الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والعشرون
27 -
عن أمّ قيس بنت محصنٍ الأسديّة ، أنّها أتت بابنٍ له صغيرٍ ، لَم يأكل الطّعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجْلَسه في حجره ، فبال على ثوبه ، فدعا بماءٍ فنضحه على ثوبه ، ولَم يغسله. (1)
الحديث الثامن والعشرون
28 -
وعن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بصبيٍّ ، فبال على ثوبه ، فدعا بماءٍ ، فأتبعه إيّاه. (2)
ولمسلمٍ: فأتبعه بوله ، ولَم يغسله. (3)
قوله: (عن أمّ قيس) قال ابن عبد البرّ: اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة.
وقال السّهيليّ: اسمها آمنة. وهي أخت عكّاشة بن محصن الأسديّ ، وكانت من المهاجرات الأول كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهابٍ عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس. في هذا الحديث.
وليس لها في الصّحيحين غيره وغير حديثٍ آخر في الطّبّ (4) ، وفي
(1) أخرجه البخاري (221) ومسلم (287) من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها به.
(2)
أخرجه البخاري (220 ، 5151 ، 5656 ، 5994) ومسلم (286) من طرق هشام بن عروة عن عائشة به.
(3)
مسلم (286). وهو عند البخاري (5994) بلفظ " فأتبعه إياه ولم يغسله "
(4)
أخرجه البخاري (5715) ومسلم (2214) عنها ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها قد أعْلَقتْ عليه من العُذرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على ما تدْغَرْن أولادكن بهذا العِلاق، عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنب " يريد الكست، وهو العود الهندي
كلٍّ منهما قصّة لابنها ، ومات ابنها في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغيرٌ ، كما رواه النّسائيّ.
ولَم أقف على تسميته.
قوله: (لَم يأكل الطّعام) المراد بالطّعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتّمر الذي يحنّك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها ، فكان المراد أنّه لَم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال ، هذا مقتضى كلام النّوويّ في شرح مسلم وشرح المهذّب وأطلق في الرّوضة - تبعاً لأصلها - أنّه لَم يطعم ولَم يشرب غير اللبن.
وقال في نكت التّنبيه: المراد أنّه لَم يأكل غير اللبن وغير ما يحنّك به وما أشبهه.
وحمل الموفّق الحمويّ في " شرح التّنبيه " قوله " لَم يأكل " على ظاهره ، فقال: معناه لَم يستقل بجعل الطّعام في فيه.
والأوّل أظهر ، وبه جزم الموفّق بن قدامة وغيره.
وقال ابن التّين: يحتمل: أنّها أرادت أنّه لَم يتقوّت بالطّعام ولَم يستغن به عن الرّضاع. ويحتمل: أنّها إنّما جاءت به عند ولادته ليحنّكه صلى الله عليه وسلم ، فيُحمل النّفي على عمومه ، ويؤيّد ما تقدّم أنّه للبخاري
في العقيقة. (1)
قوله: (فأجلسه) أي: وضعه إن قلنا إنّه كان لَمّا ولد، ويحتمل: أن يكون الجلوس حصل منه على العادة ، إن قلنا كان في سنّ من يحبو كما في قصّة الحسن.
قوله: (على ثوبه) أي: ثوب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأغرب ابن شعبان من المالكيّة ، فقال: المراد به ثوب الصّبيّ ، والصّواب الأوّل.
قوله: (فنضحه) ولمسلمٍ من طريق الليث عن ابن شهابٍ " فلم يزد على أن نضح بالماء " وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهابٍ " فرشّه " زاد أبو عوانة في صحيحه " عليه ". ولا تخالف بين الرّوايتين - أي بين نضح ورشّ -؛ لأنّ المراد به أنّ الابتداء كان بالرّشّ وهو تنقيط الماء ، وانتهى إلى النّضح وهو صبّ الماء.
ويؤيّده رواية مسلمٍ في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام " فدعا بماءٍ فصبّه عليه " ولأبي عوانة " فصبّه على البول يتبعه إيّاه ".
قوله: (ولَم يغسله) ادّعى الأصيليّ أنّ هذه الجملة من كلام ابن شهابٍ راوي الحديث ، وأنّ المرفوع انتهى عند قوله " فنضحه ". قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهابٍ ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال
(1) هذا مصير من الشارح أنَّ حديث أم قيس هو نفسه حديث عائشة ، وقد أورد البخاري في " صحيحه " حديث عائشة برقم (5468) في كتاب العقيقة " باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لَم يعق عنه، وتحنيكه ".
" فرشّه " لَم يزد على ذلك. انتهى.
وليس في سياق معمرٍ ما يدلّ على ما ادّعاه من الإدراج ، وقد أخرجه عبد الرّزّاق عنه بنحو سياق مالك ، لكنّه لَم يقل " ولَم يغسله " وقد قالها مع مالكٍ الليثُ وعمرو بنُ الحارث ويونسُ بن يزيد كلّهم عن ابن شهابٍ. أخرجه ابن خزيمة والإسماعيليّ وغيرهما من طريق ابن وهبٍ عنهم ، وهو لمسلمٍ عن يونس وحده.
نعم. زاد معمرٌ في روايته قال: قال ابن شهابٍ: فمضت السّنّة أن يُرشّ بول الصّبيّ ويُغسل بول الجارية. فلو كانت هذه الزّيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه ، لأمكن دعوى الإدراج ، لكنّها غيرها فلا إدراج.
وأمّا ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك ، فإنّ ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهابٍ ، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبيّنّا أنّها غير مخالفةٍ لرواية مالك. والله أعلم.
وفي هذا الحديث من الفوائد: النّدب إلى حسن المعاشرة والتّواضع والرّفق بالصّغار ، وتحنيك المولود ، والتّبرّك بأهل الفضل (1) وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها ، وحكم بول الغلام والجارية قبل
(1) قال الشيخ ابن باز رحمه الله (1/ 426): هذا فيه نظرٌ. والصواب أنَّ هذا خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره. لِمَا جعل الله فيه من البركة ، وخصّه به دون غيره ، ولأَنَّ الصحابة لَم يفعلوا ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بالشرع ، فوجب التأسِّي بهم ، ولأنّ جواز مثل هذا لغيره صلى الله عليه وسلم قد يفضي إلى الشرك. فتنبّه
أن يطعما وهو مقصود الباب
واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجهٌ للشّافعيّة:
القول الأول: وهو أصحّها: الاكتفاء بالنّضح في بول الصّبيّ لا الجارية، وهو قول عليّ وعطاء والحسن والزّهريّ وأحمد وإسحاق وابن وهبٍ وغيرهم.
ورواه الوليد بن مسلم عن مالكٍ ، وقال أصحابه: هي روايةٌ شاذّةٌ.
القول الثّاني: يكفي النّضح فيهما ، وهو مذهب الأوزاعيّ وحكي عن مالكٍ والشّافعيّ، وخصّص ابن العربيّ النّقل في هذا بما إذا كانا لَم يدخل أجوافهما شيء أصلاً.
القول الثّالث: هما سواء في وجوب الغسل ، وبه قال الحنفيّة والمالكيّة.
قال ابن دقيق العيد: اتّبعوا في ذلك القياس ، وقالوا المراد بقولها " ولَم يغسله " أي غسلاً مبالغاً فيه وهو خلاف الظّاهر ، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأُخر - يعني التي ستأتي (1) - من التّفرقة بين بول الصّبيّ والصّبيّة ، فإنّهم لا يفرّقون بينهما.
قال: وقد ذكر في التّفرقة بينهما أوجهٌ:
منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل: إنّ النّفوس أعلق بالذّكور
(1) انظرها في شرح حديث عائشة الآتي.
منها بالإناث ، يعني: فحصلت الرّخصة في الذّكور لكثرة المشقّة.
واستدل به بعض المالكيّة على أنّ الغسل لا بدّ فيه من أمرٍ زائدٍ على مجرّد إيصال الماء إلى المحل.
قلت: وهو مشكلٌ عليهم؛ لأنّهم يدّعون أنّ المراد بالنّضح هنا الغسل.
تنبيهٌ: قال الخطّابيّ: ليس تجويز من جوّز النّضح من أجل أنّ بول الصّبيّ غير نجس ، ولكنّه لتخفيف نجاسته. انتهى.
وأثبت الطّحاويّ الخلاف ، فقال: قال قومٌ بطهارة بول الصّبيّ قبل الطّعام، وكذا جزم به ابن عبد البرّ وابن بطّالٍ ومن تبعهما عن الشّافعيّ وأحمد وغيرهما ، ولَم يَعرف ذلك عن الشّافعيّة ولا الحنابلة.
وقال النّوويّ: هذه حكاية باطلة. انتهى
وكأنّهم أخذوا ذلك من طريق اللازم ، وأصحاب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. والله أعلم.
قوله في حديث عائشة: (بصبي) جمعه صبيان بكسر الصّاد. ويجوز ضمّها ، جمع صبيّ ، أمّا حكمه. وهل يلتحق به بول الصّبايا - جمع صبيّة - أم لا؟.
وفي الفرق أحاديث ليست على شرط البخاري:
منها حديث عليّ مرفوعاً ، في بول الرّضيع: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية. أخرجه أحمد وأصحاب السّنن إلَاّ النّسائيّ من
طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه. قال قتادة: هذا ما لَم يطعما الطّعام. وإسناده صحيح. ورواه سعيد عن قتادة فوقفه ، وليس ذلك بعلةٍ قادحةٍ.
ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعاً: إنّما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذّكر. أخرجه أحمد وابن ماجه وصحَّحه ابن خزيمة وغيره.
ومنها حديث أبي السّمح نحوه بلفظ " يرشّ " رواه أبو داود والنّسائيّ، وصحَّحه ابن خزيمة أيضاً.
وقوله: (بصبيٍّ) يظهر لي أنّ المراد به ابن أمّ قيسٍ المذكور قبله.
ويحتمل: أن يكون الحسن بن عليّ أو الحسين، فقد روى الطّبرانيّ في " الأوسط " من حديث أمّ سلمة بإسنادٍ حسنٍ ، قالت: بال الحسن - أو الحسين - على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتّى قضى بوله ، ثمّ دعا بماءٍ فصبّه عليه. ولأحمد عن أبي ليلى نحوه. ورواه الطّحاويّ من طريقه ، قال: فجيء بالحسن. ولَم يتردّد، وكذا للطّبرانيّ عن أبي أمامة.
وإنّما رجّحت أنّه غيره؛ لأنّه عند البخاري في العقيقة من طريق يحيى القطّان عن هشام بن عروة ، أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصبيٍّ يحنّكه. وفي قصّته أنّه بال على ثوبه.
وأمّا قصّة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأمّ سلمة ، أنّه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم ، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطّبرانيّ ، أنّه جاء وهو يحبو
، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم نائمٌ ، فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرّته فبال. فذكر الحديث بتمامه ، فظهرت التّفرقة بينهما.
قوله: (فأتبعه) بإسكان المثنّاة. أي: أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثّوب الماء يصبّه عليه. زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام " فأتبعه ولَم يغسله ".
ولابن المنذر من طريق الثّوريّ عن هشام " فصبّ عليه الماء " وللطّحاويّ من طريق زائدة الثّقفيّ عن هشام " فنضحه عليه ".
ويستفاد منه الرّفق بالأطفال ، والصّبر على ما يحدث منهم ، وعدم مؤاخذتهم لعدم تكليفهم.