الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
10 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعجبه التّيمّن في تنعّله ، وترجّله ، وطهوره ، وفي شأنِه كلِّه. (1)
قوله: (كان يعجبه التّيمّن) وفي رواية لهما " يحب التيمّن " والتّيمّن لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشّيء باليمين والتّبرّك وقصد اليمين ، قيل: لأنّه كان يحبّ الفأل الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنّة.
زاد البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة عن أشعث عن أبيه " ما استطاع " فنبّه على المحافظة على ذلك ما لَم يمنع مانع.
قوله: (في تنعّله) أي: لبس نعله. وأخرج الشيخان عن أبي هريرة ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ليكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع.
قال الْحَلِيمِي: وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أنَّ اللبسَ كرامةٌ لأنه وقاية للبدن. فلمَّا كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدىء بها في اللبس وأخرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر. قال ابن عبد البر: من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء لمخالفة السنة ،
(1) أخرجه البخاري (166، 416 ، 5065 ،5516 ، 5582) ومسلم (268) من طريق أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة به.
ولكن لا يحرم عليه لبس نعله.
وقال غيره: ينبغي له أن ينزع النعل من اليسرى ثم يبدأ باليمنى ، ويمكن أن يكون مراد ابن عبد البر ما إذا لبسهما معاً فبدأ باليسرى فإنه لا يشرع له أن ينزعهما ثم يلبسهما على الترتيب المأمور به إذ قد فات محله ، ونقل عياض وغيره الإجماع على أنَّ الأمر فيه للاستحباب والله أعلم
قوله: (وترجّله) أي: ترجيل شعره. وهو تسريحه ودهنه.
قال في المشارق: رجّل شعره إذا مشّطه بماءٍ أو دهن لِيَلِين ويرسل الثّائر ويمدّ المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة " وسواكه ". والتّيمّن في التّرجّل أن يبدأ بالجانب الأيمن وأن يفعله باليمنى.
قال ابن بطّال: التّرجيل تسريح شعر الرّأس واللحية ودهنه، وهو من النّظافة وقد ندب الشّرع إليها، وقال الله تعالى:(خذوا زينتكم عند كلّ مسجد) ، وأمّا حديث " النّهي عن التّرجّل إلَاّ غبّاً "(1) فالمراد به ترك المبالغة في التّرفّه ، وقد روى أبو أمامة بن ثعلبة رفعه: البذاذة من الإيمان. انتهى
(1) أخرجه أحمد (16793) وأبو داود (4159) والترمذي (1756) والنسائي (8/ 132) وابن حبان (5484) من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. فذكره.
قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ.
ورواه بعضهم عن الحسن مرسلاً. عند النسائي وغيره. وله شاهد كما سيذكر الشارح.
وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود.
والبذاذة - بموحّدةٍ ومعجمتين - رثاثة الهيئة، والمراد بها هنا ترك التّرفّه والتّنطّع في اللباس والتّواضع فيه مع القدرة لا بسبب جحد نعمة الله تعالى.
وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن حميد بن عبد الرحمن ، لقيتُ رجلاً صحبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين ، قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشط أحدنا كل يوم. ولأصحاب السنن وصحَّحه ابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الترجُّل إلَاّ غباً.
وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ثائر الرأس واللحية. فأشار إليه بإصلاح رأسه ولحيته. وهو مرسلٌ صحيحُ السند ، وله شاهد من حديث جابر. أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن
وأخرج النّسائيّ من طريق عبد الله بن بريدة ، أنّ رجلاً من الصّحابة يقال له عبيد ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من الإرفاه ، قال ابن بريدة: الإرفاه التّرجّل. (1)
قلت: الإرفاه - بكسر الهمزة وبفاءٍ وآخره هاء - التّنعّم والرّاحة، ومنه الرّفه بفتحتين ، وقيّده في الحديث بالكثير إشارة إلى أنّ الوسط
(1) سنن النسائي (8/ 132) ، وفي رواية له " الترجّل كل يوم ".
المعتدل منه لا يذمّ، وبذلك يُجمع بين الأخبار.
وقد أخرج أبو داود بسندٍ حسن عن أبي هريرة رفعه: من كان له شعرٌ فليكرمه. وله شاهد من حديث عائشة في " الغيلانيّات " وسنده حسن أيضاً
قوله: (وفي شأنه كلّه) كذا في رواية أبي الوقت (1) بإثبات الواو. وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، وأكثر الرّواة بغير واو.
قال الشّيخ تقيّ الدّين (2): هو عامّ مخصوص؛ لأنّ دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار، انتهى.
وتأكيد " الشّأن " بقوله " كلّه " يدلّ على التّعميم؛ لأنّ التّأكيد يرفع المجاز فيمكن أن يقال: حقيقة الشّأن ما كان فعلاً مقصوداً، وما يستحبّ فيه التّياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إمّا تروك وإمّا غير مقصودة، وهذا كلّه على تقدير إثبات الواو.
وأمّا على إسقاطها فقوله " في شأنه كلّه " متعلق بيعجبه لا بالتّيمّن. أي: يعجبه في شأنه كلّه التّيمّن في تنعّله إلخ، أي: لا يترك ذلك سفراً
(1) الشيخ الإمام الزاهد الخيِّر الصوفي شيخ الإسلام، مسند الآفاق، أبو الوقت عبد الأول ابن الشيخ المحدث المعمر أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي، ثم الهروي الماليني. مولده في سنة 458. وسمع في سنة 465 من جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي (الصحيح)، و (كتاب الدارمي) و (منتخب مسند عبد بن حميد) ببوشنج. توفي سنة 553 هـ.
السير للذهبي (20/ 303).
(2)
أي: ابن دقيق العيد.
ولا حضراً ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك.
وقال الطّيبيّ قوله " في شأنه " بدل من قوله " في تنعّله " بإعادة العامل. قال: وكأنّه ذكر التّنعّل لتعلّقه بالرّجل، والتّرجّل لتعلّقه بالرّأس، والطّهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنّه نبّه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكلّ من الكلّ.
قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله " في شأنه كلّه " على قوله " في تنعّله إلخ " وعليها شرح الطّيبيّ.
وجميع ما قدّمناه مبنيّ على ظاهر السّياق الوارد هنا، لكن بيّن البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة ، أنّ أشعث شيخه كان يحدّث به تارة مقتصراً على قوله " في شأنه كلّه " وتارة على قوله " في تنعّله إلخ ".
وزاد الإسماعيليّ من طريق غندر عن شعبة ، أنّ عائشة أيضاً كانت تجمله تارة وتبيّنه أخرى، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التّنعّل وغيره، ويؤيّده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله " في شأنه كلّه "، وكأنّ الرّواية المقتصرة على " في شأنه كلّه " من الرّواية بالمعنى.
ووقع في رواية لمسلمٍ " في طهوره ونعله " بفتح النّون وإسكان العين أي: هيئة تنعّله، وفي رواية ابن ماهان في مسلم " ونعله " بفتح العين.
وفي الحديث استحباب البداءة بشقّ الرّأس الأيمن في التّرجّل والغسل والحلق، ولا يقال: هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتّزيين، وقد ثبت الابتداء بالشّقّ الأيمن في الحلق. (1)
وفيه البداءة بالرّجل اليمنى في التّنعّل وفي إزالتها باليسرى ، وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرّجل، وبالشّقّ الأيمن في الغسل.
واستدل به. على استحباب الصّلاة عن يمين الإمام. وفي ميمنة المسجد. وفي الأكل والشّرب باليمين، وقد أورده البخاري في هذه المواضع كلّها.
قال النّوويّ: قاعدة الشّرع المستمرّة استحباب البداءة باليمين في كلّ ما كان من باب التّكريم والتّزيين، وما كان بضدّهما استحبّ فيه التّياسر. قال: وأجمع العلماء على أنّ تقديم اليمين في الوضوء سنّة من خالفها فاته الفضل وتمّ وضوءه. انتهى.
(1) أخرجه البخاري (169) ومسلم (1305) عن أنس قال: لَمَّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: احلق فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس. واللفظ لمسلم. واختصره البخاري.
قال النووي: فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق. وهو قول الجمهور خلافاً لأبي حنيفة. نقله عنه الشارح في الفتح.
ومراده بالعلماء أهل السّنّة، وإلَاّ فمذهب الشّيعة الوجوب، وغلط المرتضى منهم فنسبه للشّافعيّ، وكأنّه ظنّ أنّ ذلك لازم من قوله بوجوب التّرتيب؛ لكنّه لَم يقل بذلك في اليدين ولا في الرّجلين لأنّهما بمنزلة العضو الواحد؛ ولأنّهما جمعا في لفظ القرآن.
لكن يُشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى، مع قولهم بأنّ الماء ما دام متردّداً على العضو لا يسمّى مستعملاً، وفي استدلالهم على وجوب التّرتيب بأنّه لَم ينقل أحدٌ في صفة وضوء النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه توضّأ مُنكّساً، وكذلك لَم يَنقُل أحدٌ أنّه قدّم اليسرى على اليمنى.
ووقع في البيان للعمرانيّ والتّجريد للبندنيجيّ نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السّبعة، وهو تصحيف من الشّيعة.
وفي كلام الرّافعيّ ما يُوهم أنّ أحمد قال بوجوبه، ولا يُعرف ذلك عنه، بل قال الشّيخ الموفّق في المغني: لا نعلم في عدم الوجوب خلافاً. (1)
(1) كلام ابن قدامة رحمه الله في تقديم الشمال على اليمين في العضو الواحد. أمّا الترتيب بين الأعضاء عموماً فقد ذكر الخلاف في المسألة.
قال في المغني (1/ 100) عند شرحه لكلام الخرقي: ويأتي بالطهارة عضواً بعد عضوٍ، كما أمر الله تعالى. قال: وجملة ذلك ، أنَّ الترتيب في الوضوء على ما في الآية واجب عند أحمد ، لَم أر عنه فيه اختلافاً، وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وأبي عبيد ، وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد: أنه غير واجب. وهذا مذهب مالك والثوري وأصحاب الرأي
…
ألخ
تكميل: قال البخاري: باب التيمن في دخول المسجد وغيره. وكان ابن عمر: يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى. ثم أورد حديث الباب.
قوله: (باب التيمن) أي: البداءة باليمين. (في دخول المسجد وغيره) بالخفض عطفاً على الدخول. ويجوز أن يُعطف على المسجد. لكن الأول أفيد. وقوله (وكان ابن عمر) أي: في دخول المسجد. ولَم أره موصولاً عنه.
لكن في " المستدرك " للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس ، أنه كان يقول: من السنة إذا دخلتَ المسجد أنْ تبدأ برجلك اليمنى ، وإذا خرجتَ أنْ تبدأ برجلك اليسرى.
والصحيح أنَّ قول الصحابي: من السنة كذا. محمولٌ على الرفع ، لكن لَمَّا لَم يكن حديث أنس على شرط البخاري أشار إليه بأثر ابن عمر.
وعموم حديث عائشة يدلُّ على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضاً. ويحتمل: أن يقال في قولها " ما استطاع " احترازٌ عما لا يستطاع فيه التيمن شرعاً كدخول الخلاء والخروج من المسجد ، وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليمين كالاستنجاء والتمخط.
وعلِمَتْ عائشة رضي الله عنها حبَّه صلى الله عليه وسلم لِمَا ذكرتْ. إما بإخباره لَها بذلك. وإما بالقرائن.