المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الرابع والثلاثون - فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري - جـ ١

[عبد السلام العامر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة الكتاب

- ‌أولاً:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثاً:

- ‌رابعاً:

- ‌خامساً:

- ‌سادساً:

- ‌سابعاً:

- ‌ثامناً:

- ‌كتاب الطّهارة

- ‌باب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب دخول الخلاء والاستطابة

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌باب السواك

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث العشرون

- ‌الحديث الواحد والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌باب المسح على الخُفّين

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌بابٌ في المذي وغيره

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌باب الغسل من الجنابة

- ‌الحديث الواحد والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌باب التّيمّم

- ‌الحديث الأربعون

- ‌الحديث الواحد والأربعون

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌باب الحيض

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

الفصل: ‌الحديث الرابع والثلاثون

‌الحديث الرابع والثلاثون

34 -

عن ميمونة بنت الحارث (1) رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّها قالت: وضعتُ (2) لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءَ الجنابة ، فأكفَأَ بيمينه على يساره مرّتين أو ثلاثاً ثمّ غسل فرجه ، ثمّ ضرب يده بالأرض ، أو الحائط ، مرّتين أو ثلاثاً ثمّ تمضمض واستنشق ، وغسل وجهه وذراعيه ، ثمّ أفاض على رأسه الماء ، ثمّ غسل جسده ، ثمّ تنحّى ، فغسل رجليه. فأتيته بِخِرْقةٍ فلم يُرِدْها ، فجعل ينفض الماء بيده. (3)

(1) ابن حزن الهلاليّة، أخت أم الفضل لبابة، كان اسمها برّة، فسمَّاها النبيّ صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكانت قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى. وقيل: عند سخبرة بن أبي رهم، وقيل: عند حويطب بن عبد العزّى، وقيل: عند فروة أخيه.

وتزوّجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع لَمَّا اعتمر عمرة القضيّة. وقد ذكر الزّهريّ وقتادة ، أنها التي وهبت نفسها للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيها الآية. وقيل الواهبة غيرها. وقيل: إنهن تعدّدن، وهو الأقرب.

قال ابن سعد: كانت آخر امرأة تزوّجها - يعني ممن دخل بها. وروى ابن سعد بسند صحيح عن ميمون بن مهران: سألت صفية بنت شيبة فقالت: تزوّج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ميمونة بسَرِف ، وبنى بها في قبّة لها، وماتت بسرف، ودفنت في موضع قبّتنا، وكانت وفاة ميمونة سنة 51. الإصابة (8/ 322).

(2)

كذا فيه. والسياق الذي ارتضاه المقدسي هنا هو رواية الفضل بن موسى عن الأعمش عند البخاري (270) ، لكن فيه (وضعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً للجنابة ..) وكذا في فتح الباري. والروياتُ الأخرى في الصحيحين. إنما هو " وضعت لرسول الله غسلاً ، وفي رواية ماء. كما سيأتي. ولعلَّ المصنف رحمه الله لفّق الروايات. أو وهِم. والله أعلم.

(3)

أخرجه البخاري (246، 254 ، 256 ، 257 ، 262 ، 263 ، 270 ، 272 ، 277) ومسلم (317) من طرق عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهما به.

قال الشارح: وصرّح في رواية حفص بن غياثٍ عن الأعمش بسماع الأعمش من سالمٍ فأُمن

تدليسه. وفي الإسناد ثلاثة من التّابعين على الولاء: الأعمش وسالم وكريب ، وصحابيّان: ابن عبّاس وخالته ميمونة بنت الحارث.

ص: 296

قوله: (وضوءَ الجنابة) كذا للأكثر بالإضافة ، ولكريمة وضوءاً بالتنوين لجنابة بلام واحدة ، وللكشميهني للجنابة ، ولرفيقه وضع على البناء للمفعول لرسول الله بزيادة اللام. أي: لأجله. وضوء بالرفع والتنوين.

وللبخاري " صببت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً " بضم أوّله. أي ماء الاغتسال. كما في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عند البخاري " ماءً الغسل "

قوله: (فأكفأ) أي: قَلَبَ

قوله: (مرتين أو ثلاثاً) الشّكّ من الأعمش كما عند البخاري من رواية أبي عوانة عنه عن سالم " فغسلها مرّةً أو مرّتين قال: سليمان لا أدري، أذكر الثّالثة أم لا " ، وفاعل " أذكر " سالم بن أبي الجعد.

وفي رواية عبد الواحد وغيره عن الأعمش " فغسل يديه مرّتين أو ثلاثاً " ولابن فضيلٍ عن الأعمش " فصبّ على يديه ثلاثاً " ولَم يشكّ ، أخرجه أبو عوانة في " مستخرجه ".

فكأنّ الأعمش كان يشكّ فيه ثمّ تذكّر فجزم؛ لأنّ سماع ابن فضيلٍ

ص: 297

منه متأخّر. وغفل الكرمانيّ ، فقال: الشّكّ من ميمونة.

قوله: (ثم غسل فرجه) زاد البخاري " وما أصابه من أذى " ، وله أيضاً " فغسل مذاكيره " وهو جمع ذكرٍ على غير قياس ، وقيل: واحده مذكار ، وكأنّهم فرّقوا بين العضو وبين خلاف الأنثى. قال الأخفش: هو من الجمع الذي لا واحد له ، وقيل: واحده مذكار.

وقال ابن خروف: إنّما جمعه مع أنّه ليس في الجسد إلَاّ واحد ، بالنّظر إلى ما يتّصل به ، وأطلق على الكل اسمه ، فكأنّه جعل كل جزءٍ من المجموع كالذّكر في حكم الغسل.

قوله: (ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط) وللبخاري " ثم دلك يده بالأرض " ولمسلم " فدلكها دلكاً شديداً ".

قوله: (ثمّ غسل جسده) قال ابن بطال: حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بالترجمة (1)؛ لأن فيه " ثم غسل سائر جسده " وأما حديث الباب ففيه " ثم غسل جسده " فدخل في عمومه مواضع الوضوء. فلا يطابق قوله " ولم يعد غسل مواضع الوضوء ".

وأجاب ابن المنير: بأن قرينة الحال والعُرف من سياق الكلام يخص أعضاء الوضوء. فإن تقديم غسل أعضاء الوضوء وعرف الناس من مفهوم الجسد إذا أطلق بعده يعطي ذلك. انتهى.

(1) ترجم البخاري على حديث ميمونة بقوله (باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده. ولم يُعد غسل مواضع الوضوء مرّة أخرى)

ص: 298

ولا يخفى تكلّفه.

وأجاب ابن التين: بأنَّ مراد البخاري أن يبين أنَّ المراد بقوله في هذه الرواية " ثم غسل جسده " أي ما بقي من جسده بدليل الرواية الأخرى.

وهذا فيه نظر؛ لأن هذه القصة غير تلك القصة كما قدمنا في أوائل الغسل.

وقال الكرماني: لفظ " جسده " شامل لجميع أعضاء البدن فيُحمل عليه الحديث السابق ، أو المراد هنا بسائر جسده. أي باقيه بعد الرأس لا أعضاء الوضوء.

قلت: ومِن لازم هذا التقدير أنَّ الحديث غير مطابق للترجمة. والذي يظهر لي أنَّ البخاري حمل قوله " ثم غسل جسده " على المجاز. أي: ما بقي بعدما تقدم ذكره ، ودليل ذلك قوله بعد " فغسل رجليه " إذ لو كان قوله " غسل جسده " محمولاً على عمومه لم يحتج لغسل رجليه ثانياً؛ لأن غسلهما كان يدخل في العموم. وهذا أشبه بتصرفات البخاري ، إذ من شأنه الاعتناء بالأخفى أكثر من الأجلى.

واستنبط ابن بطال من كونه لم يعد غسل مواضع الوضوء. إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة وإجزاء الصلاة بالوضوء المجدد لِمن تبيَّن أنه كان قبل التجديد محدثاً.

والاستنباط المذكور مبنيٌ عنده على أنَّ الوضوء الواقع في غسل الجنابة سنة وأجزأ مع ذلك عن غسل تلك الأعضاء بعده. وهي

ص: 299

دعوى مردودة؛ لأن ذلك يختلف باختلاف النية. فمَن نوى غسل الجنابة وقدم أعضاء الوضوء لفضيلته ثم غسله وإلَاّ فلا يصح البناء المذكور، والله أعلم.

قوله: (ثمّ تنحّى ، فغسل رجليه) وللبخاري " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصّلاة غير رجليه " فيه التّصريح بتأخير الرّجلين في وضوء الغسل ، وهو مخالفٌ لظاهر رواية عائشة.

ويمكن الجمع بينهما ، إمّا بحمل رواية عائشة على المجاز كما تقدّم ، وإمّا بحمله على حالةٍ أخرى.

وبحسب اختلاف هاتين الحالتين. اختلف نظرُ العلماء.

القول الأول: ذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرّجلين في الغسل.

القول الثاني: عن مالكٍ إن كان المكان غير نظيفٍ ، فالمستحبّ تأخيرهما ، وإلَاّ فالتّقديم.

وعند الشّافعيّة في الأفضل قولان.

قال النّوويّ: أصحّهما وأشهرهما ومختارهما ، أنّه يكمل وضوءه ، قال: لأنّ أكثر الرّوايات عن عائشة وميمونة كذلك. انتهى.

كذا قال ، وليس في شيءٍ من الرّوايات عنهما التّصريح بذلك ، بل هي إمّا محتملة كرواية " توضّأ وضوءه للصّلاة " أو ظاهرة تأخيرهما

ص: 300

كرواية أبي معاوية المتقدّمة (1) ، وشاهدها من طريق أبي سلمة ، ويوافقها أكثر الرّوايات عن ميمونة ، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب ، وراويها مقدّم في الحفظ والفقه على جميع مَن رواه عن الأعمش.

وقول مَن قال " إنّما فعل ذلك مرّةً لبيان الجواز " متعقّبٌ: فإنّ في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدلّ على المواظبة، ولفظه " كان إذا اغتسل من الجنابة ، يبدأ فيغسل يديه ، ثمّ يفرغ بيمينه على شماله ، فيغسل فرجه " فذكر الحديث وفي آخره " ثمّ يتنحّى فيغسل رجليه ".

قال القرطبيّ: الحكمة في تأخير غسل الرّجلين ، ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء.

قوله: (فلم يُرِدْها) ضمّ أوّله وإسكان الدّال من الإرادة ، والأصل " يريدها " لكن جُزم بلم.

ومَن قالها بفتح أوّله وتشديد الدّال فقد صحّف وأفسد المعنى ، وقد حكى في المطالع ، أنّها رواية ابن السّكن قال: وهي وهمٌ.

وقد رواه الإمام أحمد عن عفّان عن أبي عوانة بهذا الإسناد ، وقال في آخره ، فقال: هكذا. وأشار بيده أن لا أريدها. وللبخاري في رواية أبي حمزة عن الأعمش " فناولته ثوباً فلم يأخذه " والله أعلم.

(1) روايته ذكرها الشارح في حديث عائشة الماضي رقم (32)

ص: 301

واستدل البخاريّ بحديث ميمونة هذا. على جواز تفريق الوضوء ، وهو قول الشّافعيّ في الجديد. واحتجّ له بأنّ الله تعالى أوجب غسل أعضائه ، فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرّقها أو نسقها. ثمّ أيّد ذلك بفعل ابن عمر (1).

وبذلك قال ابن المسيّب وعطاء وجماعة.

وقال ربيعة ومالك: من تعمّد ذلك فعليه الإعادة ، ومن نسي فلا.

وعن مالكٍ. إن قرب التّفريق بَنى ، وإن طال أعاد.

وقال قتادة والأوزاعيّ: لا يعيد إلَاّ إن جفّ.

وأجازه النّخعيّ مطلقاً في الغسل دون الوضوء.

ذكر جميع ذلك ابن المنذر ، وقال: ليس مع من جعل الجفاف حدّاً لذلك حجّة.

وقال الطّحاويّ: الجفاف ليس بحدثٍ فينقض ، كما لو جفّ جميع أعضاء الوضوء لَم تبطل الطّهارة.

واستدل به أيضاً على استحباب الإفراغ باليمين على الشّمال

(1) قال البخاري في صحيحه " باب تفريق الغسل والوضوء. ويُذكر عن ابن عمر ، أنه غسل قدميه بعد ما جفَّ وضوءه. ثم ساق البخاري حديث ميمونة.

قال الحافظ في " الفتح "(1/ 487): قوله: (ويُذكر عن ابن عمر) هذا الأثر. رويناه في " الأم " عن مالك عن نافع عنه ، لكن فيه أنه توضأ في السوق دون رجليه ، ثم رجع إلى المسجد ، فمسح على خفيه ثم صلَّى. والإسناد صحيح ، فيحتمل أنه إنما لَم يجزم به لكونه ذكره بالمعنى. قال الشافعي: لعلّه قد جفَّ وضوؤه ، لأنَّ الجفاف قد يحصل بأقلّ مما بين السوق والمسجد. انتهى

ص: 302

للمغترف من الماء ، لقوله في رواية أبي عوانة وحفصٍ وغيرهما " ثمّ أفرغ بيمينه على شماله " وعلى مشروعيّة المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة ، لقوله فيها " ثمّ تمضمض واستنشق " ، وتمسّك به الحنفيّة للقول بوجوبهما.

وتعقّب: بأنّ الفعل المجرّد لا يدلّ على الوجوب إلَاّ إذا كان بياناً لمجملٍ تعلق به الوجوب ، وليس الأمر هنا كذلك (1). قاله ابن دقيق العيد.

وعلى استحباب مسح اليد بالتّراب من الحائط أو الأرض ، لقوله في الرّوايات المذكورة " ثمّ دلك يده بالأرض أو بالحائط "

قال ابن دقيق العيد: وقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلةٍ واحدةٍ لإزالة النّجاسة والغسل من الجنابة؛ لأنّ الأصل عدم التّكرار وفيه خلاف. انتهى.

وصحّح النّوويّ وغيره ، أنّه يجزئ ، لكن لَم يتعيّن في هذا الحديث أنّ ذلك كان لإزالة النّجاسة ، بل يحتمل أن يكون للتّنظيف فلا يدلّ على الاكتفاء ، وأمّا دلك اليد بالأرض فللمبالغة فيه ، ليكون أنقى. كما قال البخاريّ.

(1) قال ابن باز رحمه الله: فيه نظرٌ. والصواب وجوبهما ، ودخول هذه المسألة تحت القاعدة المذكورة ، لأنَّ غسله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل المأمور به في قوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطّهروا).

ص: 303

وأبعد من استدل به على نجاسة المنيّ (1) ، أو على نجاسة رطوبة الفرج؛ لأنّ الغسل ليس مقصوراً على إزالة النّجاسة. وقوله في حديث الباب " وما أصابه من أذىً " ليس بظاهرٍ في النّجاسة أيضاً.

واستدل به البخاريّ أيضاً على أنّ الواجب في غسل الجنابة مرّة واحدة ، وعلى أنّ من توضّأ بنيّة الغسل ، أكمل باقي أعضاء بدنه ، لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدثٍ.

وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء.

وفيه حديثٌ ضعيفٌ أورده الرّافعيّ وغيره. ولفظه: لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنّها مراوح الشّيطان.

وقال ابن الصّلاح: لَم أجده. وتبعه النّوويّ.

وقد أخرجه ابن حبّان في " الضّعفاء " ، وابن أبي حاتم في " العلل " من حديث أبي هريرة ، ولو لَم يعارضه هذا الحديث الصّحيح لَم يكن صالحاً أن يحتجّ به.

وعلى استحباب التّستّر في الغسل ، ولو كان في البيت ، وقد عقد البخاري لكل مسألة باباً. وأخرج هذا الحديث فيه بمغايرة الطّرق ، ومدارها على الأعمش. وعند بعض الرّواة عنه ما ليس عند الآخر (2) ، وقد جمعت فوائدها في هذا الحديث.

(1) سيأتي إن شاء الله الكلام على هذه المسألة في حديث عائشة برقم (37)

(2)

وعليه فالروايات التي يذكرها الشارح دون عزو كلها عند البخاري.

ص: 304

وفي الحديث من الفوائد أيضاً.

جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء ، لقولها في رواية حفص وغيره " وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلاً " وفي رواية عبد الواحد " ما يغتسل به ".

وفيه خدمة الزّوجات لأزواجهنّ ، وفيه الصّبّ باليمين على الشّمال لغسل الفرج بها.

وفيه تقديم غسل الكفّين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف ، لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر ، فأمّا إذا كان الماء في إبريقٍ مثلاً فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء.

ولَم يقع في شيءٍ من طرق هذا الحديث التّنصيص على مسح الرّأس في هذا الوضوء ، وتمسّك به المالكيّة لقولهم: إنّ وضوء الغسل لا يمسح فيه الرّأس ، بل يُكتفى عنه بغسله.

واستدل بعضهم بقولها في رواية أبي حمزة وغيره " فناولتُه ثوباً فلم يأخذه " على كراهة التّنشيف بعد الغسل.

ولا حجّة فيه؛ لأنّها واقعة حالٍ يتطرّق إليها الاحتمال. فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمرٍ آخر لا يتعلق بكراهة التّنشيف ، بل لأمرٍ يتعلق بالخرقة ، أو لكونه كان مستعجلاً أو غير ذلك.

قال المُهلَّب: يحتمل تركه الثّوب؛ لإبقاء بركة الماء ، أو للتّواضع ، أو لشيءٍ رآه في الثّوب من حريرٍ أو وسخ.

وقد وقع عند أحمد والإسماعيليّ من رواية أبي عوانة في هذا الحديث

ص: 305

عن الأعمش قال: فذكرتُ ذلك لإبراهيم النّخعيّ ، فقال: لا بأس بالمنديل ، وإنّما ردّه مخافة أن يصير عادة.

وقال التّيميّ في شرحه: في هذا الحديث دليل على أنّه كان يتنشّف ، ولولا ذلك لَم تأته بالمنديل.

وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدلّ على أن لا كراهة في التّنشيف؛ لأنّ كلاً منهما إزالة.

وقال النّوويّ: اختلف أصحابنا فيه على خمسة أوجه.

أشهرها: أنّ المستحبّ تركه ، وقيل: مكروه ، وقيل: مباحٌ ، وقيل: مستحبّ ، وقيل: مكروه في الصّيف مباح في الشّتاء.

واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهّر ، خلافاً لمن غلا من الحنفيّة فقال بنجاسته.

تكميل: قال البخاري (باب الغسل مرة واحدة) ثم ذكر الحديث.

قال بن بطال: يستفاد ذلك من قوله " ثم أفاض على جسده " لأنه لم يقيد بعدد فيُحمل على أقلّ ما يُسمى. وهو المرة الواحدة ، لأنَّ الأصل عدم الزيادة عليها. انتهى

تكميل آخر: زاد البخاري في آخره من طريق سفيان عن الأعمش (هذه غسله من الجنابة).

قوله " هذه غسله " الإشارة إلى الأفعال المذكورة ، أو التقدير هذه صفة غسله ، وللكشميهني " هذا غسله " وهو ظاهر.

وأشار الإسماعيلي إلى أنَّ هذه الجملة الأخيرة مُدرجة من قول سالم

ص: 306

بن أبي الجعد ، وأن زائدة بن قدامة بيَّن ذلك في روايته عن الأعمش. انتهى (1)

(1) وأخرجها أيضاً الدارمي في " السنن "(774) وإسحاق بن راهوية في " مسنده "(2040) من طريق زائدة. وفيه. قال الأعمش: وقال سالم: كان غُسل النبي صلى الله عليه وسلم هذا من الجنابة.

ورواه مسلم في الصحيح (337) من طريق زائدة مختصراً. دون قول سالم.

ص: 307