصّ وجود المشقّة، فيكون معنى قوله " لأمرتهم " أي: عن الله بأنّه واجب.
واستدل به النّسائيّ على استحباب السّواك للصّائم بعد الزّوال،
(1) صحيح مسلم (256) عن ابن عباس ، أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقام نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فخرج فنظر في السماء ، ثم تلا هذه الآية من آل عمران {إنَّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار .. حتى بلغ. فقنا عذاب النار} ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ ثم قام فصلَّى ، ثم اضطجع ، ثم قام فخرج فنظرَ إلى السماء فتلا هذه الآية. ثم رجع فتسوَّك فتوضأ ثم قام فصلى.
لعموم قوله " كلّ صلاة "، فإنّه يقتضي إباحته في كل وقتٍ وعلى كلّ حالٍ
فائدةٌ: قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السّواك عند القيام إلى الصّلاة كونها حال تقرّب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمالٍ ونظافة إظهاراً لشرف العبادة.
وقد ورد من حديث عليّ عند البزّار ما يدلّ على أنّه لأمرٍ يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي، فلا يزال يدنو منه حتّى يضع فاه على فيه (1)، لكنّه لا ينافي ما تقدّم.
(1) مسند البزار (603) عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالسواك، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا تسوَّك، ثم قام يصلي قام الملك خلفه، فتسمع لقراءته فيدنو منه ، أو كلمة نحوها. حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيءٌ من القرآن، إلَاّ صار في جوف الملَك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي، رضي الله عنه بإسناد أحسن من هذا الإسناد، وقد رواه غير واحد عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه موقوفاً.
انظر البدر المنير لابن الملقن (2/ 51) والعلل لابن أبي حاتم (1/ 445).